الاثنين، 21 مارس 2011

السلالم الخلفية قصة قصيرة بقلم: نهى نادر




السلالم الخلفية

قصة قصيرة

بقلم:

نهى نادر

........

"كانتا صديقتان .. أو هكذا كانت تبدو الأمور"

لم تكن تدري أن كلمات تفلت من صديقتها في حديث عادي عن مجريات العمل قد يفضى إلى كل هذا. كانت الحقائق الغائبة تتساقط من أطراف كلماتها مثل القطرات التي تسبق السيل. ولم تكن "الأخرى" تعرف عن صاحبتها هذه الخصلة المخيفة والتي تتمثل في تمعنها في كل حرف تنبس به شفاه أمامها. لم تكن تدري هذه "الأخرى" وهى تثرثر ببعض الحقائق عنه أنها تنزلق أمام صاحبتها هذا المنزلق الخطير. وأنها تدك جبلا ضخما مشيدة في وسطه تماثيل الزيف والتلاعب بمسمي الحب.

لم تكن تعي وهي تتحدث عنه أن لهذا الحوار نسخة أخري مطبوعة على آذان صاحبتها والتي بدورها كانت تظن أنها الحقائق التي اختصها هي بها وأنها وحدها تملك مفاتيح أسراره وأنها المتلقي الأول والأخير لبثه وحزنه وربما دمعه. كان هذا التطابق مدعاة لتطابقات أخري ربما أعمق. و يدحض ظنوناً وأوهاماً سكنت رأسها و "قلبها" عنه. قليل من التأمل والتفكير في جملة مارقة من بين شفاه _ غير مقفلة بإحكام_ قادها لصياغة تصور كامل عن ما يجري بين صديقتها و "بينه" على السلالم الخلفية للعلاقات الشخصية.

كاميرا الذاكرة تمدها ألآن بالكثير من الشواهد التي لم تلق لها بالاً : ترددها على محل عمله بديمومة ملفتة للنظر بدعوي زيارة صديقات هناك.. المكوث هناك ساعات طويلة بحجج واهية.. والأهم توتر علاقتها بزوجها في الفترة الأخيرة..وتجمد المياه في رافد محبتهما. فأدركت بعد كل هذه المعطيات أن هناك حبا و وهما وخيانة يتجاذبوا أطراف خيوط العلاقة بين رجل وامرأتان

هذا الألم لم يكن مصدره هو إحساسها بالخيانة أو الغدر. كانت تخشي على تلك "الأخرى" وتتألم بالنيابة عن الزوج المخدوع. فلقد طوت الأيام حبها "له" منذ زمن في ظروف غامضة. لم يؤلمها بالدرجة الأولى إدراكها بأن صديقتها تمتلك مفتاح لغز الإطاحة بحبها عندما تسللت إلي حياته.

لكنها لم تكن من القسوة والسذاجة كي تحملها وحدها مسئولية الفشل العاطفي. لأنها كانت مدركة منذ بزوغ فجر حبهما أن شمس هذا الحب ستحجبها غيوم لا قبل لهما بها ..هاجس خفي يهمس قائلا انه حب إلي زوال وتوهج شمعة قبيل الذبول .. طبيعة علاقتهما التي اتسمت بفيضان متبوع بجفاف سريع طويل.. ثم فيضان ثم جفاف...خلقت في تربة حبهما مستنقعات تكثر بها طفيليات الهجر التي تجعل من هذه التربة غير صالحة لإنبات حب يؤتى ثمارا على المدى الطويل.

هي على وعي تام أن صديقتها تأخذ دورها في الدوران حول هذا الرجل الذي طالما أسفت علي فقده وحرصت على احترام ذكراه. وتدرك الآن أنه رجل يعشق أن يكون العمود الذي تدور حوله النساء حتى الإغماء ليفتك بهم واحدة تلو الأخرى. ويبقى هو ثابت في محله لا يخفق قلبه ولا ينبض ولا يدرك ماهية الشعور.

تدرك جليا الآن أنه وهم يحيي في مجمل أوهام ، يتغذي على أشباح النساء من ضحايا عطره الآسر ومظهره المرتب الأنيق.

وتدرك الآن جيدا_بفضل كلمات لم تلق لها صاحبتها بال_ أن الأمر ليس بهذا السوء وأنها لم تكن ضحية لرجل لا يدرك قدسية المشاعر أو رجل احترف العلاقات التي تأتى دوما من السلالم الخلفية للبناء المجتمعي.. بل انه هو الضحية الأساسية لرمال الزمن التي تتسرب من ساعته الرملية وهو لاهي بالتنقل من امرأة لأخرى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى