
الناقد الكبير الدكتور يوسف نوفل
يكتب عن
رواية السرابيل لمحمد الناصر
الإعلامي والإذاعي محمد الناصر كاتب عرفناه في مجموعاته القصصية، " المملوك "، و"يا عم ياجمـّّال " و" حجّـاكم الله " ، ومسرحيته " المقايضة " ، واليوم نلتقي به في فن آخر ، لا يبعد كثيرا عن آفاق الفنين السابقين ، هو الفن الروائي ، ومنه تلك الرواية التي بين أيدينا " السرابيل " وواضح منذ البداية ، أن للكاتب أسلوبا خاصا في صياغة عنواناته، ومنه عنوان هذه الرواية .
كما أنه ينهج منهجا سرديا يحمل عبق الزمان والمكان في عالم السرد ، يضطره هذا النهج في كثير من الأحيان ، الي إضافة هامش لمتن السرد تفسيرا، وتوضيحا، إما لاختلاف اللهجات ، واما لخصوصية البيئة والمكان ، أو العادات ، أو لاصطلاحات الشهور ، أو لأسماء البلدان غير المشهورة ، او الرجوع لمصدر النص كسفر الأمثال .
.......الخ ما هنالك من حواش ، تتسم بها تلك الرواية دون غيرها من سائر ألوان السرد الشائعة ، وقد تحاشي في العنوان وجود ذلك السرد الهامشي ، اذا جاز لي أن اطلق هذا المصطلح ، اذ جاء العنوان محتميا ببلاغة الفصحي " سرابيل " مستغنيا بها عن نهج الشرح ، اذ لا حاجة الي السرد الهامشي في العنوان ، ولهذا وجدناه يلجأ للطبيعة المحلية ، ويفضل تعبير لباسات، حيث تكون الفرصة متاحة لذلك السرد الهامشي .
وهذا السرد الهامشي الذي تعمده الكاتب تعمدا ، كما هو واضح ، يدل علي حرص السارد علي مشاركة عملية السرد في حركتها، ونموها، وتراكيبها ، وتسلسلها ، وتصاعدها ، وكأنه بذلك يتقدم خطوة تفوق خطوات ذلك السارد العليم بكل شيئ ، كما يقولون ، وقد سارعت تلك المشاركة السردية، الخطوة التي سبقت السرد في النص الموازي في عتبة الرواية ، في ثمانية أسطر كأنها النص الموازي .
منذ جاء الانجليز بقطر الجاز، وفي كل نهار وليل يكبر جبلي ويصغر في عبون الخلق ، بقدر ذراع السخل اذا شد لجام البقرة .. "وهنا يبدأ السراد الهامشي ، وحين ينتهي ذلك النص الموازي تبدأ مفاتيح السرد المفصلية المتمثلة في نوعين ، النوع الأول بعنوان " كتاب " وهي عشرة كتب كأننا أمام " العشرة " عند تصنيف ابن النديم في الفهرست ، أو فهرس العلوم قديما ، والماضي علي نهجه حديثا " ملفيل ديوي " في التصنيف العشري للمعرفة والمكتبات ، عشرة كتب هي :
كتاب النبق ـ كتاب الجاز ـ كتاب الصحراء ـ كتاب العنود ـ كتاب الذهب ـ كتاب الحريم ـ كتاب الريح ـ كتاب الخبل ـ كتاب القطن ـ كتاب البئر .
والنوع الثاني : البابة .
بابة البلجة ـ بابة الديمة ـ بابة العسكر ـ بابة المصاغ ـ بابة قطر الجاز ، بابة المولد .. الي اخر البابات .
وهذان المفتاحان للسرد " الكتاب " و " البابة " ، مع النهج السردي الشارح،. مظهران من مظاهر حرص الكاتب علي أمانة السرد ودقته " ، لأنه بصدد الانتقال بالمتلقي : مكانيا وزمانيا ، وهذا الانتقال الجامع بين صفتي الزمكانية، يقتضي ترتيب السرد ترتيبا خاصا ، يحرص فيه السارد علي الدقة ، منعا لالتباس الأمر علي المتلقي من ناحية , و إضفاء قدر من بلاغة التعبير .
من ناحية اخري ، تضاف الي أنواع البلاغة المعروفة في آليات السرد القائمة علي أدوات السارد الفنية من الصوت، والمفردة ، والجملة ، والتركيب ، والتصوير ، والتخييل ، والرصد الواقعي ، الإيهام ، والتلاعب بالزمن صعودا وهبوطا ، حركة ، وثباتا ، وتولية الأسلوب وجهات متنوعة متغيرة بين الاثبات والنفي ، الاستفهام والاجابة ، الحوار المسموع الخارجي ، أو النجوي الداخلية ( انترنال مونولوج ) انه يثق ، بلا شك ، في قدرة تلك الاساليب البلاغية السردية المتنوعة ، لكنه يحاول اثراءها ، وفي الوقت نفسه تحديدا مسارات السرد ، لأنه في تصوري ، لو لم يمسك بزمام السرد هكذا لجمح وجنح به ، وطال واستطال ، لأن المضمون الكامن في حركة السرد ، من الممكن أن يستوعب قدرا أكبر من الصفحات ،وألوانا أكثر من حيل القاص " الفنية " لكن الكاتب محمد الناصر استطاع ـ ببراعته الفنية ـ واكتفي بذكر فقرة من هذا السرد ، لنعرف كيف كان السارد مسيطرا ممسكا ، بالزمام بصلابة ويقظة .
عندما علم " شيخ البلد " في مصر بحكاية البئر، أرسل نفرا من " أوجاق متفرقة " نصبوا له راية " شيخ البلد " مخنوقا بيد عساكره ، بعد أن نصبوا " الراية بشهور ص 218
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى