الاثنين، 12 سبتمبر 2011

رؤيا بقلم أسامة عفيفى خيرى شلبى والقلم المفخخ


















رؤيا بقلم أسامة عفيفى خيرى شلبى والقلم المفخخ

-
-

خيرى شلبى والقلم المفخخ

فى منتصف التسعينات، قابلته عند باب القاعة الرئيسية المجهزة للقاء حسنى مبارك مع الكتاب والمثقفين على هامش معرض الكتاب، وما إن داخلنا سويا حتى إستوقفه أحد أفراد (أمن الرئاسة) بعد أن أصدر جهاز الفحص إنذارا إثر عبور حقيبته الصغيرة، سأله الرجل بإبتسامة ثلجية حضرتك معاك إيه فى الشنطة دى؟ إرتبك عمنا خيرى شلبى وقال بتلقائية: متعلقات شخصية رد الرجل قائلا (حضرتك هتنتظر معانا شوية) والتفت إلية بابتسامته الباهتة قائلا: (حضرتك إتفضل) ودخلت، وظل عمنا خيرى شلبى واقفا بجوارهم، ومن بعيد راقبت المشهد..جاء خبير وفتح الحقيبة بعناية، ومررها على جهاز صغير وأخرج منها (قلما ضخما) كان عمنا خيرى يتباهي بأنه نسخة من مائة نسخة نادرة أنتجتها الشركة للدعاية ولكن (القلم العجيب) أثار ريبة وشكوك رجال أمن مبارك ففككوه قطعة قطعة ليتأكدوا إنه (قلم) وليس جسما مفخخا معدا لإغتيال (السيد الرئيس) !!!!! وبعد أن أطمئن إنه (قلم) أعادوه مفككا لعم خيرى معتذرين!!! هنا تـأمل خيرى شلبى قلمه الممزق..وتسائل بهدوء (ممكن أروح)؟! رد عليه السيد المسئول بنفس الإبتسامة الثلجية وبشكل قاطع: (طبعا لأ..إتفضل إدخل")..

ودخل خيرى شلبى إلى القاعة (منزوع الروح) يلهث.. وما أن جلس، حتى قال لى هامسا: (وربنا لأنتقم منهم وبنفس القلم) وظل صامتا طوال اللقاء.. بعد شهرين تقريبا إتصل بي قائلا: إشترى مجلة العربى وإقرأ قصتى الإنتقامية، وما إن قرأت القصة حتى إنفجرت في الضحك..وهاتفته فورا، قلت بسخرية: يا عمنا الجماعة إياهم عندهم حق..ده قلمك طلع مفخخا فعلا!! ردد ضاحكا (لأ دة مدفع رشاش)!! قرأت القصة مرة ثانية لأكتشف إنها من أبدع ما كتب خيرى شلبى فلقد أعاد رواية الحكاية كما حدثت وكما رأيتها ولكن من زاوية مشاعره وعينيه الساخرة خاصة ذلك المشهد الذى يرصد فيه تأمل الكاتب لقلمه وهو يتفكك فى أيدى (جلاوزة النظام) وعن مشاعرة المتأرجحة بين الشك والغضب، راصدا شعوره بالرعب لدرجة إنه يشك فجأه بأن القلم قد يكون مفخخا دون أن يعلم، والا فلماذا رصده الجهاز الدقيق؟؟!! قصة بديعة كتبها، بحرقة وغضب بقلمه المفخخ ليفضح غباء المؤسسة وغلاظتها الوقحة التى تدهس قلوب الناس، فجرسهم وسخر من غبائهم تماما كما يفعل الراوى الشعبى عبر أجيال وأجيال هذا الراوى الشعبى الحكاء الساخر هو الجد الأعلى لخيرى شلبى المبدع الذى استلهم منه أسلوبه المتفرد فى السرد الروائى ذلك الذى يتشعب إلى حكايات صغيرة تتوالد وتتوالد لتتجمع مرة أخرى ناسجة عوالم رواياته وبناءها الفنى غائصا فى مجتمعه متجولا بين الأزقة والحارات والقرى والكفور التى منها جاء وإليها ينتمى وفيها عاش حياة الضنك والفقر متنقلا بين المهن الصغيرة باحثا عن قوت يومه وهى المهن التى لم يخجل منها يوما، لأن الشريف لا يخجل من الكدح ...

ولقد أتاحت له هذه المهن أن ينهل من فنون وأصالة وحضارة هذا الشعب ليجسد فيما بعد فى كتابته ملامح البسطاء وروحهم كإنه رسام ماهر يصور تفاصيل الوجدان فتتجسد أمام أعين القراء وكأنها تماثيل صرحية عملاقة....وراح بقلمه (المفخخ) المشتبه به من قبل السلطات يرسم ملامح أحلام وآلام وإحباطات الناس ومسراتهم وخطياهم الصغيرة ببراعة وعشق ورغم إبداعه المتعدد والغزير ظل وفيا للتراث الشعبى فأسس سلسلة من أهم سلاسل هيئة قصور الثقافة نشر فيها عيون الإبداع التراثى الشفهى والبصرى ليحافظ على ذاكرة الشعب من الإندثار ليكون مكتبة ضخمة فى كل بيت تضم إبداع هذا الشعب العبقرى...وظل حتى آخر لحظة يكتب ويكتب وينثر الحلم والجمال والهوية دون النظر إلى المقابل المالى، فالطيور البرية لا تعرف غير الغناء ولم يعرف قلمه المفخخ يوما غير تفجير طاقات الأمل والحلم فى صدور البسطاء.

12-09-2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى