الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

حديث بصغة الموتى نص للكاتبة المغربية عائشة بنيس








حديث بصغة الموتى



نص للكاتبة المغربية عائشة بنيس




كمن يعودُ مِن غيبوبة دامت ثلاثون عاما॥أفقت من ذهولي لأجدني موشحه بالبياض। عروسا بين نسوة يلكن الضجر وعدّ الثواني.ماذا افعلُ أنا هنا؟! انتفضتُ واقفة فعلقت بي أعينهن. نفضتها عني ومشيتُ فوقها إليه. لحقت بي إحداهن..أظنها ابنة ربيعي. إلى أين؟ إليه . وأضفتُ بإصرار: ولا أريد أن يقتحم خلوتنا أحد. تركتُ فمها مفتوحا. ودخلتُ إليه..وأغلقتُ الباب بإحكام.

ابتسم لي ابتسامتهُ الأولى وأنا اقترب منه. التصقتُ به. أمسكتُ يدهُ بين كفيّ. هذه الأصابع الباردة ألبستني خاتم الحب قبل ثلاثين عاما. خاتم الذهب الذي اشتعل نارا. فاحترق العمرُ وصار رمادا. لماذا كل ذاك الحب الكبير الذي نما تحت الشمس. حين بنينا لهُ سقفا تبخّر واندثر؟! لماذا تحت السقف انتحر؟! مُورثا نفورا عميقا وحبلا يُشدّ ويُشد. وكلما شُدّ امتد وامتد. وكبرت المسافة واتسعت. وصمتت لحظاتنا وانهار السقف. وهاجرنا إلى مقبرة تسكنها أشباح تنتظرُ حُفار القبور.
آآآآآه يا أنين نفسي بمقبرة شيّدتُها بنفسي. كيف مضى العمر في ظل هذا الخراب الهائل؟ كيف صدئت قلوبنا صدأ الحديد ؟ أما كان لنا أن نتوافق ولو قليلا؟ أما كان لك أن تتنازل عن غبائك الوراثي المخيف الذي صور لك رجولتك في قهري؟! أما كان لي أن أكبح جنوح دهاء الأنثى المتفجر داخلي طاغيا بشعارات صماء محاولا نسف جبروتك، فإذا بي دون أن احذر انسفُ عمري. أيُ سهم مجنون هذا الذي ارتدّ إلى نحري.وما الذي أخرسني وكبّلني ثلاثين عاما وهو يخترق صدري؟ وكيف صبرتُ عليه ؟ أإكراما لجدران آيلة للسقوط؟ أم أني خشيتُ على ثماري الرصيف. فعانقتهُ روحي بدلا عنهم.ثماري. لقد نضجت وأينعت على خطوط وجهي.واختارت الغربة أُما ووطنا. وصارت تزور الأطلال في الحولِ مرة.ولم تخشاني على الرصيف.
آآآآآه يا سيّد عذابي.أي خسارة أستشعرها وأنا أفقدك الآن.بعد عمر استهلكتاه في العناد والعناء. ولم نجني منهُ إلا الهبـــــاء. ضاع العمر يا سيدي. وحُفار القبور أطلّوا. والقبرُ قد حُفر، وبعد قليل ينهال عليه التُراب. أهو غدر منك أم من الحياة أن تُغادر في آخر المحطات قبلي..؟ أألآآآآن تتركني..؟!؟ الآآآن..وشعري خريف وعظامي رهيف..؟! الآآآن تتركني في سكون المقبرة وحدي..تحت قيظ شمسها وقد كنتَ ظلي.
اسمعُ أصواتهم تعلو وهي تقترب. يفتحون الباب ويدخلون. يطفئون الشموع التي رافقتني في ليلتي الأولى. يسكنونني نعشي. ووسط صراخ النسوة يحملونني. ويُخرجونني من المقبرة. إلى حيثُ تنتظرني تحت سقف لا ينهــــــــــــار.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى