السبت، 11 يونيو 2011

مؤتمر قنا لليوم الواحد تحت عنوان ( أفق الابدااااااااااااع فى قنا)













اقيم بقصر ثقافة قنا فعاليات
مؤتمر قنا لليوم الواحد

تحت عنوان

( أفق الابدااااااااااااع فى قنا)

تجربة عبدالجواد خفاجى ..نموذجا


تابع فعاليات المؤتمر:
الشاعر محمود مغربى
........................



والذى راسه الاديب والكاتب الصحفى إسحاق روحي الفرشوطي
وأمانة الشاعر محمود الأزهري

تحدث فى بداية المؤتمر الشاعر فتحى عبدالسميع رئيس النادى المركزى عن الدور والفعل الثقافى كما تحدث امين عام المؤتمر الشاعر محمود الازهرى , واختتم الكلمات سعد فاروق مدير عام ثقافة قنا والذى قدم الشكر للقائمين على المؤتمر
حضر المؤتمر كوكبة من الادباء والشعراء المستشار أحمد ابودوقه , دكتور ابوالفضل بدران , محمود مغربى , محمد الجارد , الطيب أديب , سيد الطيب , حسن خلف , عبدالحميد احمد على , بهاءالدين حسن , نبيل بقطر , أحمد الخليلى , أحمد تمساح , حمدى حسين , دكتور جمال عطا , أمبارك ابراهيم , حمدى عمارة , رفعت حفنى , أحمد جاد مصطفى , على جامع , ابراهيم زايد , أيمن حسين , عبدالبارى أمام , عبدالعزيز ابوطالب فتحى أبوالمجد , فتحى حمدالله , نشأت عمر , منى الشيمى , مها جمال , وغيرهم

خصصت أبحاث المؤتمر لمناقشة الأعمال الإبداعية – الروايات و المجموعات القصصية – للأديب عبد الجواد خفاجي وشارك فيها من الباحثين والنقاد عبدالحافظ بخيت , فتحى عبدالسميع , محمد ضالح البحر وادراها الشاعر حسن ابوبكر.. تحدث فيها النقاد عن تجربة عبدالجواد خفاجى مع الكتابة واهم السمات التى تميز عالمه الابداعى , كما تحدث عبدالجواد خفاجى وقدم الشكر للقائمين على المؤتمر


وكرم المؤتمر كوكبة من ادباء وشعراء المحافظة وهم

القاصة و الروائية منى الشيمى

الشاعر و الروائي والقاص الراحل : مصطفي مروان تسلمها عن أسرة الراحل الشاعر نشأت عمر

الشاعر والكاتب المسرحى: صفوت البططي

الشاعر عدلي هباش

الشاعر عبده الشنهوري

وفى نهاية المؤتمر أقيمت شعرية شارك فيها عدد كبير من كبار شعراء مصر و قنا و شباب

الشعراء ادار الأمسية الشاعر : عبيد عباس..

-
كلمة محمود الأزهري في مؤتمر قنا الأدبي
- فعاليات مؤتمر قنا الأدبي 2011م 2 -

--------------------------

------------------



حلم بعهد ثقافي جديد

محمود الأزهري



تبدأ قنا خطواتها الجادة والحادة للوجود المشرِّف في مستقبل الزمان مع بداية مصر حياة جديدة وبعد أن قضتْ مصرُ على الاستبداد الغاشم والفساد الغشيم ، هذا أول مؤتمر ثقافي يعقد في قنا دون أن تُعْرَض أسماء المشاركين فيه على أجهزة الأمن متدخلة بالحذف والإضافة ، جدير بنا أن نفرح ونحن نعيش حرية حقيقية ونتنفس هواء نقيا خاليا من عفن التسلُّط وملوِّثات نظام سابق فاسد تابع لأعداء الوطن في الخارج واندماجه معهم في الداخل ، على حساب الفقراء وجموع الشعب المصري العظيم المكافح والصابر والملهم والمحفوظ بعناية الله عز وجل ورعايته ، ولا تكتمل الفرحة ولا تؤتي ثمارها إلا بمواصلة العمل الجاد والبنَّاء ، كلٌ في موقعه وكلٌ حسب طاقته وكلٌ حسب جهده ضاربين بمقولة " الجهد على قدر فلوسهم " عرض الحائط ؛ وليكن جهدنا نابعا من إيماننا بالله وعلى قَدْرِنا وعلى قَدْر محبتنا لمصر وعلى قدر رغبتنا في بناء أمة قوية تجد لها مكانا بارزا بين الأمم .

أشكر وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الشاعر النبيل " سعد عبد الرحمن " لأنها آثرت العمل والبناء على الجمود والتراخي والتباطؤ فشرعتْ في تنفيذ خريطة المؤتمرات الأدبية والثقافية المتفق عليها مسبقا دون اتكاء على الظروف الراهنة ، هذه الظروف التي يمكن أن تبرر الكسل وتمرر التخاذل وتتعامي على الخروج على القانون ، الثورة لن تحقق أهدافها تحقيقا كاملا إلا إذا سارعنا بتنفيذ القانون تنفيذا كاملا دون محاباة أو تمييز ولن تحقق الثورة أهدافها إلا إذا بدأنا في العمل الجاد واستطعنا أن نضيف إلي رصيدنا من الإنتاج شيئا له قيمة فالأمم لا تقاس قيمتها بما تملكه من نظريات أو بما ترفعه من شعارات أو بما تختزنه من أحلام اليقظة ، وإنما تقاس قيمتها بما تصنع وبما تنتج لتكفي نفسها مؤنة الاستجداء من الآخرين ومذلة المعونات المشروطة ولتساعد هي في سد حاجات الآخرين بما يمكن أن تصدره من فائض مصحوبا بقيم المحبة والتسامح والود والإخاء .

يحتفي مؤتمر قنا الأدبي هذا العام بالأديب القاص والروائي والناقد والمثقف الكبير " عبد الجواد خفاجي " ، و" عبد الجواد خفاجي " مبدع كبير غزير الإنتاج يقف في مصاف المبدعين الكبار بالكيف والكم معا فهو غزير الإنتاج و دائما ما يثير الأرض الثقافية و يثورها منفعلا وفاعلا متفاعلا وفعالا ، فلم يكن – أبدا – عبد الجواد خفاجي مبدعا خاملا أو كاتبا صامتا أو باحثا عن فرصة للنشر أو للشهرة في خنوع ومذلة بل هو يكتب وينشر ويثير المعارك الثقافية البناءة في اعتزاز وكرامة وجلد وإباء ورجولة وهي صفات ليست غربية على أبناء الصعيد وارثي حضارة وثقافة جنوب مصر الحبيبة ، ولم يعش عبد الجواد لنفسه مخلصا فقط لإبداعه بل - ولأنه رجل - فقد ربّي رجالا وثقّفَ مبدعين شبان موهوبين وساهم في تقديم العديد من الكتاب والصحفيين لمصر المحروسة في قنا والقاهرة ، فاز بالكثير والكثير من الجوائز الأدبية الشامخة ووصل إلي جائزة الدولة التشجيعية والتي لولا المناخ الفاسد الذي كان سائدا قبل الخامس والعشرين من يناير وسيئات التربيطات والشللية لحصل عليها بجدارة ، هذا المناخ الذي نرجو أن يتغير وأن يبدأ التغيير من قلوب الأدباء والمثقفين في قلب القاهرة قبل أن يبدأ في شكل قرارات وقوانين .. عبد الجواد خفاجي وغيره الكثيرون من مبدعي جنوب مصر الطاهرين – يستحقون أرفع جوائز الدولة بعطائهم وإبداعهم ومساهماتهم البناءة والجادة في الثقافة المصرية والإبداع العربي .

كل الشكر والتقرير للسيد اللواء / ماجد عبد الكريم – سكرتير عام محافظة قنا والقائم بأعمال محافظ قنا - على تفهمه الواضح لدور الثقافة وترحيبه الطيب بقافلة المبدعين القنائيين التي زارته في مكتبه ووجدتْ المكتب مفتوحا للجميع - بما في ذلك المثقفين والمبدعين أيضا – لعلنا نري نافذة من النور تعطي للثقافة حقها وتؤمن بالإبداع و قيمته ، وتجعل من المحافَظَة المحافِظَة على القوانين تهتم اهتماما حقيقيا بالمثقفين والمبدعين في قنا ، فالثقافة هي البناء الأساسي للإنسان المصري وهم أهم بكثير من البنية الأساسية للطرق والمرافق ..


كل الشكر والتقدير لمدير فرع ثقافة قنا الأستاذ / سعد فاروق دائرة الوصل والاتصال الملتهبة دائما بين المبدعين والإدارة الثقافية في أسيوط والقاهرة وبين المبدعين والإدارات المحلية والقيادات الشعبية في قنا لقد بذل الرجل جهدا كبيرا- وما زال - في سبيل إقامة كل هذه الأنشطة الثقافية في وقت واحد تقريبا فمع هذا المؤتمر هناك عروض مسرحية في قنا وقوص و فرشوط وهناك كتب تدور رحي المطابع لإخراجها للنور – الآن – ويتم الإعداد حاليا لمؤتمر إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي ، هذا المؤتمر الذي حُرِمَتْ منه قنا طويلا ، وشاء الله عز وجل أن تراه قنا بعد الثورة البيضاء الحرة المجيدة ثورة شباب الخامس والعشرين من يناير .

كل الشكر والتقدير لرئيس المؤتمر لأخي وصديقي المبدع الكبير والصحفي القدير " إسحاق روحي الفرشوطي " القاص والروائي الذي رأس تحرير عدد من الصحف الشهيرة منها النبأ والأنباء الدولية وخط أحمر وعمل في مجلة الهلال ويعد - الآن – لإصدار صحيفة منبر التحرير الذي لم تنقطع صلته بقنا وبمبدعي قنا و كان دائما ما يخصص صفحة كاملة لنشر إبداعات أدباء مصر وكان لإبداع قنا الحظ الأوفر منها . شكر وتقدير لنادي الأدب المركزي وللشاعر المبدع /فتحي عبد السميع رئيس النادي ولفريق العمل به على ما بذلوه من جهد وإخلاص في سبيل الإعداد لأنشطة ثقافية قوية ونافعة بعيدا عن الذاتية والنفع الشخصي، كل الشكر وكل التقدير لكل من بذل جهدا أو ساهم بفكرة أو تجاوب بقلب صاف ولكل من حضر المؤتمر ولكل من " انتوي " الحضور وحالت ظروفه دون ذلك ! شكرا لكم جميعا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محمود الأزهري

أمين عام المؤتمر







كلمة الأديب و الصحفي / إسحاق روحي الفرشوطي - رئيس مؤتمر قنا الأدبي - - فعال

كلمة الأديب و الصحفي / إسحاق روحي الفرشوطي - رئيس مؤتمر قنا الأدبي - - فعاليات مؤتمر قنا الأدبي 2011م ا - --------------------------------------------- بسم الله الرحمن الرحيم المبدعون القنائيون .. أدباء مصر .. أدباء العروبة انه لشرف كبير أن يقوم نادي الأدب المركزي في قنا باختياري رئيسا لمؤتمر اليوم الواحد .. وكم كانت فرحتي حين زف لي الشاعر اشرف البولاقي هذا الخبر السعيد وفرحتي ليست للرئاسة وان كانت شرفا لا استحقه ولكن لأنني سأقضي يوما كاملا في ربوع المحافظة التي كونت فكري وعقلي وثقافتي ولأجد ما افتقده في قاهرة المعز لاتوجد كلمات في القاموس تستطيع أن تصف فرحتي بكم, فمعني أن التقي بالمبدعين فتحي عبد السميع ومحمود مغربي ومحمود الأزهري وعبد الجواد خفاجي وبالطبع اشرف البولاقي -صاحب البشري - معناه أنني التقي مع نفسي من جديد فأنا لولا هؤلاء ما كنت معكم في هذا المؤتمر الرائع . نعم فحين التقي في قاهرة المعز بأي مبدع قنائي أشعر أن الحياة دبت في أوصالي , انه ليوم فرح أن نلتقي معا، فبالنسبة لي هذا أول تجمع أدبي قنائي بعد ثورة شباب مصر .. هذه الثورة التي مهد لها الطريق كتاباتكم ونقدكم البناء للفساد الذي عم ربوع مصر طوال ثلاثين عاما .. فالمبدع ليس سياسيا ولكنه يحرك نزعة السياسة في المتلقي ويجعله يثور ضد الواقع المعاش بصدماته التي لاتنتهي . انتم أيها الشعراء والأدباء الذين ألقيتم أول حجر في بحر الثورة فانطلقت أمواجه الهادرة لتثبت للعالم أن شباب مصر لازال قادرا علي تغيير اعتي النظم الديكتاتورية في العالم .. فمن قنا صرخ أمل دنقل" لاتصالح" ومن قنا أيضا كانت انطلاقة عبد الرحمن الأبنودي صاحب منفستو الثورة وهو أول منفستو يقال شعرا ومن قنا انطلقت أصواتكم تطالب بالتغيير وبالفعل غيرتم بكلماتكم وجه المحافظة التي تحولت علي أيديكم من منفي إلي حديقة للشعر يقطف منها من يشاء أجمل الأزهار فإذا كانت الكتابة هما وعبئا فأنتم الذين تحملتم من اجل هذا الوطن العبء الأكبر وهمومه حرمتكم من النوم وان كنت أثق أنكم تقرون نوما منذ نجاحكم في الخامس والعشرين من يناير وها نحن في مؤتمر اليوم الواحد مستيقظين لأي قوي تريد أن تقضي علي ما اكتسبتاه بدماء شباب مصر . إخوتي اشكر لكم صنيعكم بإجباري بحبكم علي الحضور لجنتي المفقودة جنه الأدب والإبداع..... وفي نهاية كلمتي نصرخ معا لا للفوضي ولا للظلمة ولا للجهل، ولتشرق شمس الحرية لإقرار الحق والخير والحب والجمال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إسحاق روحى

.....




شهادة : عبدالجواد خفاجى

في مؤتمر اليوم الواحد المنعقد بقنا يوم الخميس الموافق 9 / 6 / 2009 م



الإخوة الحضور الكرام

من بعد شكري على تفضلكم بالحضور وحسن الاستماع



ليس المقام للحديث حول ما يمكن أن يؤسسه النقد من أهمية كبرى للإبداع ولتصحيح مسار العملية الإبداعية وللحياة بشكل عام، فالنقد ظاهرة حضارية أسعد تماماً أن أجدها مصاغة بشكل عملي في أي بقعة من بقاع الصعيد الذي عاني وما زال يعاني التهميش والعزلة والنفي على كافة الصعد, الحديث عن هذا يبدو بديهيا ومن ثم لن أعيد التأكيد على البديهيات، وإنما كل ما يمكن أن أؤكده في مقام كهذا هو ضرورة أن نشكر وأن نتحمس وأن نهش للجهود النقدية التي تشكلت بالفعل وما زالت تتشكل في ربوع الصعيد، وما سمعناه الليلة يؤكد أننا بالفعل يمكننا أن نباهي بما لدينا من حس نقدي واعٍ ومتطور إلى حد كبير.

بالنسبة لحديث المبدع حول تجربته يبدو إفاضة حول الإفاضة، فقد سبق له أن أفاض في تجربته ما وسعه القول، ولو بشكل جزئي باعتبار أن مسيرته لم تكتمل ، وهذا هو الهاجس الذي نؤكده بداية أن ما قدمناه حتى الآن هو لبنة في بناء نتمنى له أن يكتمل، وربما لهذا يبدو الحديث واجبا في مقام كهذا حول ما هو غائر تحت السطح من عوامل وأسباب كانت محركة لهاجس الإبداع نفسه.

ولقد كان التحدي منذ البداية هو كيف نحول هذا الواقع إلى فن، مع ضآلة المعطيات وفقر الواقع نفسه، فلم تكن لدينا في مرحلة التشكل غير مبادئ الثورة الستة، وبيئة فقيرة معدمة إلا من بعض الخضار ومياه النيل وحكايا الجدات فبل النوم، وكثير من الأساطير والخزعبيلات والموروثات الشعبية التي تترامى نحو الخرافي الذي كان ولا يزال يزاحم حتى العقيدة، كما يزاحم مناحي الحياة الأخرى، بجانب ما يعتمل في البئية من موروث قبلي مترع بالخيال والترامي نحو قبور من ماتوا باعتبارهم نبراس الأحياء.

لذلك كانت التحديات أن نبدأ من هذه المعطيات المملوكة لنا والتي لا نتبرأ منها باعتبارها ـ على الأقل ـ هي الكنز الفني الذي نمتاح منه.

غير أن تحويل الواقع إلى فن ليس هدفا في حد ذاته، إذ الهدف هو الرسالة التي يمكن أن يحملها هذا الفن إلى الحياة .. ومع عظم هذه الرسالة أمام ضعف المعطيات وأمام عصامية مفروضة، ومع اتساع مفهوم الواقع و شموله للتاريخ كبعد من أبعاده الضرورية لفهم الظاهر والمباشر، كان الأمر صعبا وعسيرا.

غير أن الرسالة نفسها لم تكن اعتيادية، فالصعيد الذي هو مملوك لنا هو في الحقيقة أرض الخرابة، وهو أشبه بعربة خربة من باقيا الإنجليز ، ولماذا الإنجليز؟ لأن المفردة تحيلنا إلى الحاضر الأقرب الذي يربطنا بالعالم المتطور المستعمر الذي علينا أن نكون فاعلين باتجاهه وبموازاته في عصر يفرض التحديات، ولأنها الكلمة التي تحيلنا إلى الآخر المتحضر الذي يمكننا نسبيا أن نعي قيمتنا العصرية والحضارية بالمقارنة الضمنية به ، بيد أن الأمر كان يبدو مفارقا ونحن أبناء الحضارة العريقة إذ نبدو بسطاء ضعفاء لا نملك معطيات كافية لكي نكون فاعلين في هذا العصر ، وفي ذات الوقت نحن الكيان المركب المتراكم الذي تتداخل في مكوناته وتتشكل من كل الحضارات العريقة التي عرفتها المنطقة، المفارقة الثانية : كيف يكون الآخر الذي يفرض هيمنته علينا بحضارته القاهرة مقارنة بنا بسيطا لا يمتلك تاريخا ولا حضارة ولا نعرف له أصلا حضاريا قبل عصر النهضة الأوروبية.

الإشكالية إذن أننا كنا منذ البداية أمام مفارقات كبرى، مربكة وتستدعي أن نركز على التاريخ كبعد من أبعاد هذا الواقع ولا نهمله عند الكتابة.

ولعله التحدي الرئيسي إذن هو كيف تعطي رسالة فنية ممزوجة بالتاريخ، وكيف لا تفصل الواقع عن التاريخ الذي هو جزء منه ، وكيف لا تجرد رسالتك الفنية من بعدها التاريخي، وكيف توظف التاريخ كبعد من أبعاد التجربة، وكيف لا تتحدث بمعزل عن التاريخ، وكيف تفسر كل الظواهر في إطار التاريخ.

أؤكد أن المهمة عسيرة ولا تزال، عندما تحمل الفن رسالة بعمق التاريخ وتنطلق من التاريخ.

ثمة مهمة تتعلق بالفن وبالرسالة معاً ونحن نشاهد الصعيد يتصرم أمام متغيرات عشوائية ومظاهر حضارية وافدة مفروضة مع متغيرات وانهيارات كونية تفرض التغير على كل الأطراف في هذا العالم ، كيف يمكننا أن نقبض على ملامح هذا الكيان الذي يتصرم عشوائيا أمام أعيننا، لتكون سجلا فنيا يشف عن ملامح الحياة والبيئة والإنسان بكل ما يملكه من زخم وأبعاد مخصوصة لشخصية تاريخية عاشت وتعيش في هذه البقاع التي صدرت الحضارة إلى العالم .. وهي الآن تتصرم بعشوائية تفرضها عليها ظروفها التاريخية التي حولتها إلى كيانات غير فاعلة .

من جهة أخرى كان التحدي أن تكون الرسالة بحجم المعاناة وبحجم ما نعانيه من تجاهل تاريخي وعسف سياسي واستغلال سياسي أرعن وخبيث لهذه الوضعية المزرية ، منذ المماليك على الأقل وتترادف الإشكاليات السياسية بنفس الكيفية عندما يستغل النظام وضعية الصعيد، ويبقي عليها؛ لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية التي تضمن بقائه في السلطة. ربما لهذه السباب حافظت الأنطمة السياسية المتعاقبة على الصعيد على تخلفه وفقره وعصبيته وقبليته وبدائيته.

يمكنني أن أؤكد إذن أننا أمام مشروع يحتاج إلى الكثير من الجهد ، والدعم ، وما حدث اليوم هو لون من ألوان الدعم الذي أتمناه للإبداع بشكل عام في صعيد مصر العامر والزاخر بالمبدعين وبالمشاريع الإبداعية الفذة.

دمتم بخير ودامت لما مودتكم
-


*****
ومن ابحاث المؤتمر نقدم:


( المكان والقبض علي واقعية اللحظة )


والذى قدمها

الروائى والناقد / محمد صالح البحر

المكان والقبض علي واقعية اللحظة



قراءة في رواية
"أرض الخرابة"
لعبد الجواد خفاجي


ــــ
1

ــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــ

كان لإنتشار مفاهيم النظرية الماركسية في بداية القرن الماضي أثره الواضح والكبير علي الأدب بكل أشكاله، وتلي ذلك التأثير ظهور مفهوم الواقعية في الفن والأدب بكل أشكال تطورها، بدءاً من الواقعية بمعناها العام والذي يشمل مجموع الكتابات التي ترتبط موضوعاتها وأحداثها وشخصياتها بالمجتمع المحيط دون اللجوء إلي عناصر المتخيل والأسطورة، ثم الواقعية الإشتراكية بمعناها المحدد الذي يشمل مجموع الكتابات التي ترتبط بالمجتمع في إطار رؤية محددة ومرسومة سلفاً، وصولاً إلي الواقعية النقدية، ومن ضمن المفاهيم التي أقرتها هذه النظريات عن المكان في القصة والرواية أنه يمثل الكيان الإجتماعي الذي يحتوي علي خلاصة التفاعل بين الإنسان والمجتمع وهو يحمل قدراً من أفكار ووعي الإنسان في هذا المجتمع " وقد طور الماركسيون هذا المفهوم للمكان حتى أصبح نسقاً متماسكاً ومسافة مقاسة بالكلمات وغائرة في الذات الإجتماعية، وبهذا لا يصبح المكان مجرد غطاء خارجي أو شيئاً ثانوياً، بل الوعاء الذي تزداد قيمته كلما كان متداخلاً بالعمل الفني، والنص الذي يحسن استخدام المكان إنما يسجل جزءاً من تاريخية الزمن المعاصر، وبعكسه يكون المكان عند الكاتب مجرداً من معناه الفلسفي والفكري"(1) وإذا كان هذا المفهوم يربط بين المكان والرؤية داخل النص الأدبي إلا أنه لا يعول عليه بشكل أساسي، إذ يظل المكان خارجاً عن النص الأدبي، ويتوقف إبداع الكاتب عند كيفية توظيفه لخدمة الرؤية التي يحددها بشكل مسبق، ويطوع لها كل عناصر النص، لذلك يظل المكان مجرد عنصر من عناصر القصة يحتوي علي أحداثها الخارجية حيناً ويتضافر مع الحدث حيناً آخر، لكنه لا يصل لأن يكون "العنصر المهيمن" داخله، ذلك أن الأفكار المسبقة والرؤية الأحادية للكاتب هي التي تمسك بزمام النص، ويبقي المكان نتاجاً خارجياً يتم استخدامه لخدمة الرؤية، وليس منتجاً للرؤية.

في ظل المفهوم السابق يكون الحديث عن المكان وعن خصوصيته أمراً مقبولاً عند الحديث عن أديب بعينه، أما حين يتعلق الأمر بمجموعة كُتاب ينتمون لمكان واحد فإن هذا الأمر لا يعني بالضرورة وجود مجموعة من الخصائص المشتركة التي يُضفيها هذا المكان علي كتاباتهم، إذ أنه من البديهي أن يكون لكل واحد منهم إحساسه ومفهومه الخاص عن هذا المكان، هذا المفهوم المنبثق من مغايرة المصادر الأساسية لثقافة كل كاتب وانتماءاته الفكرية، وإلا لأصبحت كتابات كل مجموعة من الكتاب في المكان الواحد متشابهة لحد التطابق، ولسمعنا بالضرورة عن مصطلحات من نوعية الأدب السكندري والأدب الجنوبي وأدب الصحراء إلي آخر التعريفات التي تربط الأدب بالمكان الذي يولد عنه، وكل ما يمكن أن يقال عن خصوصية المكان لدي كُتاب النوبة مثلاً هو محض وهم في الأساس، لأن خصوصية الأدب النوبي ــ لو افترضنا ذلك ــ إنما تنبع من واحدية التجربة المتناولة إبداعياً حتى عند الأدباء الأصغر سناً الذين لم يعايشوها، لأن الأصح هو أن يُنتج الأدب مكانه ويهبه خصوصيته، أو علي الأقل يعيد النص القصصي إنتاج المكان بشكل فني يكون قادراً علي إنتاج رؤي جديدة، لا أن يكون الأدب نتاجاً لمكان ما، وإذا كانت الإتجاهات الجديدة في الأدب ترفض أن يكون الأدب نتاجاً لفكر ما مسبق ومحدد سلفاً، فإنه بالضرورة لا يجب أن يكون نتاجاً لمكان مسبق ومحدد بظروفه الإجتماعية والتاريخية والفكرية أيضاً، إنما مثلما يُنتج النص فكره ورؤيته ودلالاته يُنتج أيضاً مكانه، وبذلك تكون الرؤية والمكان داخل النص نتاجاً منه ومحوره الأساسي نظراً لترابطهما الشديد غير المنفصم، من هنا فإنه من غير المقبول القول بخصوصية المكان، لا حين يتعلق الأمر بمجموعة كتاب، ولا حتى حين يتعلق بكاتب واحد، إنما يكون الكلام عن خصوصية المكان الذي يهبه النص للقارئ، ويقدم رؤيته من خلاله.

ــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2

ــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المكان الذي يهبنا إياه عبد الجواد خفاجي في روايته " أرض الخرابة " هو قرية جنوبية، لكنه لا يعطينا كل القرية، بل يرسم ملامحها العامة فقط، ثم يركز نصه علي عدة أماكن هي:

1- أرض الخرابة التى تبدأ بها أحداث الرواية بوجود عبد الفضيل فيها، باحثاً عن أشيائه القديمة الرثة، وتنتهى عندها أيضاً وقد تجمع فيها أهل القرية جميعاً ملتفين فى حضرة الدراويش وهم يحتفلون بمقام سيدى عبد الفضيل الذى بنوه له بعد عثورهم على دليل الولاية المتمثل فى الجريدة الخضراء المدفونة فى أرض الخرابة، وقد إرتبطت هذه الأرض بعبد الفضيل والمبروك وكلاهما أصبح ولياً وصاحب مقام فيها.

2- الترعة التى غرق فيها إسماعيل وحملت أسطورته الخاصة، حيث أخفت جثمانه فلم يستطع أهل القريه جميعها العثور عليه، حتى عبد الفضيل السباح الماهر وصاحب الأسطورة الرئيسية داخل النص.

3- بئر الجامع التى شهدت وقوع إسماعيل بها ونزول المبروك للخروج به من ظلماتها الدامسة، وهو ما أدى إلى مرضه الغريب بالحمى التى أصابته بلوثه عقلية، وجعلته فى أعين الناس مباركاً وولياً يستحق بأن يبنوا له مقاماً، وقد إرتبط هذا المكان بالمبروك.

4- بيت أم إسماعيل والمبروك الذى شهد مرض ولوثة وممات المبروك، وإقامة حفلات الزار له بممارساتها الطقسية التي تنتمي للدراويش، ثم جلوس المبروك أمام باب البيت فى حالة مزرية حتى طفش ذات يوم حاملاً سره معه؛ وقد إرتبط هذا البيت بالمبروك وأم إسماعيل.

5- مقام سيدى أبي العسران الذى يذهب إليه المحتاجون لقضاء حوائجهم وقد إرتبط بالراوى الطفل وبأم إسماعيل.

6- المسطح الذى إرتبط بأحداث المعركة الدامية بين القرانيب و السعادوة، وقد شهدها الراوى الطفل ورصد أحداثها.

7- منزل عبد الفضيل وأم إسماعيل الذى شهد زواجهما، كما شهد دخول الدراويش من بعده كورثه شرعيين يدينون له بالولاية، ويأخذون على عاتقهم مراعاة بناء المقام له فى أرض الخرابة.

8- المسجد الذى كان دليلاً على ولاية عبد الفضيل بعد عودته من الطفشان لمجرد صلاته فيه وتوزيعه الهدايا التي جلبها معه فى ساحته الشرقية.

9- المقام، مقام سيدى عبد الفضيل الذى تقام حوله حفلة الدراويش ابتهاجاً بإكتمال بنائه، لكنهم يسمعون الصوت الزاعق الذى عندما تتكشف الحقيقة يعرفون أنه صوت الهزيمة المدوية على كافة المستويات.

لقد تم اختزال الوطن إلي قرية، واختزال القرية إلي عدة أماكن محددة، ومن خلال هذه الأماكن يقدم لنا الكاتب روايته مقسمة إلى ثمانية فصول، يحمل كل فصل اسم شخصية تدل على مكان، أو اسم مكان يدل على حدث، هكذا تم اختزال القرية فى هذه الأماكن المحددة، فجاء كل فصل بما يشبه القصة القصيرة التى يهيمن المكان على أحداثها وشخصياتها، يسبغ عليهما طبيعته الخاصة ليكسبهما دلالته الجزئية، التي حين تتضافر إلي جوار بعضها تتحقق الدلالة الكلية للنص، بذلك تحققت لكل مكان خصوصيته الكاملة على جسد كل فصل وبالتالى على جسد الرواية كلها، وأصبح العنصر المهيمن الذى يحدد حركة سير بقية العناصر من أحداث وشخصيات ووصف وسرد وحركة تنمو بجسد الرواية وتدفعه للتطور، وتحولت مفردات كل مكان إلى رموز تمتزج فيما بينها لتضفير العلاقات الداخلية للنص، التى تفضى إلى الرؤية وإنتاج الدلالات.

ــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3

ــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلي هنا ويلح السؤال، ما الحاجة التي تدعونا إلي رسم حدود المكان المُنتج داخل النص؟

إن الإجابة علي هذا السؤال قد تنطوي بشكل من الأشكال علي مفهوم عام لماهية الرواية، لقد حدد " توما الإكويني " ثلاث مزايا اعتبرها لازمة للفن هي " الوحدة والتناغم والوضوح، ويعني بالوحدة هوية الشئ الفني وانفصاله عن بقية الكون، مما يستدعي النظر إليه بمعزل عن متلقيه ومبدعه، بما يحقق توافر الشروط الأساسية اللازمة له أولاً، أما التناغم أو الإنسجام فهو الشرط الثاني الذي حين تقود خطوطه الشكلية خطواتك تدرك أنه قائم علي التوازن بين جزء منه وآخر ضمن حدوده، وأنت تعيه مركباً، والوضوح هو التألق في سكون المتعة الجمالية الصامت المتوهج، إنه العلاقة الجمالية القائمة بين جزء وآخر في الكل "(2) هذه المزايا الثلاث تؤدي إلي توازن الرواية بإعتبارها فناً علي ضوء علاقاتها الداخلية لا الخارجية، وهو الاتجاه الذي تبناه تيار النقد الجديد، الذي يحدد رؤيته للعمل الأدبي بوصفه كياناً مستقلاً في ذاته تعتمد جودته علي نوع العلاقات الداخلية القائمة، أي علي مدي انسجام تلك العلاقات ودرجة تأثيرها، وهو ما يشكل أيضاً اتجاه النقد القائم علي التحليل الذي يكشف الأسباب الكامنة في بنية النص والقبض علي المكان المُنتج داخله، وهو المكان الذي يستطيع أن يحمل رؤية النص إلي المتلقي وتتشكل من خلاله كل الملامح الأخرى.

إن رسم الحدود الخاصة بهذا المكان تتيح لنا الإمساك بالبنية الأساسية للنص بحيث يمثل في النهاية بناءً محكماً ومحدد المعالم وغاية في الإنسجام والدقة، ذلك أن الإمساك بالبنية الأساسية للنص تحقق مجموعة من العناصر الأساسية اللازمة لهذا الفن، مما يتيح له الاحتواء علي المزايا الثلاث السابقة ــ الوحدة والتناغم والوضوح ــ ويحقق له القدر المطلوب من الجودة والتأثير، فهو يتيح لنا ما تطلق عليه النزعة الشكلية الروسية بـ " العنصر المهيمن " وهو " العنصر الذي يحتل البؤرة من العمل الفني، والذي يحكم غيره من العناصر أو المكونات ويحددها ويحورها "(3) بحيث تصبح العناصر الأخرى من حدث وشخصيات ولغة ووصف وسرد وزمان..... إلخ ليست من قبيل القطع الجاهزة التي يحركها الكاتب داخل النص كما يشاء، إنما تصبح هذه العناصر منطلقة من الحدود الهندسية للمكان، وموجهة لخدمة الرؤية المُراد ابرازها من النص، إن جعل المكان هو العنصر المهيمن داخل الرواية يجعلنا نمسك بالعناصر الأساسية اللازمة لها، والتي يمكن أن نحددها في ثلاث عناصر علي ترتيبها كالآتي:

1ــ القبض علي ميكانيكية الزمن وتعدد الشكل الفني.

حيث تتجلي مقدرة الكاتب السردية علي الحركة داخل محيط مكان واحد محدود، في لحظة زمنية محدودة أيضاً ومكثفة، يتم تعميقها عن طريق الايغال الرأسي والتحليل وقليل من البطء الذي لا يعيق التدفق اللغوي وانسيابيته، الأمر الذي من شأنه أن يطلق الطاقة التخييلية للكاتب إلي أقصي إمكانياتها في القدرة علي خلق تكنيكات وأساليب وأشكال قد تكتسب صفة الخصوصية في خلق بناء روائي متميز، كما يمكنه ذلك من استخدام الرمزية بحيث تتحول مفردات المكان إلي رموز، تؤدي جميعها إلي تضافر الرؤية داخل النص وتحدد نظرته للأشياء وعلاقاته الداخلية بها.

يتجلي ذلك في " أرض الخرابة " من خلال تعامل الكاتب مع أماكن الأحداث بإعتبارها أماكن خاصة، فهو لا يعطينا رسماً متكاملاً للقرية بل يوقف رسمه علي مكان الحدث، فيذكر تفاصيله وشخوصه ووقته كما لو كان حدثاً مستقلاً بذاته، له زمنه الخاص ودلالته الخاصة، جزء من كل،لكنه متوازن في بنية النص، وحين تتجمع الأجزاء يحدث التناغم الكلي للأجزاء بحيث نقف أمام نص واحد متكامل، كما يتجلي في تعامل الكاتب مع تقسيمات / فصول الرواية الثمانية علي اعتبار كل قسم / فصل قصة قصيرة، ترتبط بما قبلها وما بعدها، لتشكل حكاية واحدة تُروي بعين طفل نكتشف في النهاية أنه يقف الآن علي مسافة بعيدة منها، يجتر ذاكرته ليخرجها لنا، وهو ينظر إليها بعين مخلتفة تماماً، عين تمتلك الآن لغة تقدر علي الحكم علي الكاية المروية وتحاول تثبيتها حين ينتقد الواقع الحالي بأنه لا يمتلك حكاية تماثلها، وبحيث نقف أمام أكثر من شكل فني ساهم في إقامة البناء الفني الكلي للرواية.

2ــ التأمل وتوظيف الأساليب السردية.

حيث أن القبض علي ميكانيكية الزمن وتتابعه الآلي يؤدي إلي ثباته لإلقاء الضوء علي الشخصية في لحظة خاصة جداً، تقع وبشكل كلي تحت تأثير حالة معينة لتحقيق دلالة معينة وبمعزل عن العالم الخارجي إلا بما يحقق خدمة الرؤية المصاغة وهي واحدة من أهم خصائص الرواية الحديثة، حيث يري جورج لوكاش " أن أديب نزعة الحداثة بعزله الفرد عن العالم الخارجي للواقع الموضوعي يجعله يري الحياة الداخلية للشخصيات بوصفها صيرورة متقلبة لا تقبل التفسير "(4) هذه العزلة الفردية للذات سواء كانت إختياراً أو جبراً تحقق خاصية التأمل والتحليل، وهي إذ تجعل من الحياة الداخلية للشخصية صيرورة متقلبة غير قابلة للتفسير الأحادي المحدد تحقق ثاني أهم خصائص تيار الحداثة وهو التعددية، بمعني تعدد المعني الدلالي للنص دون الوقوف عند معني معين، ذلك أن مجموع الرموز والعلاقات الداخلية المتشابكة لا تنطوي في مجملها علي معرفة خارجية خاصة أو معينة، بمعني أنها لا تنطوي تحت أيديولوجية محددة، إنما تعتمد نسبية معرفية تحاول إكتشاف الذات والأشياء من جديد محاولة اكسابها دلالات جديدة ومغايرة، تُحقق مغايرتها عن طريق خصوصية ذاتها في هذه اللحظة المكانية / الزمانية التي تم القبض عليها، ومن خلال خصوصية فهمها لنفسها وللأشياء والعالم في ذات اللحظة، وبذلك يتحقق ثالث أهم الخصائص وهو مبدأ الذاتية، حيث يمتاز الأدب الحديث بهذا المعني " ما كان يُقصد بالذات ذلك الشئ الباطني الذي يسمي أنا الإنسان ويريد أن يخرج إلي حيز الزمان بصور تختلف عن صورته التي تعيش وتتحرك وتفعل وتؤثر في مجال ما، وإذا مالت الأنا إلي هذا الدرب من الخروج وأصبح لزاماً عليها أن تستخدم العناصر الأربعة التي حصرها الكلاسيكيون قديماً في العاطفة والخيال والمعني واللغة فإنها تكون حينئذ صانعة للأدب "(5) هذه الخصائص الثلاث حينما نحاول العثور عليها في " أرض الخرابة " فإننا نجد عزلة الفرد عن العالم الخارجي للواقع الموضوعي بالنسبة للراوي الآني الذي يجلس وحيداً ومعزولاً يجتر ذاكرته ليحكي لنا من منظور عام، وبرؤية شاملة، الأحداث التي يتذكرها ويحيينها ويعيد ترتيبها في بناء دائري، بدأ بأرض الخرابة وإنتهي فيها، ثُم يعلق عليها في النهاية، ليعطينا رؤية تختلف عن رؤية الحكاية التي يرويها بحسب اختلاف الزمن الذي تقدم، والمكان الذي تغير، والنظرة التي تطورت مع السنين من فترة الطفولة إلي الآن.

أما التعددية المؤسسة علي نسبية المعرفة فتتحقق للراوي الطفل الذي يروي الأحداث من خلال مشاهداته العينية، أو بنقله لأقاويل الشخصيات الأخرى وآرائهم وحكاياتهم بشكل محايد لأنه راصد أولاً، كما في معركة المسطح، وحضرات الدراويش وبناء المقامات لسيدي المبروك وسيدي عبد الفضيل، ثم مشاركاً في بعض الأحداث لأنه جزء لا يتجزأ من الحكاية المروية، فهو صديق لإسماعين الغريق، ومحب لأم إسماعين، ومحتك بعبد الفضيل في أكثر من حدث، وزائر مريض لمقام سيدي أبي العسران.

ثم الذاتية التي تتحقق لبعض الشخصيات التي تؤثر في الأحداث وتدفعها للنمو والتقدم مثل عبد الفضيل وأم إسماعين والشيخ متولي، ثم تتحقق للراوي الآني الذي يقف علي قمة نهاية الرواية ليفرض رؤيته الذاتية للحكاية التي تمت روايتها، وللواقع الآني أيضاً.

إن هذه الخصائص الثلاث " عزلة الفرد والتعددية والذاتية " تتيح للكاتب استخدام كافة أساليب السرد الممكنة درامية وغناءية، وكذلك التنوع في استخدام الضمائر كحيل أسلوبية للنفاذ داخل أعماق الشخصيات لإبرازها وربط العلاقات الداخلية المتشابكة، مما أدي إلي تضافر عناصر الرواية في نسق خاص، خلق الإنسجام والتأثير اللازمين لجعلها رواية جيدة.

3ــ القبض علي واقعية اللحظة الراهنة.

مما لا شك فيه أن ثمة خلافات عدة حول فهم الواقعية تتأرجح بين الانغماس والرفض، أو علي أقل تقدير محاولة الدوران حولها للخلاص من قيودها الأولية التي تفسد العمل الأدبي، وتحيله إلي أدب موجه أحادي النظرة، وتحيل النظر إليه في إطار المفهوم الإجتماعي الذي يجعل منه مجرد انعكاس لصور الحياة في إطار الظروف التاريخية والإجتماعية لحقبة ما، علي أن هذه النظرة للواقعية تتغافل عن الإمكانيات اللامحدودة لها، وأنه بإستطاعتها طرح أساليب كثيرة ومتعددة لخدمة المعرفية الذاتية والإنسانية بشكل عام، فهي كمفهوم أدبي وأداة تعبيرية ومنهج أسلوبي في الكتابة لا تمنع وجود أساليب هروبية أو تغريبية أو ذاتية أو رومانسية أو وجودية ... إلي غير ذلك، فهي حين يتوافر شرط القبض علي اللحظة الآنية تُصهر كل ذلك في ثناياها وتستوعبه، ذلك أن الواقع الإنساني إجتماعياً أو فردياً، خارجياً أو داخلياً، يشتمل في أدق تفاصيل حياته اليومية وسلوكياته المتداولة علي كل هذه الأنماط الفكرية والنزعات الإنسانية السلوكية، لأن اللحظة الآنية المعاشة لا يمكن إلا أن تكون واقعية كي يتحقق لها وجودها ومعاصرتها، مهما كان التوغل في الماضي أو جنوح الخيال لاستشراف المستقبل أو بلغ الميل حد الأفق لاستلهام الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية.

من هنا نستطيع أن نضع تصوراً للواقعية أكثر رحابة وشمولاً بإعتبارها كل ما يعتمل في الوجود الفردي والإنساني من أشياء مادية وميتافيزيقية، حسية متعينة أو مثالية متخيلة، إنها كل الأفكار الأساطير والسلوكيات، كل الحاضر والماضي والقادم مكثفاً في لحظة زمنية معينة، وفي مكان معين.

ويساعدنا علي التمسك بهذا التصور نزعتان أساسيتان أكدتهما الوجودية " نزعة محرقة نحة ضرورة ايجاد النسق والنظام والصفاء والتوحد وفرضها جميعاً علي هذا الواقع اللامبالي والمحايد والمعادي، والنزعة الأخرى هي نزعة الإنطلاق والحرية والإختيار في صياغة القدر الفردي، وفي الإسهام في تشكيل المصير الإجتماعي في نفس الوقت"(6) ويتحقق هذا التصور للواقعية حين يتم القبض علي اللحظة الراهنة من السياق التاريخي للشخصية في مكان متعين، وبذلك تتحقق العناصر الثلاثة الرئيسية اللازمة للإمساك بالبنية الأساسية للنص الذي يجعل من المكان " العنصر المهيمن " الذي يحدد ويحور كافة العناصر الباقية، يطلقها من حدوده الهندسية ويوجهها نحو تشكيل جديد لرؤية تعتمد النسبية المعرفية لا اليقين.

إن " أرض الخرابة " هي رواية مكان بالدرجة الأولي تم الالتفات إليه من خلال التغير الذي طرأ عليه عبر السنين، فتم القبض علي لحظة هذا التغير بواسطة راوي / إطار عاصر المكان منذ النشأة، وخبر أسباب التحولات التي طرأت عليه ليصل إلي هذه اللحظة الآنية التي يتم تثبيتها من أجل رواية تاريخ المكان لتثبيته في الذاكرة الخالدة لتاريخ الإنسانية، هذه القرية التي تركها الإحتلال الإنجليزي مجرد خرابة تحتوي علي أثر وجوده بالمكان، مجرد فردة حذاء وحيدة وبالية لكنها ترمز لمدي الخراب الذي أحدثه بالمكان وتركه عليه، وامتد لناسه علي هيئة جهل أطبق علي العقول، فجاءت الشخصيات لتحمل أفكار المكان الذي أصبح خرابة، بحيث أننا نجد مفهوم الشيخ أو الولي في القرية والذي يكتسبه أي إنسان فقد توازنه العقلي، أو ظهرت عليه دلالات سلوكية من خارج السياق الإجتماعي، لكنها كافية لأن تُبني من أجلها الأضرحة وتقام من حولها حضرات الذِكر، أو تكتسبه أيضاً أية جثة تحدث في مراسم دفنها مصادفات يعجز العقل القروي عن تفسيرها، إضافة إلي القبلية والثأر وقضايا الشرف، وزيارات الأضرحة للتبرك وطلب العون وقضاء الحاجة، وحواديت الجنيات التي تخطف كل إنسان لمجرد غيابه غير المبرر، أو عدم العثور علي جثمانه الغريق في ماء الترعة، حتى الشيخ الإمام، خطيب المسجد، لم يخرج وعيه الديني عن حدود الوعي الجاهل الذي أسبغه المكان / الخرابة علي أهله، فكان أقرب إلي التفسيرات الشعبية التي تلتفح بعباءة الأسطورة لتبرير ما تعجز عن تفسيره، ولأنه إمام فقد كانت كلمته هي القول الفصل الذي تنتهي وتُدحض عنده كل التفسيرات، لقد كان تفسيره لحظة رائعة للقبض علي لحظة الرواية الراهنة، واستخلاص الرؤية الكلية للنص، لقد فسر الشيخ متولي ما حدث من أمر النعش الذي أبت إلا أن يُصلي عليها في أرض الخرابة بأنه " إجتماع للجنازة مع الخرابة، وهذا وحده دليل فساد الزمان والعباد والدنيا بأسرها، وأن القيامة ستقوم، وقبل أن تقوم لابد لحدوثها من أشراط، وإن من أشراط الساعة انقضاض المسلمين علي اليهود وإفنائهم حتى آخر رجل منهم "(7).

بعد هذه النبوءة بدأ الناس في بناء الضريح، وفي ليلة إتمام البناء أقام الدراويش حفلاً بهيجاً، ليفرحوا جميعاً بأسطورتهم الجديدة، أسطورتهم الخاصة التي سوف تغنيهم عن الذهاب إلي الأماكن البعيدة للتبرك بأساطير البلاد الأخرى، والتي سوف تمنحهم اللقايا كل فترة، وبينما هم يهيمون علي وجوههم حول الضريح شبه سكاري، وقد كان الهواء بارداً ومنعشاً من حولهم، وبينما شيخ الدراويش يحوم طائراً في الهواء فوق رؤوسهم ليخرج الأنجاس منهم بعيداً عن المكان، إذا بالصوت الزاعق يدوي في سماء القرية كله، ليصك آذانهم وليرميهم في الأرض خائفين، وحين كانوا يحسبونه قادماً من السماء دليلاً علي كرامات الولي الجديد صاحب الأسطورة الجديدة، كانت الحقيقة تتكشف " وتأكد لنا أن الصوت الذي سمعناه في ليلة الحضرة إنما كان صوت انفجار القنابل التي رمتها طائرات إسرائيلية علي قناطر نجع حمادي التي تربط غرب النيل بشرقه، والتي تبعد عنا قرابة سبعة أميال "(8) هكذا تقبض الرواية علي لحظتها الراهنة، لحظة إنهزام وطن بأكمله في النكسة، والتي كانت القرية جزء لا يتجزأ منه، اللحظة التي تدحض الحقيقة فيها الأسطورة والخرافة والجهل، لا لكي تسقط الأسطورة الإجتماعية وحدها، بل وتسقط معها الأسطورة السياسية المتمثلة في هزيمة صورة الزعيم / الإله / الولي / المقدس جمال عبد الناصر، والذي قيل إن وليهم عبد الفضيل قد نال شرف السلام عليه يداً بيد أثناء أدائه للعمرة في كرامة الغياب التي أهلته للولاية بعد العود الأحمد منها.

ــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4

ــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أين تكمن الفكرة؟!

لعلها تكمن في مقولة النفري " كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤية " هذه العلاقه المتضادة والمتوازية بين اتساع الرؤية وعمقها وبين ضيق الجملة لا يمكن أن تسير إلا بشكل جدلى، هناك علاقه جدلية قائمة بين الضيق والاتساع تنبع أساساً من المقابلة التضادية الحادثة بينهما بشكل أساسى ودائم، ولعل النفرى أراد إقامة علاقة وثيقة بين اللغة والرؤية فى إطار سيطرة فن الشعر على الميراث الثقافى والمعرفى للتاريخ العربى، ذلك أن الرؤية التى تُنتج المعنى هى الغاية التى يتم تسخير كل الوسائل للوصول إليها، فإذا كانت مهمة الفن هى إبراز وتعميق الرؤى الفكرية المتاحة أو البحث فى أحيان دؤوبة عن رؤى جديدة ومغايرة، فإنه يظل مع ذلك لكل فن الحق فى الإحتفاظ بخصائصة النوعية التى تميزة عن غيرة من بقية الفنون.

إذن يظل لكل فن من الفنون الحق فى إقامة هذه العلاقة الجدلية مع الرؤية عن طريق إستخدام أحد العناصر المميزة له، القدرة على التشكيل اللغوى لإقامة الصورة وإعتماد البناء والتجريد بشكل عام وأساسى هى مهمة الشعر، خاصة فى ضوء ما أراده النفرى من إبراز العلاقة بين الرؤية واللغة، أما الرواية التى تعتمد على التجسيد بشكل أساسى فى إقامة بنائها عن طريق الحدث المحتوى على الشخصية والمؤطر بظلال مكانية وزمانية حين نُعدها فناً وليست فقط مجرد نوع أدبى، فإننا نرجع ذلك إلى أن إكتشاف الواقع الآنى، المعاصر، هو مهمتها الوجودية، الكشف عن غموض الواقع وتحولاته الكبرى وتأثيره على الفرد للخوض فى جمالياته المتشعبة، ولأن إكتشاف الواقع يتطلب بشكل أساسى أيضاً وجود المكان المتعين الذى يحقق لهذا الواقع الوجود، ويدمجه بعد ذلك فى تاريخية الزمن، فإنه يمكننا تطبيق هذه العلاقة الجدلية للرؤى فى إطار الرواية على المكان، لتُعدل مقولة النفرى نفسها مكتسبه دلالات أكثر عمقاً وأكثر تعددية، لتصبح " كلما ضاق المكان إتسعت الرؤية " بمعنى أنه كلما تدرجنا فى خصوصية المكان نحو الضيق والتحديد، كلما إقتربنا من النص الروائى الجيد القادر على إبراز رؤيته الجديدة والمغايرة فى إطار من التعددية ونسبية المعرفة، والذى يشتمل بين جنباته على كل المزايا والخصائص الفنية السابقة اللازمة لخلق فن يمتلك قدراً عالياً من التأثير والخصوصية.

فهل يمكن تطبيق هذه العلاقه الجدلية للرؤية على بقية الفنون من نحت ورسم ومسرح وسينما؟!

ــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



ــــــــــــــــــــــــــ 5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

إن التركيز على رسم حدود المكان داخل النص الروائى لإعادة إنتاجه من داخل النص هو ما يتيح لنا الإمساك بالبنية الأساسية الهندسية له، وما يتيح أيضاً إحتواءه على العناصر الأساسية اللازمة لجعله نصاً مكتملاً وخاصاً وقادراً على الوصول إلى غايته الرؤيوية المنشودة من خلال نجاحه فى إقامة علاقته الجدلية هذه " كلما ضاق المكان اتسعت الرؤية وزادت دقة وعمقاً وتحدياً " بما يعنى قدرة النص على التأثير فى المتلقى.



#######

المصادر

ـــــــــــــــــــــ

1ـ الرؤية والمكان، ياسين النصير، دار الشؤن الثقافية العامة بغداد، صـ 17.

2ـ القصة القصيرة والنقد الحديث، رست هيلز، مجلة الأقلام العراقية، العدد الرابع نيسان 1985م صـ 62.

3ـ النظرية الأدبية المعاصرة، رامان سلدن ت/ جابر عصفور، سلسلة آفاق الكتابة هيئة قصور الثقافة صـ 41.

4ـ المصدر السابق صـ 70.

5ـ النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، أحمد كمال زكي، هيئة قصور الثقافة صـ 46.

6ـ مهاجمة المستحيل، ادوار الخراط، دار المدي للثقافة والنشر صـ 47.

7ـ أرض الخرابة، رواية عبد الجواد خفاجي، سندباد للنشر والإعلام صـ 90.

8ـ المصدر السابق صـ 97.









صفوت البططى








الشعر عدلى هباش



الشاعر عبده الشنهورى





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى