الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

وظيفة المُغَنِّي والشاعر في ديوان " كتابة على شاهد " للراحل عطية حسن بقلم الشاعر أشرف البولاقى


وظيفة المُغَنِّي والشاعر



في ديوان " كتابة على شاهد " للراحل عطية حسن


بقلم الشاعر أشرف البولاقى


.......................




عن سلسلة " ذاكرة الوطن " بالهيئة العامة لقصور الثقافة صَدَر ديوان " كتابة على شاهد " للشاعر الراحل عطية حسن أحدِ جنود حرب أكتوبر المجيدة ، والذي لم يمهلْه القَدرُ أن يرى ديوانَه بعينيه ليَصدرَ الديوانُ بعد رحيله بالعنوان الذي اختاره هو بنفسه ليصبح ديوانُه شاهدا على قبره بالفعل ، وإذا كان من المهم أن نتعرف على كتابات المصريين التي عبَّرت عن مشاعرهم وأحاسيسهم -تلك التي اعتملتْ في نفوسهم ووجداناتهم قُبيل حرب أكتوبر مباشرة وأثناءها -فكيف بمشاعرِ وأحاسيسِ شاعر عاش مرارةَ الهزيمة وشارك في صنع النصر ؟

مِن هنا تأتي أهميةُ هذا الديوان الذي يُشكِّل رصدا وتسجيلا حياً للجو النفسي العام الذي عاشه المصريون قُبيل الحرب، فضلا عما سَجَّله الشاعرُ نفسه من لقطات حية ومباشرةٍ من واقع الميدان نفسه، فأكثرُ نصوص الديوان كَتَبها وهو يعدو ببندقيته خلف عَدوٍ أو وهو يستريح من حمل مدفع، أو وهو يختبئ من إحدى الغارات .

ينقسم الديوانُ إلى قسمين : الأول ( قصائد بالعامية المصرية ) ثلاثٌ منها كَتَبها سنة 1972 وأربعٌ سنة 1974 ، والقسم الأخر( قصائد بالفصحى ) كَتَبها الشاعر كلها في أكتوبر 1973 وهو في أتون المعارك وفي نشوة النصر عدا قصيدةً واحدة كتََبها في نوفمبر من نفس العام " أكتبُ اسمي " ، ومن الملاحظ أنه لم تخلُ قصيدةٌ واحدة من قصائد الديوان بقسميه من تاريخ كتابتها أو تاريخ تسجيلها عدا القصيدةَ الأولى من الديوان " أغنية للمهرج " التي خلت من أي تاريخ وإنْ كنا نرجح كتابتها ضمن ما كُتب قبيل الحرب ونرى أن خلوها من التأريخ له دلالته :

" دُقْ ناقوس الضحكة

وادلق على وشِّك فرحة مجنون

لا الليل المتكوِّم ف السكة

ح يعدِّي عليه النوم

ولا حتى الناس المَحنية

ح تلم سكوتها

ف نظرة لوم " ([1])

والمُطالِعُ للديوانِ بقسميه العامي والفصيح لابد أن يلحظَ هذا التباينَ الكبير في التجربة الشعرية والفنية بين القسمين، فبينما ارتفعتْ القصيدةُ الفصيحة وحلَّقت في سماوات المجاز والتكثيف محتفيةً بالومضة ومعتمدةً على التأويل الرحب والمتعدد كانت قصيدة العامية مباشِرةً، سهلة المعنى، معنيةً بالموسيقِي والإيقاعي والصورة الجزئية ، ولا يمكن في تصوري فهمُ هذا التباين بين القصيدتين إلا باستيعاب ورصد التجربة الشعرية المصرية زمنَ كتابة الديوان وهي فترة السبعينيات التي قفزتْ فيها قصيدةُ الفصحى قفزاتٍ نوعيةً من حيث الشكل والمضمون معاً لتدخل فضاءَ التجريب والمغامرة، ولتُطل قصيدةُ النثر بآلياتها وتجاربها الجديدة ، تلك الفترة التي شهدت ظهورَ الجماعات الشعرية الجديدة -المُسلَّحة منها وغيرُ المُسلَّحة- بينما لم تكن قصيدةُ العامية وقتَها مؤهلةً للخروج من سُباتها ومن شرنقتها القديمة، فلا أحدَ يمكن أن يُماري في أن التجديدَ والتجريب في قصيدة الفصحى سَبَق التجديدَ والتجريب في قصيدة العامية... كما يبدو هذا التباينُ الشعري والفني بين قسمي الديوان أكثرَ فهما واستيعابا إذا فرَّقنا بين وظيفتين كان الراحلُ مَعنياً بالتفريق بينهما في تجربته كلها وهُمَا وظيفة " المُغَنِّي " ووظيفة " الشاعر " بعد أن كانت الشعرية العربية تعتبرهما وظيفةً واحدة خاصة بعد خلود البيت التراثي العربي القائل :

تغنَّ بالشعر إمَّا كنتَ قائلَه إنَّ الغناءَ لهذا الشعرِ مضمارُ

فالشاعر في قصائدِ القسم الأول أراد أن يكون " مُغنيَّاً " فحسب ولم يكُ مطالبا بغير هذا في ظل تاريخ وطبيعة قصيدة العامية في تلك الفترة بل إن قَصْدَ الغنائية كان عنده غاية ولكنْ علينا أن نؤكد على أن غناءه كان غناء حزينا فيه من الأسى والشجن واللوعة أكثر ما فيه من الفرح أو الطرب ولم تكُ صدفةً أن تحمل القصيدة الأولى في الديوان اسم " أغنية .... " كما لم تكُ صدفة أن تحمل القصيدة الثانية اسم " رباعيات ......" فالرباعيات أقرب للغناء ببحرها القصير وقوافيها المتتالية ، وكان من الطبيعي ألا تخلو قصيدة من قصائد هذا القسم من الإيقاع العروضي ومن توالي القوافي ليصنع هذا الجرس الموسيقي المنتمي لوظيفة وأداء " المُغنِّي " أكثرَ من انتماءه لوظيفة " الشاعر " :

" وبنت بتقرا كتاب / وتحط الحنة ع الباب "([2])

" الفيلة تحوش / والملك المكشوش "([3])

" حرامية وعسكر / خايف أسكر "([4])

"أحلم بالساقية تزيِّن صدر الغيط / وبترسم زهرة ع الحيط "([5])

" إننا لازم نحارب / أيوه كان برضه واجب "([6])

بل إن ثلاثَ قصائدَ من قصائدِ هذا القسم كُتبت والشاعر( المُغنِّي ) في قريته يتأمل القمرَ الشحيح، ويريد أن يلضم عقود الفل تارة ، ومُحدِّثا عن أخته التي تملأ البلاص على الترعة تارة أخرى ص22 ، أو جالسا على المقهى أمام الطاولة والشطرنج " قصيدة ملاحظات ناقصة " أو يلعب " حرامية وعسكر ويرصد العيد "الزحمة والهيصة والألوان " ص27 . نحن إذن أمام أجواء وبيئات تدفع للغناء أكثر مما تدفع للشعر بمعناه المعاصر الذي ابتعد كثيرا عن المعنى القديم الذي قَصَر وظيفة الشاعر على التغني بأمجاد القبيلة .

وقد بدأ عطية حسن ديوانه سنة 1972 تلك السنة التي تعتبرُ واحدةً من السنوات القاسية التي مرت بها مصرُ قُبيل حرب أكتوبر، وهي السنة التي شهدتْ مقالات محمد حسنين هيكل في عموده الشهير " بصراحة " في الأهرام بعنوان " حالة اللاسلم واللاحرب " خاصة بعد رفض المبادرة الأولى التي تقدم بها الرئيس السادات للسلام مع إسرائيل، وهي نفس السنة التي شهدت حالة الوفاق الأمريكي /السوفيتي، كما شهدت حالة الاسترخاء العسكري في منطقة الشرق الأوسط . لكن الجو المصري العام وقتها لم يكن مُبشِّرا بالخير- في ظاهره على الأقل- حيث كانت الكآبة والضجر روحا عامة تسيطر على المصريين الأمر الذي دفع عددا كبيرا من مبدعيها ومثقفيها إلى إصدار بيانهم الشهير اعتراضا على حالة اللاسلم واللاحرب، بل واضُّطر كثيرٌ منهم إلى مغادرة البلاد بحثا عن صباح جديد خاصة بعد حديث السادات عن الضباب الذي كان يراه في الأفق . ولم يكن غريبا أن يُطلق على تلك الفترة اسم " فترة الرمادة " ورغم أن كل شيء كان يشير إلى عدم استسلام المصريين وإلى استعداداتهم لاسترداد الأرض والكرامة إلا أن الموقف برمته كان ناقصا ولا شك أن الجبهة السياسية والعسكرية كان لها حساباتُها الخاصة وقتها إلا أن الموقف الشعبي كان يرى ضرورة الإسراع ليكتمل الموقف بعودة الأمور لطبيعتها .

في هذه الأجواء من تلك السنة ينطلق عطية حسن ليعبر عن حالات اليأس والإحباط والكآبة والضجر التي كانت تتلبس المصريين الذين يريدون الثأر لكرامتهم واسترداد الأرض المحتلة، فيكتب قصيدتيه " رباعيات في محاق المدينة " و " ملاحظات ناقصة " ولعل تلك الحالات المسيطرة على الروح المصرية هي التي دفعت الذات الشاعرة لتعلن دون انتظار عما يمكن أن تحمله القصيدتان فدلالة " المحاق " ودلالة " النقصان " في عنواني القصيدتين واضح وجَلِي .

في القصيدة الأولى " رباعيات في محاق المدينة " يختار الشاعر/ المُغَنِّي شكلَ الرباعيات القصيرة والموجزة والتي تعتمد على خلاصة الحكمة وتكثيف الصورة والمعني في كلمات قليلة يختلط فيها اليأس بالأمل :

" دمي خدود المدينة

وليل المدينة صبأ

شايل جراحي الدفينة

وحجاب لحسه الصدأ "([7])

" وتكوني عطشانه ووسط جبال

تكبر ف وشِّك آه

ينده عليكي بلال

ولا تنهضي للصلاة " ([8])

حالةٌ من القنوط واليأس تسيطر عليه، بينما تنزف جراحه من طول الانتظار ولا يجد بدا أمام عجز الدافع السياسي والعسكري من استدعاء الدافع الديني والأيديولوجي فهذا ليل المدينة قد " صبأ " و " بلال " يؤذِّن مرةً إثرَ مرة والمدينةُ لا تستجيب لنداء الصلاة التي هي فرض لا يجوز تجاهله وهو هنا لا يغرق برمَّتِه في استدعاء الأيديولوجي الديني اعتقادا منه أنه هو الخلاص، لكنه يتخذه فقط مثيرا لأن إيمانه الحقيقي أن الخلاص من المأزق لن يكون إلا بالرصاصة :

" ع الترعة أختي

بتملا البلاص

دورت على بختي

لقيت خلاصي رصاص "([9])

لكن هذا اليأس ليس ممتدا ولا مسيطرا فهو واثق أن القمر سوف يكتمل ولن يستمر في المحاق ويطلب منه أن يعلِّمَه كيف يحب وكيف يصيح ، كما أنه رغم حالة اليأس تلك لا يزال قادرا على مغازلة مدينته واثقا أنها ستستجيب قريبا "

" عنيكي بحر من تفاح

وشفايفك المرسى

أزرع لك الورد كل صباح

وافرش لك الهمسة "([10])

ويظل متأرجحا بين اليأس والأمل في قصيدته الثانية " ملاحظات ناقصة " والتي يُعرِّض في مقطعها الأول بما يحدث في الحروب من إهدار دم العسكر لحماية الزعماء والملوك الذين لا يعنيهم إلا حماية عروشهم في إشارة منه لما حدث في 67 تحديدا بينما يُطِل الأمل في المقطع الثاني حيث " الحلم الذي يضم الزغرودة " و " الساقية التي تزين صدر الغيط " و :

" وبنت بتقرا كتاب

وتحط الحنة ع الباب

وبترسم زهرة ع الحيط

تحلم أختي بعقد خلاص

يحلم أخويا الأصغر

بقلامه رصاص

ورصاص

ورصاص " ([11])

واستحضار الأخت والأخ والأطفال الذين يلعب معهم – في المقطع الثالث – يكشف عن ألم الشاعر وإحساسه بالمرارة إحساسا عاما ينعكس على تأمله ومشاهداته لواقع الهزيمة فالشعور بالمرارة هنا ليس شعورا ذاتيا يستشعره الجندي أو الكبير البالغ فقط لكنه شعور طاغٍ وإحساسٌ عام حتى أن الفرحة بالعيد تبدو ناقصة رغم الزينة والزحام والبهرجة :

" ورغم العيد

والزحمة والهيصة والألوان

كنت ملاحظ

إن الشارع ضحكة طويلة

كتمها البلغم " ([12])

ثم ينتقل بعد هاتين القصيدتين إلى قصائدِ ما بعد النصر وهي أربعُ قصائدَ كَتَبها عام 74 وهي قصائد ( الطلقة – كتابة على شاهد – النقيب حسام الدين العزبي – صباح الخير ) تلك التي امتلأت بمفردات وألفاظ الحرب والمعارك وكأنها تشير إلى نقلٍ حي أو بثٍ مباشر من الميدان، ولا عجب فقصيدتان كاملتان كُتِبتا في سيناءَ " كتابة على شاهد – النقيب حسام الدين العزبي ) وتكفي إطلالة قصيرة على بعض مفردات وألفاظ تلك القصائد لنجدها من قبيل : الجندي –سلاحي – الصرخة والدم – الطلقة – نحارب- رشاشات –البندقية – مدفع –الرصاص – الميدان – القنابل - الطيران –الدانات – جهاز الإرسال – زناد – البارود - البيانات – شهيد ... و ... و ... الخ .

أما قصائد القسم الثاني ( قصائد الفصحى ) فهي أربعَ عشرةَ قصيدة من شعر النثر وكلها كُتبت في شهر واحد ( أكتوبر 1973 ) وفي تواريخَ متقاربةٍ عدا قصيدة واحدة كتبها الشاعر في نوفمبر 1973 وهي قصيدة " أكتب اسمي " ([13])

في هذا القسم من الديوان يتحول " المُغنِّي " إلى " الشاعر" ويتحول الغناءُ إلى الشعر الذي يبدو وكأنه مهمةٌ أكثرَ شقاءً ونُبلا حينما يتركُ " المُغني " الأهلَ والجيران والأحباب ليرتدي زى الجندي ليصبح وكأنه في مهمة رسمية، ومع اعتبار اللغة العربية في المعتقد الشعبي والثقافي معا هي اللغة الرسمية يتحول الشعر إلى وظيفة قاسية وعنيفة يودع خلالها الشاعر نشيدَه البسيطَ والبريء وترانيمَه الشعبيةَ واحتفاءَه بالبيئة والطبيعة ليتفرغ للذات بكل مستوياتها متكلمة أو مخاطبة أو غائبة، وليَشْرَعَ في التقاط مشاهدَ بعينِها وليصورَ فرحته بالنصر إلى ما يشبه إعادة رسم خارطة جديدة للواقع الجديد، وبدتْ أكثر قصائده القصيرة وكأنها لوحاتٌ تشكيلية، وهو ما يُفسِّرُ لنا استخدامَ الشاعر للألوان بكثرة في هذا القسم " شعر الفصحى ":

" الأحمر المذبوح([14]) / يتضاهى الأصفر([15]) / أطلقه مصبوغا ([16]) /احمراره الأسود([17]) " وليتحول الغناء الحزين إلى فلسفة عميقة يضطر فيها الشاعر للنظر في الكتاب المقدس واستدعاء نصوصه وأحد أنبياءه النبي سليمان :

" وحتى متى يا بَنِي البشر

تجعلون مجدي عارا " ([18])

وإذا كان " المُغَنِّي " في القسم الأول مهتما بمناداة القمر والليل والوقوف على الترعة ف " الشاعر " مَعْنِيٌّ أكثر بالثقافة الإنسانية وإقامة علاقات جديدة مع المنتَج الثقافي والإنساني العالمي، وهو ما يفسر هنا استدعاء الشاعر الأسباني لوركا ([19])تارة والبلغاري فايتزاروف([20]) تارة أخرى ،

ويبدو انتماء نصف قصائد هذا القسم على الأقل إلى ما أطلقوا عليه بآخرة من الوقت " شعر الومضة " فالشاعر ليس معنيا بالتفاصيل ولا الجزئيات بقدر اهتمامه بالرمز والتكثيف الشديد في صنع صورة شعرية مفارقة أو مغايرة تحتاجُ إلى جهدٍ لسبر أغوارها :

" الأحمر المذبوح

يسقط ملتهبا

بينما الصبار ينمو مرتعدا

في تفاحة آدم "([21])

.....................

" يستيقظ الحطَّابُ

بينما الصبي يحتلم

ثديان

يمشطان شعر صدري عاليا

مثل طفلة تشب فوق جذعها

تريد برتقالة " ([22])

فإذا كانت قصائد القسم الأول من شعر العامية تبدو سهلة التناول، قادرة على إبراز المعني والدلالة فإن قصائد هذا القسم من شعر الفصحى تتسم بالإغراق في المجاز والسعي نحو الصورة المركبة، ليظل المعنى قابلا لتعدد الدلالة باختلاف كل قارئ وذائقته، حيث تظل على سبيل المثال العلاقة بين الحطاب والصبي المحتلم من ناحية وبين الثديين الذين يمشطان شعر الصدر والطفلة التي تشب تريد برتقالة –أقول- تظل العلاقة بينهما عصية على الاستدعاء والاستحضار، بينما يمكن فهم الصورة والمعنى في قصيدة " وردة " باعتبار " الأحمر المذبوح " هو الدم المراق الذي يُخلِّف مرارة في الحلق ... ذلك الدم الذي اتخذه الشاعر متكأ ومحورا وقف أمامه كثيرا في قصائد هذا القسم :

" فاغرورقَ قلبُها اليابس/ بنصف قطرة دم "([23])

" ساحبا خلفه مقبرة / حالما مثل نصل دموي " ([24])

" والنهار يصعد في الدماء "([25])

" وكنت أرى في عينيك نعشي / وسيفا مغلقا بالدم "([26])

وكأن فكرة الدم بمعنى الثأر هي الهاجس المسيطر على الشاعر الجندي المقاتل .... وبالرغم من زعمنا أن قصائد هذا القسم غلب عليها التكثيف الشديد حتى بدا بعضها مرهقا في الوصول إلى المعنى والدلالة إلا أن قصيدتيه " الكفن .. إلى الشهيد عاطف علي دنيا ، وقصيدة إلى الشهيد ملازم صلاح عبد الجواد " جاءتا أقل كثيرا في الاتكاء على الصورة المركبة والتكثيف الشديد "

" وعندما جمعتُ أشلاءَه الصغيرةَ

كان يريد أن ينهض

ويحشو فمي بكلمات الوداع

إلى حبيبته "([27])

وهو نفس الشهيد الذي حمل الديوانُ عنوانَ قصيدته المهداة إليه في القسم الأول قصيدة (كتابة على شاهد) حيث يقول فيها :

" إنتَ بحماستك

وانا باتزاني

نحشي صدر البندقية

برسالة من ميرفت حبيبتك " ([28])

وهناك قصيدة أخيرة في هذا القسم خلت تماما من المجاز هي قصيدة " هناك طفل يرى "

" لن أرسم هذا اليوم بطة

ولن أكتب شيئا في كراستي

ولن أصبح قارصا

خد صديقتي

فقد جاءت الطائرات

ولمعت في البعيد القاصي

خوذة حديدية " ([29])

ورغم خلو هذه القصيدة تحديدا من المجاز إلا أنها تنتمي لعالم " الشاعر " المهتم باليومي والعابر والبسيط في مفهوم قصيدة النثر تحديدا . وأخيرا يمكن الزعم أن عطية حسن استطاع أن يعبر عن الوظيفتين : وظيفة المُغَنِّي ووظيفة الشاعر إزاء واحد من أهم الأحداث المصرية والعربية في منطقة الشرق الأوسط وهو حدث انتصار أكتوبر، مسجلا إياه من واقع التجربة الحية والمعاشة والتي تختلف بالطبع عن تسجيل الكثيرين ممن سمعوا أو قرأوا عن هذا الحدث، ليرحل تاركا لنا كتابته تلك على شاهده وكأنه كان يستشرف مستقبله حينما أهدى ديوانه " للجنود الأبطال وقودِ الحرب الذين لم يحصلوا على شيء "([30]) فهو نفسه واحد منهم لم يحصل على شيء غير تقديرنا لما كَتَب ولكن بعد رحيله ....!

أشرف البولاقي



[1] ص 17

[2] ص24

[3] ص23

[4] ص25

[5] ص25

[6] ص32 كتابة على شاهد

[7] ص21

[8] نفسه

[9] ص22

[10] نفسه

[11] ص24 ملاحظات ناقصة

[12] ص27

[13] ص59

[14] ص45 قصيدة وردة

[15] ص57 قصيدة نصف وردة

[16] ص62 قصيدة حلم

[17] ص70 قصيدة الكفن

[18] ص62

[19] ص68

[20] ص66 كتب الشاعر أنه ألماني ...؟!

[21] ص45 وردة

[22] ص51 قصيدة ورقة ليمون

[23] ص53 قصيدة عمر جديد

[24] ص55 موت

[25] السابق

[26] ص68 إلى حبيبتي

[27] ص69 الكفن

[28] ص32

[29] ص49

الإهداء ص5







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى