الأحد، 29 أغسطس 2010

عبد الجواد خفاجي بعد خسارته التشجيعية في التصويت الأخير‮ :‬ لن أكون سعيداً‮ ‬بجائزة تأتيني‮ ‬علي جثث القتلي



عبد الجواد خفاجي بعد خسارته التشجيعية في التصويت الأخير‮ :‬

لن أكون سعيداً‮ ‬بجائزة تأتيني‮ ‬علي جثث القتلي







‮‬حوار‮ : ‬محمود سليمان ‮ ‬




يبدأ الروائي عبد الجواد خفاجي عامه الثاني والخمسين من عمره محملاً‮ ‬بمشروع ابداعي كبير بدأه‮ ‬بروايته‮ " ‬الراقصة والعجوز‮ " ‬الصادرة عن دار رقي‮ - ‬في‮ ‬بيروت‮ - ‬1986،‮ ‬ثم مجموعته القصصية‮" ‬تأريخ لسيرة ما ‮٠٠٠٢ ‬عن فرع ثقافة قنا وصولاً‮ ‬إلي روايته الأشهر‮ " ‬بغل المجلي‮ " ‬2007‮ ‬،‮ ‬الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب‮ ‬التي تصف وتسجل الواقع الثقافي والاجتماعي لريف صعيد مصر‮. ‬وهذه الرواية نافست علي جائزة الدولة التشجيعية لهذا العام،‮ ‬وقد نافست‮ "‬هدوء القتلة‮" ‬لطارق إمام وحصلت علي نفس الأصوات التي حصلت عليها رواية طارق امام لولا صوت مقرر اللجنة الروائي خيري شلبي الذي رجح كفة الرواية الأخيرة
‮ ‬خفاجي بدأ من هذه النقطة عن جائزة الدولة التشجيعية لهذا العام حدث ولا حرج،‮ ‬لقد تناقلت صحف قليلة ما دار خلف الكواليس،‮ ‬وكيف أن أعضاء لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة نبهوا مقرر اللجنة إلي أنه بصدد أن يمنح الجائزة لرواية مخالفة لقانون الجائزة ولوائح المجلس الأعلي للثقافة،‮ ‬ولكنه رغم هذا أصر علي أن يمنح رواية مخالفة للقانون جائزة‮ !! ..‬
‮ ‬من هنا حدثت المشكلة التي اضطر معها المجلس إلي سحب الجائزة بعد إعلانها،‮ ‬والأمر دفع وزير الثقافة إلي تحويل الموضوع برمته إلي مجلس الدولة للاستفتاء‮ ‬،‮ ‬وكان بإمكان أستادنا خيري شلبي أن يعفي المجلس الأعلي ووزارة الثقافة الحرج‮.‬
وقال‮: ‬علمت كغيري من الجرائد أن روايتي‮ " ‬بغل المجلي‮" ‬حصلت علي نفس أصوات الرواية المسحوبة جائزتها،‮ ‬لولا صوت مقرر اللجنة الذي كان مصرّاً‮ ‬علي مخالفة القانون‮ ‬،‮ ‬تماما كما كانت الرواية الفائزة مخالفة للقانون‮.‬
‮ ‬يري خفاجي أن رئيس اللجنة تسبب في مشكلة ضخمة‮. ‬يقول‮: ‬
أستاذنا خيري شلبي تسبب في أزمة محرجة ومضعضعة لسمعة الجائزة والمجلس الأعلي للثقافة ولوزارة الثقافة عمومًا،‮ ‬وكنت أحسب وهو من الواقفين ضد الفساد والمنتقدين له بشدة أن ينصاع لوجهة نظر بعض أعضاء اللجنة الذين نبهوه إلي أن‮ "‬هدوء القتلة‮" ‬رواية مخالفة لقانون الجائزة ولوائحها‮.. ‬إن الإصرار علي منح الجائزة لرواية مخالفة لقانون الجائزة ولوائح المجلس الأعلي للثقافة أمر مثير لكثير من الشكوك حول نزاهة اللجنة المحكمة،‮ ‬و يصب في خانة الفساد والأهواء والمصالح الشخصية،‮ ‬وليس في خانة الإبداع‮.. ‬صحيح أننا نعيش في أشد العصور فسادًا في تاريخ مصر كما يقول خيري شلبي نفسه في أحد كتبه،‮ ‬ولكن فيما أظن أن الرهان لا يزال قائما علي دور المبدع والمثقف عمومًا كحائط صد مفترض،‮ ‬وما حدث من خيري شلبي معي رغم قسوته سيظل كبوة لفارس أحترمه علي المستوي الشخصي‮.‬
خفاجي يؤكد علي أن الخطأ مشترك بين أكثر من طرف‮:‬
إن جوائز الدولة من الجوائز الرفيعة التي تمنحها الدولة للمبدعين والعلماء،‮ ‬ومن المفترض أن تتسم بالشفافية والدقة،‮ ‬وما حدث هذا العام في جائزة الدولة التشجيعية من منح ثم سحب،‮ ‬ثم لغط‮ ‬،‮ ‬أمر مؤسف لا ينم عن دقة في عمل اللجان ولا ينم عن أية شفافية مفترضة،‮ ‬وفي رأيي أن الخطأ مشترك بين المجلس بلجانه‮ ‬،‮ ‬والأديب صاحب الرواية،‮ ‬إذ كان عليه أن يسحب روايته من الجائزة فور حصولها علي جائزة أخري‮.‬
ويضيف لم تسلم جوائز الدولة من اللغط والعبث كل عام،‮ ‬وبالعموم إن جوائز الدولة لن تسترد عافيتها في ظل التوجه الرسمي لوزارة ثقافة القاهرة،‮ ‬وإن شئت وزارة ثقافة المؤسسة الرسمية المهمومة بتنصيب النخب التي لم ينتخبها أحد،‮ ‬أو البط المزغط حول مظلة النظام الرسمي بمعزل عن ثقافة الشعب،‮ ‬وبعيدًا عن كنوز مصر الثقافية فوق أطراف الخريطة المصرية‮. ‬ولعل هذا ساهم إلي حد كبير في خلق حالة من الشللية والتربيطات تحت المظلة الرسمية،‮ ‬وثمة ديمومة لوجوه بعينها فوق الكراسي،‮ ‬والوزارة‮ ‬مهمومة أحيانا بتوسيع حظيرة‮ »‬البط المزغط‮ ‬،‮ ‬أو تجميل الوجه القبيح لها عندما تتجه بالجائزة إلي واحد من المنسيين في الأطراف،‮ ‬أو واحد ممن يستنكفون هذه الحظيرة المليئة بالقرقرات النشاذ التي تزدري ثقافة هذا الشعب‮.‬
هل يمكن أن يلجأ خفاجي إلي القضاء في حالة حجب الجائزة ؟ يقول‮:‬
مهما يكن وضع الجائزة،‮ ‬ومهما كنت مستحقا لها‮ ‬،‮ ‬وعلي افتراض جدلي أنها رست عند شاطئي ؛ فإنني الآن بعد هذا المسلسل الدرامي الذي حدث‮ ‬،‮ ‬لن أكون سعيداً‮ ‬بجائزة تأتيني علي جثث القتلي،‮ ‬لقد كسر خيري شلبي فرحتين لا فرحة واحدة،‮ ‬وكان بيديه أن يتغلب علي هواه،‮ ‬ولكن فيما يبدو هي كبوة الجواد،‮ ‬لفارس ما كنت أتمني له أن يكبو‮.. ‬وبالعموم إن شعوري بأن فساد الذمم وراء إبحار الجائزة إلي شواطئ أخري شعور مؤلم،‮ ‬قد يدفعني إلي اللجوء إلي القضاء في حال حجبها‮.. ‬يجب ألا نستسلم بسهولة لأهواء الآخرين،‮ ‬والمخالفين للقانون،‮ ‬خاصة فيما يتعلق بالمال العام‮.‬
وعن الرؤية التي يطرحها في أعماله الإبداعية يقول‮:‬
تجربتي الأدبية الروائية مخلصة بشدة للصعيد وإنسانه بهمومه وقضاياه الملحة‮ ‬،‮ ‬ولا أعتقد أن ذلك شيء هين روائياً،‮ ‬فليست المسألة‮ ‬مجرد أن تأتي الحكاية عند مستوي ما من السحرية التي تتكئ جماليا علي مفردات الصعيد إنسانه وبيئته،‮ ‬فهناك من وظفوا الصعيد جمالياً‮ ‬في تجاربهم الحكائية بيد أنهم عاشوا وماتوا بلا قضية،‮ ‬مشمولين بالعجز عن الكشف عن الجذر التاريخي لهذا الذي يرصدونه،‮ ‬أو القدرة علي الربط بين الظواهر في إطار شمولي يعكس وعيهم بالتاريخ‮ ‬،‮ ‬أو الرصد وفق فلسفة خاصة تشف عن وجهة نظر ما‮ .‬
هناك فارق بين أعماله،‮ ‬وبين أعمال آخرين يتناولون الصعيد‮:‬
الإشكالية تبدأ من تحديد الفارق بين استغلال الصعيد جماليا وبين الإخلاص له؛ فكلمة إخلاص تعني أننا لا يجب أن نستثني الصعيد بقضاياه وهمومه،‮ ‬فكثير من التجارب الروائية في صعيد مصر تستثني هموم هذا الصعيد،‮ ‬وكثير منها يتحلي بأخلاقيات العزلة عندما تصبح مهمة الأدب في هذا الإطار تسجيلية أكثر منها رؤيوية أو إبداعية‮.‬
‮ ‬لدي عبدالجواد أعمال كثيرة لم يتم نشرها إلي الآن‮:‬
‮ ‬نعم لدي ما أباهي به من مشروع روائي‮ ‬غائص في البيئة والمجتمع الصعيدي،‮ ‬وكثيرا ما صرحت أن لديّ‮ ‬من إبداع جاهز للنشر يكفي لتشغيل مطبعة آلية لمدة عام،‮ ‬لكن من المفترض أننا محترمون لا متسولين‮ ‬،‮ ‬وكل أمة تحول مبدعيها إلي متسولين هي أمة جاهلة،‮ ‬وكل أمة لا تحترم الثقافة والإبداع والعلم هي أمة ميتة،‮ ‬والتاريخ لا يحفل بالموتي‮. ‬في الوقت نفسه أنا لا أمتلك المال اللازم للإنفاق علي نشر كتاباتي،‮ ‬يكفي ما أنفقته من عمر ومال وجهد في الكتابة نفسها‮. ‬بالطبع ليست لي أية أعمال منشورة ضمن سلاسل الهيئة العامة لقصور الثقافة،‮ ‬رغم أنني لم أكن مقصراً‮ ‬في التقدم بأعمالي لهذه السلاسل،‮ ‬لكن ربما لأنني لا أحبذ التسول علي أبواب الهيئات الحكومية الموبوءة بالروتين،‮ ‬ولا ألجأ إلي إراقة ماء الوجه،‮ ‬وبسبب جهارة آرائي وخاصة في مجال النقد الأدبي،‮ ‬وربما لأنني واحد من رهبان الجنوب العصاميين،‮ ‬ربما لكل ذلك لا ينشرون لي،‮ ‬ودعني أعترف لك إن آليات العمل في هذه السلاسل متعبة ومقرفة،‮ ‬وأنا أنفر من التعامل مع هذا القرف،‮ ‬والأجدر أن يكون لغير هيئة قصور الثقافة دور في مسيرتي الأدبية‮.‬
يمزج الروائي في أعماله بين أمرين،‮ ‬البيئة الصعيدية،‮ ‬وتاريخها،‮ ‬يقول‮:‬
نعم لدي رؤيتي الخاصة التي تطمح نحو الشمولية،‮ ‬ونحو الارتكاز علي التاريخ،‮ ‬فالصعيد ليس مميزاً‮ ‬ببيئته وإنسانه فقط،‮ ‬ولكن بتاريخه أيضا‮ . ‬وكل كُتَّاب الرواية في صعيد مصر علي ندرتهم يسعون إلي استغلال المعطي البيئي وخصوصية الشخصية،‮ ‬ولكنهم يهملون البعد التاريخي ولا يسعون إلي تقديم رؤية بانورامية للواقع الصعيدي،‮ ‬فيما تظل الرؤي لديهم جزئية تماما كالجُزر المفصولة في البحر الكبير‮.‬
وعن الأعمال التي ترصد الأحوال في الصعيد يقول‮:‬
‮* ‬نعم هناك مسرب روائي في صعيد مصر معني بالتصوير الطوبوغرافي للريف الصعيدي،‮ ‬ملتمسًًا قضايا إنسانية عامة،‮ ‬تجد محورها في الإنسان الريفي البسيط وأوضاعه المزرية،‮ ‬وربما صادفنا في هذه النصوص بعض التركيز علي القضايا الاعتيادية كالثأر والفقر،‮ ‬وربما الانحرافات الأخلاقية،‮ ‬وربما العكس أيضاً‮ ‬عندما تشرع في رصد حميمية الروابط العائلية والأسرية والقبلية‮.. ‬مثل هذه التجارب لا تبدو مهمومة بغير إعادة إنتاج الواقع،‮ ‬واستغلال جماليات المكان،‮ ‬مؤكدة فقط انتماءها إلي هذا الواقع الذي ترصده دون أن تكون معنية بترصُّده،‮ ‬أو محاولة موضعة هذا الذي تراه في إطار شمولي عام،‮ ‬أو بالمعني هي عاجزة عن أن تقدم تصوراً‮ ‬تاريخياً‮ ‬وإنسانياً‮ ‬لما تراه،‮ ‬وأحيانا نطالع تجارب روائية لها طابع ساخر،‮ ‬ولكننا لا نلبث كثيرًا حتي نكتشف أنها سخرية جوفاء،‮ ‬أو لمجرد السخرية والاستظراف‮.‬
‮ ‬يقول‮: ‬الحضارة عندي ليست آثارًا أو حجارة‮ ‬،‮ ‬هذا هو منطق البلهاء،‮ ‬والإنسان ليس مظهرًا،‮ ‬ولا مجموعة عادات فحسب،‮ ‬والبيئة ليست هي الطبيعة وليست هي الجغرافيا فحسب‮.. ‬كل شيء عندما يتجسد في الواقع يصبح تاريخًا،‮ ‬والتاريخ سلسلة واحدة،‮ ‬والتاريخ في جوهره صراع ونتائجه حتمية،‮ ‬وعلاقتنا به ديناميكية ومتبادلة،‮ ‬أو بالمعني هو يصنعنا كما نصنعه،‮ ‬ومن ثم فكل ما نراه أمامنا مجسداً‮ ‬في صعيد مصر من تخلف وبدائية وسلوك عشوائي وعدواني وعادات وتقاليد نمطية وسخيفة وما نراه من تدن ثقافي وطرق تفكير عقيمة وطرق معيشة لا آدمية،‮ ‬وما نراه من مستوي اقتصادي وسياسي متدهور‮ .. ‬كل ذلك صناعة تاريخية،‮ ‬ونتائج صراع تاريخي وحضاري تم علي أثره استعباد ونفي الصعيد منذ أن صَدَّر حضارته إلي العالم وأدي دوره التاريخي والحضاري،‮ ‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى