السبت، 15 أكتوبر 2011

مقاطع اليها... شعرمحمود مغربى. ودراسة للناقد محمد عبد المريد


محمود المغربى


مقاطع اليها


للشاعر محمود مغربى

وقراءة للناقد محمد عبدالمريد


*
أيها الولد
هاأنا الشمس
أجىء اليك
لن أخلف موعدى
كن واثقا..
فأنا معك
وبداخلك
أنا وحدى أقيم
تحت جلدك
وأسكر !!!



*
تفاحة
تتدلى
يالى
ترقص
تغرينى
وحدى تغرينى
بقطاف مجنون!!
.......
*
سيدة استثنائية
يربكها صياح الألوان
....
*
هكذا
تفتح أزرار روحى
تنط جامحة
وحدها
تشعل
برودة الاوطان!!!


.

*
هاااااا
أنا
أهرب
من حدائق الرب
وأدخل كوخك القروى!!!
....


*
سيدة
سيدة باسلة
كانت تسرد قصص الأبطال
وتزينها فى عين الأطفال
كبر الأطفال...
اكتشفوا ..
وهم السيدة المسكينة!
***



قراءة نقدية في قصيدة (مقاطع إليها)

للشاعر محمود مغربي
بقلم الناقد:
محمد عبدالمريد
.................



في نصوص الشاعر محمود مغربي نلمح (انسيابية النص) التي تشكل خطاباً شعرياً مرناً ومدركاً لأشكال الانفعال والتكوين ، تتحد هذه الانسيابية مع تدفق المضمون لنصل إلى نص أكثر تماسكاً بشكله الرؤيوي المنفتح على مغاليق الدلالات ، وينتج صوراً شعرية مرنة وسلسة _غالباً ما تكون على هيئة مقاطع_ تبين الحالة الشعرية بدقة.
وفي هذا النص المرن بثيماته التي تجلت ع...لى هيئة مقاطع (الإبيجراما)بلغت الست تبحرت في رحلة متماسكة الأطراف والأهداف_لاحظ العنوان_ نبدأ مع دلالة العنوان (مقاطع إليها ) وهنا نحاول أن نستنبط أوجه قراءته في ظل مرونة الحدس المباشر ، وقد يبدو العنوان للقارئ أنه خاص بأنثى(امرأة/حبيبة) مقاطع مهداة إلى حبيبة لاستجلاء حالة شعرية خاصة بعلاقتهما ، وربما تكون المقاطع مهداة إلى ذات الشاعر ،أي أن الشاعر يخاطب ذاته كما شاع مؤخراً بسبب (التهميش)، وإذا نسبناها إلى الذات نكون أكثر ارتياحاً ؛لأن النص يتبادل مع الذات أيقونة المشاعر وزخم الفيض الشعري / الرومانسي الحالم.
في المقطع الأول يتجلى اللقاء الغائر في ذات الشاعر ، لقاء يتم بينه وبين حبيبته(مشاعره) ، ولا مفر من ها اللقاء الاستطيقي(الجمالي) حيث يقول الشاعر:-

أيها الولد
ها أنا الشمس
أجيء إليك
لن أخلف موعدي
كن واثقاً..
الحبيبة (المشاعر) تحدثه لتثبت وجودها الفعلي البارز(ها أنا الشمس) وتبين مدى صدقها وأمانتها تجاه (الموعد) الذي حددته هي ، الأمر الذي يحيله إلى الثبات (كن واثقاً..) ؛ فقد يخشى أن تخونه المشاعر فتطمئنه أكثر من خلال الدلالات الآتية التي توضح أنه واالمشاعر واحد لا يتجزأ:-
فأنا معك
وبداخلك
أنا وحدي أقيم
تحت جلدك
وأسكر!!!

في هذا المقطع يبدو الاتحاد الجبري والطاغي (الفطري ) مهيمناً بدلالاته الحاسمة ، والتي تنتهي بعلامات التعجب جراء توغلها في الاتحاد به ؛ وبلاغة العلامة (السيموطيقا) لا تقل أهمية عن إيحاء الكلمات ؛فهي هنا تطرح للاتحاد التعجب .
وقد يبدو للقارئ أن صورة المقطع امرأة بقدر الشمس (دلالة على جلالتها) تخاطبه(الولد /الضئيل)الذي يبدو قلقاً بسبب ما بينهما من فروق ؛فتبين له (الاتحاد) وما بينهما من علاقة يغفلها .
وفي المقطع الثاني تبدو الحبيبة/الجمال (تفاحة) وهي تمارس أنوثتها بأفعال الإغراء –له فقط- وهنا إدراك لأهمية التأثير وكأنها القصيدة تغريه،بقطاف مجنون ، وهي نهاية المطاف ؛دلالة على الدهشة العفوية التلقائية ولكنه بحكم تأمله جعلها دهشة قصدية:-
تفاحة
تتدلى
يالي
ترقص
تغريني
وحدي تغريني
بقطاف مجنون!!
وفي المقطع الثالث القصير جداً:-
سيدة استثنائية
يربكها صباحُ الألوان

وكلنا نعلم دلالة الاستثناء التي تسلط ضوءها على التفرد والاختلاف البارزين؛فلكي تكون هذه السيدة استثنائية لابد من اختلاف بارز، وهو (يربكها صباحُ الألوان) صورة شعرية تتسق مع تركيبة الخجل والانطواء ؛حيث يكون الارتباك نتيجة الخجل من موقف ما/شيء ما ،وهنا الارتباك بسبب صباح الألوان:-
صباح/إشراق يبين كل ما يسقط عليه
الألوان/ مرتبطة بالتزيين للفت الانتنباه
أي يتم فضح مفاتنها ، وهي تختلف عن السيدات الأخريات بهذا الاستثناء ؛ليبين عذريتها وبكارتها مدى الحياة.
وفي المقطع الرابع الثري بتركيبة صورته التي تتضمن علاقة حميمة بين ثالوث مهم (الذات/الشاعر،الحبيبة /المحرك،الأوطان/الانتماء)حيث يقول الشاعر:-
هكذا
تفتح أزرار روحي
تنط جامحة
وحدها تشعل
برودة الأوطان
وهنا تبدو ملامح الثالوث بدلالات كل مكون على حدة ، الحبيبة (المحرك)تفتح أزرار روح الذات/الشاعر، تنط جامحة دلالة على قوة دوافعها(موتيفاتها) لتثوير روحه ، ويبين مخابئها التي تشعل برودة الأوطان-لاحظ صيغة الجمع- لنصل إلى ثورية الملامح بالفطرة.
وفي المقطع الخامس، يؤكد الشاعر حرصه على (اللقاء الجمالي مع حبيبته)حيث يقول:-
هاااا
أنا
أهرب
من حدائق الرب
وأدخل كوخك القروي
وهي مرحلة دهشة للقارئ ، كيف يهرب من حدائق الرب(الثراء بلا حدود) ليدخل كوخها القروي(الفقر المدقع) ، ونرى هنا دلالة (التضحية) ولو على حساب ذاته من أجل أن يكون معها/الحبيبة ؛ فهي مرحلة دهشة للقارئ يحيله إلى ذلك القطاف المجنون!!.
وفي المقطع الأخير السادس، نرى علاقى تناقض بين الواقع والخيال من حيث حقيقة كل منهما:-
سيدة
سيدة باسلة
كانت تسرد قصص الأبطال
وتزينها في عين الأطفال
كبر الأطفال...
واكتشفوا..
وهم السيدة المسكينة!
الخيال:سيدة باسلة
الواقع: سيدة مسكينة
ونهتم بعد ذلك بمرحلة الاكتشاف التي تشكل صدمة لوعيهم وإحالتهم من سذاجتهم إلى رؤية الواقع وتحديد مفرداته؛لأن من السهل أن توهم تلك السيدة الأطفال/الوعي الغير المكتمل في مرحلتهم الطفولية ولكن حينما يكبرون/يكتمل الوعي يكتشفون وهمها .

الرؤية التأملية للشاعر:-

في نهاية المطاف ، نحاول أن نكتشف الرؤية التأملية خلال هذه المرحلة الثرية بالعطاء ، ونحاول جاهدين وفق نظرية(تعددية التأويل) أن نطرح ما نرتاح له (ما يناسب هذه القراءة النقدية ) لنحدد مضامين (النص) ؛فيجب أن نحدد صوت القصيدة(بوصلة النص) لنستجلي التماسك النصي (الوحدة العضوية) الذي يبدو مؤرقاً لتشكله في قالب الإبيجراما.
في المقطع الأول صوت أنثوي(من حيث النوع) الحبيبة يتحد مع ذات الشاعر، وفي المقاطع (الثاني والثالث والرابع والسادس) يختبئ صوت الشاعر /الذات خلف الصورة الشعرية التي يشكلها بوعيه/حدسه।

وفي المقطع السادس يكون صوت الشاعر (الأنا) واضحاً وصريحاً.
نتبين مما سبق أن عالم النص يتوزع بين الشاعر/الذات وحبيبته(أنثاه) ، وقد تكون هذه الحبيبة (الوطن/القصيدة)أي يكون النص يطرح هذه الثنائية (الوطن/القصيدة) بعيداً عن المرأة ، ولو تأملنا ذلك ؛لاتسقت فعلاً مع قراءة النص في الدلالات والأهداف والدوافع ؛فالقصيدة تتحد مع الشاعر لأنه خالقها ، ولاحظ معي تكرار (وحدي أقيم،وحدي تغريني،وحدها تشعل برودة الأوطان)وهنا قمة الاتحاد (التواصل/التواشج) الفعلي الدينامي، والقصيدة (قطاف مجنون) في نهاية المطاف ؛فإذا عدنا إلى قراءة النص بهدف استجلاء هذه الثنائية (القصيدة/الوطن) لكانت قراءة صادقة وموفقة ،خاصة في المقطع الأخير الذي يحدد التمايز بين الواقع المرير والخيال الجامح الملهم، وكما يقول كولردج:-الشعر ترجمة الواقعي إلى المثالي.

هناك تعليق واحد:

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى