الجمعة، 2 أبريل 2010

حيرانة قصة بقلم : نبيل بقطر

حيرانة

شجرة وحيدة وفناء ضيق ينتهي بباب تتلصص خلفه كل آذان الشياطين وتطلق ألسنة النار من عيونها .... أشـــــد البنت ناحيتي فتحتل كل أفنية الكون عيناها ... أطل في براءة القسمات وأسكب في أذنيها " يا خلي القلب " ... بطفولة تمسك بأحد الصغار تضمه لصدرها ولا تكف عن تقبيله حتي آخذه منها وأزيده تقبيلاً ، تحدق فيّ وكأنها تراني لأول مرة .

- ما تبصليش كده

- ليـــــــــــــــــــه ؟

- باتعـــــــــــــــب

- أحســـــــــــــــن

تضحك البنت فينبت لي جناحان وأطير فيسمع الكون نغماتي ، أوزع ما تبقي معي من بطاطا ساخنة وأترك بقايا كوب السحلب, وأمد يدي أمسك بقرص الشمس وأشدها معي ، لا احترق جسدي الناحل ولا تبخرت فصوص الماس فوق جبينها, تضحك البنت فأعرف من شمس بلادي سر دفء سمارها العجيب ، أطوي الفضاء فيطويني كشوارع المدينة ويبهرني, مثلما شعر البنت وهو يتطاير .

-- بتحبينى .... مش كده ؟

-- ..................................

--- بتحبيني

-- دي حاجات متتقالش

تلسعني عقارب الساعة وتفرغ كل سمومها في أوردتي ، فألعن الوقت وكل ساعات الإنصراف وألتمس كل الأعذار لأمها الملتصقة بالنافذة يكاد يفتك بها القلق ، وأبحث عن حل يوقف الكون عند إتساع عينيها ، ويجنبني ألسنة النار التي يرمونني بها عندما تمر ، أطير لمنزلنا ، أغلق باب حجرتي ، أتحسس وجهي في ظلامها ، أتذوق طعم المر وطعم دموعي ، أتشفع بكل القديسين كي يتركوها لي .

-- بتحبيني ؟

-- خلينا أصحاب أحسن

-- بتحبيني ؟

-- أيوة ..... استريحت

يحمر وجه البنت وتزداد إهتزازات ساقيها ، بصعوبة تلتقط أنفاسها وتيارات ساخنة تغمرني ، تضمد جروح سنوات خمس ، تطهر ذاكرتي الخربة ، تمحوني من فوق خارطة العالم .

- وهذا حتي ترضي غرورك ... هل تسمعني ؟

" حتي ترضي غرورك " قالت ليزا بعصبية وبشفتين مرتعشتين ، ولم أكن بالحجرة ولا بالفناء ولا بالشارع ، ولم أجد أثراً للمتلصصين لم أسمع شيئاً ، فهل بإمكانك تكرار ذلك ؟

- يوووه .. كفاية تدخين

- ما أقدرش

- وبعدين معاك

- ما أقدرش

لا طعم لسيجارتي الألف التي دخنتها بشراهة ، تطلق البنت تنهيدة فينخلع لها قلبي, وتتسرب روحي ، ثمة جرح في عينيّ البنت ألمحه ,وفي روحي ينزف ، فلا أنا بقادر علي جعل عينيها تبتسمان كما كانا ، وعاجز عن وقف شلالات الدم ، تطلب أن أفتح كل النوافذ ، تملأ رئيتها بالهواء ، تلقي نظرة علي الشارع وأخري عليّ ، تستكين بجانبي تلفح أنفاسها وجهي 0

-- مش بايدي 00 مخنوقة

-- يعني إيه ؟

-- مشكلتنا ما لهاش حل

-- مش فاهم

أحفظ ليزا كنشيد بلادي ، تحب الإفطار وشرب الشاي معي ، تشبهني بمحمد منير وأشبهها بيسرا ، تشعر بالغيرة فتقول :

" أنت صايع " أشاكسها ، تتهمني " بالبياخة " تبكي حين أحدثها عن نفسي ، أحاول الإقتراب تقول :" أخلاقك زفت " ، حين أود أن أسمع منها كلمة " عيب " أقول : يا ملاكي الصغير دعيني أقبل يدك ، يتجهم وجهها عندما أقول بأنني أحب رجلا ، تبتسم ، تداعب ضفيرتها ، تميل للوراء حينما أكمل " بس زى القمر " ، قبل أن يداعب النوم عينيها تهمس : " نفسي أمسكه من ايده أتجوزه وأطير بيه " وتقول " أنت لحقت " عندما أقول " وحشتيني ", حين أصرخ بعلو صوتي بأنني أحبها تتهمني بالجنون ، تناديني بلقب" أستاذ" فأعرف أنها غاضبة ، أخاطبها بلقب" آنسة " فتعرف أنني حزين ، حين تقول " مستحيل " أتأكد من وسوسة الشياطين في أذنيها بأنني لن أصلح لها ، أنكمش علي ذاتي ، أجتر أحزاني في صمت ، أنام مستيقظاً تعذبني الكوابيس وأستيقظ نائماً ، أجري عليها أقص ما رأيت فتحتار البنت ، وتقول : " اكتبني قصة ، سميني حيرانة ، واتركني بلا نهاية "

تمت-


نبيل بقطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى