الأحد، 27 ديسمبر 2009

تأملات طائر .. وقراءة .. بقلم /منعم الازرق


( تأملات طائر )





قديماً ..
قدَّمَتْ فتنتها
للصبية الصغارِ
للصوصِ ..
لعابرِ الســبيلِ ..
واليومَ ..
لا أحــدْ ..
لا أحـــدْ ..
فقطْ ..
بعضُ ذكرى ..
وصمتٌ طـويلْ !


***


الصباح
الذى كم تباهتْ به
تمامًا تلاشى
رغم ذلك ..
لسلطانِهَا
سطوةٌ فى قلبِ عُشّاقِها !


***


طائرى العنيدْ
ما زال يبحثُ
عن شُجيْرَةٍ
ونافـذةْ ..
ليــبدأَ الغناءْ !


***


شهرَزادْ
ودَّعَتْ بستانَها
حكاياها
رغم ذلكْ ..
تُهَندسُ المساءَ فى هدوء !


***


إلى حَتْفِهِ يمضى
إلا من جِراحِهِ
وبقايا حَرَسْ !


***


الصبابةُ ..
خبأها الحُرَّاسُ فى الخرابْ ؛؛
لا شمعَةٌ هناكْ ..
لا رفيقْ !


***


ناديتُ يا سحابةْ
أمطرى ..
خُذى نصفَ عمرى
وأمطرى فقطْ
لأُنْقِذَ ما تبقَّى من صِبَاى !


***


السندبادُ
فارعُ اليدين فى منفاهُ ..
يُسائِلُ الجموعْ :
مَنْ يُعيرنى قيثارةً ..
كى أرمّمَ ما تبقّى من جَناحْ !


***


الناسُ فى كلَّ مرّةٍ ..
يَسْرقونَ الخُبْزَ ..
وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ ..
تشعلُ عتمةً
تستعيدُ الصغارَ
واحدًا
واحدًا ..
كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !

...............


قراءة فى تأملات طائر

بقلم/ الناقد والشاعر

منعم الأزرق

..................













يأخذنا الشاعر، بأول الرمش، إلى عنوان يكون فاتحة ضوء على الليل الذي يبغي إدخالنا إليه ونحن به ماضون: هذه القصيدة عبارة عن "تأملات طائر"، بما يفيد أن هذا الطائر بديل موضوعي للذات الشاعرة والمفكرة/المتأملة، أي أن الطائر يخرج من "قناعه" ليتلبس بشرط الذات الشاعرة/الرائية في ليل النص. وطبعا، نحن هنا أمام "تأملات" بالجمع، ولربما كان ذلك مدخلا للتقبل البصري للنص، حيث يتشكل من تسعة مقاطع متفاوتة من حيث عدد الدوال وكذا توزيعها على الفضاء البصري، وهي على العموم لا تجنج لملء طرفي السطر بل تكتفي بالأقل من الكلمات في كل سطر. وهذا الخيار يتناسب مع طقوس التأمل المكثف بالرموز...

في المقطع الأول، يعيدنا ضمير الغائب المؤنث إلى صوت الزمن الماضي/لحاضر، بلغة تتقطر حسرة على ما كان من العشاق وما صارت إليه الذاكرة من نسيان وصمت نقرأهما من خلال التكرار المرير لعبارة (لا أحد):



"قديماً ..
قدَّمَتْ فتنتها
للصبية الصغارِ
للصوصِ ..
لعابرِ الســبيلِ ..
واليومَ ..
لا أحــدْ ..
لا أحـــدْ ..
فقطْ ..
بعضُ ذكرى ..
وصمتٌ طـويلْ !"


في هذا الشرط الوالغ بالعدم الواطئ والصمت الطويل، يسلمنا الشاعر للمقطع/التأمل الثاني، يتمدد الحكي عن (ها)/ هي الغائبة في حضورها، مثل "الصباح" الذي صار "بعض ذكرى".... ذلك أن:



"لسلطانِهَا
سطوةٌ فى قلبِ عُشّاقِها !"

في طي السطوة قلب يفنى فيه العشاق رغم انصرام "الصباح" المشهود، ذلك أن لسطان المحبوب نورا باقيا وسراجا راقيا..

بالانتقال إلى المقطع الثالث، يصير القول بلسان المتكلم المفرد، فيما يشبه الالتفاتة للحظة الأبدية/ للوهلة التي تسبق نشيد الخلق، حيث يصير خطاب الذات للطائر إعلانا عن وحدة وحدة أفق الغناء (سواء أكان نافذة أم شجيرة):


"طائرى العنيدْ
ما زال يبحثُ
عن شُجيْرَةٍ
ونافـذةْ ..
ليــبدأَ الغناءْ !"


يختار الشاعر بث النفس الأسطوري في بقية المقاطع تصريحا (السندباد، شهرزاد، ...) أو تلميحا (الفينيق، بروميتيوس، ...)، ولكنه لا ينساق إلا مع تأملاته "الخاصة" التي منها تتشكل بوتقة رؤياه النارية، وبها تتأجج خاتمة النص، حيث نقرأ في المقطع التاسع:


الناسُ فى كلَّ مرّةٍ ..
يَسْرقونَ الخُبْزَ ..
وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ ..
تشعلُ عتمةً
تستعيدُ الصغارَ
واحدًا
واحدًا ..
كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !



يمنح الشاعر للناس الباحثين عن الخبز دربا آخر: يعيد للبستان رقصته، وللنشيد صغاره، وللعتمة إشراقتها الخفية. إنه درب يتوحد فيه "سارق للنار" مع طائر الفينيق المتأمل عبر الشاعر فيما بينهما من جسامة المعنى: تصير كلمات الذات المتأملة في ليل النص مقابلا دلاليا لاحتراق الفينيق وصلب بروميتيوس، ومن هنا جدواها وضرورة النظر فيها بعين القلب.


كل الشكر والمحبة للشاعر المبدع محمود مغربي على إدراج هذا النص الذي يحتاج، بلا شك، لقراءات أخرى توفيه ما يستحق من نظر... وعذرا على السهو في معرض المرور السريع بنبع الرؤيا والجمال..

أملي أن يتجدد لقائي بنبض شعرك البهي، وأن تزهر بكلماتك "شرفة القصيدة"

لك برق المسارات
وسلة ورد
...................

منعم الأزرق










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى