الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

قصيدة ( تأملات طائر) للشاعر المصرى محمود مغربى وثلاث قراءات للنقاد مغاربة

قصيدة

( تأملات طائر)

للشاعر المصرى محمود مغربى

وثلاث قراءات

للنقاد المغاربة

منعم الازرق

العربى لغواتى

جمال المحدالى

****

قديماً ..

قدَّمَتْ فتنتها

للصبية الصغارِ

للصوصِ ..

لعابرِ الســبيلِ ..

واليومَ ..

لا أحــدْ ..

لا أحـــدْ ..

فقطْ ..

بعضُ ذكرى ..

وصمتٌ طـويلْ !

***

الصباح

الذى كم تباهتْ به

تمامًا تلاشى

رغم ذلك ..

لسلطانِهَا

سطوةٌ فى قلبِ عُشّاقِها !

***

طائرى العنيدْ

ما زال يبحثُ

عن شُجيْرَةٍ

ونافـذةْ ..

ليــبدأَ الغناءْ !

***

شهرَزادْ

ودَّعَتْ بستانَها

حكاياها

رغم ذلكْ ..

تُهَندسُ المساءَ فى هدوء !

***

إلى حَتْفِهِ يمضى

إلا من جِراحِهِ

وبقايا حَرَسْ !

***

الصبابةُ ..

خبأها الحُرَّاسُ فى الخرابْ ؛؛

لا شمعَةٌ هناكْ ..

لا رفيقْ !

***

ناديتُ يا سحابةْ

أمطرى ..

خُذى نصفَ عمرى

وأمطرى فقطْ

لأُنْقِذَ ما تبقَّى من صِبَاى !

***

السندبادُ

فارعُ اليدين فى منفاهُ ..

يُسائِلُ الجموعْ :

مَنْ يُعيرنى قيثارةً ..

كى أرمّمَ ما تبقّى من جَناحْ !

***

الناسُ فى كلَّ مرّةٍ ..

يَسْرقونَ الخُبْزَ ..

وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ ..

تشعلُ عتمةً

تستعيدُ الصغارَ

واحدًا

واحدًا ..

كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !-....

****

الناقد والمبدع المغربى

منعم الازرق

..........

مَنْ يُعيرنى قيثارةً ..

كى أرمّمَ ما تبقّى من جَناحْ !

يأخذنا الشاعر، بأول الرمش، إلى عنوان يكون فاتحة ضوء على الليل الذي يبغي إدخالنا إليه ونحن به ماضون: هذه القصيدة عبارة عن "تأملات طائر"، بما يفيد أن هذا الطائر بديل موضوعي للذات الشاعرة والمفكرة/المتأملة، أي أن الطائر يخرج من "قناعه" ليتلبس بشرط الذات الشاعرة/الرائية في ليل النص. وطبعا، نحن هنا أمام "تأملات" بالجمع، ولربما كان ذلك مدخلا للتقبل البصري للنص، حيث يتشكل من تسعة مقاطع متفاوتة من حيث عدد الدوال وكذا توزيعها على الفضاء البصري، وهي على العموم لا تجنج لملء طرفي السطر بل تكتفي بالأقل من الكلمات في كل سطر. وهذا الخيار يتناسب مع طقوس التأمل المكثف بالرموز...

في المقطع الأول، يعيدنا ضمير الغائب المؤنث إلى صوت الزمن الماضي/لحاضر، بلغة تتقطر حسرة على ما كان من العشاق وما صارت إليه الذاكرة من نسيان وصمت نقرأهما من خلال التكرار المرير لعبارة (لا أحد):

"قديماً ..

قدَّمَتْ فتنتها

للصبية الصغارِ

للصوصِ ..

لعابرِ الســبيلِ ..

واليومَ ..

لا أحــدْ ..

لا أحـــدْ ..

فقطْ ..

بعضُ ذكرى ..

وصمتٌ طـويلْ !"

في هذا الشرط الوالغ بالعدم الواطئ والصمت الطويل، يسلمنا الشاعر للمقطع/التأمل الثاني، يتمدد الحكي عن (ها)/ هي الغائبة في حضورها، مثل "الصباح" الذي صار "بعض ذكرى".... ذلك أن:

"لسلطانِهَا

سطوةٌ فى قلبِ عُشّاقِها !"

في طي السطوة قلب يفنى فيه العشاق رغم انصرام "الصباح" المشهود، ذلك أن لسطان المحبوب نورا باقيا وسراجا راقيا..

بالانتقال إلى المقطع الثالث، يصير القول بلسان المتكلم المفرد، فيما يشبه الالتفاتة للحظة الأبدية/ للوهلة التي تسبق نشيد الخلق، حيث يصير خطاب الذات للطائر إعلانا عن وحدة وحدة أفق الغناء (سواء أكان نافذة أم شجيرة):

"طائرى العنيدْ

ما زال يبحثُ

عن شُجيْرَةٍ

ونافـذةْ ..

ليــبدأَ الغناءْ !"

يختار الشاعر بث النفس الأسطوري في بقية المقاطع تصريحا (السندباد، شهرزاد، ...) أو تلميحا (الفينيق، بروميتيوس، ...)، ولكنه لا ينساق إلا مع تأملاته "الخاصة" التي منها تتشكل بوتقة رؤياه النارية، وبها تتأجج خاتمة النص، حيث نقرأ في المقطع التاسع:

الناسُ فى كلَّ مرّةٍ ..

يَسْرقونَ الخُبْزَ ..

وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ ..

تشعلُ عتمةً

تستعيدُ الصغارَ

واحدًا

واحدًا ..

كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !

يمنح الشاعر للناس الباحثين عن الخبز دربا آخر: يعيد للبستان رقصته، وللنشيد صغاره، وللعتمة إشراقتها الخفية. إنه درب يتوحد فيه "سارق للنار" مع طائر الفينيق المتأمل عبر الشاعر فيما بينهما من جسامة المعنى: تصير كلمات الذات المتأملة في ليل النص مقابلا دلاليا لاحتراق الفينيق وصلب بروميتيوس، ومن هنا جدواها وضرورة النظر فيها بعين القلب.

كل الشكر والمحبة للشاعر المبدع محمود مغربي على إدراج هذا النص الذي يحتاج، بلا شك، لقراءات أخرى توفيه ما يستحق من نظر... وعذرا على السهو في معرض المرور السريع بنبع الرؤيا والجمال..

أملي أن يتجدد لقائي بنبض شعرك البهي، وأن تزهر بكلماتك "شرفة القصيدة"

لك برق المسارات

وسلة ورد

*****

..........

ويقول العربى لغاوتى

المبدع المغربى

.....

-

العزيزين محمود المغربي ومنعم الأزرق

اسمحا لي أن أرافقكما في هذا الدرب الجميل الذي أضأتماه كل من زاويته الخاصة،

رغم ان حصاني ما زال لا يقوى على مسايرة الركب لأن اليسرى لا تتقن ما تتقنه اليمنى .

سأتوقف مع ظاهرة جميلة في هذا النص ، وتتجلى في الصراع الأبدي بين الشاعر والآخر،

صراع بين من يتحمل متاعب الكون ومن لا يهمه إلى خبز يومه ، وذلك ما عبر عنه الشاعر

محمود بطريقة راقية تمس الوجدان والفكر معا.

فمن خلال الهي التي لا يعرفها إلا من كان في القديم يقدم إطار اللوحة الرائع :

قديماً ..

قدَّمَتْ فتنتها

أما الآن فقد أصبح :

واليومَ ..

لا أحــدْ ..

لا أحـــدْ ..

فقطْ ..

بعضُ ذكرى

لينتقل إلى الحاضر حيث :

الصباح

الذى كم تباهتْ به

تمامًا تلاشى

لينتقل إلى ذلك الطائر الرافض للمكوث حيث الآخر، الرافض للقيد الفيزيائي والجغرافي:

طائرى العنيدْ

ما زال يبحثُ

عن شُجيْرَةٍ

إنه البحث عن موطئ قدم في وجود يملكه الآخر.

إن الشاعر يرسم من خلال رموزه صورالشاعر والمفكر الذي يحمل الهموم ،

إنه شهرزاد التي تحملت عبء تخليص جنسهامن الموت المجاني على

يد سياف شهريار.

إنه ذلك الجندي الذي انهزمت جيوشه ومضى ساحبا ذيول الهزيمة على مرىء

من بقايا :

إلا من جِراحِهِ

وبقايا حَرَسْ

فكلما بحث عن شيء يفيد به الآخر إلا واصطدم مع جهل ذلك الآخر الذي :

خبأها الحُرَّاسُ فى الخرابْ ؛؛

لا شمعَةٌ هناكْ ..

لا رفيقْ !

وحتى الغمامة لم تستجب لندائه :

خُذى نصفَ عمرى

وأمطرى فقطْ

لأُنْقِذَ ما تبقَّى من صِبَاى !

ثم يصبح سندبادا لا كالذي يعود محملا بالهدايا والجواهر ، فيجد

زوجته في انتظاره ولكنه سندباد مهزوم فارغ اليدين يسائل الآخر :

السندبادُ

فارعُ اليدين فى منفاهُ

وفي الاخير يعقد مقارنة طريفة بين الشاعر والآخر ، بين الناس والأنت

الذي ليس إلا هو:

الناسُ فى كلَّ مرّةٍ ..

يَسْرقونَ الخُبْزَ ..

وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ ..

تشعلُ عتمةً

تستعيدُ الصغارَ

واحدًا

واحدًا ..

كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !

هو ذاك الشاعر والله ، يحترق لينير للغير السبيل .

العزيزين محمود ومنعم :

جميل هذا الركب الذي بدأتماه ، أتمنى أن يدوم السفر معكما.

دام لكما البهاء والتألق.

-

******

ويقول الناقد والمبدع المغربى

جمال المحدالى

.......

-على أَثَر القصيدة والقراءات المواكبة لها والذاكية في النفس إقتراف، أجمل ما تقصده القصيدة: شهوة تلو شبهة صنو جنحة اسمها العشق بنُطْقه وطَرْقه ثم الفناء به فيه، أقترف هذا المنسوب من القول، وأشرع من منتهي القصيدة، حيث نقرأ:

الناسُ فى كلَّ مرّةٍ ..

يَسْرقونَ الخُبْزَ ..

وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ ..

تشعلُ عتمةً

تستعيدُ الصغارَ

واحدًا

في هذا المقطع الأخير من القصيدة يتقاطع ما يخطر على الطائر من تأملات عبر أسفار القصيدة كلها، ففيه ينكشف الإنسان باعتباره كائن يسرق... وليس يجدي كثيرا إن كان يسرق الخبز أو النار، يسترق النظر أوالسمع، يسرق القبلة أو القلب... لكن، إذا كان فعل السّرقة يسري على كل الناس، فإنه يسري أيضا على ذلك المجهول في القصيدة، والذي لا ينافسه في اللُّّبس غيرها هي تلك التي سيأتي القول فيها عبر مدارج القصيدة، وإن كان الفاصل الباتر بنهما (الناس والآخر) هو أن الناس يسرقون الخبز، أما هو فإنه يسرق النار.

وإذا كان سارق النار يُخاطَب في هذا المقطع/ التأمل بـ"أنت هناك"، بما يوحي بأن له وجود معطى وأصيل منفصل عن كل أنا أو ذات، فإن كون هذا "الأنت" يسرق النار، يجعله واضحا مثل الأسطورة تماما، فمن يكون، إذا، هذا الـ"أنت هناك"، غير بروميثيوس خالق الإنسان على صورة الآلهة وسارق النار من أجله، كما تروي الأساطير الإغريقية... إنه الإنسان الكامل الكامن في كل إنسان، وهو أفق هذا الإنسان الذي يأتي من قِدَمه، ذلك القِدم الذي تشير إيه القصيدة منذ أولها:

قديماً ..

قدَّمَتْ فتنتها

للصبية الصغارِ

للصوصِ ..

لعابرِ الســبيلِ ..

وقبل هذه الوثبة إلى مطلع القصيدة، لا بد من استيعاب نيّر لمفعول تلك النار المسروقة، وهو بجملة القصيدة، دائما :

تشعلُ عتمةً

تستعيدُ الصغارَ

واحدًا

واحدًا ..

كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !

هذا ما كان منذ القِدم، قِدم الإنسان والأسطورة والنار... وهذا ما تتوق إليه القصيد، ما تدعو إلى تأمله (مع مزج التأمل بالأمل) لا بمنطق العقل الذاتي الموضوعي الأداتي الرياضي فحسب، وإنما بمنطق ما بعد المنطق، منطق الكشف والإشارة، منطق الطير في ترحاله وإنشاده ونشدانه للمطلق الذي لن يجده في المقام الأخير إلا فيه.

وما يثير الانتباه هنا، ومن ثمة الوثبة إلى مطلع القصيدة وباقي مقاطعها، هو هذا التشابه الفاتن بين النار ومفعولها وبين تلك المستعصية عن التسمية في القصيدة، وإن كان ولا بد من تسميتها فلن تسمى بغير الأنثى، ومن ثم تسمى شهرزاد...

فبما أن مفعول النار من منظور بروميثيوسي هو: الضوء/ إستعادة الطفولة/ رقصة الحياة، فإن النار من منظور الأنثى أو العكس، يكشف، علاوة على ذلك، عن الوجه المُحْرِق المُحترِق الحارق فيهما معا، ولعل هذا ما تقوله القصيدة بتكتم بليغ بارد، برودة التأمل حين يتهيأ لبلوغ الحكمة دون مغادرة دفء المحبة التي على نبضها ترقص القصيدة وتراقص طارقي عتمتها النيِّرة والطارقات.

ففي حاضر قاتل كالحاضر الذي يكاد يخنق الشعر والتأمل والرقص والمطر، هذا الحاضر الفارغ من شدة الضيق، ضيق اليد والقلب والطريق قبل وبعد الرفيق، حيث لا أحد، الصبح فيه يتلاشى كومضة بارقة خاطفة، والكائن فيه في منفاه يمضي إلى حتفه... ولا أحد ينقذ القصيدة من هذا الحاضر المستبد فيجنح بها، مثلا، إلى محراب المنيرفا (الحكمة/البومة) أو خربتها غير الطائر (طائر الشعر والحكمة، طائر السيمورغ كما سماه صاحب كتاب منطق الطير، الشاعر الصوفي فريد الدين العطار). وهكذا اختارت القصيدة عنوانا لها : تأملات طائر، وهو ما تقترفه عبر مقاطعها التسعة، ومن خلالها تترقرق ذاكرة الطائر والمنفي والنار وشهرزاد، ينشط في الذاكرة أخصب ما في طياتها: المخيال الرمزي الإنساني، لتعمل القصيدة على دمج بعض قبساته في تأملات الطائر، يحدث ذلك أساسا مع : شهرزاد، سندباد، بروميثيوس... كما يحدث مع البستان، الطفولة والسحابة...

ولكل واحد من تلك الرموز أسطورته الخالدة في الوجدان الإنساني والمؤثرة في وجوده الجامح نحو الحرية. والأبهى في ذلك، هو أن القصيدة لا تكتفي باجترار تلك الأسماء والمحكيات المنسوجة حولها، بل نجدها تجهد لأن تعيد بنائها وفق منطقها الخاص الذي هو منطق الطائر العنيد، فتقدم، مثلا، سندباد متحررا من استبدادية التنميط الرسمي الذي خضع له،

السندبادُ

فارعُ اليدين فى منفاهُ ..

يُسائِلُ الجموعْ :

مَنْ يُعيرنى قيثارةً ..

كى أرمّمَ ما تبقّى من جَناحْ !

نفهم أنه صار بدوره مسكونا بما لا يجيده غير الطائر: الغناء، وفوق ذلك، يدرك تماما أنه بالعناء فقط يمكن ترميم الأجنحة، أية أجنحة، وفي هكذا مقطع، تصل شعرية القصيدة ذروتها.

أما شهرزاد فقد

ودَّعَتْ بستانَها

حكاياها

رغم ذلكْ ..

تُهَندسُ المساءَ فى هدوء !

هنا تنخرط القصيدة في عملية تحرير شهرزاد، ومن خلالها الأنثى، من سجن حكاياتها وبساتين ثمارها الغاوية، لترتقي عبر مراقي الحكمة إلى مهمتها القصوى: هندسة المساء، باعتبارها سيدة العتمة، هي النار ، واهبة الحياة، حارسة البهاء، حاضنة الطفولة... ولذلك كله، فهي (الأنثى) لا تتردد، في أن تتحول، بحسب كمياء القصيدة الخارق، إلى غيمة، تحتفظ في عتمتها بوهج الغيث، كما يومض بذلك المقطع السابع، في صيغة استسقائية:

ناديتُ يا سحابةْ

أمطرى ..

خُذى نصفَ عمرى

وأمطرى فقطْ

لأُنْقِذَ ما تبقَّى من صِبَاى !

الأنثى هنا، تغادر إلى حين ناريتها كما غادرت شهرزاد بستان حكاياتها، لتغدو سحابة ثمن غيثها نصف العمر فقط، ما دام أنه بإمكانه انقاذ ما تبقى من الطفولة.

وهذه الوثبة للأنثى من النار إلى الغمامة، يؤكد كيف ان الوجود والوجد وكل شيء هو نتاج ليس عنصر بذاته بقدرما هو نتاج تفاعل عناصر مختلفة بل ومتنافرة، وهوذاته منطق كمياء الشعر، كما ينكشف في القصيدة...هنا.

فتحية ماطرة بالود للشاعر محمود مغربي ولباقي الإخوة الذين تلقو تأملات الطائر بقراءات عاشقة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى