السبت، 13 فبراير 2010

قصة قصيرة " عزلة بقلم: عاطف ناجى






عزلة



"قصة قصيرة "


عزلة


بقلم:

عاطف ناجى
.......



استرخيت فى المكان المحبب لى بتلك الحجرة المعزولة ، استرجعت ذاكرتى ما كنت اخشى ان اتذكره ومرارا كثيرة ما كنت اهرب من هذه الذكريات . اندفعت يدى بشدة نحو أحد أرفف المكتبة بجوارى ، بعد أن أدرت رأسى ونظرت الى هذا الكتاب الذى يمثل لى نقطة تحول فى حياتى ، التقطته يدى ، أزحت الغبار المتراكم عليه بفعل الزمن والاحزان . شقت يدى منتصف الكتاب، ففاح من ثنايا السطور عبق تلك الايام الحالمة ، ثم غاصت عيناى فى صفحاته الرقيقة ، فتوقفت فجأة عن أرجحتها يمنة ويسارا واستقرت على صورة للمتحف القبطى – مقر عملى القديم – فذاب قلبى حنينا 0 ألقيت براسى خلفى حتى كادت أن تلتصق بظهرى لولا أن تلقاها مسند الاريكة . أغمضت عيناى ..
استيقظت على نغمات منبه الجوال ، قفزت مسرعا يملأنى النشاط والحيوية ، ارتديت ملابسى بعد أن تجففت من شلالات المياه الدافئة ، جذبت حقيبتى بما تحويه من أوراق وأدوات خاصة بالعمل . أسرعت الى المترو ، أطير من فرط سعادتى وأنا أستمع الى تلك الاغنية التى اعتادت أذناى سماعها صباح كل يوم فى محطة المترو . قفزت مسرعا داخل المترو وسط الزحام ، لم تمر سوى دقائق فاتجهت الى باب الخروج بعد أن لمحت اللوحة المعدنية مكتوب عليها باللون الازرق " محطة مارجرجس " . انجرفت مع الكتل البشرية ، لأجد نفسى خارج سور المترو الذى اعتبره حدا فاصلا بين عصرين متناقضين ايما تناقض ، حيث تدور الارض عكس اتجاهها لتعود بى الى تلك الحقبة العتيقة والتى تمثل لى تراث من طراز قلما وجد فى حضارات البشر . اصطدمت عيناى بقلبى المنشطر عن جسدى واصبح يمثل لى هذا المتحف .
.." رحمك الله يا سميكة باشا " .. هذا ما أردده فى طيات نفسى صبيحة كل يوم .
- صباح الخير
- رد الحارس مبتسما : صباح الخير
اتجهت الى مكتبى ، أخرجت من الحقيبة بعض الأوراق ، ثم بدأت رحلتى – كعادتى كل يوم – داخل قاعات المتحف 0 جذبت انتباهى لوحة خشبية عليها نحت قديم ، فتسمرت قدماى أمامها ، وسرحت متأملا 00 ، أفقت على أصوات الزائرين – الذين مروا على القطع الاثرية مرور الكرام – متمتمين بكلمات لم أفهم منها سوى ضحكاتهم المتعالية واختلاط جدهم بهزلهم 0لم يتبق من هذا الزحام سواها ، فتاة رشيقة ، أسارير وجهها دائمة الابتسام ، بسيطة فى ملابسها الانيقة 0 أخرجت ورقة وشرعت فى الكتابة بعد أن رفعت عينيها لأعلى وهى تتأمل هذا النحت الرائع .
- ما رأيك فى هذا النحت ؟
أجابت وابتسامتها العريضة قد ملأت هذه القاعة المعزولة : لم أر قط أرق من هذه اللوحة .
- هل انت متخصصة فى الاثريات ؟
- رغم أننى غير متخصصة لكننى أعشق كل ما يطلق عليه " فن " .
- أخيرا عادت ايروديس للحياة وراتها مقلتاى وكنت أظنها من سكنى الهاوية ومن عداد الموتى
- أأ نت أورفيوس ؟ أين اذن قيثاريك ؟!
- لم أعد بحاجة اليها ، لقد وجدت ضالتى ، كم بحثت عنك كثيرا ، وكم تنهدت الاشجار من تلك الالحان الباكية .
00 صوت صاخب قطع حديثنا .. هيا أسرعى ، بحثنا عنك كثيرا ، قد انتهت زيارتنا للمتحف ، كلنا فى انتظارك . تحركت عيناها يمينا نحوى ، ثم أعلى الى اللوحة ، وكأن عينيها حددت موعدا للقاء فى هذا المكان المنعزل . استأذنت ثم انصرفت ، ولكن رأسها عكس اتجاه سيرها . استمرت رحلتى اليومية ، حيث أعيش مع كل قطعة أثرية وأحيا معها .. انتهى موعد العمل ، عدت الى المنزل منتظرا بلهفة صباح اليوم التالى . عند شروق شمس يوم جديد وجدتنى بداخل القاعة المفضلة ، بعد رحلة مواصلاتى اليومية المعتادة ، وبينما أقف أمام القطعة الاثرية ، سمعت اذناى صوت خطوات يرتفع تدريجيا الى أن وجدتها تقف بجوارى .
- أأنت ؟!
- نعم.. ولكننى بمفردى ، ولن ...
وقبل أن تكمل حديثها استيقظت على صوتها .. العشاء معد ، كفاك من شغفك بكتبك هذه .
فأجد نفسى مستلقيا على الاريكة فى حجرتى المنعزلة وكتابى المفضل مفتوح امامى ।
.......

عاطف ناجى
نجع حمادى

.............

هناك 4 تعليقات:

  1. عاطف نجى
    أديب وقاص من صعيد مصر متميز
    له كل التحية

    ردحذف
  2. اشكرك كثير الشكر على هذه القصة الرائعة واريد اكمالها

    الطالبة التى درستها س

    ردحذف
  3. تلميذ الاستاذ28 سبتمبر 2010 في 3:34 م

    قصة جميلة ونرغب في المزيد حتي نعلم الكثير

    ردحذف

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى