الثلاثاء، 6 مارس 2012

خارجا من حقول الآخر مرتديا الوهج الحميم مع الجنوبى وفوضاه المنظمه فى ديوان ( أغنية الولد الفوضوى ) للشاعر محمودمغرب بقلم/ د

ناصية الجنوبى محمود مغربى

ا




خارجا من حقول الآخر مرتديا الوهج الحميم

مع الجنوبى وفوضاه المنظمه فى ديوان

( أغنية الولد الفوضوى )

للشاعر محمودمغربى

………..

بقلم/

د/ عبير سلامه

.

جاهر بعشقك يا ولد/ جاهر بعشقك لليمامه/ للبلاد/ وللعيون المستبدة/ جاهر بفوضاك البهية/ وأقطف/ وأقطف من نخيلك ما تشتهى

(تداعيات ص63)

تتحدى بعض المجموعات الشعرية فراغ قراءتى كالبيوت، فأقف أمامها زمنا مأخوذة بالبناء متهيبة الدخول. ثم أطلب-بعد العهد والألفة-مدخلا غير مطروق يقود لعتمة الأعماق حيث خصوصية الجمال والسر المكنون.

أمام أغنية الولد-محمود مغربى-الفوضوى ([1])لم يلزمنى الاعتياد، فقد عرفته-منذ ما يزيد على عشر سنوات-قابضا على جمر الحروف يزرع فى قنا الشعر الجميل، ولم أطلب مدخلا، فشعره كله نوافذ وشرفات، ولكنى احتجت مع ذلك-وربما بسبب ذلك-إلى المفتاح، ووجدته فى قوله:

ماضيا/فى اتساع المدى/مثقلا بالصبابة/نازفا فوق حجر القصيدة/تاريخك المشتعل.

(خارجا يرتدى ديناميت السفر ص 22)

وقد أكد لى ذلك أن محمود مغربى ما زال-كما كان-شاعرا مهموما بمهمته ، يسعى لتأصيل ذاته عبر مشروع إبداعى متميز بالإضافة والتجديد، ورؤية تتمرد على المعهود وتتسامى على السهل.

“أغنية الولد الفوضوى” قصائد تتأمل نفسها، تلتف على جوهرها متسائلة عن وجودها، قصائد تكثف قطراتها إشكالات متشعبه، وتنعكس إشارتها المتوالية ببذخ استعار مسرف أحيانا.

ذلك الفوضوى الذى “جن ورب الكعبة”.

يخرج فى الليل

يتلصص بين حنايا الحارات

يبحث عن شئ

لا يدرى كنهه

شئ مطموس الجوهر

ويرتق بعض قصائده الغزلية

يهديها للفتيات

الشقراوات..السمراوات

(مقاطع صغيرة ص 19)

وما يبحث عنه ليس سوى اختراق مباغت لسدود التعبير ثم اصطحاب القول حتى آخر مدى لطلول الشعر للهجرة من ضرورات اللغة وأطرها المرسومة سلفا فى قوانين صارمة زاحمت وجود الشعر القديم وأرغمته على التخيل والتحايل للإمساك برمق حرية المعنى.

كان لابد أن “يركب” محمود رأسه…

يتفوه باللامعقول

يتمنطق فى زمن زاوجه الصمت.

(مقاطع صغير ص 19)

كى يبدأ مشروعه لتجاوز أبنية المكان الصلبة التى تعترض انطلاق الذات المتحصنة بكتابة مضادة تنشأ على أنقاض ما يقوضه الشاعر من حجب الإبداع فى حركة هدم وبناء متكاملة. الذات الشاعرة على وعى تام بالتجربة متخففة من قيود الإقليمية، ثائرة على الطبقية المحلية، رافضة الميل العام لزرعها فى تربة المكان الخاص، إنها نبتة كونية لا مكانية تأبى الخضوع للظرفى والمتغير، وإن توازنت تجربتها باحتواء قيمة جمعية نادرة مستخلصة من تجربة السابق القريب-زمانا ومكانا-أو الحاضر الذى لا يغيب: الجنوبى “أمل دنقل”

وتتشابك علاقة محمود مغربى به فتلتبس حتى الخفاء-غالبا-وتتضح أحيانا فتضئ الجانب الأهم من تجربة الفوضوى.

وكنت هناك

تجمل ذاك الخراب الوسيع

فى المقهى كنت تصاحب ترجيلة

وقصيدة

وفى الحقل تطلق الجياد البهية

وتنفخ فى جذوة الوقت

فيشتعل الحلم فى

(إلى الجنوب ص 13)

الصلة هنا استمداد الفوضى شعلة ناره الملهمة من روح الجنوبى الذى بحث عن “فضاءات لم تلوث بالأزيز” روادها فأتته ورتبها ثم أشعل “فى حنايا أزقتها قناديل” كان الجنوبى يصاحب القصيدة ويخفى بين “ثنايا الحروف الشوارد لتمطره بالشدو البهى “ويطلق فوضاه فى “اللغة العصية “يربكها ومن أذنيها يشد “قرط موسيقى المباهج”

وكذلك يفعل الفوضوى، ولا يكتفى بإشاعة الفوضى والإرباك بل يزيد بأن يستقطب “العصية” يدنيها حتى يسكنها دمه..

ولك أنت

دون النساء

متسع من دمى

ودمى صبوة فائرة

صبوة.. تفتح الآن حصن النبوءة

تصعد غيم المسافة.

(إلى الجنوب ص 14)

ودمه فاتح بيقين. يدخل القصائد ويعبر مسافات الكآبة..

هذا دمى

دمك

يدخل فى القصائد تارة

وتارة

ينداح فى غيم الكآبة

فمن يشارك الجنوبى الغناء؟!

(مكابدات فتى جنوبى ص 25)

نعم من؟ وكيف نشد المفتتح من ضمير مغن ينعم من صمت وطن يبيد ؟!

الحرف معتل

ناقص

الفعل عاجز

فكيف نشد فاتحة المغنى؟

(مكابدات فتى جنوبى ص 25)

علة ونقص وعجز بين ! كيف لا يتبدد الشاعر فى اللغة إذن

وحدك

تفتح بوابة الحزن

وحدك تأكلك الأبجدية

وحدك

فى مقلتيك تخبئ

ما قد تعرى من الفقراء

وحدك تقرأ ما قد تعسر من سورة العشق والتهلكة

(مكابدات فتى جنوبى ص 27)

والقراءة إنتاج ينشأ من تماس مزدوج –بين الشاعر واللغة-تحول-باستخدام فعل الإخصاب-إلى علاقة “إيروتيكية” متحررة ومحررة فى أن

المواقيت صرعى على شاطئ النهار

والنهار ينقب عن أحرف للهوية

والهوية.. تهوى التزحلق فوق الكواكب

تجئ الحروف

وتغدو

وفى الأمسيات اللواتى سكبن الضياء

تضاجع ما تشتهيه

تعكر صفو المدى

وتلقى

بأحجارها البكر

تعدو… وتعدو

تعانق وجه الخلاص

(الحروف ص 28، 29)

المدى بياض الورق، والخلاص قصائد “أناشيد لا تغتفر” مقيدة لا تستطيع..

أن تعلق حبل صبابتها

حول جيد النخيل

القصائد خجلى

أهمس فى أذنها..

متى نشتبك فى لقاء؟

(القصائد مسكونه بالعفاريت ص 30)

تبدو علاقة الشاعر باللغة هنا هواجس متوترة، اشتباكاً للتحرر من هيمنتها، إطلاقاً لتقييد فيضها الأبى، نفيها لإثباتها واستمداد كنوز سحرها المطلق، إنها محاولة لتأسيس حوار شعرى يعيد استكشاف الذات والآخر والعالم بأكمله، محاولة لمغادرة قيد الذات-خاصة-فى الزمن..

منذ عام أو يزيد

كلما مر يوم

تصفعنى خمس وثلاثون نجمة

أيا رجلاً ضاق بك مأمنك

أرهقتك مقاه

وأنت العصى

فبحت لمقبرة..

(القصائد مسكونه بالعفاريت ص 31)

ضيق المكان والنفس من وجع البوح للآخر/الموت-يبرر صحبة القصائد المسكونة بالعفاريت/الحنين، وهلع “الإله الصغير” الذى يسكنه من سعيه إلى مقتله، وما مقتله إلا حياة متوهجة تلتفت إلى القادم بخروجها من أبدية التكرار ولعنة النمطية الجامدة..

أيهذا الإله الصغير

الصديق

فلتكن طائرا

أو حكايا

على شقة فى طريق

فلتكن جمرة

فالنشيد الذى كان يرقص فى الحنجرة

لم يعد يستلذ السباحة فى المحبرة!

(القصائد مسكونه بالعفاريت ص 22)

الأفق الشعرى معرفى بالضرورة، وقراءة شكل كتابة النص، والمسافة التى تفصله عن عنوانه تفتح الطريق إلى الدلالة الموجهة، وفى “أغنية الولد الفوضوى” يكشف شكل توزيع الأبيات فى الفضاء الأبيض علاقة العشق المتوترة بين الشاعر واللغة، فالكلمات تتناثر صاعدة هابطة، مجتمعه متوحدة، لتكشف الإستراتيجية المرتجلة فى تلك الصلة المؤكدة بالإهداءات السخية المتوالية، لقد أهدى الشاعر الديوان كله لمحبى القارئ الجمعى، وتعددت بعد ذلك الإهداءات الخاصة المحددة إلى :سناء محيدلى-فتحى عبد السميع-فداء –ع-أفين حرسان.

والقصائد التى خلت من إهداء صريح تضمنته بالوصف أو الرمز فى المتن أو العنوان: مثل: إلى الجنوبى-البنت تستقطب الولد الفوضوى-قمرية-إلى زينب-إلى ذات الوجه المستدير-الغزالة-جنية- هى.

يكشف هذا العطاء الجميل قناع الآخر المقصود بالقول ويدفعه من عمق ذاكرة النص إلى الواجهة لتتضح ملامحه، فإذا الجنوبى (أمل دنقل، وفتحى عبد السميع) هو الفتى محمود مغربى الفوضوى، وإذا المرأة-بوجهها المتعددة-هى القصيدة/اللغة/الحروف التى لها-دون النساء-متسع فى دمه..

أيها الصبح طر

فاجئ الغاديات على التل

بالشعر مغنطهن

وسافر

فى ردهات العيون

تسلح بالكائنات التى لا تقر

وعبئ جفونك من خمرهن

تقدس فى خدورهن، وزواج

بينى وبين القصيدة.

قصائده “للفتيات الشقراوات.. السمراوات” إذن بل كان بالشعر الممغنط فى ثغره الأحرف الشاردة” يزاوج بينه وبين القصيدة. لهذا الغرض وجدنا (البنت الجوالة) تمطره “لغة البسطاء”. فيوغل فى “الفرح القروى” ويركض نحو الشمس،

(البنت تستقطب الولد الفوضوى ص 39)

لم يكن الشاعر يهدى جذبهن كى “يسجدن فى ساحة الاشتهاء” “يراودن” شعره/جره ليحتويه و “يزاوج ويخرج من جنبيها “فضاء ومواويل سمراء”

ويخرج من عينيها..

مدناً وبلاداً

وسماوات خضراء

تسكنها ولدان الشعر

ولدان تشعلها بالخضرة

بالمطر الغزلى

(البنت الجوالة ص 43)

و(القمرية )التى..

غمزت بعينها

براكين الفؤاد

وأدخلته حديقة

فواحة

لعبيرها

ألق يزغرد فى نوافذ شعره

هى رتبت

لغة العيون

كيما يباغت صبوة الصبح المشاكس

يعتلى

أفق القصيد

(قمرية ص 45)

ثم (زينب) التى يقول عنها..

بقربها مواسمى منانه

مواسمى تزين القصيدة بالدلال المستبد

وتشتعل الفضاء بالغناء

(مقاطع إلى زينب ص 47)

و(ذات الوجه المستدير)..

أستحلف رقة هدبيها

أن تمطرنى شعراً

تمنحنى ثوباً

فضفاضاً

مغزولاً بخيوط الفجر

(إلى ذات الوجه المستدير ص 52)

وأخيرا التى سألته..

لم حبيبى

تستفز العصافير؟

-رغم ذلك-تدخل أسماءها فى شقوق القصائد.؟

(نشيد الوجع ص 59)

لم تعرف المتحيرة أن الاستفزاز محاولة لإتمام البناء، ومد جسر للإعتلاء ، اعتلاء القصيدة/البراق أو عرش مفردة فى حقول الكلام.

إن تأمل الآخر-فى حقيقته-تحول إلى الذات، وسبيل بديع لكشف الحجب المتداخلة أمام القرين العظيم الساكن وهج الأعماق الساطعة، سبيل لتجاوز المعانى المعرفة التى تراكمت على مر السنين بإسقاط مفروض من سلطة الثقافة السائدة، ثم اكتشاف معانى النفس الخاصة التى تطلقها على الأشياء بقوة معجزة..

أيتها الفتنة الطاغية

استضيئ بوهج المروج

وانشطرى فى دمى

غيمة وسهلاً

عرشى كالزبد..

وافتحى النافذة

للبراق الذى شط لغتى الوراقة.

(البنت تستقطب الولد الفوضوى ص 41)

شط من اللغة ليعيد تشكيلها ، ويعدها بروح وجودها، ليصعد بها إلى آفاق متجددة لا يصمد لرياحها سوى براق كلما تتزود بالصور الطازجة. لقد جاءت الرغبة المتوجسة فى تقييد أوابد اللغة-فى قصائد الفوضوى-بوضعها موجها شعريا أعانه على تنمية رموزه وصوره وأفكاره المهيمنه، فالطائر الذى يسعى كى يستبين..

يختفى خلف جنح الكلام

هكذا يخرج

حيث ذاك الفراغ

ويندس بين الوضوح وجذر القتامة

(ساطعاً بالحكايا هكذا يخرج ص61)

لأن الوضوح مقصلة، والقتامة منفى، وهو لا يريد لشعره أن يكون مغلقا، بل يطمح لفتح النافذة، وعتق البراق المحبوس خلف تمتمات تفتح-إن قبلت-البوابات المطلسمة..

موتها، فتوهم الشاعر ببعدها وتجذبه إلى دوامات بحث محيرة، ، ترهقه أحيانا فيرى بعين اليأس.

كل القصائد

ملغومة بالحنين المعنى

وكل الأناشيد محض هباء

(فوضوى ص80)

وتنفحه فى أحيان أخرى خصلة من ضياء السنابل فى غبش عبقرى يوصد باب التغرب..

يفتش عن نجمه الفوضوى

ويطلق فى داخلى

غنوة للبعيد

وفاتحة للنشيد

ويشعل فى عتمة الإنكسار

شعلة جامحة

(شعلة جامحة. ص 78)

ليس عجيبا أن تجمع بغتة حماسة هذه الذات الناهضة، ففى أعماقها فروسية تنتظر ميقاتها، ربما لهذا كانت الأفراس المشترك الدلالى الثانى فى الديوان إضافة إلى القصيدة/اللغة، فسناء محيدلى التى تطلق البشارة كزيتونة “تشب فى فنارة”.

تسرج الأفراس من عيونها

وتعتلى الطريق

(تعتلى الطريق ص7)

وعرب زمن الردة “الأقربون والأبعدون وما بين بين” ..

سرجوا خيلهم خلسة

تاركين المخيم

والجرح

تحت الهجير

بين فكى حصار

(تساؤلات فى زمن الردة ص 10)

والشاعر يحرض الفارس المنتظر على تجريد الحسام..

هيا استبن

للصباح الجديد

وافتح النافذة.. للصهيل

أن تحمل الشعلة المهملة

أن تعتلى المهرة الجامحة.

(تساؤلات فى زمن الردة ص 12)

والجنوبى الذى جمل الخراب الوسيع كان هناك يطلق فى الحقل الجياد البهية، والبنت الجوالة التى تشعله بلحاظ بداوتها كانت تزاحمه وتسرج خيله، وجياد الموايد تجئ جوعى، تشاكس صمته وتهز حقوله فيساقط الرطب.

وفى أغنية أخرى تخرج الأفراس من الغمام المورق:

تهبط

تصطف على طمى

محشو بالدهشة!

فى تساؤلات فى زمن الردة كان الفارس ينتظر أمام الأسئلة والتحريض على فتح النافذة للصهيل، وفى خارجها يرتدى ديناميت السفر يخرج الفارس لويواجه بسيفه/الأغنية المسالك الكارهة التى غلقت دونه أبوابها، وفى مرفأ تحذير من خزى الفرار وتذكير بالغاية..

قال عد/أيها الفارس/واخطف الصبح من خلف هذى المتاريس/واشبك اليد بالوهج الطالع/وارتجل /أغنيات للصباح.

لقد بدأ الديوان والغاية حمل الشعلة المهملة. ثم انتهى وهى تشتعل جامحة لتضئ عتمة الخاص/والعام أو المجموع/البدد.

للجرح /متسع ونافذتان/نافذة على وطنى/وأخرى/ ترى بددى.

(جرح ص 33)

للجرح متسع ونافذة على الوطن، واللغة/القصيدة لها-أيضا-متسع فى دمه، القصيدة-إذن-وطن..

يا أيها الوطن المسافر

فى دمى

ما زال وجهك

قبلتى

ما زال اسمك

أغنيات قصائدى

قليلوتى

ومعابدى

(الوطن المسافر ص 9)

انتهت هذه القصيدة على ارتعاشات الأمان التى ما أثرت على الشاعر، فظل برغمها يسكن الوطن الضلوع، ولكنها تحولت إلى خوف عارم فى قصيدة وحش الذى يؤكد بحديث الغراب حين قال.

ساذجا

صادق القمر

أفواه من أسقطه

وحذر من خراب محتمل طأطأ النخل له الهامات..

جسرها ما اكتمل

والبلاد

حريق..بلل!

(الغراب ص 21)

لقد فر الشاعر من النبوءة/الوحش بالقفز من نافذة الصحراء/الخوف، وهى المرة الأولى التى استخدم فيها فعل القفز مع كلمة النافذة التى ترددت مرتبطة بفعل الفتح دائما فى قصائد: تساؤلات فى زمن الردة. مكابدات فتى جنوبى، البنت تستقطب الولد الفوضوى، قمرية، ذات الوجه المستدير، نشيد الوجع. وقد جاءت متصلة غالبا بالشعر واللغة، وهو صراع إذن! زحف مرحلى لاقتحام فضاءات جديدة يتكامل فيها الوجود الإشكالى بإنتاج المعنى من نظام المكونات السردية مع الغنائية لتدشين الصوت الاستعارى الخاص الذى يؤازر الإيقاع والصورة الشعرية بعلاقات المضيئة.

لقد جال المفتتح فى سياق الحاضر الخؤون بتسويات الردة واستشهاد النساء احتجاجا على إراقة الكرامة القومية فوق تراب المصالحة، ثم تنوع السياق بعد ذلك حتى أوهم بالأبتعاد عن هذا الأفق أو المخالفة، ولكنه-فى حقيقة الأمر-ظل يرصده من نوافذ وشرفات مفتوحة على الجرح/الحنين بالسردى حلق الشاعر بعيدا عن قيد الجسد/الأنا، وبالغنائى تحول فى مجاهل الذات/الكون أو القصيدة/الوطن.

إنه شعر مختلف! شعر يبنى بالتأمل عالمه ويبتكر طرقه السحرية بالمغامرة، يورط الأشياء فى علاقات مباغتة، يقرب بينها ويدفعها إلى حافة التحدى، يرغمها على القفز للسباحة فى ضوء الدلالات البكر برشاقة عجيبة ومهارة متجددة تأمل فقط إشاعات البساطة المدهشة فى التراكيب التالية:

الفرح القروى- الحضور المزركش..السمار المنمق-الجنوب المعتق-ديناميت السفر-شرفة للعبير-تأكلك الأبجدية –المواقيت صرعى—جيد النخيل-يتوضأن بالمسك-الصبح المشاكس-حقول الكآبة-دلال الفصول-تغريد الموج-عشب البراءة-عتمة البوح-غربة الياسمين-ملتحفا بالخجل-حضور طيع-دهشة متوحشة-جذر القتامة-حقول الأجوية-تل البهجة-غمام مورق-حريق بلل-الظمأ القروى-الفرح الموسمى-الليل الهاطلة-الصباح المعنى-طمى مشوب بالدهشة..الخ

بهذه الأناقة التعبيرية المفرطة صرح الفوضوى بأنه استجابة لإغراء الجنيه/اللغة، ودنا من غصنها الطرى حين رقصت على شطية وقالت..

هيت لك

أفراد جناحك يا فتى

خذ من حكايا الليل أوجاعى

خذ من بريد

الصبح دهشته

وادخل مفازة جنتى

فأنا دخلتك بغتة

وسرقت روحك مرتين، أنا غيمة

وقد اصطفيتك يا عصى.

(جنيه ص 69)

خارجا من حقول التأثر والاتباع مصطحبا فوضاه البهية، أخرج الفتى-القروى الجنوبى الفوضوى-طائر الفتنة من محبسه وأغراه كى يصعد غيمة القصيدة/الجنيه لينشر النبأ عن كيفية اعتلاء عرش مفردة فى حقول الكلام.

لقد التقت نصوص أغنية الولد الفوضوى عن تخففها من تعسف الضبط-غير المنضبط أحيانا-فى نقاط تقاطع حميمة، مكونة زوايا التقاء متجاورة ومتقابلة معا، أحال بعضها إلى بعضها للدلالة على اتجاه مخلص لتطوير الفكر والإبداع بفوضى منظمة تفيض من طاقة عشق سخى لامرأة مشاكسة هى وطن لا يبيد وروحها قصيدة منمقة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى