





















* * * *
أخيرا، أنا في شوارع القاهرة أو مصر ( كما يسميها المصريون )..
بعينين نهلتا من الثقافة والسينما المصرية، ارتشفت تفاصيل الشارع المصري مقارنة بين الفكرة المُسبقة والواقع. انطلاقا من ميدان طلعت حرب مرورا بميدان التحرير ثم بتاكسي إلى مصر الجديدة. حيث كانت الشاعرة ميسون صقر تقيم في بيتها أمسية تأبين للشاعر الراحل أسامة الدناصوري مع ثلة من أصدقائه المبدعين، محتفين بصدور كتابه الأخير "كلبي الهرم، كلبي الحبيب".
في الشوارع التي كانت تنبض بالحياة، لم أشعر بالزحام المصري الشهير. بدا لي الزحام أمرا نسبيا ومتوقعا في مدينة هي عاصمة البلاد. أو ربما أنني لم ألحظ الزحام بسبب أجازة نصف العام الدراسي.
الشارع المصري متناقض بتفاصيله من الأفيشات السينمائية الجريئة ومحلات الملابس باذخة العري وصارخة الألوان إلى نسبة التدين المرتفعة، من تجاور صور المغنين الغربيين إلى كتب الفكر على نفس "بسطة" الكتب ...
يصعب أن تمشي في شوارع القاهرة دون أن تقبض عليك مكتبة أو "بسطة" للكتب...
يصعب أن تركب "المترو" و لا تجد شخصا واحدا على الأقل يقرأ، ليس هاما ماذا يُقرأ في "المترو" "كمشهد متكرر" بقدر أهمية فعل القراءة كضرورة حيوية.
* * * *
أن تزور القاهرة يعني أن تزور الأهرامات و المتحف الوطني.. و..
أن تزور القاهرة يعني أن تزور جامع الحسين والسلطان حسن وأن تسافر عينك مع النقوشات والنمنمات الإسلامية....
هو أن تغمض عينيك في رحاب المسجد حيث لا صوت إلا صوت السكينة وهمس بضعة سياح مبكرين "كانت الساعة التاسعة صباحا". أمشي حافية ممررة يدي على الحيطان، كم مر على هذا المكان من سنوات و أشخاص وحكايات؟
ليلا ذهبت لجامع الأزهر. (حتى و لو كان هذا لدقائق، مع الاكتفاء برؤيته من الخارج لأن الوقت حينها كان موعد صلاة العشاء).
مكللا بهيبة المعمار الاسلامي و هيبة التاريخ، كان الجامع عظيما في جماله الخارجي. من هناك أخذني الأصدقاء لخان الخليلي "ألتفت إليه في نظرة أخيرة واعدة نفسي بالعودة".
من يمكنه أن ينشأ على أدب نجيب محفوظ و يقاوم زيارة المقهى التي كان يجلس و يكتب فيها؟ توجهنا مباشرة إلى مقهى"الفيشاوي" حيث كان يجلس أديب نوبل. المكان مزدحم و التمكن من الحصول على طاولة هو انجاز في حد ذاته.
كان هناك الكثير من السياح في المقهى بجنسيات مختلفة. والصبي الذي باعني "جلابية"، راح يتنقل بين الطاولات عارضا البضاعة، بنفس سهولة تنقله بين اللغات عند تحدثه مع زبائن المقهى، من الاسبانية مرورا بالانجليزية الى بضع كلمات بالروسية.
أسأله كم عمره وماذا يدرس؟ يجيبني بشقاوة "حداشر و بدرس دبلوم فلاحة. تشتري شبشب؟"
بعد جلسة المقهى التي قطعها سيل لا ينتهي من الباعة، تسللنا إلى محلات خان الخليلي. رائحة الشيشة تفاح او "التفاحة " عالقة بنا.
لا فرق كبير بين روح خان الخليلي و روح المدينة العتيقة بالمدن التونسية. تُسمى عندنا أيضا " المْدينة العربي " أو "الأسواق".
في خان الخليلي تستمد البضاعة جمالها من التاريخ الفرعوني كمرتبة أولى ثم الاسلامي، في المدينة العربي بتونس العاصمة أو بالقيروان تستمد البضاعة روحها و جمالها من الموروث الاسلامي والأندلسي.
بالطبع تلتقي الثقافتان في أشياء أخرى كثيرة. مثال آخر: منذ وصولي التقطت صورة "تانيت " على أفيش إعلان مسرحي. ثم في محلات الحلي بخان الخليلي.
في الثقافة الفرعونية تسمى بـ"مفتاح الحياة". مفتاح للحياة ما بعد الموت التي كان الفراعنة يعدون لها مسبقا. أما في الحضارة القرطاجنية فـ''تانيت" هي رمز للمرأة الخصب، واهبة الحياة للبشر و للأرض بعد الجدب.
في خان الخليلي بحثت عن "الجعران". كان بالطبع متوافرا في كل المحلات وعلى كل البسطات و في أشكال و ألوان مختلفة، ولكنني كنت أبحث عن واحد بذاته. أقول للبائع أني أريد "جعرانا" كالذي وصفه الروائي أمين معلوف في روايته. يجيبني بسرعة "آه آه أنا أعرفها...."
في ما بعد أضحك مع الأصدقاء متسائلة ترى لو قلت له أريد جعرانا كالذي وصفه كاواباتا في احدى رواياته. ماذا كان سيجيبني؟ بالتأكيد نفس الإجابة و بنفس الحماس .
* * * * * * *
لمصر أن تفخر بتاريخها الممتدة جذوره عميقا ...
لا يمكن لأي سائح أن يأتيها ويفوت على نفسه متعة مشاهدة الأهرامات مباشرة. هي متعة خالصة لا يفسد رحلة الوصول إليها إلا سيل من سائسي الخيل المتواطئين مسبقا مع سائسي الجمال.
سيل يبدأ هجومه في الشارع الرئيسي المؤدي إلى منطقة الأهرامات، لحظة توقف سيارة الأجرة عند أول إشارة مرور. يفتح شخص ما باب سيارة الأجرة بغتة و بدون إذن من السائق يجلس على المقعد المجاور له. شخص آخر يحاول فتح الباب المجاور لي. (من جهتي أقوم بغلق الباب. تذكرني المسألة بعملية اختطاف في فيلم ما) يتبين أن الرجل صاحب "حنطور" و أنه يبحث عن مصلحتنا و أنه سيأخذنا إلى الأهرامات بأسعار مناسبة....الخ. لن يتمكن السائق من إقناعه بالنزول إلا بصعوبة بعد أن يتبادلا الشتائم و التهديدات.
يتكرر المشهد في ما بعد على الأقل ثلاث مرات أمام نظرة رجل المرور اللامبالية. يسلمنا سائق التاكسي الشاب لصاحب "حنطور" (يتبين أنهما متفقان مسبقا). نتفق مع الأخير على مائة و ستين جنيها لترتفع فجأة وسط الرحلة إلى مائتين و أربعين جنيها لأن الرحلة كاملة و ستدوم ساعة و...... و... مكررا بين الجملة و الثانية أنه لا يعاملنا معاملة الأجانب و أننا بردو عرب و إخوة.
طبعا من مكان ما يخرج سيل لا ينتهي للباعة، باعة تذكارات مزيفة، باعة أشياء تافهة.أتوقع في لحظة أن يخرج بائع من مكان ما و يطلب منا دفع ثمن الأوكسجين الذي نتنفسه هنا.
بالرغم من أن كل هذا كفيل بتشويه أكثر اللحظات رونقا و جمالا، إلا أنني حذفته من ذاكرتي واحتفظت بصورة الأهرامات الستة مع الصحراء كخلفية للمشهد. احتفظت بمشهد الحمام خلف الأهرامات، هناك قربها...حمام كثير. متسائلة أي تميمة تجذب الحمام هنا؟
في طريق العودة لـ"وسط البلد" مررنا بالمتحف الوطني في زيارة خاطفة كانت كافية لتسرق مني شهقات متتالية.
يحق لمصر أن تفخر بتاريخها ولزاما عليها أن تسترجع كل آثارها المسروقة.
* * * *
مساء الإثنين ..
أردنا التوجه لـ"ورشة الزيتون" حيث سيناقش "أيام الحصر " للروائي جمال الغيطاني لكن القاهرة حينها كانت مبتلة حد النخاع والسعار اليومي لسيارات الأجرة كان قد اشتد أكثر تحت المطر ولا سائق يهتم بأن يتوقف.
بعد يأس، تتوقف سيارة أجرة،لكن السائق لا يعرف "ورشة الزيتون" ...نقول له قبالة مقهى "ألف ليلة وليلة"، لا يعرفها أيضا، ينزلنا على مسافة شارعين من المكان، لتبدأ حينها رحلة البحث بسؤال المارة. طبعا السؤال لا يبدأ بـ: من فضلك "ورشة الزيتون" ؟ بل: من فضلك هل تعرف مقهى " ألف ليلة وليلة" ؟
تقريبا يتكررهذا السيناريو حرفيا في كل المدن العربية...سيناريو البحث عن مؤسسة ثقافية اعتمادا على إسم محل أو مقهى يكون أكثر شهرة "- لدى المواطن - من المؤسسة الثقافية.
حين وصلنا كان قد مر من الندوة أكثر من نصفها
* * * *
مصر ليست النيل و الأهرامات و الأزهر و الفن و الأدب، ليست هذا فقط.
مصر هي الإنسان المصري...
" مين الي محنيلك خضار؟
الفلاحين الغلابة....
مين الي محنيلك عمار؟
عمالك الطيابة...."
( من أغنية لمحمد منير)
مصر هي عامل الفندق الذي يحدثني عن نجيب محفوظ باعتزاز...
هي عامل المصعد و بائع الكشري و بائع الصحف النائم في عراء الشارع و برد الشتاء. هي البنوتة "أمل": "و النبي اديني جنيه يا أبلة."
هي سائق التاكسي الذي أحدثه باللهجة التونسية فيجيبني: "أهلا بـ"عُلية" (مغنية تونسية من جيل الستينات)
هي البائع العجوز في سور الأزبكية الذي لا يهتم بشرائي كتبه بقدر اهتمامه بالدفاع المستميت عن صوت عبد الحليم. بدأ الحوار بأن تونس أعز ناس و أن فريد غنى عن تونس الخضراء. انت بتحبيه؟
أجيبه أني أحب عبد الحليم أكثر. لكن هذه الأيام تامر حسني و. يقاطعني بالطبع قائلا بأن عبد الحليم هو الأفضل ولا أحد بعده. يشعرني بأنه لا يدافع عن صوت فنان بقدر ما هو يدافع عن رمز أو معلم من معالم مصر.
****
القاهرة التي وصلتها ذات خميس والساعة تقارب السابعة مساء رحلت عنها في نفس التوقيت ويوم خميس أيضا، في دائرية أسبوع خاطف و كاف لتكتنز محبة مصر في قلبي ...
الإطلالة الأخيرة:
القاهرة من عل تستعد لليلها الفاتن...
.........
المصدر: مجلة الفوانيس
تأملات طائر
شعر :
محمود مغربى
إهداء
إلى أبى
و أمى
إلى قنا
الإنسان والمكان
* إلى الأحبة
هنا : وهناك
محمود
......
* يا حلوةَ العينينِ
والهندامِ
والجسدْ ..
يا غنوةَ التوجّعِ الخفىّ ..
يا صبوةَ القبيلة ..
أستحلفكْ
بالعشبِ
وجسرِنا الصغيرِ ..
أن تصعدى ..
وتصعدى ..
لتشعلى قنديلىَ المُطْفأ
وتنقشى الحكايا
- فى غيمِ قريتى !
***
تأملات طائر
*******
* قديماً ..
قدَّمَتْ فتنتها
للصبية الصغارِ
للصوصِ ..
لعابرِ الســبيلِ ..
واليومَ ..
لا أحــدْ ..
لا أحـــدْ ..
فقطْ ..
بعضُ ذكرى ..
وصمتٌ طـويلْ !
***
* الصباح
الذى كم تباهتْ به
تمامًا تلاشى
رغم ذلك ..
لسلطانِهَا
سطوةٌ فى قلبِ عُشّاقِها !
***
* طائرى العنيدْ
ما زال يبحثُ
عن شُجيْرَةٍ
ونافـذةْ ..
ليــبدأَ الغناءْ !
***
* شهرَزادْ
ودَّعَتْ بستانَها
حكاياها
رغم ذلكْ ..
تُهَندسُ المساءَ فى هدوء !
***
* إلى حَتْفِهِ يمضى
إلا من جِراحِهِ
وبقايا حَرَسْ !
***
* الصبابةُ ..
خبأها الحُرَّاسُ فى الخرابْ ؛؛
لا شمعَةٌ هناكْ ..
لا رفيقْ !
***
*ناديتُ يا سحابةْ
أمطرى ..
خُذى نصفَ عمرى
وأمطرى فقطْ
لأُنْقِذَ ما تبقَّى من صِبَاى !
***
* السندبادُ
فارعُ اليدين فى منفاهُ ..
يُسائِلُ الجموعْ :
مَنْ يُعيرنى قيثارةً ..
كى أرمّمَ ما تبقّى من جَناحْ !
***
* الناسُ فى كلَّ مرّةٍ ..
يَسْرقونَ الخُبْزَ ..
وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ ..
تشعلُ عتمةً
تستعيدُ الصغارَ
واحدًا
واحدًا ..
كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !
***
العاشق
والمعشوقة
******
* يا الله ..
يا واهبَ النورِ ضياءَهْ
هل كان النورُ ليدركَ سطوتَهُ
لولا وجودُ الظلمةِ ؟!
***
* هىَ
شمسٌ شرقيَّة
تكرهُ مغربَها
دخلتْ بإرادتها
كوكبَها الذُّرّىْ
كوكبُها ..
لا يسكنُهُ
إلا عشَّاقٌ فقراءْ !
***
* هىَ
نورٌ يمشى
يهتزُّ الشارعُ طربًا
يَرْتَجُّ ..
يَنسى حكمتهُ
يصيرُ الشارعُ حانةَ عشقٍ ..
والناسُ ..
رؤوسٌ يتخطَّفها الطيرُ !
***
* البنتُ المعشوقةُ ..
قالت للولدِ العاشقِ :
يا مجنونْ ..
لن أُسْكِنَ جسدى
إلا روحًا مدهِشَةً
هل تملك روحًا
مُدْهشةً ؟
يا مجنونْ !
قالَ العاشقُ :
آهٍ .. آهٍ ..
فالرُّوحُ المدْهِشَةُ ..
هرَّبَها الشَّاعرُ فى جُعْبَتِهِ ..
وأنا مسكينٌ ..
لا أملكُ
إلا قلبًا
عشَّاقًا
مَسْنُونْ !
......
* كلَّ مساءٍ ..
فى دفترهِ المتْخَمْ ..
يستودعُ شَيبَتَهُ ..
ينسلُّ وحيدًا
من بين الفقراءْ ..
ينسلُّ ..
يصادقُ روحًا
لا يقْربُهَا الدُّودُ
ولا يسْرِقُها الطاغوتْ ..
هىَ رُوحٌ ما زالتْ ..
تشدو فى كَبَدٍ
للخالقِ ..
للملكوتْ !
***
* قالتْ :
عُدْ من حيثُ أتيتْ ..
لا تتبعْنى ..
فأنا نارٌ !
قلتُ :
للنَّارِ سأمضى ..
علِّى أشْعِلُ بعضًا
من ثلجِ السنوات !
***
* موالٌ شرقىٌ
أغوى صبَّاره
فتَّحَ كلَّ نوافذَ فتْنَتها المخبوءَةِ
ولاذَ بالفرارْ !
***
* الرَّبَابُ
ما زالَ مشدُودًا
وأنتِ ..
هناكَ ..
وأنا ..
هنــا
رغْمَ ذلكْ ..
طارتْ عصافِيرُنَا
لِتَبْلُغَ المنتصفْ !
***
* طارَتِ الفراشاتُ من يدىَّ
إلاَّ فراشةٌ
عَبُوسْ …
قلتُ :
لِمَ المكوثُ والجَمْعُ طارْ ؟!
قالت :
يا طبيبُ …
لَمْ أُشْفَ بَعْدْ !
***
* فى مقهى الشيشةِ ..
كلَّ مساءٍ ..
يأتى النادلُ
بالشاى
بالنرجيلة
بالنار ..
ويهمسُ :
"هل قابلتَ امرأةً " ..
( لَمْ تَذُقْ حلاوةَ القُبَلْ ،
لَمْ يضاجِعْ عُرْيَها أحَدْ ) (1) ؟!
- ………………… هل ؟!
.......
من كراسة
القروى
.......
الولد القروى
جاءنى صوتُها فى المساء
صاحبى :
قد ضللتَ المروجَ الَّلواتِى نَبَتْنَ على شاطئىّ
ضللتكَ المنَافِى …. ،
فما عادَ يُجْدِى التَّيَمُّمُ
والنهْرُ خلفَكَ
ما عادَ يُجْدى ..
فالغزالةُ
ليسَتْ هناكَ
كى تميلَ على شاطئيكَ
وترشدَكَ صوبَ القصيدةِ
تسقيكَ من نهدِها فَرحًا طازجًا ..
وليستْ هنالِكَ جنيَّةٌ ..
تدنو
لتُكَرْمشَ ثوب المسافات
تُدخلَكَ فى حقلها الدائرى
تربتُ فوق سمائك /
دومًا تباركُ
أنجمَكَ المتعَبات ،
تنثُرُ حولكَ ..
كركرة العُرسِ
تفعيِلَةً للغاتِ العصيَّة .
أيها الصوتُ ..
إننى الولدُ القروىُّ
ولا يأسَ فى غيمتى
عتمَتى ..
إننى الآنَ …
أُخرُجُ من حقلكَ
فَرَسًا
يستعيدُ المباهجَ
والأوسمةْ !
***
........
أبى
أبى
ما عادَ يمسكُ غرَّةَ الفجرِ
أبى
فأسُهُ الهائجُ ما عادَ يرقصُ
تحتَ إبطه !
فقط …
يلوكُ دمعةً ..
يدخلُ كونًا غائمًا !
أبى
تحتَ شمسِ الشتاءْ ،
ساعةً يتمتم للحفيدِ الصغيرِ :
هناكَ ..
هناكَ فى الحقول البعيدةِ ..
هناكَ ..
تحت جذعِ نخلةٍ
ترقدُ أعوامى الخمسونَ مستيقظةْ ..
آهٍ ..
هل تسمعُ أنَّاتها
يا صغيرى ؟
هل شممتَ الآنَ أعوادَ الحطبْ ..؟
للشاى طعمٌ
حين ينضج فوقَها ،
يا صغيرى ..
كان خبزُ القمحِ حلوًا
كيفَ لا ..؟
وهو نبتُ سنبلةٍ
رافقتُها يومًا
فيومًا
شهرًا
فشهرًا
حتى جاء موعدُها /
الحصادْ !
يا صغيرى ..
تُربتى مَجْلوَّةٌ ..
- كانت -
أنثى تُهَيّئُ نفسَها للبوحِ
دومًا
فى الفصولِ الأربعةْ ..
وحدَها كانت ..
تشاطِرُنا الْعطاءْ ..
قمحًا فى صوامعِنا
لبنًا فى بطونِ صغارِنا
ثوبًا طويلاً يسترُ أبدان الصبايا ،
عرسًا سماويًا
لا يخاصِمُه الغناءْ !
ساعةْ أخرى ..
يقفزُ نَعشُ جارتِه
إلى عينيِه ..
ينأى ..
ساحبًا محراثَه
خفيضٌ صوتُهُ
يوصِدُ أبوابَه
ويمضِى !
.........
وحيدًا
يدق الأجراس
********
إلى العاشق الإنسان :
صفوت البططى .....
طفلٌ
عشاقٌ
نَزِقٌ
قديسٌ يلتحفُ حكايا الفُقراء ..
يدخلُ لحنَ البسطاءِ رهيفًا ..
يصحبُ
نايًا
دفًا
يصحبُ أغنيةَ الشعبِ بلا صخبٍ ..
طرقاتُ المسرحْ
تُسكِر سمعهْ ..
ويذوبُ
يذوبُ
كدرويشٍ فى حضرةِ سيدهِ
فى المولدِ ..
يرهفُ سمعهْ
لربابٍ يَشكو هَمّه
تُوجعهُ النغمة ..
يَفرُّ ..
يَفرُّ إلى صحبتهِ ..
يَفْردُ أوجاعه ..
يُخْرِجُ أضلاعهْ ..
ضِلعًا ..
ضِلعًا ..
يَنْشُد :
للحبِّ سُلَّمَ من وُردٍ
لا يَقربْهُ ..
لا يملكُ فَكّ طلاسِمهِ
إلاّ إنسانٌ ..
أو طفلٌ
عشاقٌ ..
نزقٌ ..
أو قديسٌ يلتحفُ حكايا الفقراءْ
طفلٌ ..
عشاقٌ ..
نزقٌ ..
يدخلُ بابَ الشعرِ
صبيًا
يملكُ أحلامًا
مُدهِشةً
يدخلُ أبوابَ الحبِّ ..
جنوبيًّا ..
لا يرهبهُ خرابُ العالَمِ
لا يُثنيه ضياعُ العمرِ ..
ها هو يصعدَ ليلةَ عيدِ الميلادِ
وحيدًا
مغتسلاً ..
ويدق الأجراسْ !
.......
عتمة
تنادى عتمةُ المقهى
علىَّ ..
كلانا صار عُريانا
بلا شهوةْ !
كلانا ..
صار منسيًّا
بلا أبديَّةٍ تُذْكر !
كلانا يغادرُ المقهى
بلا قهوةْ
بلا سُكَّر !!
ونمضى فى تُخُومِ التِّيهِ ..
نصلاً ينقُرُ الأفُقَ
وللأفقِ
مناقيرٌ
بياضٌ موحِشٌ ،
للأفقِ
يرقصُ الغرقى !
وتدخلُ دكنةَ المشهدْ ..
تُفاجئنا بقايا رُوح
بعضُ الصحبِ ..
نخلاتٌ بلا ذكرٍ ..
يُفاجئنا
غلامٌ ضاحكُ السّنِّ
كلانا
صار عُريانا
بلا شهوةْ ..
كلانا
صار منسيًّا
بلا أبديَّةٍ تُذْكر ..
كلانا
صار فى قبرٍ
بلا أفق
بلا موتٍ
كلانا ربما يصحو
إلى فردَوسِةِ يمضى ..
فهل نصحو ؟!
........
إلى حبيبتى
بغداد
يا حبيبتى ..
بندقيتى معطَّلة ..
لذا ..
لا تندهشى
عندما أفتحُ أبوابى للصوصِ
وأنحنى إجلالا !
يا حبيبتى
إرْثُكِ العظيم
لا أغارُ عليه !
هل تسمعين ؟
لن أغارَ على شئٍ مطلقًا
هل تفهمين ؟!
يا حبيبتى ..
تعيشين القصف
صبحًا
وعشيَّة
رغم ذلك تبتسمين !
وأنا هنا ..
مثقلُ الخطى ..
أجترُّ أجزانى مفردًا
مكبَّلَ الأنين .
يا حبيبتى ..
وحدُه القصفُ
يدركُ الألمْ !
وحده الصَّاروخُ
يحفظ ملامح الشهداء ..
يا حبيبتى ..
أطفالك ..
هياكلُ
دُمَى
يستنفرونَ دَمى ..
وأنا مخرّبٌ أعمى
ونذلٌ عصىّ !
يا حبيبتى
الأمريكيون طيبون جدًا !
بدمك ..
لما لطَّختِ أياديهم
لذا كان عقابك
فقط علينا
أن نردد خاتمة الكتاب ..
آمين .. آمين
يا حبيبتى ..
أنتِ هناكَ فى شتاء المجمرة ..
ترقصين
وأنا هنا
بارد الأطرافِ .. حزين !
يا حبيبتى ..
كيف نكتب التاريخَ ..
بعدما شُلَّت يدُ النسَّاخ ؟
وأضاعَ الراوى الحنجرة !
.............
ترتيلة أم
مهداه إلى الشهيد " ناجى العلى "
قبسًا كنتَ ..
ومازلتَ فتيلاً موقوتًا فى عجز مُحبِيكَ
محبوكَ على ناصيةِ النيل ..
يلتمسون الراحةَ ..
- فى عتمةِ بدنِ امرأةٍ ثَكلى .
" عين الحلوة "
كل صباحٍ تخرج من معطفها البنى
تبحث عنك ..
تحدث كل المارة
كم كان عنيدًا ومشاكس
أخرج من صفحته القبس
- عيونًا وبراكين ..
فتش فى غربتنا
ألقى من فوهة الريشة /
من نافذة الشمس
حجرًا
بل أحجارًا
ولدى
إنى أعطيتك قمرًا بيروتيًا
أعطيتك خطًا نبويًا
حجرًا قدسيًا …
فتقدم …
إملأ جعبتك … تقدم
( مدريدُ الآن
تُخرجُ كراسَتها السوداء ..
فى أسفلها الدامى
هل يسقط عرس غرناطىٌّ آخر ؟؟ )
ولدى …
الشجرة .. تناديك ..
وحنظلة الولد الشامخ فى العتمة
ناداك
يناديك
يستعجلك ..
طلاب الدرس /
وكلُّ طوائفِ هذا الشعب ..
- ينادونك
ما زالوا ..
لن يبهرهم ذاك الضوء المدريدى ،
إنهم الآن …
يلتحفون الثورة !
خلاص
هذا البراحُ الوسيعُ
بِدونِكِ
ضيّقٌ علّى
بِدونِكِ
تِلكَ الفراشاتُ لا تستبينُ
- موسيقى التواصلْ ..،
بِدونِكِ ..
هذى السماءُ ملبدةٌ بالعويلْ ..
بِدونِكِ ..
كلُّ أوانى المحبةِ مقلوبةٌ فى الهجيرِ
بِدونِكِ أنتِ ..
جيشُ الخفافيشِ يركضُ فى خِرْقَةِ الصبُح
- يدخلُ حقلَ الدراويشِ ..،
يُنْشِدُ وِرْدَ المُعَنّى
وسِفْرَ الْخَلاَصْ!!
....