الأحد، 29 أغسطس 2010

حصلت الباحثة الشاعرة شيرين العدوي علي درجة الماجستير‮ (‬بامتياز‮)‬،‮




عن الغلمان،‮ ‬والقبلية،‮ ‬والرقيق،‮ ‬والصعاليك‮:‬ الحياة في أغاني الأصفهاني

والشاعرة شيرين العدوى




مني نور




عن الحياة الاجتماعية في كتاب الأغاني للأصفهاني‮.. ‬دراسة تاريخية نقدية،‮ ‬حصلت الباحثة الشاعرة شيرين العدوي علي درجة الماجستير‮ (‬بامتياز‮)‬،‮ ‬كلية دار العلوم جامعة القاهرة بقسم التاريخ الإسلامي‮.‬
قدمت الباحثة لدراستها بقولها‮: ‬إن مادة الكتاب‮ ‬غزيرة ومتنوعة وتمتد لتشمل عصورا متعددة،‮ ‬من العصر الجاهلي حتي العصر العباسي،‮ ‬وهي بذلك تكشف لنا عن امكانات كبيرة لهذا التاريخ،‮ ‬فأصوله مختلفة ومتنوعة وغنية،‮ ‬بفضل انفتاحه علي مختلف الأجناس والأقوام،‮ ‬والألوان والديانات والثقافات،‮ ‬مشيرة إلي أنه إذا كانت الوجهة الأولي للأصفهاني‮ »‬الألحان والأشعار‮« ‬فإن نهجه في التأليف وولعه بالأخبار‮ - ‬أيا كان مصدرها‮ - ‬جعله يقدم لنا صوت الهوية العربية في ظل ذلك التنوع الثقافي الذي يتسم صاحبه بالانفتاح علي الآخر،‮ ‬وتقبل ما يتفق مع أصوله وتقاليده‮. ‬وموضحة أنها طمحت من دراستها تقديم صورة للتاريخ الاجتماعي عبر عصور طويلة عاشتها شخصيات الكتاب،‮ ‬وصنعت ما فيه من أخبار‮.‬
ولم تنس الباحثة أن تسرد في مقدمتها الصعوبات التي واجهتها ومنها‮ ‬غزارة الحارة،‮ ‬موضحة أن هذه الغزارة قد تكون‮ ‬غزيرة في بعض الأحيان اذ تتيح للباحث حرية في التناول والمعالجة،‮ ‬ولكنها هنا كانت مجهدة فقد كان الأصفهاني يروي كثيرا من الأخبار في صور متعددة مع اختلاف محتوياتها أحيانا،‮ ‬ثم ان الاصفهاني موسوعي المعرفة يتحرك بحرية في مؤلفه وفي تقديمه لمادته،‮ ‬من اهتمام بالنسب إلي حديثه عن الشاعر أو المغني ومكانه في عصره،‮ ‬وقد يمزج بين الأخبار في تداخل‮ ‬مما يتطلب وعيا من الباحث،‮ ‬وحذرا في الوقت نفسه وهو يعالج المادة المختارة‮.‬
مشيرة إلي أن الجوانب الاجتماعية التي ضمها كتاب الأغاني‮ ‬يختلط فيها الجانب العقدي بالسياسي بالثقافي بالأدبي،‮ ‬وكل واحد من هذه الجوانب ينتمي إلي حقل معرفي مختلف عن‮ ‬غيره،‮ ‬وكان عليَّ‮ ‬أن أطوف في هذه الحقول وغيرها استيفاء لجوانب البحث المنهجي‮«॥‬

وأكدت الباحثة أن التاريخ من منظور التطوير والتغير الاجتماعي تاريخ شامل لكل محاور التاريخ الأخري،‮ ‬وهذا المحور الاجتماعي‮ - ‬وان لم يكن في استطاعته أن يتعمق في واحد من تلك المحاور الأخري‮ - ‬فإنه مطالب بابراز سمات التوافق والتلاؤم بين هذه المحاور التي تبدأ من منابع قد تكون مختلفة ولكنها في النهاية تصب في بحيرة واحدة هي المجتمع‮.‬
كما فندت الباحثة،‮ ‬فقد جاءت رسالتها في ثلاثة أبواب،‮ ‬الأول عن الحياة الاجتماعية في العهد الجاهلي،‮ ‬وفيه تناولت عناصر السكان وطبقات المجتمع،‮ ‬والحروب،‮ ‬والمرأة،‮ ‬وجاء الباب الثاني عن الحياة الاجتماعية في العصر الاسلامي منذ ظهور الاسلام حتي نهاية العصر الأموي وتناولت فيه أيضا،‮ ‬عناصر السكان،‮ ‬وطبقات المجتمع،‮ ‬والمرأة،‮ ‬بالاضافة إلي العصبية،‮ ‬والغناء،‮ ‬أما الباب الثالث والأخير فكان عن الحياة الاجتماعية في العصر العباسي،‮ ‬تناولت فيه عناصر البابين الأول والثاني فضلا عن الشعوبية‮.‬
وأكدت الباحثة‮ ‬رأيها‮ - ‬أن هذه العصور الثلاثة امتدت عبرها شرايين الحياة الاجتماعية،‮ ‬فشهدت ظواهر مستمرة،‮ ‬كما شهدت ظاهرية مستحدثة تزدهر أو تضمحل،‮ ‬مشيرة علي أن هناك تشابها في العناوين الفرعية للأبواب الثلاثة،‮ ‬ولكن هذا التشابه لايعني تطابقا في المحتوي،‮ ‬فالموالي‮ - ‬مثلا‮ - ‬كان لهم وجود وحضور وتأثير بارز في العصرين الأموي والعباسي،‮ ‬ولكنهم في العصر العباسي‮ ‬غيرهم في العصر الأموي،‮ ‬كان لهم دور وفاعلية وتأثير‮.‬
وانتهت الدراسة إلي عدة نتائج منها أن الطابع الشعبي ملمح أصيل في كتاب الأغاني وهو واضح من الفكرة الرئيسية التي قام عليها الكتاب‮ (‬مائة الصوت المختارة‮)‬،‮ ‬فهي بانحيازها إلي فن الغناء أدبية شعبية أو يغلب عليها ذلك،‮ ‬ولم يهتم الأصفهاني بفنون كالموشح والزجل‮।‬

وتوصلت الدراسة إلي أن الظاهرة الاجتماعية لاترتبط في نشأتها وتطورها وبقائها أو فنائها بعامل الزمن وحده،‮ ‬لأنها تخضع في هذا كله لعوامل كثيرة متشابكة وممتدة في الزمان والمكان،‮ ‬ومن ثم فقد تبدأ جذورها في عصر معين دون أن يلاحظ ذلك،‮ ‬حتي اذا ما تهيأت لها الظروف بدت في اتساعها وانتشارها وكأنها وليدة العصر الجديد وشواهد ذلك في الدراسة كثيرة منها شيوع ظاهرة الخمر والمجون في العصر العباسي،‮ ‬وقد ساعد عليها بعد ذلك كثير من الموالي في البصرة والكوفة،‮ ‬وشاعت آفة التعلق‮ »‬بالغلمان المرد‮« ‬والتخزل فيهم في العصر العباسي لها جذورها،‮ ‬اذ ترتد إلي فئة المخنثين في العصر الأموي وما ارتبط بهم من رقة وليونة،‮ ‬وتخنث‮.‬
وفيما يتصل بعناصر السكان،‮ ‬أشارت الدراسة في نتائجها إلي أن جزيرة العرب في العصر الجاهلي كانت تتألف من البدو والحضر مع‮ ‬غلبة العنصر الأول علي الثاني كما نلاحظ التحول الكبير الذي حدث لها بمجيء الاسلام واتساع حركة الفتوح الاسلامية،‮ ‬فتنوعت عناصر المجتمع العربي،‮ ‬وأصبح يضم الفارسي والرومي،‮ ‬والقبطي والتركي‮.‬
ورصدت الدراسة في نتائجها انعكاس عناصر السكان بصورتها السابقة علي طبقات المجتمع،‮ ‬اذ ظل العنصر العربي يمثل الطبقة الارستقراطية في العصرين الأول والثاني،‮ ‬أما في العصر العباسي فانه الواقع يثبت أن هناك عنصر آخر زاحمه في موقعه وهو العنصر الفارسي‮।‬

وتوصلت الباحثة إلي أن الرقيق والموالي ساعدوا في عملية المزج بين العرب وغيرهم وشاركوا في كثير من أوجه النشاط في الحياة الاجتماعية،‮ ‬وأسهموا بصورة فعالة في انتشار الغناء وازدهاره،‮ ‬وأصبح الموالي جزءا من نسيج المجتمع في العصر العباسي،‮ ‬بل زاد نفوذهم وتغلغلوا في شئون‮ ‬الدولة،‮ ‬فكان منهم الوزراء والامراء والكتاب والقواد والشعراء والمغنون‮.‬
وتوضح الباحثة‮: ‬لقد لاحظنا شيوع ظواهر كثيرة مع التحول السابق للطبقات الدنيا،‮ ‬إذ راجت تجارة الجواري والقيان،‮ ‬وعمرت قصور الخلفاء والأمراء بهن،‮ ‬وتبين أن ازدياد نفوذ الموالي كان وراء علو صوتهم وظهور تعصبهم لأبناء عرقهم وهو ما عرف بالشعوبية‮.‬
ولم يغفل البحث الصعاليك بوصفهم طبقة خارجة علي المجتمع لاتؤمن بالعصبية القبلية التي كانت أساس الحياة في العصر الجاهلي،‮ ‬بل تؤمن بقانونها الخاص القائم علي السلب والنهب،‮ ‬وتقسيم ما نتج في حوزتها علي أفرادها‮.‬
وقد حظيت‮ »‬العصبية‮« ‬باهتمام الباحثة لأنري،‮ ‬أنها شكلت عنصرا أساسيا من عناصر الحياة الاجتماعية،‮ ‬وقد تجلت في صورتها القبلية القائمة علي النسب أولا وعلي الولاء والحلف ثانيا في العصر الجاهلي‮.‬
ثم أفردت الدراسة للحروب فصلا أثبتت فيه أن الحروب في طبيعتها وعوامل اثارتها قد اختلفت في كل عصر،‮ ‬فكان الدافع لها في العصر الجاهلي هو تشبث الانسان العربي ببقائه والدفاع عن وجوده،‮ ‬ولكنه في العصور التالية اصطبغ‮ ‬بصبغة سياسية مذهبية ترتبط بنظام الحكم ومدي أحقية من يتطلع إليه‮.‬
وقد كشفت الدراسة عن عوامل ظهور الشعوبية،‮ ‬وكيف أنها ضربت بجذورها في العصر العباسي،‮ ‬وتطوراتها كمنت في الجوانب الخفيفة للموالي من الفرس والبرامكة وال طاهر‮.‬
ولفتت الباحثة في نتائجها إلي أن أبا الفرج الأصفهاني لم يوجه اهتماما كبيرا إلي الغناء في العصر الجاهلي،‮ ‬لأن الغناء في تلك الفترة كان ساذجا فطريا الأمر الذي جعلني لم أفرد له فصلا في تناول ذلك العصر،‮ ‬أما في العصرين الأموي والعباسي،‮ ‬فقد ارتقي من الغناء ارتقاعا‮ ‬غير مسبوق،‮ ‬ساعدني في ذلك اتساع موجة الثراء والترف وكثرة الأرماء والموالي وامتزاجهم بالعرب،‮ ‬وأبانت الدراسة عما كان للغناء من أثر في الحياة الاجتماعية،‮ ‬وكثرت المؤلفات التي تناولت هذا الفن،‮ ‬بل ان كتاب الأغاني نفسه لم يكن إلا ثمرة من ثمار هذا الاهتمام‮.‬


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى