الجمعة، 23 أبريل 2010

الوعي فى الرواية الجديدة- رواية "فدوى" للروائية فدوى حسن نموذجاً







بقلم الناقد الدكتور محمود الضبع







الوعي فى الرواية الجديدة- رواية "فدوى" للروائية فدوى حسن نموذجاً

تأتي رواية فدوى لفدوى حسن منطلقة من الوعي ومنتهية إليه ، فهي تراوغ عبر روايتها في إيهام المتلقي بأنها ترصد سيرتها الذاتية ، وهو ما يشي به العنوان ، ولكنها في حقيقتها ترصد سيرة وعي الأنثى الريفية المثقفة في علاقتها بالحقيقة والوهم وبحثها الدائم عن الفكري المطلق ، مما يجعلها تخضع كل ما تقع عليه عينها أو تتعامل معه للتشريح الفكري والتحليل الفلسفي ، مختبرة عبر ذلك المقولات الفلسفية الكبرى لهيدجر ونيتشه وكيركيجارد وفوكوه وجادامر ، وغيرهم من مفكري الغرب والشرق حسبما يقتضي سياق الحكي .
من هنا فإنها تخضع كل العلاقات المحيطة بها إلى هذا المنطق ، منطق المساءلة ، والتشكيك ، والتفكيك : تبدأ أولا برصد الوعي بالجسد ، ثم صورة الأب ، وصورة الأم ، وأفراد العائلة من جهة الأب أو الأم ، وزملاء المدرسة والجامعة ، والجيران ، والزوج ، وأهل الزوج ، والشخصيات المقروء عنها في كتابات الآخرين ، بدءا من جاليفر ، ومرورا بفوكوه ، والشخصيات الدينية التراثية والمعاصرة، وعبر هذا جميعه تمرر السؤال الذي يختفي خلف منطق الحكي، هل كانت هذه الشخصيات حقيقية ، وهل ما قالته صحيحا ، وهل ما تم تسجيله عنهم قابلا للتصديق ، أم أنه الوهم هو الذي صنع قداستهم ؟ ، لكنها لاتقدم إجابات جاهزة ، وإنما تجعل المتلقي شريكا في الورطة ، ورطة الوعي بذكرياته ومعارفه ووجوده ... وبهذا المنطق تصبح الكتابة هما حقيقيا وليست ترفا أو حلية يسعى لمجرد الإمتاع .
تقول في أحد المشاهد السردية[2] :
لم أكن مُصلية بارعة،
إن أديت صلواتى بإنتظام لن أجد وقتاً لأفكر
لأقرأ,
لأكتب
لا يكفى التأمل فقط لماذا؟!
كيف أقنعهم ليكفوا عن نصائحهم البالية؟
كنت أجتهد،
لكن الشيخ "سيد" والحاج "عبد الرحيم" أغلقوا حق الاجتهاد
إلا ليلة أن أذن الفجر فى الثانية عشر مساءً.
بكي قائلاً:
- أمي نادتني قُوم يا عبد الرحيم أذّن الفجر.
حين بدأت تجربتي الإيمانية؛ سألت:
- ما الإيمان؟
إذا كان الله يؤمن بذاته، فبمن نؤمن دون أنْ نرى ما نؤمن به،
لكن شيئًا يحدث لي:
أنشد التحرر العقلي، التجرد من كل شيء،
أنجرف تارة لهؤلاء الملحدين،
فلاسفة الغرب،
وأعود بسرعة مستغفرة الله
وكأن التفكير كفرٌ.
لا تشبعني هذه الكتابات العربية،
ولا يقنعني منطق "الفطرة"
الذي يختبئون تحت أنيابه،
إنَّه نفس موقف "متَّى المسكين"
هل كان مسيحيًا .. أم مسلمًا؟
ارتديت الحجاب،
فلا أضر أحدًا بإخلاصي لديني،
لكن الفكر مازال حِكرًا لليساريين،
والدين ملكًا خالصًا لهؤلاء الإسلاميين،
وأنا
أريدهما
معًا.
في هذا المشهد يختلط الصوفي والديني بالمعرفي الوضعي بالعرف الاجتماعي منطلقا من الذات الساردة ودائرا حولها ، وهو في حقيقته سرد مراوغ ، إذ إنه يستحضر ذات المتلقي ويوقعها في فخ الوعي ، ومن ثم لا يصبح المسرود عنه هو موضوع الحكي / الوعي ، وإنما يشترك المتلقي فيعيد مساءلة وعيه بمنطق الحكي في صعوده وهبوطه .
ويبدو الجسد حاضرا في التعبير عن قضاياه والنظرة الشرقية إليه ، وهو ما تحيل إليه جملة "أرتدي الحجاب " بوصفه سترا لجزء من الجسد، ذلك الذي يستهلك جل اهتمام الفكر الديني والقيم الاجتماعية الشرقية بوجه عام .


______
[1] - فدوى حسن : فدوة - شمس للنشر والتوزيع - القاهرة - 2008م - ص 60.
[2] - تعتمد الرواية استراتيجية المشاهد السردية القصيرة ، المعتمدة على تقطيع الجمل عبر الأسطر فيما يشبه الكتابة الشعرية التفعيلية ، أو كتابة قصيدة النثر ، مع اعتماد الفجوات في البناء اللغوي ، حيث تحيل الجمل دوما إلى محذوف يقتصد في الوصف والسرد إلى أقصى درجات الاختزال دون الإخلال بمفهوم التوصيل كما أقره الفكر البلاغي .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى