السبت، 9 أكتوبر 2010

في حوار حصري لأول مطبوعة مغربية "نجمة الجزيرة" خديجة بن قنة لأسرة مغربية:



ح
الاعلامية منال شوقى



في حوار حصري لأول مطبوعة مغربية

"نجمة الجزيرة" خديجة بن قنة لأسرة مغربية:

وراء الإعلام دائما سلطة المال أو سلطة السياسة

أصولي مغربية॥ ولهذه الأسباب بكيت على الهواء.. وهذه أطرف الحوادث التي حدثت معي




الاعلامية خديجة بن قنة لأسرة مغربية:

حضورها القوي على الشاشة وصوتها المتفرد وكاريزمتها المميزة وثقافتها الواسعة كانوا مفتاح دخولها إلى قلوب المشاهدين بدون استئذان لتحتل مكانة كبرى في قلوب متتبعيها..‏ لدرجة أصبحت نموذجا وقدوة للعديد من الصحافيين ومرجعا في المعاهد ومؤسسات التكوين الإعلامي.

بسيطة في تعاملاتها، متزنة في كلامها، متواضعة إلى أقصى الحدود.. عندما تطل على الشاشة تترسخ داخل ذهن مشاهديها رصانتها وجديتها وهدوؤها في خوض النقاشات الساخنة.. صنفت كواحدة من أكثر‏10‏ نساء عربيات تأثيرا في العالم العربي، ونالت جائزة "إعلامية العام عن سيدات الأعمال والقياديات في الشرق الأوسط بدبي"، ولم يزيدها ذلك إلا تواضعا وبساطة‏.. أحبها الجميع قبل الحجاب، وزاد حبهم لها بعد الحجاب، خصوصا أنها ساهمت في تغيير الصورة النمطية للمذيعات العربيات..‏

هي "نجمة الجزيرة" الأولى بدون منازع، التي رافقت القناة منذ نشأتها والتي تستطيع بثقافتها الواسعة والعالية الخوض في مختلف المواضيع بقدرة وتمكن.. هي ابنة الجزائر، بلد المليون شهيد، هناك ولدت وترعرعت وتخرجت من معهد الإعلام بجامعة الجزائر قسم الإذاعة والتلفزة، ثم التحقت بمعهد اللوفر لتكوين الصحفيين المحترفين في باريس..

بدأت العمل سنة 1986 صحفية في الإذاعة الجزائرية ثم انتقلت للعمل في التلفزيون الجزائري.. تعرضت لمحاولة اغتيال، فشدت الرحال نحو سويسرا لتعمل في إذاعة سويسرا العالمية بصفتها مقدمة (مذيعة) للأخبار ومسؤولة عن الملف الأسبوعي الذي كان يهتم بالجالية العربية في سويسرا.. عندما بدأت قناة الجزيرة القطرية بثها عام 1996عملت مقدمة للأخبار ولبرامج حوارية.. إنها خديجة بن قنة المرأة بألف رجل، التي شاركت في تغطية الكثير من الأحداث الساخنة والحروب مثل: الحرب على أفغانستان، الحرب على العراق، الحرب على لبنان، الانتفاضة الفلسطينية الثانية.. كثيرة هي البرامج التي قدمتها نجمة الجزيرة الجزائرية بل ومتنوعة بين السياسية والدينية والاجتماعية.. فمن "للنساء فقط" و"الشريعة والحياة" إلى "ماوراء الخبر" واللائحة تطول..

خديجة أم لثلاثة أبناء، قلبها الكبير وحنانها لا يقتصر فقط على أبنائها، لذلك نجدها حنونا حتى حينما يضعها القدر أمام موقف إنساني، وهنا لا أحد ينسى دموعها وهي تتابع تصريحات سيدة فلسطينية تقطن بغزة عبر الهاتف، بكت خديجة وبكت السيدة فأبكيتا كل المشاهدين، لتسارع إلى إعلان نهاية النشرة المباشرة والدموع تنهمر من عينيها.. "أسرة مغربية" استضافت الإعلامية خديجة بن قنة التي قبلت ورحبت بالضيافة، وحكت بصدر رحب وبكل عفوية وصدق وأمانة عن مختلف الأسئلة التي دارت حول شخصيتها وأسرتها وقناة الجزيرة ومحاولة اغتيالها وسر استقالة زميلاتها الخمس من القناة وعن صحة مايروج بأنها ستتقلد إحدى المسؤوليات الإعلامية والإدارية بشبكة الجزيرة..

منال شوقي

في بداية حوارنا، سنطرح سؤالا تقليديا لكنه مهم للقارئ المغربي، عرفينا بنفسك، من هي خديجة بن قنة وهل هذا اسم الشهرة أم الاسم الحقيقي؟

خديجة بن قنة هو اسمي الحقيقي, لأنني لا أؤمن بالأسماء المستعارة، أجدها تشبه الأقنعة التي نختفي وراءها أحيانا لارتكاب أفعال لا تليق بأسمائنا، ربما لهذا أجد صعوبة في التواصل عبر الفيسبوك مع الأسماء المستعارة و الصور الوهمية.

كيف كانت طفولتك؟

طفولتي كانت بسيطة، بين ثمانية من الإخوة (ثلاثة أولاد و ست بنات) و أم أميّة لم تدخل من مدارس التعليم سوى مدرسة الحياة، و أب قومي عروبي ناصري، كان يعشق جمال عبد الناصر ويعلق صوره في كل مكان من البيت. دخلت المدرسة الابتدائية في السبعينيات وكنت مع جيلي مختبر تجارب متتالية لسياسة التعريب في بلد كان فرانكوفونيا بالكامل. درست على يد أساتذة مشرقيين من مصر وسوريا وفلسطين في المراحل الأولى من تعليمي الابتدائي والإعدادي.

طفولتي كانت جميلة، عفوية وبسيطة إلى حد الإشفاق على أبنائي وعلى طفولتهم الالكترونية وسط البلاي ستيشن والكمبيوتر والعوالم الافتراضية.

سنعود بك بالذاكرة إلى الوراء وبالضبط مغادرتك الجزائر نحو سويسرا لأسباب أمنية، عندما تلقيت تهديدات من إحدى الجماعات المسلحة.. حدثينا عن ذلك؟

سؤالك يعيدني إلى ذكريات قديمة لا أحب أن أتذكرها، كانت مرحلة عصيبة من حياتي وقد انتهت والحمد لله بسلام. أحاول دائما أن أنظر إلى الأمور نظرة إيجابية، و أقول القول المأثور: "رُبّ ضارة نافعة"، فلو لا تلك الأزمة ما كان ليخطر ببالي أبدا أن أهاجر.. والهجرة والغربة علّماني الكثير وحفزاني على السعي وراء النجاح خارج الأطر المحلية الضيقة. لكنني لا أخفيك أنني بدأت الآن أشعر بثقل الغربة والبعد عمن نحبهم, فقد بلغ والدي من العمر عتيا وأصبحت أشعر بعقدة الذنب تجاههما، كوني لا أستغل بما يكفي السنين المتبقية من أعمارهما والجلوس بجانبهما واستغلال كل دقيقة وثانية معهما.

حصلت على بكالوريوس في الإعلام الإذاعي والتلفزيوني من جامعة الجزائر عام 1988، وشهادة تكوين من مركز «CFJ» لتكوين وتدريب الصحافيين في اللوفر بباريس عام 1989، وشهادة تكوين من مركز «CIRNEA» للإنتاج التلفزيوني في باريس عام 1993. حدثينا عن مسيرتك المهنة قبل التحاقك بقناة الجزيرة الإخبارية؟

قبل الجزيرة، عملت بالإذاعة السويسرية في بيرن، وقبلها كنت بالتلفزيون الجزائري، والحقيقية أنني قدمت إلى التلفزيون من الإذاعة لا أفقه شيئا في أبجديات العمل التلفزيوني، وشيئا فشيئا تعلمت كيف أجلس أمام الكاميرا وكيف أحاور الضيوف، وأيامها كان التلفزيون الجزائري يعيش مرحلة غير مسبوقة في تاريخه من الانتعاش والحرية، وكان مستوى الضيوف عاليا، و الحوار أيضا مع شخصيات مهمة مثل الزعيم الإفريقي نلسون مانديللا والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات..، وعلى الصعيد الداخلي كان رؤساء وزعماء أحزاب المعارضة يتحدثون بمطلق الحرية عن برامجهم و ينتقدون السلطة بجرأة غير معهودة، لكن للأسف كل ذلك أصبح من التاريخ!!!

وماذا عن الجزيرة الإخبارية كيف جاء التحاقكم بها؟

الالتحاق بالجزيرة جاء في فترة عاودني فيها الحنين إلى التلفزيون، وكنت حينها أعمل بالإذاعة السويسرية، وجاء هذا المشروع واعدا من بدايته فتشجعت للالتحاق به. والحقيقة أنني لم أندم لحظة على خيار الالتحاق بالجزيرة رغم أن وضعي بالإذاعة السويسرية كان ممتازا.

الجزيرة مؤسسة إعلامية لها هويتها، إلى أي حد يتمتع المذيع بحريته الإعلامية داخل هذه المؤسسة؟ أم أن حريته تتلاشى أمام رؤية وأهداف المؤسسة؟

يتمتع المذيع في الجزيرة بنفس القدر من الحرية الذي يتمتع به باقي الموظفين من صحافيين ومنتجين ومحررين، فهو جزء من مجموعة كبيرة من الموظفين تسهر على إخراج ما نشاهده على الشاشة، وأعترف بأنني كمذيعة، وإن كان لا يروقني أحيانا تناول بعض المواضيع بمنهجية تقليدية ينقصها الإبداع والابتكار، إلا أنني أشهد بصدق وأمانة أنه لم يحدث أبدا أن طلب مني مسؤول من المسؤولين أن أنحاز أو لا أنحاز لهذا الطرف أو ذاك، أو أن أسأل سؤالا أنا لست مقتنعة به، أو أن أكون حادة مع ضيف ومتساهلة مع آخر، الفصل في هذه الأمور يعود أولا و أخيرا إلى الالتزام بقواعد المهنة، لأن المهنية هي التي تحمينا.

يشاع بأن الجزيرة الإخبارية لها أجندة سياسية، وأن خطها التحريري هو لخدمة هذا الهدف؟ إلى أي حد تتفقين مع هذا الرأي؟

ليس عيبا أن يكون لأي قناة أجندة سياسية، لكن لا يجب أن تطغى هذه الأجندة على مهنية القناة، وهل يعقل أن تصرف دولة أو جهة أو حزب مليارات الدولارات على مشروع إعلامي ولا تستفيد منه؟ حتى بأمريكا لا توجد هذه المثالية.. لننظر إلى الأمور بواقعية، وسنجد أن الأمر طبيعي عندما لا يصل حد المساس بمهنية القناة. ها هي "الحرة" تمولها أمريكا و"روسيا اليوم" تمولها الحكومة الروسية و"البي بي سي" تمولها الخارجية البريطانية والكل يخدم بشكل أو بآخر الجهة الممولة، لكن بدرجات متفاوتة طبعا إذ تبقى "البي بي سي" الأكثر التزاما بالحياد والموضوعية.. في النهاية وراء الإعلام دائما سلطة المال أو سلطة السياسة.

قبل أشهر قليلة عرفت القناة تحولات جوهرية، نتيجة الاستقالات الجماعية لعدد من المذيعات بسبب المظهر "اللباس"، وقيل حينها أنك من بين اللواتي هددن أيضا بالاستقالة؟ ما مدى صحة هذا الخبر؟ وما الذي حدث بالضبط، هل الإشكالية كانت فقط إشكالية المظهر أم أنها كانت الواجهة لإشكاليات أعمق؟

الحقيقة أنني لا أجدد مبررا لهذا السؤال طالما أن مذيعات الجزيرة كلهن محتشمات بلا استثناء، بل إنهن الأكثر احتشاما في الوسط الإعلامي التلفزيوني العربي، والواقع أنني لا أحبذ التوغل في هذا الموضوع لأنني لا أملك صلاحية الحديث نيابة عن زميلاتي اللائي تربطني بهن علاقة صداقة ومحبة واحترام.

منذ فترة كثر الحديث عن خديجة لإدارة إحدى المؤسسات الإعلامية، هل هذا صحيح؟

يفاجئني هذا السؤال في كل المقابلات التي تجرى معي، والحقيقة أنني أستغربه تماما لأنني فاشلة تماما في فن الإدارة.. إن إدارة مؤسسة إعلامية مسألة في غاية التعقيد برأيي، إذ لا يكفي أن تفهم في السياسة والإعلام لتدير محطة تلفزيونية بل عليك أن تكون عبقريا في فن الادارة، وأن تستطيع تحقيق توازنات معينة في العلاقة مع السلطة الحاكمة سواء كانت القناة محلية وطنية أو دولية.. لهذا أعتقد دوما أنه من السهل على الصحافي أو الإعلامي أن يتحول إلى سياسي ناجح، لكن ليس بالضرورة إلى إداري أو مدير ناجح.. الإدارة لها أصولها.

لو طلب منك إدارة شبكة الجزيرة أو تولي أحد المناصب الإدارية، فماذا سيكون جوابك؟

للمناصب الإدارية أقول فورا "لا"، وقد رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، وأنا أدرك تماما أنني لا أصلح لغير ما أقوم به، ولدي أفكار كثيرة في مجال عملي ما زالت حبيسة رأسي تنتظر الإفراج يوما ما. إن المشهد الإعلامي التلفزيوني والإخباري على وجه التحديد يشهد نمطية قاتلة حصرته في دائرة الفعل المرتبط بالسياسة وبالقتال والحروب، مع أن الحياة من حولنا أوسع و أرحب من ذلك بكثير.

بعض البرامج تقلصت جاذبيتها وجدواها، هل هناك إحساس بهذا الموضوع، وهل تم التفكير في إعادة النظر في البرامج؟ وهل تساهم أسرة "الجزيرة" في تقييم هذه البرامج، واقتراح البديل؟

ربما كان معك حق في مسالة تجديد بعض البرامج لكن لا تنسي أن البرامج القديمة ما زالت نسبة مشاهدتها عالية وهذا الكلام يستند إلى دراسة أعدتها مؤسسة عالمية متخصصة في سبر الآراء.

لكن التجديد سُنة الحياة وأنا معك في أن بعض المواضيع والمناطق ما زالت لم تأخذ حقها من التغطية بالشكل المطلوب رغم الجهد المبذول في هذا الاتجاه مثل منطقة المغرب العربي التي يقترب عدد مشاهديها مجتمعة من مجموع مشاهدي الشرق الأوسط و الخليج العربي.

خديجة بن قنة صحافية جزائرية، كيف يتم التعايش بين مختلف الجنسيات داخل الشبكة التي تضم عدة جنسيات؟ هل هو نعمة أم نقمة على الشبكة؟

التعايش بين مختلف الجنسيات يتم على أساس الاحترام و المحبة، نتعاون كثيرا في مجال العمل وننسى تماما أننا ننتمي إلى جنسيات وبلدان وأديان وطوائف مختلفة، ربما على مستوى اللهجات يحز في أنفسنا قليلا نحن المغاربيين أننا نبذل جهدا أكبر في تعلم اللهجات المشرقية إلى حد الإتقان، فيما لا يبذل زملاؤنا المشارقة نفس الجهد من أجل فهمنا وهذا أدى إلى سيادة بعض اللهجات المشهورة مثل اللهجة المصرية واللبنانية والفلسطينية واندثار اللهجات المغاربية. لكن هذه ليست مشكلة، هي ملاحظة عابرة فقط قد تؤدي بنا إلى التفكير يوما في الاحتكام إلى اللغة العربية في تعاملنا وحديثنا إلى بعضنا البعض رغم أن المشهد حينها سيبدو فكاهيا وقريبا إلى المسلسلات المكسيكية المدبلجة..

أما التعايش مع الآخر في القناة الانجليزية، أقصد الزملاء الغربيين في البناية المجاورة فقد كان مفيدا ومثريا لنا ولهم، وإحدى الصور الجميلة لهذا التعايش أننا نتناول إفطار رمضان مع بعضنا البعض بمطعم القناة، ونحن على طاولة الأكل يسألون كثيرا عن رمضان والحكمة من الصوم وعن الإسلام.. أعتقد أنها فرصة جميلة للتعريف بالإسلام وبجماله وتسامحه وانفتاحه على الآخر.. وعلى صعيد الأكل الشرقي والعربي أصبحوا يحفظون أسماء الأكلات العربية من الكوسة المحشية إلى التبولة والكسكسي والطجين وغير ذلك. هذا شكل من أشكال التعايش، أليس كذلك!!

نستهل جزءنا الثاني من الحوار بحجاب خديجة بن قنة، من الأمور التي لقيت اهتماما غير مسبوق.. كيف تعاملت مع الحملة التي رافقت حجابك؟

الحجاب هو مسألة شخصية تدخل في إطار علاقة الإنسان بخالقه، وفي إطار القناعات الشخصية لكل إنسان، فأنا لا أعطي نفسي حق التنظير أو انتقاد الآخرين، وأحتفظ في نفس الوقت بحقي ممارسة حريتي الشخصية في أن ألبس ما أريد، لهذا استغربت كثيرا من الحملة الإعلامية التي شنتها بعض وسائل الاعلام على حجابي، ورفضت أن أدخل في سجال عقيم على صفحات الجرائد و المجلات، بل إنني رفضت إجراء أي مقابلة صحفية مع أي جريدة ومجلة إلا بعد ثلاث سنوات، بعد أن هدأت الحملة، وكان أول ظهور لي حينها في برنامج، لكن قبل ذلك كانت مجلة فوربسFORBES الأمريكية المتخصصة في تصنيف المشاهير على قناة أل بي سي LBC في برنامج الحدث الذي تناول ظاهرة الحجاب بالتحليل.

تصنيف "فوربس" لك كواحدة من عشر نساء الأكثر تأثيرا في العالم العربي قبل سنوات قليلة هل شعرت بأنا أنصفك أو آزرك في وجه الحملة التي تعرضت لها؟

نعم بالتأكيد، خصوصا أن تصنيف مجلة FORBES جاء مرتبطا أيضا بموضوع الحجاب، فقد كان تحت عنوان: "عرّابة الزي الإسلامي في الوسط الإعلامي العربي".. والحمد لله أن الأمور تيسرت كثيرا بالنسبة للإعلاميات المحجبات للعمل في الفضائيات ومختلف وسائل الإعلام.

متى برأيك يتحول الإعلامي إلى نجم جماهيري يتتبع الناس أخباره؟

لنتفق أولا على مفهوم النجومية.. النجم برأيي هو كل إنسان يتكرر ظهوره على الشاشة ويتعود عليه الناس فيصبح وجها مألوفا لديهم، ولو ظهر حارس العمارة أو الفراش أو سائق الطاكسي يوميا على الشاشة لأصبح نجما، وبالتالي النجم قد يكون رئيس الدولة أو الفنان أو السائق أو الصحافي أو الطباخ. فالنجومية لا تقاس برأيي بمستوى ما نقدم من أعمال وإنما بتكرار الظهور وتعود الجمهور علينا. فنحن كما تعلمين، لا نخترع الذرة وكل ما نفعله هو أداء المهام الموكلة إلينا في مقابل أجور نتقاضاها نهاية الشهر مثلنا مثل أي موظف عادي، مع إيماننا طبعا بنبل الرسالة التي نحملها والتي نقدمها لمجتمعاتنا من أجل تغييرها نحو الاحسن والأفضل.

وهل هذه الأجور التي تتقاضونها تتناسب مع مستوى نجوميتكم؟

نعم بالتأكيد، لأن أجور النجوم تختلف عن مستوى أجور باقي الموظفين، لا ننسى هنا أن عبء النجومية يتطلب مصاريف إضافية لصيانة الصورة والمظهر والمركز الاجتماعي لأنها تصبح ملكا للقناة وتعكس الى حد بعيد صورة ومكانة القناة وليست أبدا من قبيل الرفاهية أو الكماليات.

حدثينا عن تلك اللحظة التي ترسخت في ذهنك وذهن المشاهد عندما غلبتك مشاعرك وبكيت وأنت تلقين نشرة أخبار مشهد تأثرك أثناء تغطية أحداث غزة باستغاثة ميساء الخطيب؟

أعترف أولا بأن ما حدث معي يخرج عن إطار المهنية بالمفهوم الأكاديمي النظري، لكنه في نفس الوقت لا يخرج عن حدود اللياقة الإنسانية التي يفرضها موقف مثل هذا.

صحيح أننا نتعلم في معاهد الإعلام أن تأثر المذيع بمشهد ما أو صورة ما وتفاعله معها أو انسياقه وراء مشاعره يفقده المصداقية المطلوبة للحفاظ على حياده، لكننا في النهاية بشر ولسنا آلات مبرمجة أو روبوتات تتحرك بمجرد الضغط على زر من الأزرار.. أنا بكيت على الهواء لأنني لم أتحمل صرخات تلك السيدة الفلسطينية وهي تستغيث أمة ميتة والطيران الإسرائيلي يقصف بيتها على الهواء، كان موقفا صعبا لم أتمالك فيه نفسي.

وهل تعرفين أن نسبة مشاهدة هذه الصورة ضربت رقما قياسيا على اليوتيوب؟

نعم، لقد تفاجأت بنسبة المشاهدة العالية لهذه المقابلة على اليوتيوب، تعليقات المشاهدين أعطتني الإحساس بأن نظرية الاعلام الموضوعي المحايد تحتاج الى مراجعة، فالحياد في قضايا الأمة وفي قضايانا المصيرية يأتي بنتائج عكسية.

وكيف السبيل إذن إلى ولوج عقل وقلب المشاهد معا؟

"أقنعني"، هذه هي الكلمة التي أشعر بأن المشاهد يرددها أمام المذيع وهو يشاهده على الهواء.

والإقناع برأيي لا يأتي بالصراخ ورفع الصوت وخوض معارك لغوية وأدبية وخطابية على الهواء، إنما يأتي بالحوار الهادىء والمعلومة الدقيقة وبالبرهان والدليل الذي يسند الطروحات المقدمة.

هل حدثت معك مواقف محرجة أو مزعجة على الهواء؟

طبعا.. ومثيرة أحيانا. أحد الوزراء العرب رفض أن يطلع على الهواء دقائق قبل بداية البرنامج عندما علم في اللحظة الأخيرة أن من سيحاوره مذيعة محجبة، وفي إحدى المرات قطع الضيف المقابلة "مترجمة" في نشرة الأخبار ليرد على زوجته على الهاتف الأرضي وهو على الهواء، وفي إحدى المرات عاتب العقيد الليبي معمر القذافي إدارة القناة على الهواء في مقابلة أجراها معه محمد كريشان على أنها تشغّل خديجة بن قنة بلا رحمة إذ كلما فتحت شاشة الجزيرة كما قال أجدها تذيع على الهواء.

موقف جميل حدث معي في مقابلة أجريتها مع السيدة كارلا بروني ساركوزي حيث إنها أصيبت بنوبة من الضحك وهي تتذكر ما سمته بالحماقات والشقاوة التي مارستها في حياتها عندما كانت شابة ولم تكن تعرف أن القدر سيحمل لها مفاجآت في المستقبل وأنها ستصبح السيدة الأولى لفرنسا.

سمعنا أنك تصابين بالتشنج عندما يكون أحد ضيوفك من الإسرائيليين، كيف تتعامل خديجة مع حساسية بعض الضيوف؟

أتعامل معهم بكل مهنية رغم الاستفزاز الذي أشعر به في داخلي. في السابق لم أكن أتحمل كذبهم ونفاقهم على الهواء، وكنت أقاطعهم كثيرا ولا أشكرهم في نهاية المقابلة، لكن مع الوقت أصبحت أكثر مهنية في التعامل معهم لأنني لا أمثل نفسي على الهواء، ولأن الضيف من حقه أن يعبر عن وجهة نظره مهما اتفقنا أو اختلفنا معه ومع آرائه وطروحاته.

اخترت من قبل مجلة فوربس الأمريكية كشخصية نسائية مؤثرة، كما كرمت في أكثر من دولة وأيضا اختارتك جريدة "الرأي نيوز" كأكثر النساء العربيات تأثيرا.. وفي السنة الماضية اختارك قراء مجلة سيدتي كأحسن مذيعة، و قبل أشهر صنفك الاتحاد العربي للصحافيين الشباب كأول مذيعة عربية.. كيف كان شعورك؟

الحمد لله أولا لأن التوفيق من الله سبحانه وتعالى، لا أدّعي أنني أقدم شيئا خرافيا يستحق كل هذا التكريم، لكن ربما كنت قريبة من قلوب المشاهدين. صدقيني والله لا أدري ما السبب في تكريمي، وأعتقد ببساطة أن هناك شخصيات أكثر أهمية وأكثر فائدة لمجتمعاتهم مني ولكنهم مغمورون ولا يسلط الضوء عليهم.. أما عن شعوري فإنه بالتأكيد هو شعور جميل بالنجاح، وأحسب أن من يستحق معي هذا التكريم هو طواقم العمل الطويلة العريضة التي لا نراها أمام الكاميرا والتي تعمل في صمت وتواضع ولا يعرفها الجمهور.

بعد أكثر من 20 عاما من العمل الإعلامي.. كيف ترى خديجة بن قنة نفسها اليوم؟

أرى نفسي أكثر اتزانا، أمشي على الأرض هونا، وأحاول أن أعيش معنى الآية الكريمة من سورة الإسراء "ولا تمش في الأرض مرحا فإنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا".

خديجة متزوجة من جزائري يعمل بقطاع النفط في قطر، كيف يرى زوجك عملك وماهي المساعدات التي يقدمها لإحدى جنديات مهنة المتاعب؟

مهنة المتعب أتعبته، فهو رجل شرقي مهما حاول أن يتخلص من عبء الموروث الثقافي الذي يصنف ويوزع الأدوار الاجتماعية بين المرأة والرجل. لكنه يعيش معي هموم المهنة ويتابع باهتمام كل ما يجري من حولنا في العالم ويطالع كثيرا، و أستشيره في بعض المواضيع..


لديك ثلاث أبناء طلال آخر العنقود ورامي ورؤيا.. كيف تجدين الوقت لرعايتهم؟ وكيف ينظرون إليك كأم ونجمة تدخل بيوت المشاهد العربي؟

لا تصدقي امرأة تقول لك إنها توفق بين البيت والعمل خصوصا إذا كانت زوجة وأما، المعادلة ليست سهلة أبدا، وأعترف أنني فشلت في بعض المراحل من حياتي لأنني كنت أرجح كثيرا كفة العمل، فأنا امرأة تعشق العمل الذي تقوم به، لكن نجحت فيما بعد في تحقيق التوازن المطلوب، و ربما يكون أسهل بالنسبة لي أن أتقبل انتقادا يوجه لي بأنني صحافية فاشلة من أن يقال عني إنني أمّ فاشلة رغم أنني لا أتمنى الفشل في كلتا الحالتين.. والأمر لا يتعلق بنا نحن النساء في العالم العربي فقط، إذ أن كثيرا من النساء في الغرب يضطررن الى تأجيل طموحاتهن المهنية إلى حين التفرغ من المهام الاجتماعية والأسرية، انظري من حولك ستجدين أمثلة مشابهة في فرنسا: سيغولين روايال خاضت سباق الانتخابات بعد أن أنجبت أربعة أطفال وبدأوا يكبرون، وهيلاري كلنتون خاضت معترك السياسة بعد أن انتهى دور زوجها وكبرت ابنتها، ونانسي بيلوسي رئيسة الكنغرس الامريكي نفس الشيىء وهكذا...

كم أعطى العمل خارج البيت للمرأة من قيمة في استكمال إنسانيتها ومشاركتها في بناء الوطن وتقدم المجتمع؟

أعطى لها وأخذ منها، فالوقت المستقطع للعمل لا يلغي واجباتها الأسرية والمنزلية، ومعنى هذا أنها بدل أن تقوم بعمل واحد أصبحت تقوم بعمل مضاعف داخل وخارج العمل دون أن ينصفها المجتمع أو يعترف لها بهذا الجهد، رغم البعد الاقتصادي الهام لهذا الدور ذلك أنها لم تعد تعمل من قبيل الرفاهية و (البريستيج) أو من قبيل إثبات الذات، بل إنها تعمل من أجل الارتقاء بمستوى الأسرة اقتصاديا واجتماعيا. لهذا أصبح من الملحّ على المؤسسات ودوائر الشغل أن توفر أبسط المقومات للمراة العاملة مثل دور الحضانة داخل مؤسسات العمل، هذا أضعف الإيمان.

بالنسبة للأزياء، الكل يلاحظ أنك تهتمين كثيرا بتناسق الألوان، وخاصة مع الحجاب، من يساعدك في ذلك؟

أحاول بما أستطيع أن يكون شكلي لائقا، وأن تكون الألوان متناسقة ولا أحد يساعدني في ذلك، فأنا أجتهد بشكل شخصي وأتمنى لو كان لدينا في القناة أناس متخصصون يقدمون لنا النصيحة ويوجهوننا.. إنني أحاول أن أجتهد في اختيار ما يناسبني من ألوان هادئة غير صارخة وقصّات ساترة للجسم وتتماشى مع خطوط الموضة لأنني لا أحب أن توصم المرأة المحجبة بأنها مهملة لنفسها.

البعض يلومك لأنك تضعين الكثير من الماكياج مع الحجاب.. ما ردك؟

الذين يعرفونني هنا في الدوحة يعرفون أنني لا أضع الماكياج خارج ساعات العمل، لكن في العمل الماكياج ليس اختياريا بل هو إجباري وأحد شروط العمل الأساسية، وأنا لا أضعه بنفسي بل أخضع مثلي مثل زميلاتي وحتى زملائي الرجال لجلسة وضع الماكياج قبل النشرة في قسم الماكياج الخاص بالقناة.

  • · هل لديك زملاء من المغرب؟ وكيف تجدين مستوى الإعلاميين المغاربة بقطر؟

لدي زملاء وأصدقاء مغاربة كثر، وأنا أعتز كثيرا بعلاقات الأخوة والصداقة التي تجمعني بهم، و بالمستوى المهني الراقي الذي يتمتعون به، سواء من المذيعين أو من المحررين والمراسلين، ولدينا اسماء مغربية مشهورة جدا في القناة بأدائها المهني الرفيع في مكاتبنا في واشنطن وفي المغرب وفي غرفة الأخبار..

وسأفشيك سرا إذا قلت لك أن في عروقي دما مغربيا، ذلك أن جدّتي من أمي مغربية أصيلة من مدينة طنجة ونحن نزورهم باستمرار.


هناك تعليق واحد:

  1. والله رائع كان حوار جاد ومهم جدا صراحة انا من الجزائر انا احب كثير الاعلامين الموجودين فى الجزيرة لكن الاعلامية خديجة بن قنة لها طابعها الخاص لها ميزتها الخاصة والله تستاهل كل الخير صراحة لانها اعلامية مبدعة ومؤثرة فى قلوب الناس الكل يحبها ويهتم لنشراتها ليس لانها جميلة او شىء اخر لكن لمبادئها القيمة لموهبتها الصادقة لتميزها المبدع تسلمى اخية انت رائعة

    ردحذف

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى