السبت، 16 أبريل 2011

انطباعات عن المجموعة القصصية (القصة الأخيرة) للقاصة السورية/ فاديا عيسى قراجه بقلم الناقد : سليمان محمد نحيلي












انطباعات عن المجموعة القصصية

(القصة الأخيرة)

للقاصة السورية/ فاديا عيسى قراجه


بقلم الناقد : سليمان محمد نحيلي



البطلة في قصص فاديا غالباً أنثى تنتظر الحب والزواج وتخشاهما بنفس الوقت
تطل علينا القاصة فاديا قراجه في مجموعتها الرابعة (القصة الأخيرة ) وقد اكتملت أدواتها وازدادت خبرتها ونضجت تجربتها وتنوعت, مع ميزة تحسب لها أنها حليفة في قصصها لأناس القاع أولئك المسحوقين والمنسيين , فترفع بقلمها غبار النسيان عنهم , وتدخل إلى عوالمهم الجوانية , شاهرة سيف الانتباه بوجه أولئك الكبار الجالسين في الطوابق العليا والمتكئين على أرائك من دولارات كدسوها من بيع ثروات الوطن بالجملة والمفرق . وهي علاوة على ذلك تمتاز بروح إنسانية شفيفة غلبت على شخصيات قصصها..
ما يلفت النظر في هذه المجموعة ( مع أنها كلها في نفس المستوى من الجودة تقريباً) قصة لا وقت إلا للخيبة , فهي قصة فتاة من بلادنا تخرجت من الجامعة يحدوها الأمل لإيجاد عمل يناسب شهادتها , وطموحها لكنها تكتشف أن مأساتها بدأت خلال مسيرة البحث عن العمل , أو لنقل الأمل , وهذه المشكلة هي مشكلة عامة طرحتها القاصة ضمن حالة خاصة مانحة لها بعداً إنسانياً جماً من خلال التقاء البطلة المغفلة الاسم بشاب جامعي مثلها أيضاً دفعته دروب البحث عن العمل ليلتقي بها ,وأعتقد أن مسألة إغفال اسم البطلة إضافة إلى سرد القصة بصيغة ضمير المتكلم يحيلان القارئ إلى اعتقاد أن البطلة هي ذاتها القاصة ليتضافر ذلك في إنتاج قصةٍ طازجة , المشكلة تكمن ُ وخيبة ُ الأمل تندلع بعد اهتداء البطلة إلى الشركة التي أعلنت عن حاجتها لموظفين جامعيين واقتراب تحقق الحلم (العمل) ..عند إصرار موظف الشركة مستنداً في ذلك إلى أوامر رؤوسائه أو النصوص القانونية على وجوب تسجيلها لدى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل , إلى أنت تبلغ القصة ذروتها عندما تقول للموظف : لا أملك سوى شهادتي .
فيرد عليها موظف الشركة : رقمك في الشؤون أهم من شهادتك ..النظام نظام
وهنا يكمن الانكسار الصعب في الروح الناجم عن تحويل الإنسان إلى مجرد رقم ليدل في النهاية إلى حالة مجتمع عامة
وأود أن أشير في هذه القصة إلى أمر جميل وهو وجود ومضة شعرية أو قصة قصيرة جداً بذاتها
(ابتسمتُ فابتسم.. ضحكتُ ,فأطلق ضحكة رنانة, وبدأ المطر ينهمر بغزارة ص14لا وقت ألا للخيبة)
قصة بين الدوامين :هي قصة الحلم الممنوع على الفقراء ..حتى الحلم بالحب ممنوع
- تتشابه قصتا (أبو عبد النسونجي وأبو صالح وحيداً) في الفكرة تقريباً ,فالبطلان في هاتين القصتين قد كبرا في السن حتى شارفا على الموت , يعانيان الوحدة والشيخوخة والمرض بعد أن أفنيا عمريهما في تربية وتعليم أولادهما , إلا أن مرارة أبي صالح أكبر وأفدح ,حيث يسكن أولاده معه في منزل واحد ولا يباليان به أو ببره كما ينبغي لمثله وهو الذي قاطع وعادى أخاه الشيخ علي من أجل أولاده الذين تنكروا لواجب الأبوة , لكن وبرأي تبدو شخصية أبي عبد أنضج فنياً , حيث نلاحظ أن الكاتبة ولجت إلى أغوار نفسيته وأهوائها وصفاتها ونوازعها وأحلامها ,في حين تناولت شخصية أبي صالح من الخارج تقريباً عدا الكلام عن عزلته وجديته ,وفي اعتقادي أنه كان من الأنجح فنياً بسط الوقت أكثر من ذلك لمفردات نفسية وجوانية وخاصة وأنه متعلم وكان مدير مدرسة

- موضوعات القصص متوزعة بين الحب ونداءات الجسد والروح , وخصوصية الأنثى والغيرة والعادات الاجتماعية , أو بمعنى آخر السلطة الاجتماعية والقهر الاجتماعي في تلميح خفي للقهر السياسي,وتبرز كذلك في الموضوعات مشكلة العمل والبطالة والأخلاق السائدة
- تنفرد القصة الأخيرة بلعبة فنية مبتكرة , وحبكة وسردٍ آسرين, ونهاية موفقة
أبطال فاديا في معظمهم أناس مسحوقين , منسيين, لكنهم واعون لما يجري وهم يعانون مشاكل اجتماعية ونفسية وعاطفية (فقر, حرمان) وهم أيضاً منتمون إلى الواقع بقوة
يتقاطع كثيراً أبطال القصص بشكل أو بآخر مع القاصة فنداءات ومطبات وأشواق وخيبات وأحلام أبطالها هو صدى لنداءاتها وخيباتها وأشواقها وأحلامها في بحثهم عن حياة مستقرة آمنة ودافئة

- يُلاحظ أيضاً أن أبطال فاديا يخشون من الحب , ففي كل قصة من قصص المجموعة تقريباً هناك حب جمع طرفين ,لكنه لا يكتمل , وينتهي بالفراق والقطيعة , أو الغدر , فأبطالها يضربون مواعيد مع الحب ولا يحضرون , وإذا حضروا يكون الطرف الآخر قد انهال بسيف القطيعة أو النسيان على مواعيد يجب أن لا تنسى وحتى في قصة ( بين الدوامين) نجد البطلة في البداية ترفض الحب ومشروع الزواج , فنظرة التوجس من الحب والإقدام على الزواج وعدم الثقة بالآخر جعلا نظرة البطلة مترددة وتائهة و,يتناوبها الإقدام والإحجام , وربما تكون هذه النظرة قد تسربت من نظرة الكاتبة وفقاً لتجاربها الحياتية , أو لما شاهدت وسمعت ورأت فتأثرت تبعاً لذلك , فبطلات فاديا غالباً ينتظرن الحب والزواج ويخشينه بذات الوقت

- تجيد القاصة في معظم قصصها لعبة جذب انتباه القارئ إلى قراءة كل قصة حتى نهايتها دون توقف , وقد حققت في معظمها عنصر المفاجأة والدهشة والصدمة عبر لغة رشيقة , وسرد طافح , ورسم للمعالم الجوانية للشخصيات , فالتركيز يبدو دائماً على الناحية النفسية للشخصيات والعودة إلى الطفولة وبراءتها , فتتناوب القرية والمدينة في احتلال المكان في أغلب القصص
- في النهاية مجموعة القصة الأخيرة التي صدرت مؤخراً عن دار الشمالي في حمص جميلة جداً وجديرة بأكثر من قراءة ودراسة ولا أعتقد بأنها ستكون الأخيرة , وربما أن فاديا لم تبدأ حتى الآن .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى