السبت، 28 أغسطس 2010

محمود الأزهري في (قَبَّلْتُ وردتها )














يرسم عالما حداثيا داخل لغة صوفية بقلم / عاطف عبد المجيد

محمود الأزهري في (قَبَّلْتُ وردتها)


يَرْسمُ عالَماً حَداثيَّاً داخلَ لُغةٍ صُوفيَّةٍ


* بقلم الشاعر / عاطف محمد عبد المجيد.




في ديوانه (قَبَّلْتُ وردتها) الصادر حديثاً عن هيئة قصور الثقافة ـ سلسلة إبداعات.. يبحث الشاعر محمود الأزهري ـ كشعراء كثيرين في أزمنة شتى ـ عن مثالية مفقودة ، ورغم تَيقّنه من فقْدها وغيابها إلا أنه ـ وهذا هو حال الشعراء الأفلاطونيين ـ لا يزال يمتلك رصيداً ضخماً من الأمل في العثور عليها ذات مكان ما وذات زمان ما .


هذا عن الشاعر وديوانه ، أما عن لغته ، فهي لغة صوفية ينتقي الشاعر مفرداتها انتقاء الواعي البصير مبتعداً عن تلك التي تحوَّلت إلى جثث متْحفيةٍ وكذلك عن التي لا تُوصف إلا بالفجاجة والسَفَه: (يسجد في أروقة بهاء صفية /حتى يقترب من المحبوب ـ المحبوب /ولو حتى حدا /يبصر إذ يمشي في الظلمات /إلى المحبوبة في شقتها/الأشواك كما لو كانت وردا.) وكذلك وبدأت أخاف الله تعالى /من جراء اللغة المزروعة بي/حين ـ يَهمُّ القلب ليسجد/لا تعترض صفية/ما بين القلب وبين المحراب /لو جاز لنفس أن تُلعن من صاحبها/لَلَعنْتُ أنا نفسي.)


إنه هنا يبدو عاشقاً/مريداً في عالم محبوبته التي إن غضبت لحظة يبكي وينتحب ، بل يتجاوزحد البكاء والنحيب إلى حد ركْلِ العالم بالقدمين من أجلها إلى أن تهدأ تلك المحبوبة !


إذن لقد مثَّلت هذه المحبوبة كلَّ العالم بالنسبة للشاعر /المريد وبعد أن رسا بقواربه على ضفافها وسجد راضياً في هيكلها ، زهَدَ في كل شئ ما عداها ، إذ أضحت هي في عينيّ فؤاده العاشق /الصوفي كل شئ. أما قضية حقوق المرأة /بطلة الديوان فيتناولها الشاعر من خلال سطور قصيدته التي عنْونها بـ (أماني) مُتخذاً إياها مَطيّة للوصول إلى قضية كبرى أخرى وهي قضية الكائن الإنساني عموماً بكل ما يتعلق به من أشياء وأمور: ( تتضايق جدا/حين يقول الناس:/حقوق المرأة/وتقول:دعونا يا جهلة/نتكلم عن حق البني آدم.)


ولأن الشاعر قد مرَّ عبر أشواط حياته بتجارب عديدة منها ما تُوِّج بالنجاح ومنها ما لم يتوج، فهو لا يود ـ بَعْدُ ـ الدخول في تجربة أخرى وها هو يعلن ذلك صراحة في قصيدته ( قبلت وردتها )قائلاً: ( لا تدخلني في تجربة أمرّ من التجربة السابقة ، ولك عليّ أن أجئ إليك ملتحفاً بالبحر ، سائراً على الهواء ، صفية عن يميني ومريم عن شمالي ، ماذا فعل فؤادي حتى تحرقه بنار لظى سوى في عشق ضياك؟..بالطبع تبرز هنا النزعة الصوفية التي التحف الديوان سماءها ، تبرز بكل تجلياتها ، إذ جعل الشاعر من نفسه قُطْبا صوفي تجري على يديه الخوارق والمعجزات والتي لا تحدث ـ عادة ـ إلا لهؤلاء المتصوفة/الحالمين ، أو هكذا يحدث فيما يعتنقون من أفكار. وعلى هذا النحو تمضي معظم قصائد الديوان : ( روحك تتمزق/يا مولانا/فتمهل حين صعود السُّلَّمِ/حاول أن تجعل روحك تبصر من زاوية واحدة/حتى لاتجرح إحساس البصاصين/تحكم في ذاتك يا مولانا/لا ترقص حين تغني شعرا/حتى لا تنهار القيم التقليدية.)


وعبر قصائد الديوان نجد بطلة القصائد /صفية تتجلى حاضرة في بؤرة القصيدة ومرآتها عاكسةً حالة تعلِّق الشاعر /المريد بهذه المحبوبة ، إنها هنا توازي حضور البطل الأول/الشاعر ، فهل تجسد صفية في هذا الصدد ذلك المحبوب الكائن بالفعل ، أم هي إشارة إلى محبوب مُتَخَيل يأمل الشاعر في وجوده والعيش بصحبته ؟ ( أطلع شمس صفية للأكوان/المعجونة بالعشق /أطلع شمس صفية من ذاتي /خففها بلقاء حبيبين ) وفي موضع آخر يقول : ( ماذا تبصر في شرفات صفية أيضا؟/ماذا فعل القلب العربيد بجسد صفية حتى تجفو؟/يارب صفية /إن خطرت في القلب صفية /فاتركها ساكنة /هادئة/حتى تصحو!)


أما الصراع الذي يعانيه الشاعر فيما بين الحداثة التي تتربع على عرشها حالياً وبين الماضي الذي خارت قوى جنوده وقلَّ من يدافع عنه ، يتمثل هذا الصراع في قصيدة (الكارد) التي تقول : ( يا روحي تعالي هنا نجلس/أنا أزيل رتابة الأفكار عن عينيك/وأنت يا أنت فضمدي جروحي/يا هاتف لا تقل للمخبر/أني قلت لها يا روحي/فإياك أن تجيب أي سيرة للحداثة /فذلك يا هاتف أمر مخز وفاضح ومؤسف/كن مباشرا في الزلزلة /تقريريا في العشق /حتى لا يستعصي أمرك على العالين/وحتى يفهم العسس/كن محافظا على القافية.)


بالطبع نلمس هنا سخرية الشاعر الواضحة من أولئك الذين ما زالوا متمسكين بأذيال الماضي رافضين تماماً أي دعوة للدخول في حوار بنَّاء وحتمي مع الواقع الحالي بمعطياته الراهنة آنئذ.أما في قصيدته خطيئة تخطيط والتي يهديها إلى ﭼورﭺ البهجوري فنلحظ إشارات إلى حالات من التخبط والفوضوية التي سيطرت وتسيطر على العالم مؤخراً دون أن ينسى الشاعر أن يؤكد على حالة الاغتراب التي يحياها ، الاغتراب هنا ليس خارجياً بل هو اغتراب داخلي ، وهذا الاغتراب هو أشد وطأة وقسوة من الغربة : ( الخارطة تضيق عليّ/ أنا مغترب فيّ/من يعيدني إليّ؟/هل انتزعت عواصم البلاد الغريبة ذاكرتي مني؟) وكذلك تحفل هذه القصيدة بكَمٍّ من التساؤلات التي يحاول الشاعرأن يقرر من خلالها وجود حقائق لاغبارعليها ولدت على أرض الواقع فعلياً ، دون أن ينتظر إجابات على هذه التساؤلات. إضافة إلى هذا مازال الشاعر يمتلك روحاً يغلّفها التفاؤل ويحدوها الأمل في واقع جديد تختلف مفرداته عن هذا الواقع الذي نقع الآن تحت وطأته ونَيِّره ، إنه واقع مؤلم وغريب علَّ دماء تفور /تزرع الحدائق/تملأ البساتين /لعلّي أصنع حبلا /يشنق الوحش الكامن في أعماقي.) نعم نجد هنا في هذه السطور الروح التي تميل إلى المثالية والتي تطمح إلى كل ما هو أجمل وأفضل للإنسان أينما كان.وفي ختام هذه القصيدة يتساءل الشاعر عمن يقدر أن يقتل الحلم العربي فينا؟


وفي قصيدة موقف يطفو توجّه الشاعر السياسي على السطح ، خاصة وأن الشاعر يعالج هذا الأمر في شكل ولغة مباشرين : ( خذ موقفا من قضايا بلادك /تحيز !/إنني إذا ما قرأت النصوص تحددني/ولست أنا راغبا في التحيز.) وفي قصيدة ارتباط يُلمِّح الشاعر إلى حالة الارتباط الطبيعية التي تصل ما بين الشاعر والقصيدة حتى أنه يخاف الموت إثر رحيل أو مفارقة القصيدة له : ( القصيدة ليست هي الموت/ فلماذا تبكي قبيل/ابتداء القصيدة ؟/أوتخشى مفارقة الروح/هذا الجسد؟)


وعلى الرغم من بساطة مفردات ومعاني قصيدة حكاية إلا أنها من أروع قصائد الديوان حقاً ، يقول الشاعر فيها : ( تحكي سمر:/عبد الناصر بطل حلو/مشَّى عن مصر الاستعمار/فراح الاستعمار النار/ رحنا في المدرسة /نتعلم مصر الحرية/مصر صلاح الدين/مصر فلسطين/مصر الطور/مصر العنب الزيتون/مصر البحر المسجور/ تحكي سمر: رجل مجنون/من لا يعشق عبد الناصر.)


وهكذا طوَّف بنا الشاعر محمود الأزهري على متن ديوانه قبلت وردتها في عوالم متباينة ، رافقتنا فيها روح المتصوف /المريد مصطحباً معه أنثاه التي هي بمثابة المحراب الذي يُولِّي وجهه شطره ومحلقاً بنا في أفضية شتَّى احتسينا منها متعةً لا حدود لها وإن كنا قد عُدْنا منها بقليلٍ من الشجنْ .


الشاعر : عاطف عبد المجيد
.................................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى