واو
عبدالستار سليم
نبذة عن فــــن " الـــــواو " ( * )
نعلم أن الشعر العربى " القريض " لم يعد يقف وحده على الساحة العربية .. خصوصاً بعد أن اتسعت الفتوحات واختلط العرب بغيرهم من الأجناس البشرية .. فنشأ فن الموال فى العراق , والموشح فى بلاد الأندلس , ثم جاء " ابن قزمان " – المولود فى قرطبة – ليرسى دعائم فن الزجل , والذى اتـفـق على تعريفه بأنه " الفن الشعرى الشعبى " .
هذه مقدمة كان لابد منها ..
ثم نأتى إلى " ابن عروس " الذى ولد فى عهد حكم المماليك لمصر .. والذى كان كله قسوة وغلظة وظلماً .. عاش " ابن عروس " هذا يعانى – ما تعانيه الناس – من وطأة هذا الظلم.. ( ابن عروس – فى أحد الأقوال – ولد ومات فى " قنا " وهى إحدى محافظات الصعيد الآن ) .
وكما هو معروف عن الفن – عموماً – وفن القول – خصوصاً – كثيراً ما يلجأ إلى التورية والكلام غير المباشر حتى يستطيع الإفلات من الرقابة الصارمة التى تفرضها عصور الاستبداد .
كان " ابن عروس " ذا موهبة شعرية فطرية .. فابتدع طريقه للتعبير تعتمد على التداخل الصوتى من حيث التقطيع أو الاتصال الذى يحافظ على القوافى المنطوقة وليست المتكوبة .
تطورت هذه الطريقة على يد " ابن عروس " – الذى طال به العمر – حتى وصل بهذا الفن إلى حد " الشفرة " .. أو كما نقول إنه يتحدث " بالسيم " وهذا هو فن " الواو " ..
وقد يكون فن " الواو " مفتوحاً .. أى سهل الاستيعاب والفهم – كما كان يكتب " بيرم " أحياناً – وقد يكون فن " الواو " مقفولاً .. أى تستغلق قوافيه على غير أبناء منطقته التى عاش فيها وترعرع ( هنا فى محافظة "قنا" يوجد – الآن – أناس أميون يقولون فن " الواو " المحفوظ ويتحدون أمثالنا من الشعراء أن يفكوا القافية .. وكثيراً ما نعجز نحن الشعراء عن ذلك ) .
أحد الزجالين من أبناء قنا .. رأى حبيبته تشرب من " قـُـلـّـة " .. فقال على البديهة ( والتفاعيل العروضية هنا كما تنطق وليس كما تكتب ) :
" خايف أقوله يقول له
والقلب مرعوب وخايف
أبقى قوليلة يا " قلة "
حين توردى ع " الشفايف "
ولا يخفى علينا التداخل والتجانس بين " يقول له " بمعنى " يقول لا "وبين " يا .. قلة " وهذا نداء للقلة " ..
ويقول عبدالستار سليم :
" أول كلامى ح اصلى
ع اللى الغزالة مشت لـُـه
واحكى على اللى حصل لى
وزرع همومى فى مشاتلـُـه "
هنا " الواو " مقفول أكثر .. فإن القوافى الأربع .. كل اثنتين تنطقان بنفس الكيفية .. فتلتبس على السامع إلا إذا كان مدرباً .. ويجب أن نتنبه , ولا ننخدع فى طريقة الكتابة الصحيحة الحالية فأولئك الذين ابتدعوا فن "الواو" كانوا لا يقرأون ولا يكتبون .. ولكن يعتمدون على السماع فقط .. وهذا ما جعلهم سريعى البديهة , أقوياء الملاحظة ..
ونخلص – فى النهاية – إلى أن فن " الواو " فن سماعى وليس فن كتابة .. إذ أن الكتابة الصحيحة تحل كل مغاليقه , فيفقد كثيراً من روعته وبهائه كفن شعبى أصيل .
-------------
(*) كان " ابن عروس " يقول – قبل كل مربع – " وقال الشاعر " ففن " الواو " يعتمد على المقطوعة التى تتكون من بيتين يتضمنان أربع شطرات وليس على القصائد كالشعر العربى .. وعليه فقد كثرت " واوات " العطف ... ولذا سمى هذا الفن بفن " الواو " .
أما لماذا كان يفصل بين كل مربع والتالى له بعبارة " و ... قال الشاعر " .
فلسببين :
أولهما .. إن كل مربع يتضمن فكرة مستقلة عن غيره . وثانيهما .. لكى يعطى فرصة للمستمعين لـ " فك " مغاليق المربع .. وتلك الميزة الخاصة لهذا الفن . تجعل المستمع دائماً فى حالة حضور ذهنى ومتابعاً للشاعر ومشاركاً له وهو ما لا يتوفر لباقى فنون القول.
وكان " ابن عروس " يتستر تحت كلمة " وقال الشاعر " – دون أن يبوح باسمه هو – حتى لا يقع تحت طائلة العقاب , فظل يقول شعره من خلف ستار عبارة " وقال الشاعر " .
****
--
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى