-
يتسع القلب حين تتذكر
عطرَها هادئًا يصعدُ السلالم
للشاعر عبد المحسن يوسف
1
إنّ السعادةَ دفءٌ صغير ..
هكذا كنتُ أهجسُ ،
كلما مسّني فرحٌ نادرٌ كالمطرْ..
2
لماذا كلما هممتُ باستعادةِ صورةِ الصبية ِ،
الصبية التي تقفُ مائلة ً في ظلال ِ الكلام ،
حلّقَ في مرايا لغتي سربُ عصافير ،
وتفتحتْ في القلبِ غيمةٌ صافية ؟
3
ما من نجمة ٍ تلمعُ في ليلِ النصّ ..
النصُّ زمنٌ مقفرٌ ، كأنتَ ،
يا من تختلسُ غواية َ المسرّة !
4
كلُّ رحابةٍ تضيق ..
وحده قلبُكَ يتسعُ حين
تتذكّرُ عطرَها ..
هادئًا ، هادئًا ، يصعدُ السلالم .
5
لستُ ضليعًا في وصفِ أنوثتها الطاغية ..
بيد أني سأصفُ ما رأيت ..
الأغصانُ تزدادُ اخضرارًا
كلّما مسّتْ أصابعُها مجرّةَ الأغصان ،
والظلالُ تزدادُ كثافة ً ،
كلّما مرّتْ بالقربِ من شجرة ِ القلب .
6
في قريتنا الصغيرة ِ كقبضةِ ريحان ،
قريتنا الغارقةِ في الصمتِ والعتمة ِوالنخيل ،
وفيما أنا مستلق ٍ أحدّقُ بلا رغبةٍ في سماء ٍ داكنةٍ ،
تناهى إليّ من بعيدٍ صوتُ عصافير مذعورةٍ..
إنها طيورٌ ضالةٌ تبحثُ لها عن طرقٍ في كتابِ السماء ..
وكمن أحسَّ بألمٍ غامضٍ ، همستُ :
- إلى أين تمضينَ هكذا في هذا الليلِ الذي لا يكترث ؟
7
كلما فتحتُ النافذة َ أبصرتُ البحرَ،
هناكَ يترامى هادئًا كسجادة ٍ زرقاء..
لكنني كنتُ على يقينٍ من أن ما رأيتُ
ليس البحر الذي يلمعُ في مرايا الطبيعة ِ..
وإنما هو البحرُ الذي يسكنني منذ أمدٍ بعيدْ !
8
مستسلمًا لسهدي ،
رحتُ أصغي لغناءٍ يشبهُ
نحيبًا غامضًا يسيلُ من مكانٍ قصيّ..
لذتُ بصمتي ..
وإذْ بدمعٍ صافٍ ينهمرُ على وجنتيَّ ،
دافئًا ، وناعمًا كان هذا الدمعُ
الذي داهمني خلسة ً!
9
امرأةٌ بلونِ القمحِ ،
هادئةً تتبخترُ بخصرٍ ضامرٍ ،
وقامةٍ مجبولة ٍ من نخيلٍ ،
ونهدين عامرين يشبهان
غيمتين مليئتين بعسلٍ طائشٍ
أقولُ لنفسي :
ها أنتَ تحدّقُ مأخوذًا بما رأيت ،
وتطيلُ التحديقَ كمُسْتَلَبٍ ،
ما أجملكَ وأنتَ تُفْتَتَنُ بمن
قد تكونُ محضَ ذكرى ،
محضَ إطلالةٍ عابرة ٍ ،
أو محضَ طيفٍ جميل !
10
ليلاً ، وفيما كنتُ أقفُ في الشرفةِ
مستسلمًا لأرقٍ جميلٍ ،
وحيدًا كنتُ ، ومُفْردًا ،
بيد أني أحسستُ بأني كنتُ
عامرًا بالحشود !
11
في سمائهِ الواسعة ِ كحقلٍ وافرٍ من زرقة ٍ أنيقةٍ ،
حلّقَ عاليًا ، عاليًا ..
حين أدركهُ التعبُ ،
استقرَّ في عشِّ غيمةٍ مليئةٍ ،
وغفا قليلاً ..
..
..
حين أحسَّ بالظمأ ،
ارتشفَ الغيمة َ ،
وواصلَ التحليق ..
..
..
تُرى ، هل بمقدورِ طائرٍ أن يحيا وحيدًا
دونما غيمة ٍ أو سماء ؟
* جدة
صيف 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى