الخميس، 24 فبراير 2011

حوار مع المبدعة اللامعة: فاديا عيسى قراجة حاورها : أ/ سعـــــــادة لعلــــــــى

حوار مع المبدعة اللامعة: فاديا عيسى قراجة حاورها : أ/ سعـــــــادة لعلــــــــى





الحوار ثقافة وتحضر

من صدى الوقت وعربدة الصمت وعراء الظلام.. أتت المبدعة فاديا عيسى قراجة، تحكي حنين الذات لمدى الحبر وكبرياء الأقحوان، تتلألأ نصوصها بصدق البهاء الإنساني وجراح كيانه..تعانق سؤال الألم وتبثه حزنها وشغفها العالي بوميض الكلمات.
جاءت المبدعة فاديا عيسى قراجة إلى رحاب الإبداع من مضايق الحكي وسراديبه ودهاليزه الغامضة ، حيث نايات الحروف أنواء موجعة، تحضن الأسئلة المغيبة والحاضرة في آن جارح، وتلاحق أقاصي الخداع اليومي لعالم لا نملك روحه، يفلت من بين أصابعنا.. وبيقين صادق ترى المبدعة "فاديا عيسى قراجة " الإبداع عزاء عن رماد الوقت و رمل الحياة.
كلما اقتربنا من عوالمها أدركنا كم هي شامخة، فتتبوأ مكانة أخرى داخل الحنايا .. كلما أصغينا لنبضات حروفها وحفيف كلماتها، وشخوص قصصها، أدركنا أن الشموخ لا يصنعه تلميع وجه كاتبة إعلاميا بقدر ما تفرضه أعمالها المتميزة جدا..
للأديبة فاديا أربع مجموعات قصصية : "مساحة للحياة " صدرت عام 1996،" رغبات بيضاء" صدرت سنة 2003م، " زقورة مريم صدرت سنة 2006م والقصة الأخيرة عام 2010 و المجموعة الأخيرة قيد الطبع .نالت جائزة اتحاد الكتّاب العرب بحمص 2000-2003م ، وفازت بجائزة المزرعة بسوريا عن مجموعتها القصصية المتميّزة "زقورة مريم" عام 2006م وآخر جائزة نالتها في مسابقة وزارة الداخلية في سوريا في القصة القصيرة فئة المخدرات عام2010.
* وهذه هي باقة الأسئلة التي أجابت عنها ـ مشكورة ـ برحابة صدر وبرشاقة الأنثى المبدعة॥



** : فاديا عيسى قراجة : تكتب قصصا قصيرة على مقاس " الوسائد الوثيرة" ، قصصا تعكس جنونها الذي ـ بقليل منه ـ نغير به العالم، كما قال " نيكوس كازانتزاكي ". كيف دخلت معبد الحكي؟


: أولاً شكراً على هذه المقدمة الجميلة .. ولكن دعني أختلف معك منذ البداية ، لعلك ستقول بداية غير موفقة ، لكن و للأمانة يجب أن أوضح فأنا لا أكتب قصصاً على مقاس الوسائد الوثيرة, ولو كان هذا التوصيف صحيحاً لما قرأت لعشرات الأقلام التي تهاجم وسائد الشوك إن صح التعبير التي أضعها فوق أسرّة من حجر لا همّ لها سوى دفن الروح والجسد بحجارتها الثقيلة ..أما كيف دخلت معبد الحكي وأشكرك على هذا التعبير فهذا شيء لم أدخله طواعية لأن هناك شيئا خاصا يسرقنا من أنفسنا ويقودنا بمغناطيسية حقيقية إلى حيث يريد ، والكتابة بدأت معي منذ الطفولة حيث لم أكن قد بلغت الخامسة من عمري , وفي سن أكبر بقليل قرأت كثيرا من الكتب لعل من أهمها كتاب "رحلة ابن بطوطة" الذي لا زال شكله ولونه الأزرق, وورقه الأصفر مطبوعاً في ذاكرتي، وسلسلة ألف ليلة وليلة المعدّة للأطفال.

** : الأستاذة فاديا.. ما الذي يحركك باتجاه القصة..؟ وما الذي يحرك القصة باتجاهك؟ وأين تلتقيان؟

: سؤال جميل ..قد تستغرب في جوابي الآتي:
أنا والقصة واحد لا يمكن أن أنفرد عنها أو تنفرد عني وهي كما أنا هاجسها الذي يقلق راحتي ويحد من علاقاتي الاجتماعية، فالقصة متطلبة طمَّاعة .. لا ترضى بالقليل وهي تحتلني , وتحكم سيطرتها على تحركاتي ، كم من مرة هربت كي أعيش لحظاتي الخاصة ولكنني كنت أكتشف بأنها تسافر معي وتختبئ في حقائب سفري وفي جيوبي , فأضحّي بكل شيء من أجل عيونها .. ولأنها مخلصة لي كان يجب أن أخلص لها وأبدل أثوابها في كل مناسبة تجمعني بها ، كي لا تشيخ وتهرم وتبقى شابة متجددة أفتخر بها .. لذلك أنا وهي في مركز دوران واحد لا نبتعد إلا لنلتقي.

**: هل يحدث لـ " فاديا " أن تطلب قصة فتتمنع عنها؟ بالمناسبة ، حدثينا عن مخاض الكتابة ووجعها؟

:هذا يحدث في كثير من الأحيان , وحضرتك كمبدع تعرف هذه الأشياء ..كم مرة أحسستُ بأن الفكرة جاهزة, والحبكة متينة , والمفردات متوافرة , ولا ينقصني سوى النقر على الحروف .. لكن كل شيء يتوقف في لحظة ميتة , أو غير متجاوبة , وأحس بأن هناك شيئا سيخذلني, ويتخلى عني, وأبقى أساهر همّ الولادة طويلاً دون فائدة وقد نصحني أحد كبار الكتاب وهو الأستاذ الناقد الحمصي محمد غازي التدمري على ألا ألح في طلب الكتابة لأن كل شيء في وقته حلو , ورغم ذلك لا أنصاع للنصيحة , وأبقى أعاقر الفراغ , وهذا شيء غير صحي لأن للقصة وكتابتها تسلسلا إبداعيا، فهي ستعلن عن نفسها دونما خجل عندما ترى أن كل أدواتها حاضرة.. فمثلاً قبل أن أكتب نص " قصيدة أندلسية " كنت أعده كي يكون قصة ، وكم من بدايةٍ وتصورٍ وضعت لها لكنها كانت حرونة ، وانقلبت عليّ وجاءت على شكل نص وجداني لا أكثر ولا أقل، ورغم فشلي في تحويلها إلى قصة لا زلتُ عند تعنتي ولا زلت أحاول أن أفعل ذلك .

** : هل تؤمنين بالإلهام ؟ أم أنك مثل "خوزيه ساراماغو " تجلسين على الكرسي ، ثم تأتي الكتابة " ؟

:الإلهام ككل تقصد ؟ إذا كان كذلك طبعاً, لأن تعريف الإلهام هو التحريض على الكتابة بطريقة ما, أو استحضار اللحظة المنفصلة عن الواقع .. فحضور شخص في حياتك يقلب كل المعادلات لديك ويحرّف اتجاهك 180 درجة، ويعلن دون أن يعلن بأنك وحروفك أسيره , وهذا يحدث في النصوص الشعرية والنثرية , لكن في القصة قلما يحصل الإلهام بمعناه الوجداني , ولكن يحدث بطريقة أخرى بما يسمى قدح فكرة تخدمها الظواهر الاجتماعية , والفكرية , والثقافية . القصة ـ أستاذ سعادة ـ مثل المخابرات العربية، لكن بطريقة مختلفة؛ فهي عين على الخطإ وعين على الجمال , وعين على الظلم، يعني هي رقيب جميل حنون.. أما الجلوس على الكرسي للكتابة عبر دفقات تأتي من الفراغ فلا أظن ذلك , لأن الأدب كقصة ورواية لا يتم إلا بعد النزول إلى الشارع وسماع نبضه .. عندها ستكون الكتابة هي الأكسجين الذي يطيل عمر الشارع والدواء الذي يخدر الوجع ولا يزيله , وهنا لا أقصد سوى القص الحقيقي صاحب الرسالة الحقيقية, بعيداً عن تجميل واقع لا وجود له أصلاً ..

** : من أين تستوحين الفكرة النواة للشروع في كتابة قصتك؟

:لعل جوابي هنا استكمال للجواب عن سؤالك السابق , افتحْ نافذتك وانظرْ إلى الشارع , ماذا لو دخلت في رأس كل من يمر أمامك , ماذا لو سمعت شكوى هؤلاء الناس , ماذا لو وضعت يدك على ما يقهرهم ؟؟ ألن تكتب طوال 25 ساعة دون توقف , وأعترف بأن مصادري القصصية أناس أغلبهم من لحم ودم دون أي مبالغة, بقليل من الخيال الذي لا يخدش الواقع..

** : المبدعة..فاديا، دعيني الآن أغوص في أعماق نصوصك لأقول: إن نصوصك خارج النصوص وهذا ما يهبها صفة التميز..كيف تشرحين لنا هذا التميز؟

: أتمنى أن يكون لنصوصي هذا التميز ولو بنسبة قليلة ..
سأكون صريحة وأدخلك إلى مشغلي القصصي إن جاز لي التعبير , عندما أكتب لا أفكر بالرقيب وهذا أهم رافع لنجاح القص وصدقه من جهة أخرى , كما أن الخطوط الحمراء ملغاة من قاموسي منذ زمن , فكل ما ينصبّ عليه القص لديّ هو أن أرسم الحالة بكل عريها وبشاعتها وأقصد هنا البشاعة الحقيقية للحالة وليس البشاعة الأدبية , ولا أتردد في رسم أي حالة مهما كانت مصنفة فيما يسمى "الطابو الاجتماعي أو الديني أو السياسي، وهذا ما ستنطق به قصتي التي سأنشرها قريباً وسوف تلاحظ إلى أي مدى أغامر في توريط قلمي.

** : نصوصك في ثنائياتها ، تقيم تحت ظلال القلق والتوتر ، فيها محاورة ومداورة على مستوى البناء واللغة والأخيلة .. لغة ترسم من الألوان لوحات..حدّثينا عن هذه العوالم الساحرة والمدهشة؟

:هذه شهادة أعتز بها وأتمنى أن أكون قد وصلت إلى مرحلة يشاركني القارئ في قناعاتي التي تتراقص فوق صفيح من نار القلق والتوتر ..
المبدع حتى يتمكن من امتلاك كل أدوات الإبداع يجب أن يكون قارئاً نهماً لا يشبعه شيء , فكلما ازداد رصيدنا المعرفي، ازددنا ثقة بامتلاك ناصية القص, ووصلنا إلى مرحلة "الاحترافية" ، وهذا لن يتأتى لنا إلا عبر ثقافة عميقة ودراسة واعية لحالات اجتماعية من لحم ودم بعيداَ عن الميثيولوجيا والفنتازيا ، فأنا أزعم بأنني قارئة جيدة، ربما هذا الذي يتيح لي مزاوجة اللغة بألوان من التجارب الشخصية والمعرفية فتأتي نصوصي تتدرج بين الشعر والقصة..

** : نصوصك لها طعم الشعر الذي يتدلى كعنقود عنب وأوراق الورد وكثير من رائحة البحر..البحر الذي يشبه الأصدقاء.. كيف دانت لك القطوف؟

: ها أنت تنطق شعراً يا أستاذ سعادة , وعند سماع الشعر ما على القاص سوى الصمت .. لكن لا مانع في أن يكون القص متوحداً مع أكثر من جنس أدبي ,ليُنتج نصاً غنياً بكل مفردات الإبداع، شرط أن يحافظ النص على كينونته ولا يغرق في الأجناس الأخرى لدرجة أن يفقد شرعيته كمسمى ..

** : لاحظنا حضورا دائما للمرأة في نصوصك القصصية، فهل تحتاج القصة دائما للأنثى كي تقول المختلف ؟

: في نصوصي يحضر الرجل كما تحضر المرأة ولكوني امرأة فأنا لدي فهمي الخاص للمرأة الأنثى التي تحارب كي تجد موطئ قدم , ولا يمكن لنص أن تغيب عنه هذه الثنائية , التي بها يعمر الكون وبها يخرب أيضاً .. وربما أكون منحازة للحقيقة الوجودية فيما يسمى رجل مهيمن وامرأة خاضعة , وأحاول عبر تسليط الضوء على كل منهما أن أُظهر كل ما يجعل تلك العلاقة البهية كلوحة نافرة بعيدة عن الجمال, وكما لاحظت ـ وحضرتك متتبع لنصوصي ـ بأنني لا أحمِّل الرجل فوق طاقته , ولا أرحم المرأة الخانعة التي تعمل حسب جدول يعدّ لها منذ ولادتها وحتى موتها.

** : أزعم أن صورة الرجل في قصصك توحي بالألم ، كما توحي بإعادة تشكيل هذه الصورة كي تستقيم الحياة ، ما رأيك؟

:أولاً دعني أقول لك ماذا يعني لي الرجل بكل بهاء حضوره وجماله , ورقيّه ..
الرجل هو أبي الراحل ,وابني البعيد , وأخي الذي لم يرزقن الله نعمة وجوده , وحبيبي الظالم , وصديقي الحنون ..فلكل هؤلاء أنحني بكل حرف أكتبه , وأتلوّى أمامه , وأبكي عندما أستحضر أي صورة تعبر عنه , ولذلك كله، ولأنني أعتبر الرجل فردوسي الضائع، أتعامل معه كما يتعامل صائغ الذهب مع قطعته النفيسة , لكن بفارق بسيط هو أنني لا يمكن أن أحابي الرجل إذا كان ظالماً , ولا أن أسدد إليه سهامي العشوائية بهدف الانتقام أو تصفية حساب، مثلاً ، بل أسعى إلى اجتثاث السبب الذي يورط الرجل في الغوص بذكورية غير مبررة , وذلك عبر قصّي الذي يلاقي الكثير من الجدل , والجدل لأي نص هو تأشيرة على نجاحه و عمقه, وبذلك أستخلص الروح العميقة التي تعتمل داخل الرجل وأحصل على سبيكة خالية من الشوائب .

** : ينزعج البعض من احتفائك بالجسد. بماذا تفسرين قلق هذا الانزعاج؟

: أحترم انزعاج البعض وربما أتفهمه ، لكن في ذات الوقت يدهشني هذا الانزعاج فأنا في النهاية أكتب نصاً قصصياً يمتلك كل أدواته الأدبية والفنية عبر جسر من اللغة يتراوح بين الجسد المهمل في عالمنا, و الروح المقتولة والمترهلة في نصوصنا , ولا أهمل أي شيء تحت أي ضغط , فالصورة يجب أن تظهر كاملة غير منقوصة , ولعل البعض يفضل أن يغطي الشمس بغربال , ولو سألتني , فأنا برجي ناري أعشق الاحتراق , حتى لو كان من الشمس نفسها .

** : " خيانة زوجة "، من أي مشتل نبع هذا العنوان المؤلم؟

: هي ظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا شئنا أم أبينا , وكل ما فعلته أنا, أنني وضعت سمّاعة مكبِّرة في داخل تلك المرأة وسمحت لها أن تقول ما تشاء ,دون أن أسمح لنفسي بمصادرة أي كلمة مهما كانت خارج سرب النص الأدبي , وأعترف بأنني حقنت هذه القصة بجرعات زائدة من الجرأة ولكن لم تكن لتستقيم لو لم أفعل هذا , وتبقى هذه وجهة نظري الخاصة.

** : القصة العربية اليوم تشهد صحوة طيبة، غير أن العارفين بأسرار الأمور يرون أن المشهد مازال في حاجة إلى حركتين تصحيحيتين :
1. تحريض النقد الغائب على الإصدارات القصصية.
2. إرساء أسس حوار إبداعي حقيقي بين التجارب المختلفة بتنظيم لقاءات ومهرجانات لكتّاب القصة، وضمان مشاركتهم الجماعية قصد تطوير خطابها و تقويته.
* هل تشاطرين هؤلاء العارفين رأيهم ؟ وإلى أي حد تبدو القصة العربية في حاجة لهاتين الحركتين التصحيحيتين ؟

: سؤال في منتهى الروعة والدقة وأرجو أن أحيط بكل الملوثات التي تطرأ على المشهد الثقافي الذي يتشابه من المحيط إلى الخليج .. سأحكي عن الوضع الثقافي في حمص كأنموذج وأظنه ينطبق على كل البلدان العربية؛ فالمحسوبيات منتشرة في كل المفاصل الثقافية ، كما أن من يرعى المنابر لا علاقة له بالثقافة ..أما موضوع النقد فهو ميت منذ عهود ما عدا النقد الذي يأتي بالربح أو المركز أو ارتقاء لسلّم وظيفي ما .. وكم يحزنني عدد المجموعات القصصية التي تخرج من المطابع لتنام فوق الرفوف دون أن يفكر أحد بإزالة غبار النسيان عنها , وكما قلت فإن أي مهرجان تحت اسم القصة القصيرة لا نفع منه لأنه يكرس أسماء قد تأتي دعوة بعضها ضمن ما أسميته بالمحسوبيات . طبعاً، أشاطر من يقول بأن المشهد الثقافي ليس بخير ولن يستوي مالم يتم كنس كل هؤلاء المفسدين والفاسدين . .. ونحتاج إلى كثير من التصحيح حتى تقف الثقافة على أقدامها .

** : يتّسم المشهد الإبداعي العربي بغياب النقد الجاد والقراءة الواعية والتعاضد الإبداعي بين الكتاب والنقاد، ويسوده أحيانا تنابز خفي بين المبدعين قد يصل إلى تطاحن غريب حول أشياء تافهة .. ما تقييمك للمشهد الأدبي العربي من خلال منبر أصوات الشمال؟

: أشكرك على هذا السؤال، وكنت قد قلت في أحد حواراتي أن المشهد الأدبي العربي يشبه جلسة أنس لا شيء يميزها سوى المجاملات وشرب البيبسي ..
أما عن سؤالك فأرجو أن أكون في موقع يسمح لي بالتقويم , فمثلاً أصوات الشمال منبر محترم , القائمون عليه يحرصون على إرضاء كل الأقلام مهما كانت متواضعة العطاء وقد يكون هذا مأخذاً ليس لصالح المجلة , وقد ناقشت هذا الأمر مع الأستاذ رابح. أما النقد على صفحات موقع إلكتروني فأظن أن هذا ليس وارداً رغم أنه ليس صعباً أو مستحيلاً .. ولقد وقعت في جدال مع إحدى المبدعات لأنني كتبت نقداً تناول نصها، لم يكن من حقي ـ كما أفهمتني تلك المبدعة ـ أن أقول ما قلته، ولكن النصوص ليست كتباً مقدسة فهي معرضة للتصويب , والأخذ والرد . وكما تلاحظ حضرتك فإن لنصوصي حصة الأسد في النقد الذي قد لا يكون منهجياً ورغم ذلك أنا مؤمنة بأنه ما أن يخرج نصي من أدراجي فلم يعد ملكي وللجميع حق إبداء الرأي فيه مهما كان هذا الرأي صائباً أو مجحفاً , وقد يأتي النقد كتصفية حساب بين المبدعين، للأسف ، وهذا أقصى درجات الجهل بالإبداع.. وبالنتيجة لا نملك مدارس نقدية يُعتد بها كما أننا لا نملك الإيمان الكافي بنصوصنا .

** : ما هو الشعور الذي ينتابك عندما تقرئين لكاتب أو كاتبة ما نصا قصصيا جيدا، أو نصا لا تستسيغه ذائقتك؟

: والله يا أستاذ سعادة أنت تريد أن تورطني مع الأصدقاء , ولكن أقول بمختصر مفيد بأنني أحتفي بالنص الجيد الذي يترك بصمة رائعة , وأبتعد عن النص الرديء ,واسمح لي أن أذكر اسم كاتبة تترك دائماً أثراً جميلاً في نفسي بعد قراءة نصوصها وهي الكاتبة الأردنية السيدة رائدة زقوت وكلنا يعرف أن القص الأردني قد اجتاز مراحل شاسعة في التجديد .

** : أنت كائن إلكتروني، وكائن ورقي، أين تنصبين خيمتك وتستريحين؟

: سؤال مربك .. قد أظلم النشر الورقي إن قلت بأنني كائن إلكتروني فأول فرحة كانت على الورق , وإن قلت بأنني كائن ورقي فقد أظلم النشر الإلكتروني الذي أتاح لي هامشاً من الحرية لم أكن أحلم به , لذلك دعني أقول بأنني كائن يقبع في برزخ بين الورق والإلكترون..
س17

** : هل منحتك القصة القصيرة شيئا من الدفء للتخفيف من غربتك ؟

:القصة لم تمنحن فصلاً واحداً بل اخترعت لي فصولاً إضافية أفكك عبرها المفردات وأكتشف عالماً آخر حتى لو كان خيالياً , فأنا أعترف بأن القصة أخذتني من نفسي , وربما كانت السبب المباشر في فشل ما في إحدى محطات حياتي لأنني رفضت أن أساوم عليها , لذلك هي تحميني في غربتي كحبيب حقيقي.

** : ما هي المكانة التي تحتلها الكتابة في حياتك؟

: الأولى بالتأكيد، لأن لا شيء في حياتي أهم من الكتابة.

** : ماذا رأيت البارحة في منامك ؟

: أنا من جماعة (تعال يا نوم) لأنني في حقيقة الأمر مصابة بداء الأرق منذ أكثر من عشرة أعوام بسبب ظرف قاهر ألمّ بي ولم تنفع معي كل الاستطبابات الدوائية ولا حتى أعشاب الطب البديل .. لذلك قلما أرى مناماً، وإن رأيت فلا أذكره.

** : " فاديا" تنفق على جمالها ببذخ..فهل تسكنك روح كليوباترا؟

: المرأة في حقيقة الأمر هي كليوباترا، أي مزيج من سلطة وجمال وشهوة ونفوذ , وخيبة وقهر وجنون ودمار، ولن أكون خارج قوسين أبداً, لكن لم أعرف ماذا تقصد بأنني أنفق على جمالي ببذخ رغم أنني لم أعمل أي عملية تجميل وهذا لا يعني بأنني ضد عمليات التجميل كل ما أستعمله أدوات تجميل غير أوربية، يعني وطنية وعلى الغالب تكون مغشوشة, ولها تداعيات كارثية , وإذا قصدت اهتمامي بحضور لائق فهذا حرصاً مني على أن أظهر بمظهر جميل لأنني مثل أي امرأة يهمها بل يسعدها أمر الجمال ورأي الآخر (الرجل) بها وبجمالها.

** : المبدعة فاديا.. ماذا لو حدّثتنا عن الإنسانة فاديا؟

: بمعزل عن الكتابة و الإبداع، تنتابني حمى الحياة السعيدة التي أحلم أن أبنيها مع رجل حقيقي يتفهم حياتي الخاصة، ويشد من عزيمتي، ولا يكون هو والزمان ضدي، كما أعيش "هاجس":(ماذا لو فقدتُ أمي؟) كيف سأكمل حياتي من دونها، وهي محور حياتي.. وهناك أمنية كبيرة لرجل صغير يكبر بعيداً عني أتمنى لو أهبه روحي كي تغلفه بطبقات سميكة من الحب والحنان والحماية والرعاية. فما أصعب أن يكبر قلبنا بعيداً عنا.

** شكرا للمبدعة المتألقة فاديا عيسى قراجة على تقبّلها سيناتنا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى