قصيدة
( تأملات طائر)
للشاعر المصرى محمود مغربى
وثلاث قراءات
للنقاد المغاربة
منعم الازرق
العربى لغواتى
جمال المحدالى
****
قديماً .. قدَّمَتْ فتنتها للصبية الصغارِ للصوصِ .. لعابرِ الســبيلِ .. واليومَ .. لا أحــدْ .. لا أحـــدْ .. فقطْ .. بعضُ ذكرى .. الصباح الذى كم تباهتْ به تمامًا تلاشى رغم ذلك .. لسلطانِهَا طائرى العنيدْ ما زال يبحثُ عن شُجيْرَةٍ ونافـذةْ .. شهرَزادْ ودَّعَتْ بستانَها حكاياها رغم ذلكْ .. إلى حَتْفِهِ يمضى إلا من جِراحِهِ الصبابةُ .. خبأها الحُرَّاسُ فى الخرابْ ؛؛ لا شمعَةٌ هناكْ .. ناديتُ يا سحابةْ أمطرى .. خُذى نصفَ عمرى وأمطرى فقطْ السندبادُ فارعُ اليدين فى منفاهُ .. يُسائِلُ الجموعْ : مَنْ يُعيرنى قيثارةً .. الناسُ فى كلَّ مرّةٍ .. يَسْرقونَ الخُبْزَ .. وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ .. تشعلُ عتمةً تستعيدُ الصغارَ واحدًا واحدًا .. كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ !-.... **** الناقد والمبدع المغربى منعم الازرق
..........
مَنْ يُعيرنى قيثارةً ..
"قديماً .. قدَّمَتْ فتنتها للصبية الصغارِ للصوصِ .. لعابرِ الســبيلِ .. واليومَ .. لا أحــدْ .. لا أحـــدْ .. فقطْ .. بعضُ ذكرى .. "لسلطانِهَا "طائرى العنيدْ ما زال يبحثُ عن شُجيْرَةٍ ونافـذةْ .. الناسُ فى كلَّ مرّةٍ .. يَسْرقونَ الخُبْزَ .. وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ .. تشعلُ عتمةً تستعيدُ الصغارَ واحدًا واحدًا .. لك برق المسارات ***** .......... ويقول العربى لغاوتى المبدع المغربى .....
العزيزين محمود المغربي ومنعم الأزرق اسمحا لي أن أرافقكما في هذا الدرب الجميل الذي أضأتماه كل من زاويته الخاصة، رغم ان حصاني ما زال لا يقوى على مسايرة الركب لأن اليسرى لا تتقن ما تتقنه اليمنى . سأتوقف مع ظاهرة جميلة في هذا النص ، وتتجلى في الصراع الأبدي بين الشاعر والآخر، صراع بين من يتحمل متاعب الكون ومن لا يهمه إلى خبز يومه ، وذلك ما عبر عنه الشاعر محمود بطريقة راقية تمس الوجدان والفكر معا. فمن خلال الهي التي لا يعرفها إلا من كان في القديم يقدم إطار اللوحة الرائع : قديماً .. قدَّمَتْ فتنتها أما الآن فقد أصبح : واليومَ .. لا أحــدْ .. لا أحـــدْ .. فقطْ .. بعضُ ذكرى لينتقل إلى الحاضر حيث : الصباح الذى كم تباهتْ به تمامًا تلاشى لينتقل إلى ذلك الطائر الرافض للمكوث حيث الآخر، الرافض للقيد الفيزيائي والجغرافي: طائرى العنيدْ ما زال يبحثُ عن شُجيْرَةٍ إنه البحث عن موطئ قدم في وجود يملكه الآخر. إن الشاعر يرسم من خلال رموزه صورالشاعر والمفكر الذي يحمل الهموم ، إنه شهرزاد التي تحملت عبء تخليص جنسهامن الموت المجاني على يد سياف شهريار. إنه ذلك الجندي الذي انهزمت جيوشه ومضى ساحبا ذيول الهزيمة على مرىء من بقايا : إلا من جِراحِهِ وبقايا حَرَسْ فكلما بحث عن شيء يفيد به الآخر إلا واصطدم مع جهل ذلك الآخر الذي : خبأها الحُرَّاسُ فى الخرابْ ؛؛ لا شمعَةٌ هناكْ .. لا رفيقْ ! وحتى الغمامة لم تستجب لندائه : خُذى نصفَ عمرى وأمطرى فقطْ لأُنْقِذَ ما تبقَّى من صِبَاى ! ثم يصبح سندبادا لا كالذي يعود محملا بالهدايا والجواهر ، فيجد زوجته في انتظاره ولكنه سندباد مهزوم فارغ اليدين يسائل الآخر : السندبادُ فارعُ اليدين فى منفاهُ وفي الاخير يعقد مقارنة طريفة بين الشاعر والآخر ، بين الناس والأنت الذي ليس إلا هو: الناسُ فى كلَّ مرّةٍ .. يَسْرقونَ الخُبْزَ .. وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ .. تشعلُ عتمةً تستعيدُ الصغارَ واحدًا واحدًا .. كيما تعيدُ للبستانِ رَقصتهْ ! هو ذاك الشاعر والله ، يحترق لينير للغير السبيل . العزيزين محمود ومنعم : جميل هذا الركب الذي بدأتماه ، أتمنى أن يدوم السفر معكما.
- ****** ويقول الناقد والمبدع المغربى جمال المحدالى
الناسُ فى كلَّ مرّةٍ .. يَسْرقونَ الخُبْزَ .. وأنتَ هناكَ تسرقُ النارَ .. تشعلُ عتمةً تستعيدُ الصغارَ
في هذا المقطع الأخير من القصيدة يتقاطع ما يخطر على الطائر من تأملات عبر أسفار القصيدة كلها، ففيه ينكشف الإنسان باعتباره كائن يسرق... وليس يجدي كثيرا إن كان يسرق الخبز أو النار، يسترق النظر أوالسمع، يسرق القبلة أو القلب... لكن، إذا كان فعل السّرقة يسري على كل الناس، فإنه يسري أيضا على ذلك المجهول في القصيدة، والذي لا ينافسه في اللُّّبس غيرها هي تلك التي سيأتي القول فيها عبر مدارج القصيدة، وإن كان الفاصل الباتر بنهما (الناس والآخر) هو أن الناس يسرقون الخبز، أما هو فإنه يسرق النار.
قديماً .. قدَّمَتْ فتنتها للصبية الصغارِ للصوصِ ..
تشعلُ عتمةً تستعيدُ الصغارَ واحدًا واحدًا .. هذا ما كان منذ القِدم، قِدم الإنسان والأسطورة والنار... وهذا ما تتوق إليه القصيد، ما تدعو إلى تأمله (مع مزج التأمل بالأمل) لا بمنطق العقل الذاتي الموضوعي الأداتي الرياضي فحسب، وإنما بمنطق ما بعد المنطق، منطق الكشف والإشارة، منطق الطير في ترحاله وإنشاده ونشدانه للمطلق الذي لن يجده في المقام الأخير إلا فيه. وما يثير الانتباه هنا، ومن ثمة الوثبة إلى مطلع القصيدة وباقي مقاطعها، هو هذا التشابه الفاتن بين النار ومفعولها وبين تلك المستعصية عن التسمية في القصيدة، وإن كان ولا بد من تسميتها فلن تسمى بغير الأنثى، ومن ثم تسمى شهرزاد... فبما أن مفعول النار من منظور بروميثيوسي هو: الضوء/ إستعادة الطفولة/ رقصة الحياة، فإن النار من منظور الأنثى أو العكس، يكشف، علاوة على ذلك، عن الوجه المُحْرِق المُحترِق الحارق فيهما معا، ولعل هذا ما تقوله القصيدة بتكتم بليغ بارد، برودة التأمل حين يتهيأ لبلوغ الحكمة دون مغادرة دفء المحبة التي على نبضها ترقص القصيدة وتراقص طارقي عتمتها النيِّرة والطارقات. ففي حاضر قاتل كالحاضر الذي يكاد يخنق الشعر والتأمل والرقص والمطر، هذا الحاضر الفارغ من شدة الضيق، ضيق اليد والقلب والطريق قبل وبعد الرفيق، حيث لا أحد، الصبح فيه يتلاشى كومضة بارقة خاطفة، والكائن فيه في منفاه يمضي إلى حتفه... ولا أحد ينقذ القصيدة من هذا الحاضر المستبد فيجنح بها، مثلا، إلى محراب المنيرفا (الحكمة/البومة) أو خربتها غير الطائر (طائر الشعر والحكمة، طائر السيمورغ كما سماه صاحب كتاب منطق الطير، الشاعر الصوفي فريد الدين العطار). وهكذا اختارت القصيدة عنوانا لها : تأملات طائر، وهو ما تقترفه عبر مقاطعها التسعة، ومن خلالها تترقرق ذاكرة الطائر والمنفي والنار وشهرزاد، ينشط في الذاكرة أخصب ما في طياتها: المخيال الرمزي الإنساني، لتعمل القصيدة على دمج بعض قبساته في تأملات الطائر، يحدث ذلك أساسا مع : شهرزاد، سندباد، بروميثيوس... كما يحدث مع البستان، الطفولة والسحابة... السندبادُ فارعُ اليدين فى منفاهُ .. يُسائِلُ الجموعْ : مَنْ يُعيرنى قيثارةً .. نفهم أنه صار بدوره مسكونا بما لا يجيده غير الطائر: الغناء، وفوق ذلك، يدرك تماما أنه بالعناء فقط يمكن ترميم الأجنحة، أية أجنحة، وفي هكذا مقطع، تصل شعرية القصيدة ذروتها.
ودَّعَتْ بستانَها حكاياها رغم ذلكْ ..
ناديتُ يا سحابةْ أمطرى .. خُذى نصفَ عمرى وأمطرى فقطْ الأنثى هنا، تغادر إلى حين ناريتها كما غادرت شهرزاد بستان حكاياتها، لتغدو سحابة ثمن غيثها نصف العمر فقط، ما دام أنه بإمكانه انقاذ ما تبقى من الطفولة. وهذه الوثبة للأنثى من النار إلى الغمامة، يؤكد كيف ان الوجود والوجد وكل شيء هو نتاج ليس عنصر بذاته بقدرما هو نتاج تفاعل عناصر مختلفة بل ومتنافرة، وهوذاته منطق كمياء الشعر، كما ينكشف في القصيدة...هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى