الأربعاء، 12 يناير 2011

رقصة البجع الاولى .....بقلم : فاديا عيسى قراجه - سوريا




رقصة البجع الأولى



بقلم : فاديا عيسى قراجه - سوريا




هذا الساكن فينا متى يموت , أو يرحل , أو يسكن غيرنا ,أو يجف ريقه عن شفاهنا..
هذا المنتشر فينا كالسرطان لا شفاء منه إلا برقصة مجنونة , تقتل الوباء , وتمنع العدوى .
ضعْ يدك تحت النهد وفوق الردف, لا تحركها , سوف تقودها حركتي إلى مكانها , وسوف تتفاعل مع كيمياء الثقوب التي تتجاذبها الأقطاب .. تدور أصابعك هنا في مساحة شاهقة الارتفاع , بارزة الندوب , تحرق عشب نسيجي الرهيف , وتدخل مثل فأرة تقرض عظمي, وتبني هرماً من نفايات الوجع ..يدك الأخرى سوف ترتمي ثملة فوق كفي , أديرها كما أشاء, وأفتح أمامها عوالم عذراء لم يطأها حافر .. تتعارف خطوط الكفين , وتبدأ لعبة التاريخ الهارب من جواسيس البصمات , وجرائم القبلة الأولى , وحكايا الحارات العتيقة.. وتمشي الخطوط المتقاطعة منزلقة نحو النهر الكامن في التصاق اللحم والدم ..
تقول كفي لكفك : أنت ابن عمي الذي ساكنني في عصر كان للمساكنة معنى السراج في مفازات الظلمة .. تركض نمال مؤللة , تعسكر هنا , وتتناسل هناك , والخطوط لا زالت ترقص رقصة اللقاء الأول .
قدمك اليمنى تُقدم وتُحجم , تخشى حلبة المصارعة , تخشى الغرق , تخشى الخسارة ..
من قال أن في معركة الرقص غالب أو مغلوب .. قدمك اليسرى تضغط فوق حذائي الأبيض , تحاول أن تصنع منه امرأة الثلج التي تتحدى خيوط الشمس .. تريد لهذا النداف أن ينام فوق كتفها الحبلى بالأماني ..
دع قدمك تمسُّ شفاه البحيرة مسَّاً , فأنت لست زوربا , لا تدع الأرض تسمع خطوك .. لست فاتحاً ولا قاتلاً .. أنت بجعة بيضاء يلتصق جنحاها بسطح صقيل , وتعطي لقدميها حرية الانسحاب في لجة الماء ..
هي لعبة المخدرات .. فمن يتعاطى أولاً ,من يدوخ أولاً , من يستسلم أولاً لهذا الطعم اللاذع… المالح .. الحامض .. الحلو .. المر .. من يلوي عنق الحرقة , من يتمايل مخدراً, متعتعاً .. من يقهره اللون , والخطوة , والالتصاق ؟؟
تضاجع يدي كتفك الأسمر, تفضُّ غلالات بكارته , تنفض عنه ثقل سنين طويلة , فكبر مقتاً أن يبقى لوجهك كل هذا الانتظار .. كفي طاغية.. يلون فعلته البشعة, ويهندس حرباً إعلانية يبرر فيها ما ارتكبه من مجازر راقصة , يحتل بقعته الضئيلة , يصنع لها مستوطنة لن تهدها جرافات الوقت .. كفي لن يتغير فهو يشدك ناحية اليمين , ويجذبك ناحية الشمال , وموسيقا تشايكوفسكي تعربد فوق بحيرة تسعدها خطوتك الأولى في تعلم الرقص ..
مال جناحك الأيمن بخوف, وغطس في بئر عينيّ , رفرف ريش قلبك , ووهبني سحابة من أنفاس خوفك .. جذبتك إلى وسط الساحة , وكفك لم يستبح خصري بعد ..
مال جناحك الأيسر بعشق , ونام رأسك فوق صدري , طار ريش الفرح من حولنا , وصخب اللحن مؤذناً بمرحلة الرقص الثانية ..
ناح بجع صدري , ضغط كفك بجرأة فوق وتحت .. هدرت موسيقا البجع , وانتفض ماء البحيرة , وأسرعنا الخطو يمين ..يسار , قفزنا فوق الأرض , تكسَّر صقيع البحيرة على وقع هفهفة ثوبي الأبيض, واحتكاكه بثوبك الأسود ..
أتقن كفك سر الرقص , بدَل أماكنه ,استباح رقة الثوب وتداخلت أصابعك بمخرماته الواهية .. انزاحت بقعته وخلفت مناخاً مثالياً لتكاثر أوبئة الشهوة ..
تعلم صدرك كيف يلتصق بصدري , ويُسقط أوراق تينه ,ويفرِّط حبات رمانه , ويعصر زيت زيتونه ..
تعلمت قدمك اليمنى القفز وراء قدمي , واللحاق بها , والارتماء فوقها ..
لحقتها قدمك اليسرى بتأهب لدخول أشرس المعارك الراقصة, لفت هنا وهناك , استعادت المبادرة , وطردت خضوع التلميذ ..
هدأت موسيقا البجع .. هدأت أنفاس الرقص .. تحولت البحيرة إلى مزار أخضر … درنا حوله .. ارتمينا فوق نسيجه .. قبلنا بركته .. زحف الوجد منك إليّ .. تلاقت الأصابع , واحتكت الأقدام .. وخرج العصفور من القفص .. وانسحبت البحيرات أمام عظمة الأخضر وتداخل الأسود بالأبيض , ووقع البيدق شهيد اللحظة , وارتفعت أسهم الشاه ..
وقلبت الرقعة عاليها سافلها ..وانثالت بجعة مكعبة تدندن بلحن بين الغرب والشرق , بين الشمس والثلج , بين الأبيض والأسود , بيني وبينك …
ودخلنا الحكاية من أضيق زواريبها, قرأنا فاتحتها, وصلبنا ابنها , وعاد لبحيرة البجع كل هذا المجد والمسرة على الأرض .

الرابعة صباحاً ..2010

17 كانون أول20

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى