الثلاثاء، 26 فبراير 2013

بعض القبل لا تموت بقلم : رندة صادق





بعض القبل لا تموت

بقلم  : رندة صادق




انه شتاء العمر, فرح الحب زغرودة الماضي
همست له :أحب الشتاء ،أحبه ليس لمطره ،ولا لريحه ولا لجنون برقه ورعده .
أحبه لأن كل حكايات العشق تتنسم الصيف إلا حكاياتنا جعلت مني كائنا شتويا ينتظر المطر لينتعش وينهض مغتسلا راقصا بخطوات مجنونة على نغمات فلامنغو الروح  لقد تحول العمر بكل فصوله  الى شتاء الحب.

ترتدي الأشجار ثوبها الأبيض، وتنحني أغصانها مثقلة بحملها النقي الذي غمر خضرتها،
تستند إلى جذعها وكأنها تلوذ بالدفء الأخير ،يقترب ليضمها ويحتضن شوقها البريء لعينيه التي سرقت شهد العسل من نحل الجبل الأصيل..
الساعة السادسة صباحا، بخار أنفاسها المتصاعد من بين شفتيها يغازل شفتيه  يقترب منها يلتصقان حتى غابت حدودهما، وتمازجا وحلقا مع قبلة مجنونة ، محمومة يشهد عليها حرفي إسميهما المحفورين على الحور العتيق( تماما كما غنت فيروز).. العالم بقعة عتمة من حولها والضوء يتدفق من حضنه.
  إنها قبلتها الأولى.. اكتشافها المبكر.. أن القبلة فعل ولادة وحياة تتكرر مع كل التصاق وغيبوبة عشقية، وأنها فعل روحي يربط جسدين منفصلين بوثاق اللهفة فلا يعرفا تفاصيلهما هو يذوب بها وهي تختفي به.
قبلة أكدت ووثقت حكايتهما المخالفة لقوانين الطائفتين ،وقوانين التحفظ الاجتماعي في مجتمع ضيق . تمرد الحب في قلبيهما تعانقا معلنين إشهارهما وكفرهما بكل الأعراف والتقاليد والمحرمات السماوية ،وذابا في قبلة الروح للروح ولهفة الجسد للجسد.
في اليوم الثاني للقبلة المولودة من نار الحب والتي باتت حديث ذاك الشتاء الربيعي, تناقل سرها الطلبة وتسلى بحكايتها  نسوة التنور والجدات في الدور..  وتوشوش الصغار والكبار  في قريتهما  بقبلتهما العلنية الصباحية خلف سور الثانوية.. وكلما مرا في  حي سمعا الهمس من حولهما وضرب الكف بالكف وجملة رافقت  طريقهما  (الله يستر ع هالجيل ما عاد استحى)
أما هما فكانا يبتسمان ويبحثان عن سور آخر ليعيدا تجربة القبلة المسروقة ، فيعود إلى جسديهما دفء الصيف في شتاء قاس بريحه ومبالغ ببياضه وملتهب بقصتهما.
 لم  يعرفا من قوانين العشق إلا قبلتهما .
كل تلك التهم, وكل النظرات التي اجتهدت في اتهامهما ونكران شرعية قبلتهما وحبهما  وألف مستحيل كان سيد واقعهما لم يكن حاجزا لتكرار القبلة في كل صباح والجلوس تحت الشجرة رأسها على كتفه ويديها تحيط بعنقه  ويده تداعب وجهها حينا  وتتسلل بين خصلات شعرها حينا آخر ويهمس:
- أحبك أيتها السنية
- أحب عيسى لأنه ربك
كان يمعن في ضمها ويقول أحبك أنت وأترك الله ليحبونه هم, لم يكن يكفر ولم تكن تخرج عن دينها ليسا مرتدين عليكم كل أنواع اللعنة إنهما عاشقان

ثلاثون عاما مرت.. وحين التقيا كاناغريبن في مكان غريب سار إليها بعينيه اللتان حافظتا على بريقهما,  رغم التجاعيد على حافة شفتيه وحول عينيه ، وعلى جبينه ووقفته التي لطالما شبهتها بوقفة الحصان البري المتمرد  الثائر الشامخ بحثا عن حرية لا تلين.
كاد يهم بضمها ابتعدت خطوتين إلى الوراء ونظرت إلى يمينها, زوجها يقف على بعد  خطوتين مد يده وأمسك بيدها وقال:
 جميلة كضوء الصباح تحت شجرة الحور.. إشتقتك 

همس بصوت لا تظن أنها هي نفسها سمعته:
-لا زلت أحبك
- كيفك أنتَ وكيف أسرتك؟
- هل ستعودين؟
ارتبكت أكثر فأكثر وتعرقت يدها التي ما زالت في يده وقالت :
- ربما أعود!
وهي كانت تعلم أن عودتها قد ترتبط بصدفة والصدف قد لا تكون دائما منحة السماء
,فهما اللذان افترقا يوما لأن صراعا مضمرا دار بين إسمين لإله واحد
لأن المستحيل كان كذبة والكفر كان ذريعة
لأن الغضب ارتدى حكمة العجائز
وتدلى جرس التوبة من ألسنة المؤمنين.
ان الحب لا يفهم شروط المناطق ولا يعي أن الكنائس أنواع والمساجد مذاهب
لا يفهم بالقديسين ولا بالأولياء الصالحين الحب خارج  مفاهيم وقوالب البشر الحب حتما من روح الله, فالله محبة والله خير والله سلام .
دعوا البراعم تحمل ثمارها وترتوي الذاكرة من قصص العشق, كم قلبا حطمه الجهل وقتلته التقاليد ووأدته  قوانين البشر.
 هنا نزفت فراشة, وهناك ضاعت الشمس في عتمة الفراق ،الروح  ترشح حزنا وتدمي قهرا، وكل يوم يمر تصرخ الجراح :من يداويني وقد استفحل الألم وتخضب  برائحة  الصدأ ؟
هي الكائن الذي يعيش ولا يحيا  تناشدكم بل ترجوكم: دعوا الحب يختار أبطاله
ولا تكتبوا أنتم النهاية المميتة  لقلوب لا ذنب لها إلا أنها عشقت وغفلت عن قسوتكم.....
رنده صادق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى