الجمعة، 30 أبريل 2010

مهرجان أبودقه الادبى بصعيد مصر ... وفعاليات الدورة الثامنة


مهرجان أبودقه الادبى



وفعاليات الدورة الثامنة بمحافظة قنا


..............................









المستشار أحمد ابودقه
وسعد فاروق
وبينهم الشاعر محمود مغربى










تحت رعاية المستشار أحمد أبودقة أقيمت فعاليات الدورة الثامنه لمهرجان أبودقه الادبى السنوى والذى يحيى ذكرى الشاعر الراحل جمال أبودقه ..والذى شارك فيه كوكبة من شعراء وأدباء محافظة قنا واساتذة الجامعة والمثقفين ومحبى الشعر .

قدم الفعاليات الشاعر محمود مغربى

فى حضور عادل ونجت وكيل وزارة الشباب , سعد فاروق مديرعام ثقافة قنا , والدكتور قرشى عباس دندراوى , أنس دنقل , الكاتب الصحفى عبدالحكيم القاضى, وعمدة قرية القلعة والاهالى من محبى الشعر وفنون القول المختلفة.



الشاعر أحمد الخليلى












وأنشد فى المهرجان الشعراء عزت الطيرى , محمد مغربى مكى , محمد عباس محفوظ , أشرف البولاقى , عبده الشنهورى , رفعت حفنى , أحمد تمساح , أحمد الخليلى , جمال الطاهر , النوبى عبدالراضى , سيد صدقى , عبيد عباس عبيد , حمدى حسين , شعبان البوقى , محمد خربوش , عادل صابر , دسوقى الخطارى حمدة مهدى عمارة ,, رمضان دنقل , مختار سيدهم , محمد عبدالعزيز العسال , عرفه محمد حسن , فتحى حمدالله ,
أحمد على , سيد غريب , فرج الله المطيرى , وليلى رفاعى , غنية عبدالرحمن وغيرهم.




الشاعر سيد صدقى









وقد امتد انشاد الشعراء حتى منتصف الليل فى حضور كبير من اهالى قرية القلعة والقرى المجاورة والتى مازالت على عهدها فى الاحتفاء بالشعر والشعراااااااء .



جمهور من احتفالية أبودقه الاديبة








كما وزعت على الفائزين جوائز مسابقة ( المستشار أحمد ابودقه
الادبية ) فى الشعر والقصة القصيرة والتى فاز بها أدباء وشعراء ومحافظة قنا , وتعد المسابقة والاحتفالية من اهم الظواهر الثقافية التى تقام فى قرى صعيد مصر.




نقر على الاسفلت للشاعرة التونسية : خيرة خلف الله









نقر على الاسفلت


للشاعرة التونسية :
خيرة خلف الله
............



لــــــــكأنّها ضلّت، تناست عرشها

راحت تفــــــتّش في حدائق مائي

تتوســــــــــم الشعر الجميل مطيّة

وتـــــــــــعانق الاقمار في أسمائي

إنّـــي الهوى والعشق كلّ نبوءتي

إن كان يستــــــــــهويك سرّ بقائي

مـــــــــــــــتألّه من ألف الف حضارة

للــــــــــــحبّ تزكو في رضى وبراء

متوحّد ولهـــــــــي نسيج بطولتي

هــل حدّثت " قاله "جميع نسائي

كـــــــــم فائق التّاريخ ياعصفورتي

فـــــوقي سروجي والوداد نشائي

فأعود نــــفسي إن وجدت بحرقها

وأقاســــــم القدّيس شهد دعائي

مــــــن عطر أحلامي أقمت مدينة

ســــــــــــكّانها من خيرة الشّعراء

الــقلب أشرق من شذى نفحاتها

يـــــــبري ويشفي صوتها أرجائي

هــــــــذا إذا ماكان من اسطورتي

كـــــــــيف القعود أميرتي ورجائي

قـدّست طيفك كان حلم قصيدتي

دبّـــــــــــــــجته بسماتك الحسناء

وبـــــــــــأحرف من طاعتي نفحاته

وعصيت دونـــــــك من أراد جلائي

أصبحت في عرش الكلام تميمة

تتنافس الأشعــــــــــار في الإغراء

ورضـــــــــاي حبّك مايجيش به دوا

وعطور ورد كـــــــــــم تزين خبائي

نزّهت حسنـــك من سفيه غروره

من ألسن هـــــــي من هواي براء

رصّعت تاجــــــــك بالفنون جميعها

ما أحــــــــــــــــكم الصّناّع والبلغاء
.......................




الأربعاء، 28 أبريل 2010

جائزة القصير للإبداع الأدبي الدورة الرابعة 2010م



جائزة القصير للإبداع الأدبي

الدورة الرابعة 2010م



الشاعر محمد الجارد


صرح الشاعر محمود مغربى…. المستشار الاعلامى للجائزة….



انطلاقا من النجاح الذي حققته جائزة القصير للإبداع الأدبي فى الدورات السابقة واستمراراً لمسيرتها فى العطاء الأدبي , تعن أمانة الجائزة عن بدء الترشح لدورتها الثالثة في الفروع الآتية :-



1- شعر الفصحى ( ثلاث قصائد )


2- شعر العامية ( ثلاث قصائد )


3- القصة القصيرة ( ثلاث قصص )




الشروط العامة:-




1- المسابقة مفتوحة للجنسين من أبناء إقليم جنوب الصعيد ( أسيوط – سوهاج – قنا - الأقصر – أسوان – البحر الأحمر) على أن يرسل المتسابق صورة الرقم القومي الدالة على ذلك. والمسابقة لا تتقيد بسن معينة.



2- يشترط في المتقدم للمسابقة ألا يكون فاز فى الدورة السابقة للجائزة

. وأن تكون الأعمال المرسلة للمسابقة لم تحصل على أي جائزة من قبل



3- يرسل المتسابق ثلاث نسخ من الأعمال للاشتراك في الجائزة.ولا يجوز الاشتراك في أكثر من فرع من فروع المسابقة الثلاث .



4- لا يكتب المتسابق اسمه على العمل الأدبي المرسل للمسابقة . ويرسل سيرته الذاتية في ورقة مستقلة موضحا بها ( العنوان . رقم الهاتف) مع إرسال صورة شخصية . وإقرار بأن الأعمال المرسلة لم تفز في أي مسابقة من قبل .



5- أمانة الجائزة غير مسئولة عن رد الأعمال فازت أو لم تفز .



6- تسلم الأعمال عن طريق البريد على العنوان الأتي ( البحر الأحمر - القصير– مكتب بريد القصير الرئيسي - جائزة القصير للإبداع الأدبي – ويكتب فرع المسابقة على المظروف .



7- أخر موعد لاستقبال الأعمال هو 10 يونيو 2010م . وتسلم الجوائز


في مهرجان أدبي كبير يدعى إليه الفائزون الثلاثة في كل فرع ويحضره


كبار المبدعين من داخل وخارج المحافظة بمدينة القصير بالبحر الأحمر .




آلية التحكيم والجوائز:-



1- تعهد الأعمال المشاركة إلى اثنين من المحكمين في كل فرع وكلٌ


حسب تخصصه وتعتبر قراراتهم نهائية وذلك بعد تقديمهم الأسباب التي


أدت إلى فوز هذه الإعمال.



2- الجوائز:- مقدمة من أ / محمد الجارد ولا تقبل أي تبرعات و قيمة الجوائز كل فرع :




الجائزة الأولى ( 1000 ج ألف جنيه مصري لا غير )


الجائزة الثانية ( 800 ج ثمان مائة جنية مصري لا غير)


الجائزة الثالثة ( 600ج ستمائة جنيه مصري لا غير )


الجائزة الرابعة ( 400 ج أربعمائة جنيه مصري لا غير )


العنوان:-


البحر الأحمر - القصير– مكتب بريد القصير الرئيسي - جائزة القصير للإبداع الأدبي – أ محمد الجارد

للاستفسار :- ت 0110010411 // / 0126238378////0143159175


Email: elquseiraward@yahoo.com


واضاف الشاعر محمود مغربى…. المستشار الاعلامى للجائزة واضاف بأن الجائزة هى مساهمة فعالة من المهندس محمد الجارد .. الشاعر والمثقف الذى يدرك جوهر الابداع فى صعيد مصر كذلك يدرك تأثير الابداع والثقافة فى خلق عالم افضل.



حوار مع الشّاعر التّونسيّ يوسف رزوقة...حاوره المبدع: صالح سويسي*











حوار مع الشّاعر التّونسيّ يوسف رزوقة



حاوره: صالح سويسي*
---------


يمثّل الشاعر التونسي يوسف رزوقة حالة فريدة في المشهد الشعري التونسي والعربي على حد السواء، أصدر عددا من الكتب الشعرية باللغة العربية، كما أصدر مجموعات باللغة الفرنسية، كتبت عنه دراسات كثيرة، واهتمّ عدد غير قليل من النقاد و الدارسين بشعره كحالة خاصة و مميّزة في الراهن الشعري العربي.
صدرت له خلال الأيّام القليلة الماضية، الأعمال الشعريّة الكاملة تحت عنوان "الهلال يتجه شرقا". كما صدرت له بالفرنسيّة مجموعة شعريّة في مقدّمة للنّاقدة الفرنسّية أود ريشو ديانو، تحت عنوان : " باكرا على الأرض : مدائح إلى هوراس ، أوبرا إفريقيا ".
عن هذين الإصدارين، عن أصله "القريشيّ" الّذي اكتشفه مؤخرا في "بني كلثوم" التّونسيّة، عن بداياته الأولى في الكتابة، عن لحظات الولادة، عن التّواصل مع الآخر، عن اختياره بطلا في رواية مكسيكيّة، عن "دستور الشعراء"، عن اليوغا الشّعريّة، عن دوره الوظيفيّ في حركة " شعراء العالم" بصفته أمينا عامّا لها في العالم العربيّ وعن مسائل أخرى، التقيناه وكان هذا الحوار:

* بدءا، ماذا عن محتوى هذه الأعمال الشّعريّة في جزئها الثّاني؟

- بعد صدور الجزء الأوّل من أعمالي الشعريّة سنة 2003 والّذي ضمّ من مجاميعي الشعريّة: إعلان حالة الطّوارئ، أزهار ثاني أوكسيد التّاريخ، بلاد ما بين اليدين، الذئب في العبارة ولدائن الرّوح تليها إيبيستيميّة الخروج ، تسنّى لي، هذه الأيام، عبر دار مسكيلياني للنشر والتوزيع بتونس، إصدار الجزء الثّاني وفيه جمعت دواويني الشعريّة الأخيرة: ملحمة الخاتم، تحليق فوق المتوسّط ، بعيدا عن رماد الأندلس، أزرق النّورس الضّحوك، هـايـتو، تمثال لجلالة المعنى، ما تطلبه الروح، تمكين الكائن في مكانه، رفة الجناح الخفيّ، رابسوديات شـــــاعر جــوّال، في رأب ما تصدّع بين الـرّوح وعمـــودها، 2 جلجامش1990، جحيمان في
القلب، أرض الصّفر، يـوغـانــا، الفراشة والدّيناميت..


* وماذا عن مجموعتك الشعريّة "باكرا على الأرض"؟

- صدرت هي الأخرى ، هذه الأيّام، عن دار إيماجين ذات الأبعاد/ باردو، تونس ، في 130 صفحة وتنطوي على مجموعتين شعريّتين، تحمل الأولى عنوان "هكذا تحدّث حكيم وايمار" ، غوته ، شاعر ألمانيا الأشهر وصاحب "الديوان الغربي والشرقيّ"، في حين جاءت الثانية تحت عنوان " الرقص مع الزرافة" .

وهج الجذور

* لنفتح شبابيك الذاكرة، من قريتك "زردة" تحديدا...

- في الواقع، يلذّ لي أن أتموقع جغرافيّا، كذات قلقة، بين الثّابت والمتحوّل، فالثّابت، حسب ما هو وارد في بطاقة التّعريف الوطنيّة، أنا من مواليد قصور السّاف، الكائنة بأقصى شرقي البلاد التونسية، تتوسط الساحل التونسي، على بعد 12 كلم من المهدية، عاصمة الفاطميين.
أمّا المتحوّل، فأنا ابن زردة، القرية الّتي هاجر إليها والدي، في عشرينات القرن الماضي، نتيجة قرار اتخذه إزاء إحدى عائلات المكان والّتي خذلته وهو ينوي مصاهرتها بقولها: لن نزوّج ابنتنا لمن ليس له بيت يشنق نفسه فيه لتكون وجهته من ثمّ زردة ( بضمّ الزّين وتسكين الرّاء)، بادية من بوادي الجهة، أصبحت مع الأيّام، بفضل النّموّ الدّيموغرافيّ والنّهضة العمرانيّة المتنامية قرية قائمة بمجلسها القرويّ، في معتمديّة سيدي علوان ( الّتي نشأت حول مقام وليّ صالح هو سيدي علوان لتسمّى باسمه وكان نزح إليها من الساقية الحمراء مع أتباعه أيام الغزو الإسباني، في أواخر القرن الخامس عشر، لتعزيز صفوف المرابطين والوقوف في وجه الغزاة).
لكنّ ثالثة الأثافي، كما يقال قديما، فإنّ منحدر عائلتي الأوّل هو بنو كلثوم، قرية آمنة، كائنة على ربوة، بمساكن
( المدينة الواقعة بقلب الساحل التونسي والتابعة إداريا لولاية سوسة ، هي تنتمي طوبوغرافيا إلى الساحل المنخفض ، يسودها مناخ متوسطي وتكسو منطقتها غابة زياتين شاسعة و أراض زراعية و حقول و بساتين كثيرة).
وقد زرت بني كلثوم للمرّة الأولى، قبل أشهر قليلة، رفقة شقيقي حسن القادم من هولندا لزيارتنا، لنكتشف المكان ونتفيّأ الظّلّ العائليّ العتيق للشّجرة وكانت مناسبة مؤثّرة جدّا، فاجأت الأهالي، متساكني المنطقة ومسؤوليها الّذين سارعوا باستقبالنا فأحسنوا وأوسعوا لنا في مجالسهم ليكون لنا تواشج مع وهج الجذور، مع أجدادنا الأوّلين ولنكتشف بالمناسبة، أنا وشقيقي، حسب رواية أهل القرية واللّه أعلم، أنّ أصلنا قريشيّ، على خلفيّة أن أختين هما كلثوم وربيعة، من آل قريش، قد استقرّتا منذ آلاف السّنين، متجاورتين بالمكان فكان منهما نسل قامت بفضله، من ثمّة بنو كلثوم وغير بعيد عنها، قامت بنو ربيعة.

* الولادة ولادات، أين، متى و كيف كانت ولادتك الشعرية الأولى ؟ وماذا عن سائر ولاداتك الأخرى؟

- كانت في زردة تحديدا، ذات خريف من عام 1967، عندما اكتشفت صدفة، وأنا أبلغ من العمر عشرا، أنّ شقيقا لي، يكبرني بسنوات قليلة، يكتب شعرا في حبيبته هي زميلته بالمعهد الثّانويّ، فاجأني ذلك فعلا، لأنّني لم أكن أتوقّع أنّ الشّعر في متناول البشر، مثل أخي أو غيره، بل كنت أراه شيئا استثنائيّا تأتيه فئة أخرى، لم يكن لي وقتها من سعة الخيال ما يكفي لأدرك أنّها تنتمي في الحقيقة، إلى الواقع، واقعنا البشريّ هذا.
كانت تلك المفاجأة بمثابة القادح الأوّل لي، لأكتب ما كان يعتمل في العمق منّي، من مشاعر طفل شقيّ، أرهقته المراهقة والغربة الكاسرة لتكون محاولتي الأولى " من أكون؟"، قصيدة كتبتها بلغة فولتير وشذبتها أستاذتي الفرنسيّة روز ماري جوري لتنشر في "الطموح"، مجلّة المعهد الثّانوي بقصور الساف وقد تلت هذه المحاولة الشّعريّة محاولات شتّى بالعربيّة، لعلّ أهمّها "شيء اسمه الحرمان"، قصّة قصيرة نشرتها حينها مجلّة الإذاعة والتّلفزة التّونسيّة، برسم للفنّان المنصف زرياط ، جعلت أستاذ اللّغة العربيّة لا يصدّق أنّني كاتبها ليأمرني بنظراته المتزأبقة من تحت نظّارتيه وبصوته الغليظ بأن أصمت، ليجهض، وأنا أستدرّ رضاه بتلعثم التّلميذ الخجول ، رغبتي الاستعراضيّة الكامنة في أن أبدو أمامه وأمام نظرائي التّلاميذ ، شيئا ذا أهمّية . كانت تلك أوّل صدمة، بالنّسبة إليّ، من مثلي الأعلى، ومع ذلك، لم يزدني إحباطه لي، على ذاك النّحو الشوفينيّ، القامع إلاّ نزفا وهروبا إلى الأمام وكان أوّل ما فعلته أن غيّرت المكان، باتّجاه سوسة، جوهرة الساحل التّونسيّ، حيث الأفق الرّحب الممتدّ من البحر إلى الحبر، إلى مئات القصائد الّتي ولدت هناك، عند كورنيش بوجعفر، رفقة من عرفت من رفاق الطّريق : الحبيب جغام، محمّد مرجان، رضا بورخيص، محسن المهذّبي، المختار الكوني، عائشة ملكة الجمال الّتي رحلت بعد سنين وآخرين...
كنّا نلتقي في مقهى "الاتّحاد" أو غيره ونكتب أشياء سرعان ما نرسلها إلى المجلاّت أو الصحف التّونسية والعربيّة ليصار لاحقا إلى نشرها، على نحو يشبع غرورنا.
كنّا نعيش كلّ يوم ولادات بالجملة: شعرّية، سرديّة، نقديّة وترجمات وكان البحر يضجّ أمامنا حلما وحبّا وحرّية وحياة وسائحات جميلات، إلى حدود اجتياز الباكالوريا والارتحال إلى تونس العاصمة وهناك، كانت ولادة
" أمتاز عليك بأحزاني"، مجموعتي الشّعريّة الأولي التّي فازت لدى وزارة الثّقافة التّونسيّة بالجائزة الأولي إلى جانب الشاعر رياض المرزوقي، أستاذي في مادّ ة الأدب العربيّ الّذي فاز بالجائزة الثّانية عن كتابه " الرحلة في الأبيات"، فلم يفته ، وكنت بصدد اجتياز الامتحان الشّفاهيّ لديه، أن يهنّئني بالجائزة، على نحو لم أكن أتوقّعه، جعلني أنسى ما كان من أستاذي القديم، ذاك الّذي صرخ في وجهي : اسكت يا كلب! وأنا أطلعه ، بغبطة طفل خجول، على "شيء اسمه الحرمان".

* الذئب في العبارة، يوغانا، أسطرلاب يوسف المسافر، أزهار ثاني أوكسيد التاريخ ، بلاد ما بين اليدين والفراشة و الديناميت، هي عناوين بعض مجموعاتك الشّعريّة، ألا ترى فيها إحالات مربكة أحيانا و"خبيثة " أحيانا أخرى ؟

- بل أريد منها أن تكون كذلك : حمّالة أوجه ودلالات حافّة وإذا لم تكن كذلك، فلا بورك فيها مجرّد عناوين عاديّة في واجهة بلّوريّة، باهتة.

* أحسب أنّك تجاوزت أجيالا كاملة في مغرب العرب و مشرقهم، و أتصوّر أن هذا قد خلق أعداء كثيرين من حولك، رغم أنك تنفي وجود أيّة عداوة، ما الّذي يحصّنك ضدّ مؤامرات الوقت الرديء، إن وجدت ؟ هل تكفي الكتابة وحدها؟

- أحسّ أحيانا، عبر قرون استشعار خاصّة، أنّ لي أعداء كثيرين، ليس في العالم العربيّ فحسب بل حتّى في أوروبا ولشدّ ما يزعجني ذلك، ليس لأنّ إحساسا عدائيّا كهذا يستهدف شخصي، فهذا أمر هيّن عندي وهو لو تدري حافز لي على مزيد التّحدّي بل ما يزعجني في كلّ هذا، أن يكون "العدوّ" واحدا منّا، من النّخبة المثقّفة، أي من نفس العائلة الحاكمة باسم الكلمة.
أتساءل أحيانا: أيعقل أن يحقد شاعر مثلا، وهو النّاطق باسم الجمال والسّموّ ونحوهما، على نظيره الّذي قد يكون حقّق نجاحا ما؟ ألا يخشى في ذلك لومة مرآته الفاضحة فيبدو أمامها ضئيلا وهو المثقّف الّذي من المفروض أن يتدرّب كثيرا، أخذا وعطاء، كي يكون كبيرا أمام نفسه وإزاء الآخرين؟
شاعرة فرنسيّة لاحقتني حتّى أمريكا اللاّتينيّة كي تفضح تقنيتي في الكتابة الشّعريّة لدى قرّاء بورخس و ماركيز، على خلفيّة أنّ تقنيتي تلك في الكتابة بالإسبانيّة والّتي لاقت صدى ونجاحا أحسد عليهما، هي نفسها الّتي أتوخّاها في كتابتي بالفرنسيّة، منذ سنوات، ظنّا منها أنّها بذلك ستشوّه صورتي لدى الآخر فأعرف حجمي وأجلس دونه.
مترجم إيطاليّ في السّبعين خريفا، ناصبني العداء وتوعّدني بمقال نقديّ، لاذع، يفضح فيه ما يراه منّي خروجا عن المألوف وهتكا لشرف الجملة الشّعريّة ولسائل أن يسأل : لماذا كلّ هذا العداء؟ والجواب: لأنّ شاعرة من الأرجنتين، امتدحت ما أكتبه في لغتها وعبّرت له عن عميق إحساسها كقارئة نحوي فجنّ جنونه وهو الّذي كان يمنّي النّفس باحتلالها، خصوصا بعد أن ترجم لها إلى الإيطاليّة، كتابا.
أمّا عربيّا، فقد تعاطيت مع ردود الأفعال المنفعلة، بشيء من الخوف غير المبرّر، صمتا وصبرا. نعم، أخاف أن أخسر أصدقاء لي، مثقّفين، ينتمون إلى عائلتي الموسّعة. لذلك لا أملك إزاء إساءاتهم، إن وجدت، إلاّ أن ألوذ بما هو صمت، في انتظار أن يعودوا، ذات يوم أو ذات وعي، إلى أنفسهم وإليّ.

* يذكّرني موقفك هذا بما قاله فيك مؤخّرا الشّاعر الفلسطينيّ أحمد دحبور في مقال له بجريدة " الحياة الجديدة" حول كتابك "برنامج الوردة"، حيث قال : " هو محتفظ بخصوصياته في إيقاع باطني كأنه يضنّ بردود أفعاله على العالم ليحولها إلى قصائد أو أعمال أدبية، وإلى ذلك ، ما عرفت شخصا بصدق طويّة يوسف رزوقة، فهو لا ينطق إلا بشهادات طيّبة في حق زملائه وأصدقائه. ويصمت عندما يكون رأيه سلبيّا. "

في رأي كهذا لصديق شاعر من طينة أحمد دحبور، بعض إنصاف لي. نعم ، ذاك في رأيي أقوى الإيمان بنبل الرّسالة المشفّرة بين الأصدقاء المحتملين، عبر استدراجهم بذئبيّة خاصّة، إلى بيتك، بيت القصيد، عوض الخوض في معاداتهم، إن بشكل أو بآخر، بجريرة أنّهم ناصبوك العداء في لحظة ضعف.

أكثر من جناح

* بصفتك الرّاهنة سفيرا لحركة شعراء العالم فأمينا عامّا لها، ممثّلا للعالم العربيّ، ماذا عن دورك الوظيقيّ فيها؟

- "شعراء العالم" حركة عالميّة، مقرّها الشّيلي، تضمّ أكثر من 2500 شاعر من القارّات الخمس يلتقون حول أهداف وردت في " المانيفستو العالميّ لشعراء العالم" .
أمّا دوري فيها، فهو محاولة منّي لخدمة الشّعر العربيّ وضمان إشعاعه، على نطاق البلدان النّاطقة بالإسبانيّة (أمريكا اللاّتينيّة تحديدا) حيث تمّ إدراج زهاء 800 شاعر من 23 دولة عربيّة ضمن بوّابة الحركة بعد أن تمّ اعتماد اللّغة العربّية ، في كلّ أبوابها ، إلى جانب لغات القارات الخمس.

* يرى البعض أن حركة " شعراء العالم " فتّحت بوّابتها، وإلى جانب الشّعراء ذوي الجدارة، لأسماء أخرى لا تمت إلى الشّعر بصلة ولولا علاقتها بك، ما كانت لتجد طريقها السّالكة إلى هناك / هنا ؟ ما هو رأيك حول هذه المسألة ؟

- لهذه المسألة زاوية نظر أخرى، غير الّتي يتمّ بموجبها تقييم الحضور النّوعيّ من عدمه، عبر بوّابة افتراضية أريد لها منذ البداية أن تكون حديقة الشعراء الجامعة لكلّ الشّعراء، بقطع النّظر عن أدائهم الشّعريّ الّذي هو من مهامّ النّقّاد، إن وجدوا.
في " شعراء العالم"، نحن نعمل بدأب على لمّ شمل العائلة الشّعريّة، مترامية الأطراف، في عموم أنحاء العالم، على افتراض أنّ الشّعر في جوهره ليس مجرّد قصيدة نكتبها وفق معايير فنّية معينة ونمضي بل هو أيضا أسلوب حياة لدى البعض من يتامى الخارطة، ممّن رأوا في الكلمة ملاذا.

* أنت تكتب بأكثر من لغة، هل هي رغبة في الوصول إلى الآخر بلغته دون وساطة الترجمات و آثامها أحيانا ؟

- نعم، ارتأيت الهروب، إلى حين، إلى هناك، إلى إسبانيا وعبرها إلى بلدان أمريكا اللاّتينيّة ليكون لي فيها موطئ قدم وقلم ، فكان لي ما أردت لأتورّط بمحض رغبتي الكاسرة في ما أراه " المرحلة القائظة" بعد أن عشت المرحلة الباردة ( تجربة أوروبّا الشرقّية : روسيا وما جاورها) والمرحلة الفاترة (تجربة أوروبّا الغربيّة: فرنسا وما جاورها).
هي ليست مجرّد رغبة في الوصول إلى الآخر بل هي حقي المشروع في التّحليق مع الآخر، بأكثر من جناح لي، حتّى لا أظلّ أسيره أو بمنأى عنه وحتّى لا يشوّهني المترجم، مهما ادعى الوفاء، فيخون جوهر ما أريد أن أقول.

* ألا تخشى ضياع صوتك ؟ بصمتك؟ ألا تخشى شتاتا إبداعيا في زحمة اللغات التي تكتبك / تكتبها ؟

- بخصوص احتمال تشتّت الحالة الشّعريّة في أكثر من وسيط لغويّ فإنّ مجرّد الوعي بهذا ، يجعلني أحذر المطبّات المحتملة لأيّ انحراف غير محمود العواقب عن الطّريق الساّلكة، في مستوى مصداقيّة ما أنا بصدده : كتابة القصيدة الّتي أريد، باللّغة الّتي أريد وبالمواصفات والمعالجات الفّنية الّتي تحقّق لقصيدتي الإضافة بانزياحها وفرادة أسلوبها.
إنّ قانون اللّعبة لديّ ، مع أيّة لغة وفي أيّة قصيدة، أن ألعب ، على أن لا يجرفني هذا اللّعب الغاداميريّ الواعي إلى رداءة الأداء لكنّ عزاءنا أنّ اللّغة وحدها هي الكفيلة، باعتبارها بيت الكينونة على حدّ تعبير هيجل، بتحقيق هذا الرّهان وإعادة تشفير العالم ، بكلّ تواضع عسير، عبر قصيدة قادمة تقطع مع الأطروحات السّائدة وتقترح البدائل بجرأة من لا يروم التغرير بقارئه المتخيّل والمستهدف.

* ما حكاية الرّوائيّة المكسيكيّة الّتي جعلت منك شخصيّة أساسيّة في روايتها " إيزابيل، سيّدة البحر"؟

- كانت تلك مفاجأة كبرى لم أتوقّعها فعلا، لم أكن أتوقّع ولو افتراضا، أن تبادر روائية من المكسيك بكتابة رواية بل ثلاثية روائية عن شاعر مثلي، من المغرب العربي.( إلى جانب "إيزابيل، سيدة البحر"، كتبت روايتين أخريين في نفس السياق هما : "سيسيليا في اثنين" و"الأفق الأزرق")
لعلّ ما حفّزها على ذلك، ذلك الزّخم المتوافر لديها من نصوص ومعطيات حافّة بي وبمشروعي الشعريّ الّذي أدأب منذ سنوات على ترسيخ أسسه، في لغة لوركا، في عموم أنحاء أمريكا اللاّتينيّة ، بدليل تضمينها المكثّف وبطريقة سرديّة ذكيّة لجملة من قصائدي جعلتني ألهج بها في السّياقات الحواريّة وغير الحواريّة لروايتها.
أمّا أحداث الرّواية والّتي حصلت على نسخة منها فتدور في الفضاء المغاربي ، بين المغرب والجزائر وتونس بعد أن قدمت إليه ( أي إيزابيل ومن معها) من هناك، من وراء البحار.
ملخّص الرواية، أنّ إيزابيل أو سيّدة البحر والتّي أريد لها أن تؤيقن حضورها كرمز للحياة وللزّمن، تقرّر الرّحيل ، لكسر رتابة الإحساس بالأشياء و بالواقع المهيمن، مع قدرها الجديد، إلى نقطة ما، من العالم
( الجناح المغاربي تحديدا) ، قد تكون رأتها مضيئة إلى حدّ ما وقد تمّ تسويغ حضوري في هذه الرّواية كلمة وروحا على امتداد اثنين وعشرين فصلا تشابكت عبرها الأحداث لتفرز في النّهاية رواية الإنسان في هذه القرية الكونيّة السّاخنة.

سيرة الضمير المتكلّم

* و الرواية التي تحيك صفحاتها منذ زمن و هي التي ربما تكون سيرة الكائن الكوني يوسف رزوقة، ماذا عنها؟ و هل أتممت صفحاتها الألف؟

- لا، ليس بعد، هي تنضج بالتّدريج على نار هادئة، لم العجلة؟
بعد رواية " الأرخبيل" التي صدرت في ثمانينات القرن الماضي، اختمرت لديّ فكرة ارتكاب رواية كبيرة وجريئة بحجم الفضيحة. هذه الرواية أستهلّها بشاهدة لخورخي لويس بورخس يقول فيها:
الكاتب ليس مطالبا بالبحث عن موضوعه بل على الموضوع أن يبحث عن كاتبه .
و" ماتريوشكا "، العنوان الأوّلي لروايتي هذه: هي كما أردتها رواية الذّات العربيّة في انتصارها وفي انكسارها.
أمّا انتصارها فلا يهمّ إلاّ المؤرّخ فهو وحده كفيل بتدوينه بأحرف من نور.
وأمّا انكسارها فهو بيت القصيد: جرحنا الممتدّ من المحيط إلى الخليج. ولعلّنا ~ ونحن نصبو إلى فتح ما يبدو بعيدا ~ منذورون من حيث ندري لاستدراج البئر | إرثنا الزّاخر بالثّغرات وبالعثرات، علّنا واجدون فيه مفتاحا لخيبتنا وقد طالت...
هي سيرة الضّمير المتكلّم والمبنيّ للمجهول في آن.
سيرة شاعر يرفض أن يظلّ مجرّد طيف يثغو في جمهوريّة دوللّي وضواحيها المعولمة ويرفض أن يظلّ في منفاه: في حلّ من تاريخه القديم، في جدل بيزنطينيّ مع أجداد بلا أخطاء أو في ورطة مع نفسه وهي الوجه والقناع.
لذلك كلّه، تتداخل أكثر من رواية في هذه الرّواية ، في محاولة لإرساء رواية " الأمّ وبناتها " | في إشارة إلى " الماتريوشكا" أو الدّمى الرّوسيّة المتراكبة حسب تدرّج أحجامها |.
رواية تخفي رواية وما خفي، هو أيضا رواية.
وهذه الرّواية ترفض التّعالي على أجناسيّتها وإن نحت، وهي توهم بذلك، منحى التجريب في بعض مفاصلها.
وهي في الوقت الّذي تلغي فيه مؤلّفها، تثبّته: أنا متعالية في لغتها، متساوية في جوهرها مع قارئها، متهاوية، في غير ضعف، نحو أرض الحقيقة.
خلف هذا العمل السّرديّ، يقرفص أكثر من وجه : الرّوائيّ، الشّاعر، النّاقد، الباحث، السّياسيّ، لاعب الكرة، الصّحافيّ، الفنّان التشكيليّ، رجل المسرح، الموسيقار، راقص الباليه، المخرج الّسينمائيّ ، مهندس الدّيكور والسّينوغرافيا ونحوهما...
كلّهم ذائب في محلول الصّودا السّرديّة بتسويغ من مؤلّف شاعر بشائكيّة الشّيء وضدّه وهو القائم بالشّيء وضدّه، شؤونه شتّى وهو قليل.
بين "السّقيفة"،"الصّحن"، و"الصّندوق الأسود" تراشح تليه "هوامش" و"تغذية مرتدّة" هي "انسياب حول كتلة" النّصوص المتراكبة.
أمّا الجامع بينها جميعا ، وهي منشورة تحت شمس لا تغيب ، فهو حبل الغسيل.

* " دستور الشعراء " الّذي صغته مع نخبة من الشعراء العرب في عمّان / 2003 ، منذ صدوره إلى اليوم ، لم نسمع أي صدى له أو أي إنجاز تلاه ، هل كان مثل القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية مثلا ؟

- إزاء الخطر الداهم في شتى تمظهراته المعلنة و غير المعلنة، يهدد الكائن في جوهر وجوده : مسخا لهويته
و حطا من قيمته (إن وجدت ).
و إزاء اللغط الجائر، يستهدف الشاعر و يشكك في نبل رسالته : قولا بلا جدوى الكتابة في زمن عاصف بالروح و بالكلمات كهذا …
كان لا بد من " بيان " يقول عصره و يحقق القيمة المضافة و المعنى لشاعر الهنا و الآن …
و ما هذا " البيان " الذي أمضى على ديباجته كل من : محمد علي شمس الدين (لبنان) عز الدين المناصرة (فلسطين) رشيد يحياوي (المغرب) ضمير المتكلم وشمس الدين العوني (تونس) إلا مشغل في صميم حرائق المرحلة و متغيراتها، سيظل مفتوحا على المستقبل، يهم الجميع : نقادا و شعراء، من أجل مماحكته ومقاربته للخروج من ثمة بـ : " دستور الشعراء : نهجا ودورا و أداة " …
فمع مطلع الألفية الثالثة و في هذا الفضاء الاتصالي، المعولم، يقترح الشاعر، الآن وهنا، مشروع دستور جديد : نهجا، دورا و أداة … وهو يرنو من وراء ذلك- وأكثر من أي عصر- إلى توطين كيانه الإبداعي، المخصوص : قولا مختلفا و حضورا قويا على الخارطة، في محاولة انقلابية، واعية، بهدف التناغم- بإبداع و لا شرط غيره - مع راهن الأسئلة الكبرى و متغيرات المرحلة.
أمّا عن تجسّد هذا البيان من عدمه على أرض الواقع فذاك شيء غير قابل للتّحقّق بين عشيّة وضحاها، وهو ليس منذور لأيّة مهمّة عاجلة بل هو إرهاصة وعي تجسّدت عبر الكلمات لتعتمل في صيرورتها، في وجدان الضمير الجمعيّ، عساها تسهم يوما، بعد سنوات أو حتى بعد قرون، في تشكيل رؤية بديل وذائقة جديدة تقطعان مع إرث الهزيمة والنّكبات.

* تقول في أحد الحوارات معك " أنا غاندي الألفيّة الثّالثة، لكن عبر الكلمات.." هل من بعض ضوء ؟

- أعني اليوغا الشعرية أو يوغانا وهي سؤال الروح – وهي تمارس رياضتها عبر الكلمات العازلة للعزلة، للرياح السموم ومشتقاتها، لكل دخيل غير مرغوب فيه و لكل عنف مفروض من الداخل و / أو من الخارج.
*****
*الحوار منشور في العدد الأخير من مجلّة "عبقر" السعودية التي يرأس تحريرها الشاعر أحمد قرّان

الأحد، 25 أبريل 2010

الشاعر الكبير المصري محمود مغربي / حوار عبد الرحمن سلامة




الشاعر الكبير المصري محمود مغربي / حوار عبد الرحمن سلامة









عبد الرحمن سلامة




ولد الشاعر محمود مغربي محمد حسن فى فبراير 1962 بمحافظة قنا بجمهورية مصر العربية مصر، يكتب شعر الفصحى منذ أواخر السبعينيات ونشرت قصائده فى كثير من الدوريات الأدبية فى مصر وخارجها مثل: إبداع، الشعر، المجلة العربية، الحرس الوطنى، الشاهد، الثقافة العربية، البحرين الثقافية، الثقافة الجديدة، الرافد، المجلة الثقافية بالجامعة الأردنية। كما نشرت له صحف: الجمهورية، المساء، أخبار الأدب، الرأي العام الكويتية، الأسبوع… وغيرها، كما أذيعت قصائده فى إذاعات: البرنامج العام، الشباب والرياضة، البرنامج الثقافي، إذاعة دمشق، إذاعة القناة، إذاعة وتليفزيون جنوب الصعيد، القناة الثقافية بالتلفزيون المصري.


ويعمل مشرفاً على القسم الأدبي والثقافي بجريدتى “صوت قنا” و ” أبناء الجنوب “، ويشغل رئيس مجلس إدارة نادي الأدب والمستشار الثقافي بمحافظة قنا وعضو اتحاد كتاب مصر، وعضو الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر.

الدكتور مجدي توفيق قال عن محمود مغربي انه شاعر مجيد، قدمَّ نفسه للقراء بديوانه السابق “أغنية الولد الفوضوي” فكان تقديماً ممتازاً دل على شاعر لغته غنائية فياضة بالشعور، وقد دلت كل كلمة من كلمات عنوان ديوانه على سمةٍ من سماته، دلت كلمة “أغنية” على نوع اللغة الشعرية التي يستخدمها، وهي لغة غنائية لا تعول كثيراً على الحكي والسرد كما يعول عليهما كثير من الشعراء المعاصرين.

ودلت كلمة “الولد” على نظرة الشاعر لذاته نظرة خاصة تناسبها كلمة الولد، ولعل القارئ قد لاحظ الطريقة التي يستخدم بها الناس هذه الكلمة، وهي طريقة تتراوح بها بين معنيين متناقضين، فهم يقللون من قيمة إنسان ما حين يسمونه بولد، وهم يشيرون إلى البطل العظيم بأنه “ولد”، والذات الشاعرة في الديوان السابق تشعر بعجزها شعوراً قوياً يناسبه المعنى الأول، وتحلم بالتغيير والثورة والمجتمع الأفضل، في الوقت نفسه، حلماً يناسبه المعنى الآخر ولا يزال المعنيان حاضران।


والشاعر محمود مغربي صاحب شخصية طيبة وإنسان اجتماعي يحب التواصل مع المبدعين العرب ولديه أحلامٌ كبيرة، وحتماً سترى النور لأنه يملك قلباً أكبر وكلمة صادقة ومعبرة، وقد كان لنا معه هذا الحوار ॥


- * بداية لماذا يكتب محمود مغربي؟


- الكتابة هى الفعل الحقيقي ضد الموت .. ضد الفناء, بالكتابة أسماء عديدة رحلت ومازالت تعيش بيننا, الكتابة هى الفعل الخلاق وجدير بأن نضحي كثيراً من أجله.

* هل لديك طقوس معينة للكتابة؟


- طقوسي هي محاولة حميمة لشخبطة هذا البياض لتخرج القصيدة التي وحدها تدخل الفرح لقلبي وتحاول أن تقول للآخرين شيئا.
ودائما أرى بأن كل ما هو يحركني, يهزني بشكل تلقائي وعنيف هو دافع حقيقي للكتابة, للبناء, لذا أعتقد بأن علينا أن نفتش عما يبهرنا ويهزنا من أجل أن نعيش فى كنف الكتابة وتجلياتها الخصوصية।


* البداية كيف تراها رغم مرور السنوات والمتغيرات؟


-البدايات دائما لها روافد وقنوات مختلفة، يمكنني القول بأن بدايتي تجلت فى مشاركتي لجماعة “رباب الأدبية” عام 1980 والتي كان يشرف عليها الشاعر أمجد ريان في فترة وجوده فى محافظة قنا بصعيد مصر, وجودي واحتكاكي بكل أفراد هذه الجماعة أضاف وفتح الكثير من النوافذ الهامة, في هذا المناخ تعرفت عن قرب على إبداعات الكبار أدونيس وسعدي يوسف وعبدالمعطى حجازي والبياتى وصلاح عبدالصبور والسياب وأمل دنقل والأبنودى وغيرهم.

كل هذا أضاف لي الكثير وفتح أمامي نوافذ جديدة لأول مرة, عرفت بأن هناك شعراً مختلفاً غير ما درسناه فى المراحل الدراسية المختلفة وجعلني أدرك مبكرا تطورات القصيدة العربية عبر مسيرة أجيالها.

وهناك أيضا أشخاص أدين لهم بالفضل أذكر منهم الشاعر أمجد ريان أول مستمع حقيقي لما أكتبه ووجهني كثيرا, وهناك أيضا الروائي يوسف القعيد الذي شجعني بحماس فى أول زيارة له لصعيد مصر في عام 1980, ومن مبدعي الصعيد الرواد لنا في هذه الفترة سيد عبدالعاطي, عطية حسن, والأديب الشامل محمد نصر يس ومحمد عبده القرافي وغيرهم. كما يظل لثراء المكان عطاءات لا حدود لها من خلال الموروث الشعبي والسيرة الهلالية والمنشد الشعبي في الموالد الشعبية ذات الثراء المدهش والغني، كل هذا شكل الكثير في بداياتي.

* ما هو صدى “أغنية الولد الفوضوي” مجموعتك الشعرية الأولى؟

” -أغنية الولد الفوضوي” هو جواز مروري الحقيقي لعالم الشعر الغني والداهش والسحري. لقد صدرت المجموعة عن سلسلة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة المصرية 1998 ووجدت صدى طيبا جدا في الصحف والمجلات، فقد تمت مناقشتها في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن برنامج المقهى الثقافي, ونوقشت في أبحاث مؤتمر أدباء مصر من خلال الناقد الدكتور مجدي توفيق, كما نوقشت في دراسات موسعة في المجلات والصحف المصرية من أهمها دراسة تحت عنوان “الحداثة النقيض في شعر محمود مغربي” للأديب والناقد عبدالجواد خفاجي وكتب عنها آخرون أمثال فتحي عبدالسميع ومحمود الأزهري وغيرهم.


* كيف تأتي القصيدة للشاعر محمود مغربي؟


-والله يا صديقي لو عرفت السر لكتبت في كل يوم عشرات القصائد, الكتابة في حد ذاتها سر خصوصي, هي هبة من هبات الخالق ولا أدرك كنهها. تأتي القصيدة بغتة وتلقي بنفسها في حجري كطفل جامح أتلقفها بفرحة خصوصية وأقيم لها عرساً خصوصاً. نعم لها إرهاصات ومقدمات استشرفها وأكون المهيأ لكل هذا البهاء.
لمولد القصيدة سحر، جئت لعالمي هذا لأبحث عن السحر، والقصيدة هى الخلاص، وجئت أيضاً لأبحث عن الخلاص.


* ما قضيتك الأولى؟

-قضيتي الأولى هي دائما تنصب في الخير والعدل والحق هي كل هؤلاء.

* ماذا تعنى لك الكلمات الآتية: الشعر - الحياة – الحب؟

)الشعر) هو جوهر حياتي، بدونه أصبح فقيراً وإن امتلكت كنوز الأرض، بالشعر الحياة تحتمل, وبدونه أنا شيء هامشي, محدود, بالشعر أتصالح مع نفسي والعالم, الشعر يعنى البحث عن الجمال في كل صوره, عن الخير والعدل والجمال.
) الحياة) تعني العطاء، المشاركة، البناء.
)الحب) هو كل شيء ولولاه ما وجدت الأشياء على الأرض، ما وجد الإنسان, بالحب يحيا الإنسان، وبالحب حتما يعيش وبغيره هو الخسران المبين.


* لمن يقرأ محمود مغربي؟

- أقرا كثيراً بطرق وقنوات مختلفة مثلا عن طريق شبكة المعلومات الدولية عرفت الكثير من الأسماء الجديدة التي تشارك فى الفعل الثقافي العربي، وعن طريق الإصدارات الورقية هناك الكثير من الأسماء التي أتابعها عن قرب وأتفاعل معها أيضا. مازلت أقرأ الكثير من خلال تأملي اليومي للحياة والعالم من حولنا، أيضاً مازال للرواد حضورهم في ذاكرتي، مازلت أحن إلى أشعار أمل دنقل, نزار قباني, صلاح عبدالصبور, عبدالمعطي حجازي, بدر شاكر السياب. البياتي, الفيتوري, نازك الملائكة, محمود درويش, سميح القاسم, سعدي يوسف, محمد بنيس, محمد الماغوط, محمد شكري, الطاهر وطار، والحميم بهاء طاهر, قاسم حداد, إبراهيم الكوني, إبراهيم الفقيه, الطيب صالح، وغيرهم، ومن أبناء جيلي عشرات الأسماء منها فارس خضر, أحمد المريخي, فتحي عبدالسميع, عزيز بومهدي.


* كيف ترى تجربتك الشعرية إلى الآن؟


- تجربتي الشعرية هي محاولة مخلصة للبحث والتأمل، هي محاولة مخلصة من أجل الخير والعدل والحق، هى محاولة من أجل أن أعيش في كنف المعرفة وشقائها المحبب، تجربتي أتركها لغيري يقيمها.


* كيف ترى شبكة الإنترنت، وهل أثرت على جودة ووجود الإبداع؟


- شبكة الإنترنت هي بصدق إعجاز العصر الحديث الذي توفر لكل الناس, من خلالها أعتقد بأن الإبداع أصبح أكثر رواجا وفتحت أمامه الأبواب المغلقة وكسر الحواجز هنا وهناك يعني أن الشبكة لها فضل كبير على حركة النشر والتواصل بين الكتاب والقراء وبين الكتاب وبعضهم البعض، هي لها جهد خارق في تواصلنا مع كتابات الآخر، في كل بقاع المعمورة, إذن نحن مع شيء سحري يدهشنا ويقدم الجديد كل يوم ويظهر لنا الجديد في كل المجالات، وعلينا أن نعلم جيدا بأن فتح النوافذ والشبابيك والأبواب خير من إغلاقها, فتح النوافذ يعني الضوء والنور والهواء الصحي و و و و و و و ولنطمئن بأن الإبداع الحقيقي سوف يبقى ويصمد لأنه حقيقي أما المزيف سوف يندثر تماما, التاريخ والأيام تغربل كل شيء وتضعه في مكانه الحقيقي الذي يستحقه.


* وماذا عن المشهد الثقافي العربي؟


- المشهد الثقافي العربي يحاول أن يلحق بركب الثقافة العالمية رغم الفوارق بيننا وبينهم. إن الأديب العربي يجتهد كثيرا وها هي إرهاصات جيدة وطيبة أراها في وجود الأدب العربي على خريطة المشهد العالمي، لقد بدأ العالم والقارئ يرى الإبداع العربي عن قرب من خلال نوافذ عديدة منها شبكة الانترنت والترجمة وغيرها.

المشهد الآن داخليا يحتاج إلى التكاتف الخلاق والتعاون البهي من أجل أن يلتحم المشرق العربي بالمغرب, مازالت هناك فجوات وفوالق علينا أن نزيلها لنلتحم جميعا وليخرج الصوت قويا ومؤثرا, وعلى الدول والحكومات أن تدرك جيدا بأن المثقف العربي المبدع هو ثروة قومية يجب الحفاظ عليها لأنها بلا ثقافة حقيقية تفقد جناحا مهماً ولن تستطيع الطيران والتحليق إلى فضاء التقدم بدونه.


* ما دور الكاتب العربي حيال القضايا العربية الراهنة؟


- على الكاتب ألا يقف متفرجا بل عليه المشاركة وهناك أسماء عديدة شاركت بقوة في قضايا الأمة العربية وتبنت أفكاراً هامة، كانت لها دوراً حقيقياً وفاعلاً, وفي الوقت نفسه على الدول والحكومات العربية أن تهيئ المناخ السليم من المشاركة الحقيقية والتعددية والبعد عن وجهة النظر الأحادية, لابد من فتح النوافذ والشبابيك والأبواب لينخرط الكاتب العربي أكثر وأكثر.


* ما الصعوبات التي تقف أمام الكاتب العربي؟


- مازال الأديب في عالمنا العربي يشعر بالغربة، يحتاج إلى فضاء رحب، وإلى اهتمام أكبر ليشعر بقيمة ذاته, ذات المبدع والفنان دائماً متضخمة تحتاج إلى رعاية خاصة ليستمر العطاء, مازلنا في حاجة إلى أن يتسع هامش الحرية أكثر وأكثر وأكثر. مازال حلم العربي أن يرى كتابه وإبداعه في كل مكان ولن يحدث هذا إلا بمزيد من الحريات على كافة الأصعدة.

* هل نحن في حاجة كشعوب عربية إلى أن يكون قادتنا مثقفين ومبدعين؟

- حقيقة أتمنى أن يكون القادة على درجة كبيرة من الثقافة والإبداع لأنه ساعتها سوف يعم الرخاء كل البلدان وتتكامل الشعوب, المثقف هو دائما مهموم بالبشر في كل مكان فكيف بشعبه وأبناء بلده, القائد المثقف له رؤية تكاملية تنشد العدل والخير والجمال في كل صوره. القائد المبدع يدرك قيمة المبدع والإبداع, يدرك جوهر الأشياء ويحافظ عليها.


* كيف يرى الشاعر محمود مغربي المسابقات الشعرية التي تبث على الفضائيات؟


- المسابقات الشعرية التي تعرض على الفضائيات لا أشارك فيها حقيقة ولكن لا أرفضها هي فرصة جيدة للجمهور ليتعرف على الشعر والشعراء، ويقترب أكثر من الشعر ليخرج الشاعر من عزلته وقوقعته ليصبح نجماً ينافس نجوم السينما والمسلسلات وكرة القدم. جميل أن يتحول الشعر في جانب منه إلى الفرجة والمشاهدة إلى التنفس كل هذا صحي ودليل على أن الشعر مازال موجوداً ومؤثراً في حياة الناس.

* حصلت على عدة جوائز أدبية .. حدثنا عنها والى اى مدى ترى من وجهة نظرك أن الجوائز محفزة للأديب ومفعلة للمشهد الثقافي ؟

- فعلا حصلت على جائزة أخبار الأدب 1995، وجائزة هيئة قصور الثقافة، وكرمت من هيئات عديدة من أهمها هيئة قصور الثقافة وجامعات مصرية مثل جامعة جنوب الوادي وغيرها.

وأؤكد أن الجوائز والتكريم محفز للأديب والشاعر ويجعله يدرك قيمة ما يقدم ويشعره بأهمية نفسه ونتاجه الإبداعي والمبدع في حاجة إلى هذا حتى لا يقتله الإهمال والنكران. والجوائز والمسابقات محفز ومنشط للواقع الثقافي طالما كانت لخدمة الثقافة والمبدعين بعيدا عن الأهواء والمصالح الشخصية والبزنس وما شابه.


* ما الجديد لدى محمود مغربي؟


- الجديد عندي أعد لإصدار مجموعتي الشعرية الرابعة، وكذلك إصدار كتاب تحت عنوان “صفحات من كتاب العشق” مجموعة من الخواطر الشعرية التي وجدت لها قبولا كبيراً عند القراء يدفعني لأن أخرجها في كتاب، والجديد أيضاً انتهاء دورتي في رئاسة مجلس إدارة نادي الأدب المركزي لمحافظة قنا ومهامه الصعبة، وهذا سوف يوفر الكثير من الجهد لأعيد الكثير إلى محمود مغربي، والجديد كذلك تفاعلي بشكل حقيقي مع الأدباء والمبدعين والأدب والفنون عبر شبكة الإنترنت، وقد أنشأت لي موقعا هو :
/mahmoudmagraby.blogspot.com/
يشاهده المئات يوميا وأكثر من مدونة, بالإضافة لمشاركاتي في المنتديات الأدبية على شبكة الإنترنت وتعرفي على الجديد في كثير من بلدان العالم.




بلاغة المفارقة في “انبلاجات” أحمد المريخي بقلم: د. شعيب خلف

15711581160515831575160416051585161015821610.jpg

أحمد المريخي

بلاغة المفارقة في “انبلاجاتأحمد المريخي


بقلم: د। شعيب خلف



حين تقرأ ديوان أحمد المريخي “ضد رغبتي” تحدثك نفسك بمعاودة القراءة مرة ومرة وتشي لك بأن ما قرأته عمل سوّاه صاحبه علي نار هادئة؛ فكر عميق، ورؤية موجزة ثاقبة، وحكمة شيوخ عركوا الحياة وعركتهم، وفلسفة ظلت حائرة بين قلب الشاعر وعقل الفيلسوف ورؤى العارف، فخرجت سيلاً جارفًا من المشاعر والأحاسيس والحكم والتجليات.

الديوان يقع في ثلاث أقسام حملت عناوين “الانبلاجات – رغم ذلك – المسودة“، يضم كل قسم مجموعة من القصائد متوازية ومتناسقة فيما بينها، بما يشكل عددا من الدلالات. بينما يحمل الديوان تجربة كلية قادرة علي إقامة حوار نقدي عال، لكننا هنا سوف نتناول قصائد القسم الأول الذي حمل عنوان الانبلاجات كنموذج لـ “المفارقة” في ديوان “ضد رغبتي“. في الديوان تطالعك المفارقة بدلالتها بداية من العنوان “ضد رغبتي”، ومرورا بالإهداء الذي جاء علي هيئة نداء؛ (آلو.. يا أصدقائي الذين أحبهم كما أحبتني أمي.. آلوووووه)

والنداء هنا يحمل معني الاستغاثة التي تطلب من ينجد ويغيث، وقد جاء حاملاً للمفارقة من خلال خطاب “الغياب/ الحضور” الذي تحقق عن طريق لغة الهاتف التي تحمل أكثر من دلالة: دلالة الغياب، ودلالة الحضور، ودلالة “الجماعة/ الوحدة” فهو يخاطب الأصدقاء “الحضور في القلب والضمير” بلغة الغياب “الهاتف”، فتكمن المفارقة في البعد وعدم إجابة الخطاب بدليل “آلو” الأولي التي تحمل نفسًا قصيرًا ومساحة صوتية تناسب بداية الحوار، كما تناسب التودد والحميمية، لكن “آلووووه” الثانية تأخذ الدلالة الصوتية للمد والتكرار لحرف الواو معني الغياب وعدم الاستجابة، ويكمن “الغياب/ الحضور” في الفعل “أحب” فهو يحبهم كما أحبته أمه. ثم يأتي التصدير الذي يرتبط بالإهداء حين يصرح قائلاً: (كان يمكن لنا أن نصبح عائلة واحدة../ لكننا فكرنا في ذلك علي انفراد)

في قصائد “الانبلاجات”، وهي كما يشير الشاعر في الهامش، “حالات متوازية” تستمر معنا المفارقة حين يقول: (الابتسامة التي فرضها المصور/ علي وجهي في العام الماضي../أفسدت الصورة التي رسمها الله لي/ منذ ثلاثين عاما) هذا الإطار الفلسفي الذي نشأت فيه هذه المفارقة يوحي بالوعي العالي بالذات التي هي صورة للوعي بالعالم الذي ينطوي بدوره وفي جوهره علي تناقض تريد الذات أن تمسك بأطرافه المتناقضة، وهذا مبدئيًا لا يصدر إلا عن ذات وذهن متوقدين.

وتستمر المفارقة في باقي الحالات، فلو استعرضنا هذه الحالة الثانية والتي تظهر فيها الذات المتوقدة تحاول الخروج علي المحدود، الخروج علي قيود الزمان والمكان التي تقيد حركتها، فتظهر لنا الأنا التي انفصلت لتوها عن الـ “نحن” لتحاول أن تقيم علاقة مع الذات لكي تحقق ما تحاوله من بعد عن العزلة: (وأنا../ أعري صدري للسما..

ندت نجمة؛ قالت: لماذا تعري للسما.. - كي تدخلي،

فدخلت نجمة غير التي.. يا نجمة: لم تدخلين ؟

قالت: ولم تعري للسما جسد السنين؟! - كي تهبطي،

فهبطت نجمة غير التي.. يا نجمة: لم تهبطين؟

قالت: ليس بعد: ليس بعد: يا أيها الولد الحزين…) هنا تتحقق المفارقة الضدية التي تتصل بعنوان الديوان والتي تأتي من خلال اللعب باللغة مع التظاهر بالبراءة والسذاجة أحيانًا، فيصنع هذه السردية التي تقدم من خلال هذا التبادل الحواري براءة هذا الصانع للمفارقة والذي يحاول أن يقوم ومن خلال هذا الحوار بكسر العلاقة بين السبب والمسبب، لأن منطقية الأشياء تاهت ومن هنا تتوه الحقيقة التي هي ناتج طبيعي لهذه المنطقية؛ علي الرغم من أن الحوار بدأ من نقطة وانتهي في نقطة ومن هنا يتحقق الإحساس بالخديعة الذي يظهر لنا جليًا ونحن نحاول الاستمرار في القراءة.

(عاريًا جئتُ../ إلا من الذي به عُـلِّـقت…) ثـم: (راضعًا من خبز أمي زبدًا وإداما/ وحين انفلات الرجولة من جسد الغلام/ تبخر الزبد ففاح الإدام)

هنا يقدم تاريخًا للذات التي هي تاريخ الإنسان وتكوينه ليصل ربما من خلال هذا الأمر إلي بناء حقيقة منطقية أو واقع صلب يقف عليه ولكنه يفاجأ بأن هذا يتبخر والحقيقة وهمية وأن ما ظن أنه يمتلكه خدع به فيراه وهمًا، وهذا ما يؤكده في باقي انبلاجاته : (ورسمت شجرة/ علقت فيها الربيع../ ولما جاء الخريف استدارت/ مرت علي مرفقي وقالت: سلامًا!!) هنا تبرز المفارقة لا علي مستوي اللغة وحسب، إنما علي مستوي الموقف أيضا.

ثــم: (وفي المساء/ أوقد أحلامي../ كأرملة تتحسس أطفالها في المنام) الذات هنا عارية من غطاء المؤانسة ولذلك تحمل قدرًا كبيرًا من الخوف الذي يظهر من خلال الفعل “تتحسس”، كما أن هذه الأحلام تخلو من الميراث الأبوي بعد يتمها ومن هنا تستمر في المواجهة: (تحركت ضدي/ فقابلت ضدي/ وصرنا ضدين../ضدي !!)

هنا يلعب الشاعر علي الشيء ونقيضه، والشيء وما يعارضه، والشيء وضده، لكن هل يتحقق هذا من خلال ذات عادية طبيعية، لا أظن ذلك بل إن الأمر يجب أن يتعدي هذه الذات ويتجاوزها ولابد لصاحب المفارقة أن يقوم بهذا الأمر عن وعي، لأنه هنا يقف بها في حالة صراع بين المعلوم والمجهول، فهذه الصورة تقف بك بين الممكن والمحال ويتزامن فيها المعلوم والمجهول، وتبقي نهاياتها مفتوحة إلي ما لا نهاية من الضدية والتناقض. (ثمة شيء يؤخذ عليّ: أشعرُ أن الكون محايد/ وأنا قد انحاز إليّ)

الإنسان كذات عاجز عن معرفة الوجود معرفة متكاملة، فمعرفته محصورة في إطار ما يدركه من معرفة جزئية، والأنا وجود، والوجود مرتبط أو مرادف للحرية، لكن هل العلاقة بين الأنا والكون علاقة واضحة المعالم؟ ربما تكون الإجابة بالنفي لأن الأنا غالبًا ما تريد أن تجعل من نفسها حقيقة قائمة بذاتها، وهذا لا ينفي أن يكون الوعي بالذات وعيا بالآخرين كذلك، لكن الوعي بالذات في ظل هذه العلاقة مع الكون يدخل في حالة من الصراع الدائم والتمزق خاصة إذا كانت هذه الذات في جذب دائم مع هذا الكون، ومن هنا تأتي هذه الحالة الشعرية: (أخبرتهم أن الذي/ قد مات.. مات/ وأننا لما نزل../ نحاول الحياة)

هذه هي علاقة الشد والجذب مع الكون والحياة والذوات الآخري، وهي بدورها لا تستغني عن المفارقة التي تولد الحياة من الموت والموت من الحياة. هذا الصراع بين الذات والذوات الآخري لا يستغني عن لغة المفارقة: (ووقتًا ما/ سأحاول أن أموت/ لكنني لن أستطيع/ ربما لا أخشي الموت/ ربما أخشاه/ ووقتًا ما/ إما سيقتلني/ أو سأنساه!!) يتأجج الصراع بين الذات وبين الكون، أو إن شئت الدقة بين إدراك الذات وإدراك الكون، ومن هنا تقاوم الأنا الاستغراق في نفسها، لتخرج عليها لتقف في صراع مع الوجود ونفي الوجود الذي يصحبه دائمًا هذا التشتت والتذبذب بين الفعل وضده، كما حدث في الحالة الشعرية السابقة التي تأتي نموذجًا لهذا التذبذب، بين الحياة والموت، بين الخوف والشجاعة، بين الخشية والمواجهة، ثم المحاولة المستميتة للخروج للانتصار علي هذا التذبذب الذي يمكن أن يصل بصاحبه إلي حالة من العزلة كما توحي الحالات الشعرية المتتالية:

(؛؛ …………….! ومن يرفضه الموت/ ماذا تفعل به الحياة ؟!!

؛؛…………………! يواريه التراب وينبشُ..)

هنا قمة السخرية التي هي من أهم سمات المفارقة، حين تصل الذات إلي حالة من المأساة عندما تتجرد من حياتها مع الجماعة فلا تستطيع مواصلة التواصل وتدخل الذات في حالة من العزلة الناتجة عن حالة الرفض التي أبرزتها المفارقة بين الحياة والموت والقبول والرفض، هذه الحالة في الغالب تحاول الذات هنا أن تتمسك بها للاعتراف بالعجزعن الاستمرار في هذا الصراع الذي هو في الأساس جاء لإثبات استمرار وجود الذات مع هذا الكون والهروب من العزلة للحياة: (يريدون أن أعلل موتي !!/ …………………..،،/ وبماذا أعلل روح السمك خارج المياه إذا كان كوردة لا يذبل رحيقها أبدا؟)

ثم يعود الشاعر لينتصر علي عزلته الوهمية التي فرضها عليه إبداعيًا خطابه الفلسفي، والوحيد القادر علي الخروج بصاحبه من هذه العزلة حين يحقق لنفسه دورًا كان يصبو إليه من خلال علاقة جليلة مع المثل الأعلي، أي أن ما يقوم به الإنسان من دور في حركة المجتمع والحياة، خاصة إذا كان هذا الإنسان شاعرًا قادراً علي تقديم تجربته في ثوب مختلف، هنا يظهر دور المخلص سواء كان رسولاً أو شاعرًا: (إذن اصطفاك الله…/ تعيش مشردًا/ إلي أن يجيء وراءك المستقرون) هذا الاصطفاء لا ينال شرفه إلا المرسلون والأنبياء والمخلصون الذين وهبوا أنفسهم لإعادة صياغة الناس وتقويم ما أعوج، لكن المفارقة أيضًا تأتي علي مستوي الحدث فنراه يركز علي عدم الاستجابة وضياع تلقي الخطاب فيقول: (أصحو في الحافلة/ من حَولي .. حَولي/ والحافلة هي الحافلة)

هو وحده اليقظ، لكن الناس نيام، لا حياة لمن تنادي، فيستخدم المفارقة للسخرية من الموقف: (الأرض استوت/ لكن لطرح…/ دخان)

ويقول أيضًا بنفس التوجه وبنفس لغة المفارقة: (اكتملت أسلحتي/ بعد أن انتهت الحروب!) ويستمر في استخدامه للمفارقة سواء علي مستوي الحدث أو علي مستوي اللغة ليقدم سخرية دائمة من السكون والثبات ويقاوم إلي أقصي درجات المقاومة حتى لا تحدث الانتكاسة ويصيبه الملل فهو في حالة توجه دائم مع الذات ومع المحيط في سخرية ربما تقلل من قتامة الواقع وسوداويته وربما تزيده لكنها في الأصل لا تنسي الغرض الأساسي وهو إعادة تشكيله وصياغته : (يا أيها البردان/ آن الأوان/ فاخلع رداءك/ كي تغطي به الوطن)।


د. شعيب خلف