الأحد، 23 يناير 2011

أديب الأطفال جاسم محمد الصالح بقلم الاديبة / شفيقة صفريوي / فاس المغرب





-

أديب الأطفال جاسم محمد الصالح

بقلم الاديبة / شفيقة صفريوي

/ فاس المغرب

-


Chafika Sefrioui

هو علم من أعلام العراق وكاتب موسوعي قل نظيره على الساحة الإبداعية العربية في مسيرته الأدبية , مبدع من العراق الأرض الزكية التي أنتجت منذ فجر التاريخ ومرورا بالحضارات القديمة و وصولا إلى عصر النهضة المتواصل أقلاما كتبت بحرارة ودم مثقل بالعاطفة والأمل في إعادة بنية العراق الحضارية والثقافية ليعود كما كان سدا منيعا لهذه الأمة التي ابتليت بالحروب.

بفضل الشبكة العنكبوتية التي ذللت العقبات أمام عدد كبير من الكتّاب الواعدين و جعلتهم يحضون بإمكانية القراءة والاطلاع على إبداعات كُتّاب كبار من حجم الأديب جاسم محمد صالح، كان لي شرف الإطلاع على مؤلفات هذا الكاتب الذي لا يدخر وسعا و تواضعا ،قل نظيره في التواصل والمساهمة في إغناء الحقل الثقافي والإبداعي عن طريق النشر والتواصل على مختلف الصفحات والمواقع الإلكترونية معلقا مشاركا حريصا على الإفادة و بتواضع العلماء الذي يشهد له به كل من يعرفه حق المعرفة و مع كل من يبدي رغبة في النهل من أعمال الكاتب في مختلف الألوان الأدبية التي أبدع فيها .

لقد أطلق الأديب جاسم محمد الصالح العنان لقلمه الناشط في شتى مجالات الكتابة، فأبدع في أدب الأطفال وهو أدب له عالمه الخاص وطقوسه التي تميزه عن غيره ، وتحمل من يتصدى لعملية الكتابة للأطفال كثيرا من الالتزامات التربوية والنفسية التي لا بد وأن تتوافر أولوياتها حتى يمكننا من تقديم نماذج متميزة في هذا اللون السهل الممتنع من الأدب .

كان الأديب الباحث جاسم محمد صالح من أولئك الأدباء المبدعين الذين سجلوا نماذج متميزة أشرت له على خارطة هذا الأدب وكان من أكثر كتاب الأطفال في العراق إبداعا وتواصلا وثراء في منجزه الأدبي المتنوع . للأديب في مجال قصة الطفل عدة مجاميع قصصية نذكر منها : "الشجرة الطيبة" ، "عروس البستان" ، "الحصار" و "السمكة الملونة".

وفي مجال الرواية ، له روايات سجلت حضورها المبدع بدءا من رواية " الخاتم" ، "حميد البلام" ورواية "الصفعة" ورواية "منقذ اليعربي " ورواية " صالح الخراش "ورواية " الليرات العشر" ورواية "ملكة الشمس", وفي مسرح الأطفال كانت له إبداعات ونصوص مسرحية أضافت بعدا إلى النص المسرحي للأطفال في العراق ...

ومسارح الأطفال لا زالت تتذكر أحداث مسرحياته ، "أصدقاء الشمس" و"بيت للجميع" و "الأصدقاء الطيبون" و "الفرحة الكبرى" وغير ذلك من المسرحيات التي مٌثلت واُخرجت وقد ساعده في ذلك تخصّصُه التربوي الذي فتح له الباب واسعا للنجاح في هذا المجال .

إن الوقوف أمام هذا الكاتب المبدع يشكل إشارة محركة للإبداع العراقي في هذا المجال , فجاسم محمد صالح إضافة إلى كونه واحدا من كتاب أدب الطفل في العراق، فهو كاتب موسوعي متنوع المواهب والاختصاصات والإمكانيات , فمن قصة الكبار إلى مسرح الكبار، إلى الدراسات النقدية والبحوث التربوية المعمقة في مجالات التربية والتعليم والذكاء المعرفي، إلى دراساته المعمقة والموسوعية في مجال كتابة التاريخ العربي، ولا سيما القبائل العربية التي قدمت العراق وشكلت مؤشرا فاعلا في تاريخه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... حيث أصدر مجموعة موسوعات في هذا المجال اعتبرت من المراجع الأصيلة في مجال تاريخ وحركة القبائل العربية ولا سيما القبائل الضيغمية . تلك القدرات الأدبية والفكرية التي فتحت لنا المجال واسعا لمعرفة هذا الرجل الذي أقل ما يقال عنه أنه رجل موسوعي في عصر افتقد إلى ظهور مثل هذه الرموز الموسوعية .

و يبقى أدب الأطفال لونا دخيلا على الفكر الثقافي العربي بامتياز ، نظرا لضعف أو انعدام الإيمان بقضية الطفل ، ما أراه انفكاكا بين ما نؤمن بِه وما نطبقه في حياتنا . الغياب التام للطفل كفاعل أساسي و مركز اهتمام في مسلسلات إصلاح المنظومة التربوية المتعاقبة في الوطن العربي يفسر الانخفاض المستمر بمستوى التعليم. نحن نجتر تخلفنا و نصر عليه ، نؤمن بضرورة و قيمة الحصاد الوافر، نصبو إلى المستقبل الزاهر لناشئتنا، بينما ينعدم مفهوم الزراعة في عقليتنا العربية، فالعربي يرِيد ان يجنيَ ثمارا، أبا كان أو مشرعا تربويا، لكنه لا يفَكر بالزراعة أبدا ، يريد أن يرى الطفل كما كان هو في الماضي ، ما يجعل هذا الطفل في ظل انعدام طرائق تربوية حديثة تحببه في القراءة وفق خطوات عملية علمية مدروسة في البيت والروضة والمدرسة والمكتبات والساحات العمومية ووسائل النقل والشواطئ يميل نحو العزوف عن المطالعة ، و في ظل تهميش الأدب الشرقي في مقابل الغربي،كثيرا ما يتم اللجوء إلى كتب الأدب المترجم بديلاً عن كتب الأدب الشرقي سواء في مجال أدب الطفل أو الحكاية الشعبية، فتلاقي الأخيرة التهميش والانتقاص منها في مقابل أدب الطفل الغربي، وهذا ما يزيد من فجوة الطفل مع واقعه ويزيد من عدم ثقته بإنتاجه الأدبي المترجم مثل : سندريلا، الأقزام السبعة، الأميرة النائمة... وغيرها من القصص المترجمة للأطفال، والتي نجد منها كتباً مترجمة بصيغ مختلفة، كل صيغة منها تخدم دار نشر محددة ، وكذلك قصصاً مثل:علاء الدين والمصباح السحري ، السندباد، وهي قصص مترجمة أيضا كأنها ليست مستوحاة في الأصل من تراثنا العربي.

الطفل مخلوق ذكي و يتفاعل مع كل ما يمت بصلة إلى هويته و يمس قضيته و يطلق العنان لخياله و قد كان ذلك و اضحا و عشناه في المؤسسة التربوية رفقة تلاميذ الأول إعدادي ممن تتراوح أعمارهم بين 11 و 13 سنة وهم يعيشون أحداث قصة الفتى (لبيب ) في رواية الخاتم للكاتب المبدع جاسم محمد الصالح , حيث علا التصفيق واحتد الهتاف تهليلا بنجاة الطفل (لبيب) بطل القصة و نيله حريته التي أراد التاجر الغريب سلبه إياها .

نادرا ما أرى البهجة مرتسمة على محيا التلاميذ و إشراقة النصر واضحة على ملامحهم و كأن الطفل (لبيب) صار واحدا منهم بل واعتبر كل واحد منهم نفسه (لبيب) وهم يصغون بإمعان إلى احداث رواية الخاتم التي قرأتها على مسامعهم جاعلة صورها الأنيقة الزاهية و الناطقة بأحداثها أمامهم على قرص مدمج و هم يشاهدون مثوثرين أحيانا و منفرجين أحيانا أخرى ما دفعني إلى التساؤل حول مدى أهمية تخصيص حصص ترفيهية منشطة و موازية و ورشات للقراءة تجعل التلاميذ يعيشون الحياة المدرسية في شكلها الحديث المبني على الانفتاح و الإبداع .

لكم أدرك كم هو الأمر غير بسيط بل وغريب على مجتمعاتنا العربية التي لا تعترف بالطفل و لا بأدب الطفل.

عميق الشكر والامتنان للأديب المبدع جاسم محمد الصالح صاحب هذه الجوهرة الصغيرة بأسلوبه الثري في بناء هذه القصة المتكاملة في شكلها و مضمونها هو الجواب الشافي و هو البداية الواضحة لتجارب أخرى مماثلة تنهض بتراثها العربي و تهتم بناشئتها الفتية المتلهفة إلى أعمال تستجيب لحاجياتها الاجتماعية و الفكرية و العاطفية و الوطنية أبارك إصرار الكاتب على التخصص في هذا اللون بالذات ألا وهو الكتابة للأطفال , هذه المفارقة الكبيرة كمن يحارب ويقف شامخا كبيرا بروح صغيرة بريئة أمام جبروت الزمن المأزوم الذي لا يملك شيئا يقدمه لطفل الغد غير القمع وسلب حرية التعبير و تقرير المصير في جميع المدارس العربية بهاجسها الأمني و انتصار الإرادة العليا للأنظمة و طغيان المصلحة العليا التي ليس من مصلحتها أن تهيئ طفلا بروح متحررة ناقدة. أراه عملاقا في زمن الأقزام حيث يمسك جاسم محمد صالح بيد الطفل الموجود بداخله و بيد أخرى قلمه الهادف حريصا على تكوين الطفل وحثه على المطالعة سواء أكان ذلك في العراق أو في أرجاء الوطن العربي قاطبة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى