الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

مصطفى العايدي : عندما يجتمع الشاعر والمحاربفي مشهد واحد! بقلم: سمير الفيل
















مصطفى العايدي : عندما يجتمع الشاعر والمحاربفي مشهد واحد!
 
بقلم: سمير الفيل
 
1

يمكنني أن أبدأ الحديث عن مصطفى عز الدينالعايدي من منطقة الطفولة ، فقد كنت أسكن شارع البدري الذي يمتد حتى جامع البحر ،ويسكن هو شارع جانبي متفرع من شارع النقراشي ، بالقرب من سيدي علي السقا ، لكن ثمةحارة مشتركة تجمعنا هي حارة " الست قبيلة " حيث يوجد بائع السبرتو والخلوالشاب الأخرس الذي يحب فتاة رقيقة الحال من الحارة ، وحيث بيوت لم يكن قد دخلهاالماء بعد فكنا نرى السقاء يحمل " القربة " ، ويصب الماء في أزيار فخارية. كانت مصر خارجة توا من هزيمة يونيو 1967 ، فسمعت عن المقاتل العايدي دون أن أقابلهحتى رأيته في إجازة ميدانية من كتيبته العسكرية.

2

كنا كشباب يملأ صدورنا الغضب ، وحدث أن وجدناأن منضدة يوم " الإثنين " لا تعبر عن طموحنا ؛ فصّك محمد علوش جملة دالة، هي " انطلاق الألحان في السكون ثورة " ، ودبج محسن يونس " مانفيستو" لجماعة 73 الأدبية ، وسافرنا إلى أماكن مختلفة ندعو لأدب جديد في بورسعيدوالمحلة الكبرى والمنصورة وغيرها ، وكان مصطفى العايدي هو الأكثر هدوء في الجماعةالتي أصدرت عددا وحيدا من المجلة بطريقة " الإستنسل " ثم انشغل الجميعبالانخراط في الجيش أو بالعمل في ورشة أوالوظيفة أو بالجلوس على المقهى لنجادل بعضنابعضا في السياسة حتى نشبت الحرب ، فإذا بمصطفى العايدي أحد جنود الموجات الأولىللعبور، كان محسن يونس في كتيبة دفاع جوي ، وكان قد تم تأجيل دخول دفعتي للجيشثلاث سنوات .
هانحن  نترقب أخبار الجبهة بتلهف حتى إذا أتى العايديفي أول إجازة ميدانية ، جلست إليه ، استمع في هدوء إلى تفصيلات الحرب ، وحدث أندونت ذلك في أوراق احتفظت بها ، صارت هي المادة الخام لروايتي الأولى " رجالوشظايا " والتي كتبتها في وقت مبكر خلال عام الحرب نفسه ، ثم دخلت الجيش بعدالحرب بعام فأكملت الصورة من خلال حكي بعد جنود الكتيبة 18 مشاة ثم الكتيبة 16 مشاة، وهي التي انطحنت في معارك قاسية في موقعها الملاصق للدفرسوار خلال مغامرة "أريل شارون " لإحداث الثغرة والعبور المضاد للضفة الغربية.
الشيء الغريب أن حكي العايدي للأحداث كاندراميا للغاية ، فحين صهرته التجربة تخلى عن إيقاع الشعر تماما ، واستحضر خشونةالمعارك ، وهو الشيء الذي انتقل بدوره لكتابتي للرواية الأولى التي عبرت فيها عنالحرب من خلال طاقم هاون 82 مم ، وهي سريتي في الجبهة بعد انطفاء الحرب مع وجودمفاوضات الكيلو 101 وبكاء الجنرال النحيف الجمسي بعد أن ضيعت السياسة ما كسبناهبالحرب ، حسب تصوري.

3

كان في بيت العايدي آلة كاتبة ، كنا نستعين بهافي كتابة أعمالنا المبكرة ، وكان للعايدي تجارب ناضجة في شعر العامية منها "حواديت عم ياقوت" ، وكان يسمعنا إياها خلال إجازاته قبل أن يستقر تماما عندمرفأ محدد ، هو شعر الفصحى . كان العايدي دائما كريما مع أصدقائه ، وحدث أنه في الإجازةالأولى التي نزلها من الميدان  أن أحضر بعضالمتعلقات الإسرائيلية مثل قطع صاج عليها كتابة بالعبرية ، وبعض المقذوفات ،والعملات المعدنية ، وقصائص الصحف ، ثم خوذة طيار إسرائيلي بلونها الزيتي ، فكرتفي أن أقيم بمدرستي معرضا صغيرا للغنائم ، وقد وافق أن يعيرني تلك الخوذة /الغنيمة، واستمر المعرض أسبوعا ، وفي نهايته اختفت الخوذة ، فحزنت جدا وأخبرتالمقاتل مصطفى العايدي الذي أبدى تسامحا لما حدث ، وكان أن كتبت نصا سرديابعنوان" كيف يحارب الجندي بلا خوذة ؟ " وتقدمت بها في مسابقة قومية فحصدالمركز الأول.
كانت الفكرة المحورية للقصة أن الجنود الذين خاضواغمار الحرب في  الميدان حين عادوا منالجبهة لم يكن هناك من يحميهم من جشع السماسرة وكبار الرأسماليين ، وأظن أن هذهكانت قراءة مبكرة جدا لما حدث في مصر بعد ذلك من تغيير في ميزان القيم تلمسته بصبرمن خلال مناقشات مستفيضة مع رجال ومناضلين مثل علي زهران وأنيس البياع والسيدالنماس ، وعبدالرحمن أبوطايل والحسيني عبدالعال ، وغيرهم من رموز ذلك الجيل.

4

جمعتني بمصطفى العايدي وبمحمد علوش فرصةالعيش سويا لأسابيع في منظمة الشباب حيث كنا مرشحين للحصول على دورات متقدمة فيسلك القيادات التثقيفية ، وكانت هذا المدة كافية لنشكل أصواتا شعرية أصيلة ومتفجرةبين جموع الشباب ، كان هذا تقريبا في منتصف السبعينيات وكان معنا أيضا الزميلمحمود الدعدع وشاهين ، وآخرين . من الطرائف التي أتذكرها أن زملاء الدورة عرفوا خبرتناالشعرية ، وحدث مرة أن قابلني شابا من محافظة البحيرة يمسك كشكولا ضخما ، سألني :هل يمكن أن أقرأ لك قصيدة ؟
استسلمت للأمر، وتصورتها سطورا قليلة . قلت :لا مانع.
 فإذابه يفتح الكشكول ، و يلقي منه شعره بغاية التأثر ، ثم " يحزق "وبين كلفقرة وأخرى ، مرددا: " صديقي .... " ، ويكمل الكلام بسجع لا فن فيه ،ولا روح . كنا في نوبة راحة فاستوقفته بحدة ، وقلت له بمنتهى الجدية : لا . لا . أنتتتحدث في مسألة الصديق. صحيح؟
رد علي : نعم . قلت له بمنتهى الصرامة :صديقي مصطفى العايدي هو المتخصص في هذه المسألة . انتظر دقائق ، وسوف يكون معك.
كان مصطفى ممددا على سريره داخل العنبر فيمقر المنظمة الواقعة بقلب الجزيرة المواجه لبرج القاهرة. قلت له ، وأنا أدبرالمؤامرة : لحظة واحدة . هناك قصيدة عليك أن تسمعها من صاحبها.
سلمت الشاعر المدعي للشاعر المطبوع وفررتبجلدي . بعد حوالي نصف ساعة ، تحركت لدورة المياه ،  فإذا بالشاعر يردد بنفس الإيقاع المميت: " صديقي.... "  فنظر لي العايدي من بعيد لائما، وهو يكتم ضحكته . بعد أن قضى عليه المستشعر جاءني ليلكمني في كتفي ، بعتاب خفيف  : قضى علي صاحبك بشعره الرديء !
من مؤامراتنا في المعسكر أننا كنا نتفنن فيكيف نوقظ زميلا لنا بأشياء لا تخطر على بال. مرة سمير ، ومرة علوش ، ومرة شاهين ، ومرةالدعدع ، أخيرا جاء الدور على العايدي , كيف نوقظه من عز نومه؟  نفتق ذهن زميل لنا على أن نضع تحت وسادته قطعةخبز وبها "حلاوة طحينية ".
إنك ستدهش عندما ترى صفوفا من النمل جاءت منكل أطراف المعسكر لتتبع الحلوى ، وبعض النمل الجبان حين يشبع لا يجد غضاضة في قرصالنائم .
 هكذاقضينا أسبوعين كاملين بين  السياسة والشعروالمؤامرات الصغيرة التي كانت تخفف إلى حد كبير من مسألة التلقين العقائدي . كلتلك الأفعال الطائشة ، والظريفة كانت تكشف عن جوانب خفية في شخصية الزملاء وتحيطيومنا بشيء من البهجة واللطف !
 
 
5

لكن ماذا عن عقيدته الفنية ، وأفكاره حولماهية التجربة الشعرية ، وعن خصوصية أشعاره ؟ هذا ما نجده بشكل مستفيض في حوار أجريتهمعه ، وتم نشره في جريدة " اليوم " السعودية التي كنت أعمل بها محرراأدبيا ، وذلك بتاريخ 5 يونيو 1995 ، أي قبل مغادرة الدمام بشهر واحد .
يتحدث العايدي عن تجربته قائلا : " أعتقدأن مهمة البحث عن لغة شعرية جديدة أمر عسير ، حيث تظل المهمة قائمة في بحثها عنالقيم الجمالية والفنية المرتبطة بإيقاع العصر ، وعلى الشعراء أن يحولوا لغتهم منمجرد أداة للتعبير والبوح إلى لغة أخرى جديدة ، هي لغة الدهشة والاكتشاف المناهضللثابت والمألوف ، وكلنا يسعى لذلك ، والموهوب هو الذي يحقق إنجازا " .
وعن لغة الخطاب المعاصر ، يقول : " أرىأن الشعراء الذين استطاعوا أن يمتلكوا لغة الخطاب الشعري العصري هم أولئك الذينعرفوا تراثهم العربي القديم ، وقلبوا أوراقه بصبر ، وعكفوا على استجلاء لوامعه ،كذلك فإنهم اتجهوا للتراث العالمي ، ولم يستنكفوا الاستفادة من حمولاته الفنية ،فجاء الخطاب معبرا عن روح العصر ، وأطروحته الفكرية . وبالتالي فهو لا ينفصل عنواقعية الحياة الإنسانية حيث يتمثل ذلك في وضوح التجربة ، والتعمق في دقائقها دونتكرار ممجوج للظاهرة من الخارج " .
حول انشغاله بالشكل دون المضمون أو العكس ،يرى العايدي أنه " من المفترض أن إشكالية الشكل الشعري لم يعد لها أهمية أولى، حيث أن التجديد أو المغايرة الشعرية ليست قاصرة على العروض والأنساق الإيقاعيةبقدر ما تتصل بتقنيات تصويرية وجمالية أخرى تدشن النص ".
وفيما يخص مهمة الشاعر في هذا الزمن المرتبكيؤكد الشاعر العايدي أن " مهمته الأساسية هي تحويل التجارب اليومية إلى إبداعأصيل ، والخروج من الهامشي إلى الجوهري ، والتقاط العابر ، وتعريضه للضوء كي نعثرمن خلاله على المغزى والمعنى والإشارة . وهذا يعني أن تتسع ثقافة الشاعر ليمتلكالصياغة والإبانة الفنية التي تتيح له تشكيلا شعريا متميزا ، يمكنه من خلاله أنيوظف التراث دون أن يسقط في هوس التجريب والتجديد والمغامرة لمجرد الاختلاف ".
وعن مفهومه للحداثة يرى " أنها ليستفتحا جديدا ، وأن لنا أن نتخلص من أمر كثير من المصطلحات الرنانة ، وبعيدا عنغرابة هذا المصطلح أو ذاك ، فلا أرى في الحداثة الشعرية نفيا لتراثنا الشعريالعربي ، إذ أن ما أنتجه الأوائل من الشعر كان حداثيا وفق معايير سادت آنذاك .نقول دائما أن على الشاعر أن يعبر عن روح عصره ، متجاوزا حدود الذات إلى آفاق أوسعللذوات الأخرى ".
حين سألته عن ماهية الشاعر الأصيل ، كانجوابه كالتالي :" الشاعر الحقيقي هو الذي يرفض اللغة السائدة والمكررة. إنهالمؤرق دائما بهاجس الاختلاف ، وأول أدواته هي اللغة ، ميراثنا من اللغة العربيةهو الكنز الذي يشغلنا" .
ويستكمل رؤيته قائلا : " دور الشاعر هواكتشاف هذه اللغة ، والتنقيب عن جمالياتها ، فأنت كشاعر تجمع بين خبرة الأثري ،وصنعة الصائغ ، وعقلانية الفيلسوف .
هذه المهمة نجح فيها شعراء مثل أمريء القيسوأبي نواس وابن الرومي وأبو تمام وعلى رأس القائمة المتنبي ، ونجح فيها مع اختلافنوعية التجربة : أحمد شوقي والسياب ونازك الملائكة وأدونيس والجواهري والبردونيوصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وأمل دنقل ، وعلى رأس القائمة المعاصرةمحمود درويش ".
يتحدث العايدي عن تجربة أربع سنوات قضاها فيدولة الإمارات العربي معارا كمدرس ، وهذا لم يمنعه من التواصل مع أدبائها ، وفيهذا الصدد يضيف : " لمست نشاطا متنوعا فترة تواجدي من عام 1986 إلى عام 1990، حيث شاركت في معظم الملتقيات الفكرية بالمجمع الثقافي بأبي ظبي.
إضافة إلى وجود اتحاد كتاب يقيم أمسيات شعريةلأدباء من مختلف الاتجاهات الفكرية ، وأهم الملامح هي وجود ملاحق أدبية تصدرهاجريدة الاتحاد وجريدة الخليج وجريدة الوحدة ، وهناك أسماء هامة مثل علي أبو الريشوحبيب الصايغ وأنور الخطيب وفضل النقيب وطه عبدالغني.
ومن الأصدقاء الذين أعجبني إنتاجهم الشعري :محمد أبوسالم ، وكريم معتوق ثم هناك جعفر الجمري وسالم أبو جهور ومحمد المزروعيوثاني السويدي .
والأسماء التي ذكرتها تقدم إبداعا متميزا ،وللأسف  هي غير معروفة عربيا بالصورة التيتناسب إسهاماتهم ".

6

ماذا عن تجربة مصطفى العايدي الشعرية ؟ أظنأن هناك دراسات نقدية معمقة قد تناولت شعره ، منها دراسة الدكتور صلاح السرويبعنوان " الصورة والواقع في شعر مصطفى العايدي " وفيها يكتشف الناقدملامح البنية الجمالية في نصوص الشاعر.
يقول الدكتور السروي : " يقوم الطرحالشعري لدى مصطفى العايدي على الارتباط الحميم بالواقع بمعناه المباشر وغيرالمباشر ، والانفعال التام بتحولاته ، والتفاعل العاطفي ـ الفني مع مجريات أحداثه، بحيث يصح أن نطلق على أعمال هذا الشاعر أنها وثيقة تاريخية تجسد دلالة وأثر التحولاتالواقعية المجتمعية على الذات الحساسة لديه ، في محاولة للقبض على الجوهر العميقلهذه التحولات ، واكتشاف أثرها الروحي الذي يتبدى فنيا في القصيدة .
وهو في ذلك ينطلق من بنية دالة يجسدها نموذجالغربة ـ الانتماء ، الذي يطرح مفارقة المأزق الذي يحياه الشاعر المعاصر بعدانهيار الأحلام الكبار ، وتردي الأوضاع على الأصعدة الاجتماعية والوطنية ، حيثيبرز موقف الشاعر المحب لبلاده والمنتمي إليها ، ولكنه في نفس الوقت غير قادر علىالتوافق مع ما ينتابها من تحولات تمثل في المقام الأخير عنصر نكوص وانهيار . ممايؤدي إلى إحساسه بالاغتراب والهامشية . يبدو أن أحد طرفي النموذج لا يلغي الآخر ،ولا يتعداه ، بل يتجادل معه ويتصارع ".
وفي موضع آخر بالدراسة التي تتناول ديوان" الخروج من الجزر" ، يضيف الناقد : " إن تجربة مصطفى العايديبرمتها تقوم على شعرية الرؤيا أو الرغبة في استشفاف الواقع والغوص داخله ،  وهي لذلك مرتبطة بتحولاته على نحو جوهري وكلعملها هو أن تنقله من مداره النثري السببي المباشر إلى مدار خيالي ، يمتلك منطقهوصيرورته الخاصين ، بما يمكن أن يماثل التجربة المعملية التي تقوم على تغييرالوسائط للحصول على نتائج مغايرة ، وهو ما يتيح الفرصة لاستكناه الواقع ، وتعمقهعن طريق إعادة طرح مكوناته بمنطق الصورة الخبرية ، وإن كانت هذه العملية غيرمتخلصة بالكامل من أثر الأيدلوجية والخطاب الإنشادي ؛ فالشاعر يدخل إلى عالمالقصيدة بموقف محدد ذهنيا ، من الأشياء ، وكل ما في الأمر هو أن يحاول اختبار صحةهذا الموقف على مستوى الصورة الخيالية ، أو تأكيد هذا الموقف وتوثيقه شعريا".
أما الناقد الدكتور مدحت الجيار فيقدم دراسة تجمعبالنقد ثلاثة شعراء هم الدكتور عيد صالح والدكتورة عزة بدر ومصطفى العايدي .يتناول للعايدي ديوان " بلاغة المرايا "  وعنه يطرح وجهة نظره ، ومنها ما نقدمه هنا بشيءمن التصرف :
 " يرى مصطفى العايدي هذه الذات الضحية لفعل الآخر ، وأنه حين يجسدها يتحدثعنها كأنها ماتت ثم يبحث عن سر موتها في مقولات الشهود... وواضح أن اغتراب الذاتعنده مصاحب بحالة فزع من الآخر وبحالة اغتراب عن الآخر المسبب لكل مشكلاته. ...ثمتتراوح قصائده بالبحث عن هوية الذات التي تتحول في معظم قصائده إلى ( الآخر أوالهو ) ، وتحول ضمير المتكلم إلى خطاب أو ضمير غيبة ، وهي تتفحص الظاهرة نفسها وفيهذا السياق يشد العايدي كل من يجده في طريقه إلى بوتقته ليعيد صياغة أساه مخلوطابأسى الآخرين  ".
وفيما يخص الصورة فلدى الدكتور الجيار رأييسوقه كالتالي : " تعقد الصورة المثلى للذات في هذا الديوان ، أعني أنه لا أحد، إلا الفارس القديم ، الذي هو الشاعر نفسه . يحدق ليتأمل صورته في المرآة قلا يجدشيئا لأن ملامحه تتركه وتهاجر. فلا يرى شيئا في مرآة الذات الفارس القديمة ، فتزدادحالة نبرة الأسى والحزن ، ونفي الآخر ، ومرارة العناوين والسخرية المرة من الواقعوالناس . مصدر هذا الوهم والألم والضياع ؛ لذلك تنتشر في هذا الديوان مفردات الموت: الألم ، والقبر ، والعزاء ، والجثة ، وما يشابهها من مفردات الموت . ذلك الموتالذي نراه موتا بالجفاف ، وموتا من الداخل ، يأكل فيه البطل الشاعر نفسه من الغيظأو من الفهم  ، ولا نرى جثة دائما  ".

7
منذ العام 1968 وهو يلازمني في ندوات كثيرةحضرناها سويا في القاهرة والإسكندرية  والشرقية والدقهلية وسيناء والإسماعيلية وفيبورسعيد.
كان مصطفى العايدي على الدوام رفيقا مهذبا ،ولديه حس إنساني عال ، وكم من مرة احتجت إليه في شيء خارج نطاق الأدب فكان حاضراوملبيا لما أطلب وزيادة.
ربما هذا لا يمكن أن نستخلصه بدون المعايشةوالسفر والاقتراب الحثيث من مناطق قلقلة في الحياة الصعبة التي نعيشها. أذكر أنصديقا مشتركا لنا ، حدثه مرة عن مأساة السوريين النازحين من بلادهم ، والمقيمين فيدمياط الجديدة ،  وجدته ساعتها  يحمل جوالا كبيرا من الأرز وأشياء أخرى يقدمهابسماحة نفس وبفيض إنسانية ، ليساهم في تخفيف معاناة هذا الشعب الكريم الذي شتتهتقلبات السياسة.
ربما لم أتمكن من قول كل ما لدي عن مصطفىالعايدي الإنسان والأديب لكنني أشير إلى مساهمته الدائمة في أي تكليف يسند إليهسواء بتقديم دراسة ، أو الحديث عن ديوان جديد ، أو الاشتراك لسنوات طويلة مع عددمن شعراء دمياط في الذهاب للمدارس والكليات الجامعية للحديث عن حرب أكتوبر 1973 ؛لإحياء الذاكرة الوطنية في نفوس أجيال جديدة من الشباب والفتيات. وأذكر في هذا الشأنأسماء الراحلين : محروس الصياد ، ومحمد العتر ، وطه شطا ، والسيد الغواب أحيانا.
إن هذا الهاجس الوطني الذي يناوش هذا الجيلالذي حارب الصهاينة ، وظل حالما بالحرية والعدل الاجتماعي وضرورة التنمية ، يؤكدلنا من جديد أن الكتابة وحدها لا تغير الواقع بل لابد من الحركة الفاعلة بين الناسلتأسيس رؤى جدية ومتقدمة للواقع .

8
تحية لكاتب يجمع بين صلابة المحارب ، ومغامرةالشاعر ، ورقة الإنسان الذي يعشق كل شيء جميل في الحياة.
 
دمياط في 10 أكتوبر 2014.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى