الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

عبدالمنعم عواد يوسف ..الشاعر فى غربته.. بقلم د/أحمد الصغير



عبدالمنعم عواد يوسف
..الشاعر فى غربته..

بقلم د/أحمد الصغير

..............


عندما يبتعد الشاعر عن وطنه أو يسافر بعيدا يبتعد الو طن عنه ويتنكر له بل يبالغ في جحوده ، هذا ما حدث مع الشاعر عبد المنعم عواد يوسف ، الذي نشأ شاعرا رقيقا بسيطا عندما نشر أول قصيدة له في مطلع الخمسينيات بعنوان الكادحون ، ، وبداأ صوته الشعري في النضج والتحقق ، ، ولكن عندما سافرا إلي الامارات العربية المتحدة في مطلع الستينيات ، ضاعت هيبة الشاعر في بلده ونظر له الشعراء نظرة استعلاء وتكبر لأنه باع الشعر من أجل المال ،ومن ثم فقد راح الشاعر ينشر المجاميع الشعرية مجموعة إثر مجموعة ، ويقول عنه الناقد أحمد مجاهد في مقاله الأسبوعي في جريدة الشروق المصرية

كان الفتى المولود عام 1933 بشبين القناطر طالبا بالصف الثانى الإعدادى عندما اندلعت

حرب فلسطين عام 1948 ، فكتب قصيدة يقول فيها:
< دماء تسيل ودمع يسيل وهذا يقوم وذاك يميل وشعب ينادى فيأتى الرفاق يقولون جئنا نصد الدخيل وسمعها معلمه فأشاد بها ونصحه بدراسة اللغة العربية لصقل موهبته، وكذلك فعل حين
التحق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام قيام الثورة 1952

وهو طالب بالمرحلة » البعكوكة « وكان الفتى الذى أتقن موسيقى الشعر من كتابته للزجل فى

الثانوية ينحاز انحيازا واضحا للبسطاء، لهذا فضل حين قرر أن يستكمل مسيرته الشعرية

بالفصحى أن يهجر الرومانسية إلى الواقعية، وأن يخرج عن إطار الشعر العمودى الغنائى

الخالص إلى ساحة شعر التفعيلة الأنسب من وجهة نظره للقصائد الواقعية، فكتب عام

1952 أول قصائده التفعيلية عن الفلاحين الكادحين، حيث يقول:

الكادحون

عادوا إلى أكواخهم عند المغيب

يتعاقبون

عادوا وفى نواظرهم ذل السنين

عادوا وبين ضلوعهم همٌّ دفين

يتتابعون

والبؤس يبدو فى اختلاجات العيون

وإذا كانت العبرة فى التأريخ لبدايات قصيدة التفعيلة بالنشر وليس بالتأليف، فإن

التى كتبها عام 1952 وألقاها 1953 نشرت » وكما يموت الناس مات « قصيدته التفعيلية

بمجلة الرسالة الجديدة فى أبريل 1955 ، وهى تظل بتاريخ نشرها ثانى قصيدة تفعيلية

وأسبق ،» من أب مصرى إلى الرئيس ترومان « مصرية بعد قصيدة عبد الرحمن الشرقاوى

من كل ما نشر لصلاح عبد الصبور رائد شعر التفعيلة فى مصر.

وانطلق شاعرنا المجدد يتغنى بالثورة وإنجازاتها وبالوحدة العربية ويحصد الجوائز الأولى

فى مهرجان الشعر بدمشق عامى 1960 و 1961 ، ومن رابطة الأدب الحديث بمصر عام 1962

عناق « فى الاحتفال بالعيد العاشر للثورة، لكن هذا كله لم يشفع له فى نشر ديوانه الأول

أول تنازل يعرفه الشاعر فى حياته، حيث اشترط عليه الذى صدر عام 1966 ب » الشمس

العقاد مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للفنون والآداب أن تكون كل قصائده من الشعر

العمودى فوافق طمعا فى النشر.

ولم يمر على هذا التنازل الفنى أكثر من عام واحد لتحل هزيمة 1967 وتُحطم حلم الشاعر

الثورى، فيقدم تنازلا سياسيا متمثلا فى ترك الوطن الجريح والذهاب مبكرا جدا إلى دولة

الإمارات للعمل مدرسا للغة العربية، وظل بها حوالى ربع قرن حتى عام 1992

لهذا كان طبيعيا أن يسجل الشاعر عند عودته زائرا عام 1970 تعليقات الأصدقاء التى

أنكرت شاعرا كبيرا ترك الساحة الأدبية الأكبر فى الوطن العربى لسنوات طويلة، ثم عاد

ليتحسس موقعه فيها، حيث يقول على لسانهم:

» فهذا الذى عرفناه بالأمس مات «

» وهذا الذى لم يزل ماثلا ليس إلا رفات «

»؟ ألا تبصر الموت فى نظرته «

»؟ ألا تسمع الجدب فى نبرته «

ترى يصدقون،

فيا للأسى إن يكن قولهم فيه بعض الحقيقة!

وقد انتقل شك الشاعر فى أنه قد خسر رصيده الأدبى والاجتماعى الذى بددته الهجرة

الطويلة، إلى ساحة التأنيب الصريح للذات عند تعلق الأمر بمراجعة الموقف السياسى، حيث

:» هجائيات « يقول فى قصيدة

مدانٌ أنا، مثلما كلكم مدانون، ليس بريئا أحدْ

تركناك يا وطنى، وانطلقنا

وراء الدراهم، نحسب أنَّا سنجمع تبرا،

ألا ليت شعرى، ومالا لبدْ

ومر الزمان، وشيئا فشيئا

نسينا البلادا.. استحلنا جمادا

دُحمَى لا تس، نسينا الديار، تركنا البلدْ

على أن موهبة شاعرنا المجدد بطبيعته دفعته فى أواخر أيامه إلى كتابة القصائد بالغة

بل إنه كان من أوائل المبشرين بها أيضا كما يتضح ،» قصيدة الومضة « القصر المعروفة باسم

التى كتبها عام 1980 ، وهى تتألف من مقاطع » ثلاثيات: لا تخلو من الحكمة « من قصيدته

منفصلة يقول فى أحدها:

كسرت رمحى حينما وجدت فى هذا الوجود من يناجزون بالكلام

ما حاجتى إلى الحسام؟

وكلمةٌ واحدةٌ توردنى موارد الموت الزؤام

والحقيقة أن المنعطفات والعراقيل التى واجهت رحلة شاعرنا قد منعت موهبته التى

بدأت شامخة من أن تصل إلى ما كانت جديرة بالوصول إليه، فقد كتب يقول فى بداياته

: عام 1952

وكما يموت الناس مات

لا لم تنح أرضٌ عليه، ولا تهاوت شامخات

لا لم تشيعه الطيور إلى القبور مولولات

وكما يموت الناس مات



2010رحم الله شاعرنا الرقيق عبدالمنعم عواد يوسف الذى فارقنا يوم الجمعة 17 سبتمبر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى