الثلاثاء، 28 يونيو 2011

اختِبارُ اليقِينِ بالظنِّ للمبدعة ميسون صقر


-

-

اختِبارُ اليقِينِ بالظنِّ



ميسون صقر

.................



غُرْفةٌ حَذوَ غُرْفةٍ، بَابٌ مَوصُودٌ عَلى بَابٍ مَفْتوحٍ، شَبابيكُ مِنَ الحدِيدِ والذِّكْرَياتِ، وخَشَبٌ تأكُلُه الحِيرَةُ، مَطْبخٌ مُضَادٌّ للذَّاكِرةْ، وسُلمٌ من الحُبِّ مَبنيٌّ إلى الرُّوحْ.

حِينَ تدْخلُني الشَّمْسُ أسْتظِلُّ بالياقُوتِ فيهِ، وحِينَ تَغيِبُ فيَّ أُبعْثرُ الليْلَ عَلى شِتائِهِ المُمِيتْ.

للبيتِ رَائحةُ البُكاءِ وطَعمُ الزنْجَبيلْ، هو مَأوايَ ومَلْجَئي مِنْ ثَلْجِ العمْرِ وترَاكُمِ الذَّاكِرةِ كالزَّيتِ عَلى جُدْرانِهِ المشَقَّقةْ.

فالبيْتُ مُفردٌ، وشَخْصٌ ثالثٌ في العَلاقَةِ، والبيْتُ مَقْبرةٌ مُهدَّمةٌ وقبَّرةٌ تَصِيحُ في صَباحِي وحِينَ أَنهضُ يَكونُ للبيْتِ اختِبارُ اليقِينِ بالظَّنِّ، واجتِياحُ الحُلمِ بالرُّؤيةِ المحْضَةِ، وتَشْكِيلُ اليوْمِ بالأوْعِيةِ والمنَافِضِ والمياهِ الدَّافِئةْ.

فالبيْتُ بَابٌ أخِيرٌ عَلى العُمْرِ المقْضِيِّ في الطُّرقةِِ بين غُرفةٍ تلُمُّ شَعْثَ نَومِكَ، وغُرفةٍ تَصُبُّ مَاءَها كَي تخرُجَ الشَّراشِفُ والأحْلامُ منْ أظَافرِ القَدمِ إلى حَنجرَتِها.

والبيْتُ مَقتلٌ لنا وتَجمُّعٌ فيهِ وترَاكمٌ، نُلاقي الرِّيحَ في البيْتِ كَما الأبوابُ والأجْسَادُ والكَراسِيُّ، والسَّريرُ إذ ننَامُ عَليهِ، والجدْرانُ تمنُحنَا بعْضَ ظِلِّها ولونِهَا.

البيْتُ يَضمُّنا.. هوَ المأْوى والمثْوَى، هوَ إذْ يأْتي الصُّبحُ نافِذةٌ، وإذْ تنْغمِسُ الأرْواحُ في صَداهَا يُشعِلُ الضَّوءَ فِيهَا.

العُزلةُ في البيْتِ والتجَمُّعُ مَجزوءٌ بتراتِيبهِ، تَدخُلهُ المحبَّةُ مِنْ شُقوقِهِ، إنْ دخَلتْ، والجُدْرانُ تزْحفُ كَي تَضيقَ عَليكَ، فهوَ السَّكِينةُ والضَّوضاءُ فيهْ.

والبيْتُ سَتائرُ حَمراءُ منْثالةٌ، وألْواحٌ منَ الخَشَبِ النَّائمِ في الخِزَانةِ، ألْواحٌ من الخشَبِ المُرَاكَمِ في صَدايَ.

هو مِدفَأةٌ في شِتاءِ رُوحِي، وهو أشْلاءٌ، ومَجزَرةٌ، شَجرةٌ لا تحْنو عَلى ثمارِهَا فتسْقطُ، وظِلٌّ لا يَتبعُ ظَليلَهُ.

ـــــــ

هوَ بَيتِي... رُؤايَ من خِلالِيَ والتنفُّسُ فيَّ.

هو البيْتُ المقدَّسُ ولا بَيتَ لي.

كأنَّه المهْدومُ عَلى قِمَّةِ رأْسِي، والأبُ العَجُوزُ واقِفٌ أمامَ تَسرُّبي في الصُّراخِ.. أو كأنَّه كلُّه غُرفةٌ واحِدةٌ تضمُّ أشْخاصًا.

اختِبارُ اليقِينِ بالظنِّ،

اجتِيَاحُ الحلْمِ بالرُّؤيةِ المحضَةْ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى