السبت، 17 أبريل 2010

السرابيل ... لمحمد الناصر... رواية وقراءة.. بقلم الناقد الكبير يوسف نوفل





الناقد الكبير الدكتور يوسف نوفل

يكتب عن

رواية السرابيل لمحمد الناصر



الإعلامي والإذاعي محمد الناصر كاتب عرفناه في مجموعاته القصصية، " المملوك "، و"يا عم ياجمـّّال " و" حجّـاكم الله " ، ومسرحيته " المقايضة " ، واليوم نلتقي به في فن آخر ، لا يبعد كثيرا عن آفاق الفنين السابقين ، هو الفن الروائي ، ومنه تلك الرواية التي بين أيدينا " السرابيل " وواضح منذ البداية ، أن للكاتب أسلوبا خاصا في صياغة عنواناته، ومنه عنوان هذه الرواية .
كما أنه ينهج منهجا سرديا يحمل عبق الزمان والمكان في عالم السرد ، يضطره هذا النهج في كثير من الأحيان ، الي إضافة هامش لمتن السرد تفسيرا، وتوضيحا، إما لاختلاف اللهجات ، واما لخصوصية البيئة والمكان ، أو العادات ، أو لاصطلاحات الشهور ، أو لأسماء البلدان غير المشهورة ، او الرجوع لمصدر النص كسفر الأمثال .
.......الخ ما هنالك من حواش ، تتسم بها تلك الرواية دون غيرها من سائر ألوان السرد الشائعة ، وقد تحاشي في العنوان وجود ذلك السرد الهامشي ، اذا جاز لي أن اطلق هذا المصطلح ، اذ جاء العنوان محتميا ببلاغة الفصحي " سرابيل " مستغنيا بها عن نهج الشرح ، اذ لا حاجة الي السرد الهامشي في العنوان ، ولهذا وجدناه يلجأ للطبيعة المحلية ، ويفضل تعبير لباسات، حيث تكون الفرصة متاحة لذلك السرد الهامشي .
وهذا السرد الهامشي الذي تعمده الكاتب تعمدا ، كما هو واضح ، يدل علي حرص السارد علي مشاركة عملية السرد في حركتها، ونموها، وتراكيبها ، وتسلسلها ، وتصاعدها ، وكأنه بذلك يتقدم خطوة تفوق خطوات ذلك السارد العليم بكل شيئ ، كما يقولون ، وقد سارعت تلك المشاركة السردية، الخطوة التي سبقت السرد في النص الموازي في عتبة الرواية ، في ثمانية أسطر كأنها النص الموازي .
منذ جاء الانجليز بقطر الجاز، وفي كل نهار وليل يكبر جبلي ويصغر في عبون الخلق ، بقدر ذراع السخل اذا شد لجام البقرة .. "وهنا يبدأ السراد الهامشي ، وحين ينتهي ذلك النص الموازي تبدأ مفاتيح السرد المفصلية المتمثلة في نوعين ، النوع الأول بعنوان " كتاب " وهي عشرة كتب كأننا أمام " العشرة " عند تصنيف ابن النديم في الفهرست ، أو فهرس العلوم قديما ، والماضي علي نهجه حديثا " ملفيل ديوي " في التصنيف العشري للمعرفة والمكتبات ، عشرة كتب هي :
كتاب النبق ـ كتاب الجاز ـ كتاب الصحراء ـ كتاب العنود ـ كتاب الذهب ـ كتاب الحريم ـ كتاب الريح ـ كتاب الخبل ـ كتاب القطن ـ كتاب البئر .
والنوع الثاني : البابة .
بابة البلجة ـ بابة الديمة ـ بابة العسكر ـ بابة المصاغ ـ بابة قطر الجاز ، بابة المولد .. الي اخر البابات .
وهذان المفتاحان للسرد " الكتاب " و " البابة " ، مع النهج السردي الشارح،. مظهران من مظاهر حرص الكاتب علي أمانة السرد ودقته " ، لأنه بصدد الانتقال بالمتلقي : مكانيا وزمانيا ، وهذا الانتقال الجامع بين صفتي الزمكانية، يقتضي ترتيب السرد ترتيبا خاصا ، يحرص فيه السارد علي الدقة ، منعا لالتباس الأمر علي المتلقي من ناحية , و إضفاء قدر من بلاغة التعبير .
من ناحية اخري ، تضاف الي أنواع البلاغة المعروفة في آليات السرد القائمة علي أدوات السارد الفنية من الصوت، والمفردة ، والجملة ، والتركيب ، والتصوير ، والتخييل ، والرصد الواقعي ، الإيهام ، والتلاعب بالزمن صعودا وهبوطا ، حركة ، وثباتا ، وتولية الأسلوب وجهات متنوعة متغيرة بين الاثبات والنفي ، الاستفهام والاجابة ، الحوار المسموع الخارجي ، أو النجوي الداخلية ( انترنال مونولوج ) انه يثق ، بلا شك ، في قدرة تلك الاساليب البلاغية السردية المتنوعة ، لكنه يحاول اثراءها ، وفي الوقت نفسه تحديدا مسارات السرد ، لأنه في تصوري ، لو لم يمسك بزمام السرد هكذا لجمح وجنح به ، وطال واستطال ، لأن المضمون الكامن في حركة السرد ، من الممكن أن يستوعب قدرا أكبر من الصفحات ،وألوانا أكثر من حيل القاص " الفنية " لكن الكاتب محمد الناصر استطاع ـ ببراعته الفنية ـ واكتفي بذكر فقرة من هذا السرد ، لنعرف كيف كان السارد مسيطرا ممسكا ، بالزمام بصلابة ويقظة .
عندما علم " شيخ البلد " في مصر بحكاية البئر، أرسل نفرا من " أوجاق متفرقة " نصبوا له راية " شيخ البلد " مخنوقا بيد عساكره ، بعد أن نصبوا " الراية بشهور ص 218

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى