الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

قصص للمبدعة المصرية عبير درويش



أبو حنان




عرض غلاف عبير درويش.jpg








نافذة للوجوه الجديدة )

بقلم :
محمود مغربى
....................


عبير درويش
قاصة من مدينة الثغر الاسكندرية
يسكنها البحر والحرف والقص ووجوه الناس
دائما تتأمل كل شىء حولها
تشارك فى الفعاليات الثقافية التى تقام فى الاسكندرية
صدر لها مجموعة قصصية عنوانها ( زهرة اللانتانا )  الصدارة عن دار النسيم.
تتناول مواضيع الكتابة لديها عوالم كثيرة  تبرز الشرائح المجتمعية التحتية 
طموحاتهم واحباطاتهم ، وقدرتهم على الحياة
عبير درويش   يسكنها الناس ابناء الوطن
ومن مجموعتها  القصصية  نقدم لقراء  مدونتى  قصة ( ملح الارض ) وقصة ( الوردة الذابلة )


ملح الارض

قصية قصيرة بقلم:

عبير درويش 
الاسكندرية
...........


لا يذكر أنه تعثر يوماً فى حجر وتأوه ...كان يركله بخفة وينظر إلى أى مدى ذهب ..بقدر المسافة تقاس قوة ركلته ،يضحك دوماً ملء فمه ،ينهل من الحياة قدر استطاعته وقدر رحابتها له ،نهم للحياة ..للطعام والحب والضحك ...
يطرق بحدة على رأس المسمار فتصدر شرارة احتكاكهما  ..،يمسك بمقبض منشاره ويموضعه أعلى خطوط قلمه العزيز( الرصاص) الكامن خلف أذنه .....يوغل فى الخشب ..خلفاً وأماماً فى متوالية... تتساقط حبات العرق من جبهته فتنحدر لتستقر فوق بقع السالفات على قميصه ..لا يأبه لها ،فقط يضيق ذرعاً ببطنه المتدلى الذى يعوق منشاره ويصطدم به ...ويتندر على حاله أمام الصبية ويسخر من بطنه المرتج كلما طرق ..بأنها تتراقص مثل حلوى الجيلى 
قدمه تؤلمه ...تورمت فى البداية إثر وطأة خاطئة فوق مسمارٍٍ شارد ولم تفلح كل وصفات (الحاجة) التى وضعتها له وربطتها بجرحه من عجين السكر إلى البصل المشوى ولا تلك المراهم التى أتت بها (كرملة) زوجته والتى يدللها بذاك الاسم عوضاً عن مسمى كريمة نسبة لخالته أم زوجته ،..لم ينجب سوى ابنة واحدة ..
أزرورق إصبعه وتحول الأمر إلى كابوس ..التجأ لطبيب المستوصف المجاور للجامع ..أخبره أن ثمة اشتباه لإصابته بالسكرى ..لم يخبر عائلته عما دار ،عاد إلى المنزل يحمل أكياساً كثيرة تكتظ بالطعام والحلوى ..فلا نواهى الطبيب أو محاذيره تجعله يوماً يقلع عن ولعه عن تلك النظرة فى أعينهن وهن رهن دخوله عليهن ليبدأن  تناول طعامهن ...
،تلك النظرة التى يباهى بها نظراءه من النجارين ..وشاربى النرجيلة فى المقهى ..
أصبحت ثقيلة خطواته ...يهيأ له أن قدمه لا تطيعه ،امتدت الزرقة لبقية الأصابع ،تورمت ..
قال الطبيب له ممتعضاً ..
_حالتك متأخرة يا حاج ...والسكر فوق الخُمسمية ...لازم بتر ..
وهاتاخد أنسولين ...بانتظام
على كرسى مدولب يجلس ما تبقى من الحاج (برهوم)..إثر ثلاث جراحات  بتر ،قدم ثم الساق ،ثم الساق الأخرى بأكملها ..على المقهى 
 ...يقهقه عالياً  ،يرمى النرد وينازل رفاقه الأصحاء ..
_كش ملك ...
_وده كش ليه بس ؟؟
يضحك حاج (برهوم )....
_هههه عنده السكر !
  يقول آخر فى مداخلة معهم ..
_العيب موش على الخشب ههههه العيب على النجار !
يرد (برهوم )فى سخرية ...
_يعنى كان يعمل إيه يركب له وصله ..يبقى موش صنايعى صح ..
يشرد لكنه لا يترك الحزن يتملكه ليكمل عليه ،أخبرهم سابقاً ...أن ما بُتر استبقه إلى الجنة ...
  يرد برهوم  ساخراً من حاله ...مخاطباً نفسه ..
_ومستعجلة ليه ..موش كنا نروح سوا !
_يجعله فى ميزان حسناتك يا حاج  ..
تغرورق عيناه من شدة الضحك ...
_ميزان مغشوش ...هاهاها ناقص ..
يتدخل فى الحوار ابن جاره المثقف ..ويربت على كتفه .
_ربنا يديك الصحة ...انت وأمثالك من الكادحين (ملح الأرض ) يعنى من غيركم لا زرع ولا نبتة،ولا صنعة_ ..
  !
يبتسم لابن جاره المواسى له ...ويهز رأسه ،موافقة أو تفكيراً...لا أحد قادر على تفسير تلك النظرة !
ثم ينفجر ضحكاً يملأ أرجاء المقهى ...
_طيب خليها سكر ههاهاهاهاها
يشاركه البعض الضحك والآخر يتوجس حزناً رابضاً فوق صدر الرجل ويخشون عواقبه أو يخشون أن يؤدى  الكتمان إلى الاطاحة بعقله
تسير عجلات الكرسى وهو يجلس واجماً ...مسلماً أمره ومقوده لمن ورائه يتبتل بدعاء لا يسمعه سواه ...فى ليله .
صباحاً ...الطرق على أشده ..والجميع  واجم ،
 المقهى هادىء مساءً... لا يسمع سوى بعض الترتيل المختلط بهسيس العامة ..
صباخاً على ناصية الطريق أمام الجامع
توضع  (الخشبة) التى ينقل عليها الموتى إلى المقابر ،وبجوراها ...الكرسى المدولب ................فارغين!!  !

*****


قصة قصيرة

الوردة الذابلة     

بقلم:

عبير درويش

الاسكندرية

        

استيقظت متكاسلة ؛ فلا شئ يدعو إلى العجلة ؛ فقد أردت ليلة أسلم فيها رأسي للنوم دون إلحاح لقائمة طويلة من المهام تطل برأسي وتوخزني اليوم مهام مُحببة للنفس .. التسوق وإعداد العدة للرحلة التي دعوت إليها من قبل أختي وزوجها المرتحلين منذ تزوجا .
وعلى ما أظن أنهما وجدا في تكلفة تذكرة فردية أكثر وفراً لهما من أربعة وهما يفضلان شرم الشيخ عن العاصمة الصاخبة التي يتأففان من غبارها وضجيجها.
هما ما تبقى لي بعد رحيل أمي ؛ وعملي بتضميد الجراح ومواساة الغير من المتألمين ؛ وإيلام الآخر بالوخز طواعية .. في الصباح أجول في المشفى العام ولا أشعر بتروس الساعة التي تفترس وحدتي نهاراً..  ومساءاً بالعيادة التي تجاورني . على مضض قبلت الدعوة ؛ فقط لأني أردت التعرف ؛ ورؤية وجوه أبناء أختي ؛ فضلاً عن رؤيتي لها وضمها لصدري فقد طال الأمد .. في تلفنتها لي لا تكف عن سؤالي : عاملة إيه ؟  لم تشأ الحياة أن تطوي صفحة أو تغير مجرى نهر حياتي ؛ هكذا الحال .. ( أنا كويسه ) .. تهيأت أمام المصور وعدلت من هندامي ؛ وأخذت وضعية اللقطة .. تدخل برفق ليعدل منها ومن ارتفاع ذقني الحاني على صدري ؛ فامتثلت ؛ أردف : بسمة حلوة ؛ ياللا بينا .. أومض فلاشه داخل عيني عدة مرات على غير ما اعتدت سابقاً ؛ ثم أتى بكاميرته المحمولة ليريني عدة لقطات لأختار منها ... هالني ما رأيت ؛ وطفقت أتأمل فيهن جميعاً ؛ مَنْ تلك المرأة ؟  أبحث عني !! .. 

- بادرني الشاب ؛ بقالك أد إيه ما اتصورتيش ؟
- كتير
- انتي مش عاجبك أي لقطة فيهم ؛ بُصي ؛ أنت م تقلقيش ؛ الصورة لسه هايتعمل لها مونتاج ؛ ديجتال يعني وهاتبقي زي القمر .
ضحكت ساخرة من حالي : وايش تعمل التكنولوجيا في الوش العكر ؛ فبادرني بإجابته التي هزمت البقية الباقية فيَّ دون أن يدري .
- إن دبلت الوردة ؛ ريحتها فيها .
نزلت من الكرسي  ومن علياء تموضعي ؛ أخبرته أن يختار هو ؛ ورحلت .

في الطريق أسأل نفسي : من تلك .. أنا لم أر سوى امرأة منهزمة من الزمن تقارب الخمسين حصاداً ؛ ترتدي وشاحاً رمادياً ؛ وتضع مساحيق عفا عليها الزمن ؛ أقرب للون التربة ؛ ويشق وجهها أخدود بامتداد شارع زمني ؛ كلما حركت ثغرها ؛ ويفتق جبينها أحاديات الدهشة بين حاجبيها ؛ وشقوق دقيقة صغيرة تحيط العين على استدارة إشعاع متسرب مني .. يحسب لي كم من المرات ضحكت ولمست وجنتيّ أهدابي .. حتى تلك الجفون خذلتني بتراخيها نحو الأسفل ؛ أطبقت فمي على ابتسامة مُغتصبة من ماض قريب ؛ ورحلت عن الشاب ؛ أتلمس يساراً ويميناً ؛ تلك ملابسي ؛ وذاك وشاحي .. مشيت حتى محال وسط البلد أُمني نفسي بشراء ملابس الرحلة ؛ وأنا أقف أمام المحال ؛ أنظر برصانة ؛ أحادث حالي : هل أنا تلك ؟!
نعم .. وكيف هذا ؟ .. إنه الزمن ؛ استدرجني .. لقد سُرقت .. كُفّي عن الهراء .. حتى وإن تزوجت .
كنتُ خارج الزمن .. لا .. الزمن كمن بداخلي .. 
دعتني فتيات المحل بإلحاح ؛ فلبيت .. دلفت إلى الداخل ؛ انتقوا لي عباءة مطرزة بغطاء رأ - كيف ترونني؟.. أريد بنطالاً قصيراً للبحر . نظرن إلى بعضهن بتعجب ؛ فاتسعت حدقتا عيني وكدت أفتك بهن قولاً :
- إيه كبيرة عليا ؛ ولا هايبقي وحش عليا ؟
تداركن الموقف بجملة واحدة في فرح مصطنع : إن دبلت الوردة ريحتها فيها .. لأ ازاي .
غادرت المحل ولم أبتع شيئاً ؛ وتوجهت في طريقي إلى منزلي بالكوافير ؛ وطلبت منه أن يقص شعري على غرار تلك المطربة الغنجة ؛ وأن يجد لي حلاً كي يستدير حاجبي ؛ وأن يختار أفضل الأقنعة لتذهب ما أصاب وجهي من تجاعيد ؛.. امتثل الرجل لأوامري صاغراً : تحت أمرك يا افندم . وظل يعرض علىَّ بعضَ القصّا ت ربما أعدل عن قراري ؛ حتى  لا أصاب بخيبة أمل لعدم تلائمها معي ؛ بادرته بالسؤال .. حين شعرت أن ما يدور هنا لا يختلف عمّا دار في محل الملابس أو الأستوديو . إمَّا أنا منفصلة زمنياً ؛ أم هم من يخطئون التقدير .. هي مش مناسبة لسني ؛ صح ؟ .. فأرداني بالجملة إياها : إن دبلت الوردة ريحتها فيها .
ارتديت وشاحي وهممت من على الكرسي ذي القرص الدوار المعدني ؛ وغادرت .. ظللت خلال الطريق واجمة أفكر وأتساءل : كيف ومتى ؛ ولم ؟ وجدت أمامي دون وعي محلاً لبيع الزهور – زهور يانعة طازجة - .. 
- عندكم فرع في شرم ؟
- والغردقة يا افندم والعريش ؛ تحت أمرك .- بوكيه ورد بايت ودبلان .. - ( في تعجب ) أأمري يا افندم ؛ حاضر ؛ تحبي تكتبي كارت ؟  - من الوردة الذابلة .. لم يبق بي رحيق .!


***                         *****                               ****




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى