عزلة
"قصة قصيرة "
عزلة
بقلم:
عاطف ناجى
.......
استرخيت فى المكان المحبب لى بتلك الحجرة المعزولة ، استرجعت ذاكرتى ما كنت اخشى ان اتذكره ومرارا كثيرة ما كنت اهرب من هذه الذكريات . اندفعت يدى بشدة نحو أحد أرفف المكتبة بجوارى ، بعد أن أدرت رأسى ونظرت الى هذا الكتاب الذى يمثل لى نقطة تحول فى حياتى ، التقطته يدى ، أزحت الغبار المتراكم عليه بفعل الزمن والاحزان . شقت يدى منتصف الكتاب، ففاح من ثنايا السطور عبق تلك الايام الحالمة ، ثم غاصت عيناى فى صفحاته الرقيقة ، فتوقفت فجأة عن أرجحتها يمنة ويسارا واستقرت على صورة للمتحف القبطى – مقر عملى القديم – فذاب قلبى حنينا 0 ألقيت براسى خلفى حتى كادت أن تلتصق بظهرى لولا أن تلقاها مسند الاريكة . أغمضت عيناى ..
استيقظت على نغمات منبه الجوال ، قفزت مسرعا يملأنى النشاط والحيوية ، ارتديت ملابسى بعد أن تجففت من شلالات المياه الدافئة ، جذبت حقيبتى بما تحويه من أوراق وأدوات خاصة بالعمل . أسرعت الى المترو ، أطير من فرط سعادتى وأنا أستمع الى تلك الاغنية التى اعتادت أذناى سماعها صباح كل يوم فى محطة المترو . قفزت مسرعا داخل المترو وسط الزحام ، لم تمر سوى دقائق فاتجهت الى باب الخروج بعد أن لمحت اللوحة المعدنية مكتوب عليها باللون الازرق " محطة مارجرجس " . انجرفت مع الكتل البشرية ، لأجد نفسى خارج سور المترو الذى اعتبره حدا فاصلا بين عصرين متناقضين ايما تناقض ، حيث تدور الارض عكس اتجاهها لتعود بى الى تلك الحقبة العتيقة والتى تمثل لى تراث من طراز قلما وجد فى حضارات البشر . اصطدمت عيناى بقلبى المنشطر عن جسدى واصبح يمثل لى هذا المتحف .
.." رحمك الله يا سميكة باشا " .. هذا ما أردده فى طيات نفسى صبيحة كل يوم .
- صباح الخير
- رد الحارس مبتسما : صباح الخير
اتجهت الى مكتبى ، أخرجت من الحقيبة بعض الأوراق ، ثم بدأت رحلتى – كعادتى كل يوم – داخل قاعات المتحف 0 جذبت انتباهى لوحة خشبية عليها نحت قديم ، فتسمرت قدماى أمامها ، وسرحت متأملا 00 ، أفقت على أصوات الزائرين – الذين مروا على القطع الاثرية مرور الكرام – متمتمين بكلمات لم أفهم منها سوى ضحكاتهم المتعالية واختلاط جدهم بهزلهم 0لم يتبق من هذا الزحام سواها ، فتاة رشيقة ، أسارير وجهها دائمة الابتسام ، بسيطة فى ملابسها الانيقة 0 أخرجت ورقة وشرعت فى الكتابة بعد أن رفعت عينيها لأعلى وهى تتأمل هذا النحت الرائع .
- ما رأيك فى هذا النحت ؟
أجابت وابتسامتها العريضة قد ملأت هذه القاعة المعزولة : لم أر قط أرق من هذه اللوحة .
- هل انت متخصصة فى الاثريات ؟
- رغم أننى غير متخصصة لكننى أعشق كل ما يطلق عليه " فن " .
- أخيرا عادت ايروديس للحياة وراتها مقلتاى وكنت أظنها من سكنى الهاوية ومن عداد الموتى
- أأ نت أورفيوس ؟ أين اذن قيثاريك ؟!
- لم أعد بحاجة اليها ، لقد وجدت ضالتى ، كم بحثت عنك كثيرا ، وكم تنهدت الاشجار من تلك الالحان الباكية .
00 صوت صاخب قطع حديثنا .. هيا أسرعى ، بحثنا عنك كثيرا ، قد انتهت زيارتنا للمتحف ، كلنا فى انتظارك . تحركت عيناها يمينا نحوى ، ثم أعلى الى اللوحة ، وكأن عينيها حددت موعدا للقاء فى هذا المكان المنعزل . استأذنت ثم انصرفت ، ولكن رأسها عكس اتجاه سيرها . استمرت رحلتى اليومية ، حيث أعيش مع كل قطعة أثرية وأحيا معها .. انتهى موعد العمل ، عدت الى المنزل منتظرا بلهفة صباح اليوم التالى . عند شروق شمس يوم جديد وجدتنى بداخل القاعة المفضلة ، بعد رحلة مواصلاتى اليومية المعتادة ، وبينما أقف أمام القطعة الاثرية ، سمعت اذناى صوت خطوات يرتفع تدريجيا الى أن وجدتها تقف بجوارى .
- أأنت ؟!
- نعم.. ولكننى بمفردى ، ولن ...
وقبل أن تكمل حديثها استيقظت على صوتها .. العشاء معد ، كفاك من شغفك بكتبك هذه .
فأجد نفسى مستلقيا على الاريكة فى حجرتى المنعزلة وكتابى المفضل مفتوح امامى ।
.......
عاطف ناجى
نجع حمادى
.............
عاطف نجى
ردحذفأديب وقاص من صعيد مصر متميز
له كل التحية
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفاشكرك كثير الشكر على هذه القصة الرائعة واريد اكمالها
ردحذفالطالبة التى درستها س
قصة جميلة ونرغب في المزيد حتي نعلم الكثير
ردحذف