السبت، 25 أغسطس 2012

السورية وجيهة عبد الرحمن تصنع السؤال في كن لأصابعي ندى..بقلم الناقد: جاسم خلف الياس






السورية وجيهة عبد الرحمن تصنع السؤال
 في كن لأصابعي ندى
 


فتنة الجسد تؤول الى غواية النص

****
جاسم خلف الياس
****



 
يعد الخيال المبتكر، واللغة المدهشة، من الاشتراطات الفنية الفاعلة في تاثيث النص الشعري، فالعواطف والاحاسيس التي تنبع من الوجدان والشعور، هي التي تمنح ذلك النص صدقا فنيا عاليا، وتخلق في القارئ تأثيرا، يعمل على كشف القيمة الحقيقية له، وهذا لا يتأتى إلا من خلال رسم الصورة الفنية، والغوص في أعماق النفس الإنسانية، واللغة الشعرية الشفيفة التي تكشف قدرة الشاعر في اجتراح واقع نصي يحاكي الواقع المادي، ويرصده في بعض أو كل تفاصيله، ضمن الخبرة والوعي والتجربة . وإذا كان هذان الإشتراطان في مجمل الإشتغالات الشعرية قد حققا حضورا طاغيا في المدونة الإبداعية الحديثة بشكل عام، فما هي خصوصيتهما في الشعر الانثوي، المؤثث بطاقة توتر عالية، وتجاوز وإنزياح لكثير من الرموز المستمدة من الجسد، هذا الجسد الذي ينفث براكينه وصواعقه مزلزلة على الورق، تسفر بعد الهدوء جملا شعرية تحمل من العلامات والدلالات والرموز ما يحتوي عالم المراة الشاسع المجهول، إذ استبدت تقنية البوح والنجوى في استحضار ذلك الجسد، وتولّد لدى المرأة » الشاعرة نمطا أسلوبيا يعد من خصوصياتها، تمثّل في توليد الأساليب والأنساق الجديدة وفق لغة دافئة موحية، وتشكيل لغوي يأخذ أسبايه من خزان الأحاسيس وقاموس الحواس ونبض الجسد وهمس الخاطر، وحديث ما اختزنته الذاكرة النسوية واللاوعي الأنثوي في مراحل تشكلها الممتد 1 .
وفق هذه الرؤيا سنحاول مقاربة مجموعة كن لأصابعي ندى للأديبة وجيهة عبدالرجمن الصادر عن دار رؤية، مصر، 2011. ونسعى الى فك رموزها، والتوغل في فاعليتها الترميزية واشتباكاتها المعقدة، لنصل الى المسكوت عنه، والمحذوف، والمضمر، من خلال تلمس الخصائص الاسلوبية والتعبيرية والبنائية التي شكلت نصوص المجموعة .
بصرخة احتجاجية حارقة، وانفعال تصويري واستعاري غاضب، تسهم الشاعرة وجيهة عبد الرحمن في تهيئة القارئ لحراك تحريضي ضروري، وهي تهدي منجزها الشعري الى صمت العصافير المعلقة بخصر صياد لم يفطم بندقيته….المجموعة ص3 . بعد أن كانت قد تركته ــ أي القارئ ـ في فضاء عنواني مشبع بالرقة والطراوة كن لأصابعي ندى وبين رقة العنوان وقسوة الاهداء، بوصفهما موازيين نصيين يعملان في منظومة دائرية واحدة في التوجيه القرائي، تمتد مساحة شاسعة من الترقب والذهول والترصد لما ستقوله الشاعرة في نصوصها المقبلة. فالفعل كن فعل أمر ناقص مبني على السكون، وقدد انمازت سيميائية هذا الفعل في التطابق بين وجوده التركيبي، ومعطاه الدلالي، ومما يؤكد تلك السيميائية الاتفاق البلاغي في الالتماس كون الأمر صادر بين إثنين متساويين، ولنفترضهما قبل مقاربة النصوص إمرأة» رجل . فماذا تريد هذه المرأة» الشاعرة من ذلك الرجل أن يكون؟ وباشتغال شعري يمتلك مهارة الاحتراف وقبل أن تلفظ مبتغاها من التحول، تعمل الشاعرة على تقدم الخبر على المبتدأ؛ لأهمية المكان المناسب الذي يسوّغ هذا التحول، فيتغير التعبير التركيبي من كن ندى لأصابعي إلى كن لأصابعي ندى مراعية في قصديتها البنية الايقاعية لذلك التركيب. وهذا الأمر في حقيقته يفرض واقعا تشاركيا، يعمل على وضع التمركز الذكوري، أمام التمركز الأنثوي، بشكل تفاعلي، وليس بشكل تسلطي.
أما في الإهداء، فإن مفردة الـ صمت التي وردت بعد حرف الجر إلى ، تمثل معطى دلالاليا أقرب الى الموت؛ وذلك لوجود قرينتين هما الصياد والبندقية . ويبدو أن الشاعرة قد أرادت بهذا الإهداء، التعبير عن الندية التي رصدتها في فضائي الذكورة والانوثة، وقد أكدت هذا التعبير في حوار معها، وبإمكاننا أن نقتطع جزءا منه؛ لتعزيز ذلك الاستنتاج إن مجموعتي الشعرية الأولى، عبارة عن مجموعة نصوص شعرية، كتاب عن الحب والعشق ورفض القبح والبشاعة، لم أقحم ذاتي فيها، بل خرجت القصائد من ذاتي، و وجداني، و عشقي للحياة. لذا فهي عصارة روحي، التي امتزج بها رفضي لقوانين لم تسنها الطبيعة بقدر ما خطتها أياد ليست ببيضاء، أصحابها نصَّبوا أنفسهم أسيادا على الطبيعة وأعطوا لنفسهم الحق في سلب ضمائر الناس البسطاء التواقين إلى الحرية والعيش بسلام. عشقت في قصائدي، هذه حقيقتي التي لم أخجل منها يوما، وفكري الذي جاء نتيجة قراءة مكثفة لأدب الكبار، حاولت الغوص في عمق النفس الإنسانية لأقدم كلماتي بلغة شعرية صادقة، تدخل نفس القارئ ببراءة ويسر، ليشعر معها بالتحليق في عالم مليء بالشرور والحروب الباردة أو ربما الساخنة، وفق ما تقتضيه مصلحة الطرف الأقوى والأكثر جشعاً، لأشجعه على المضي قدما بحياته والعمل من اجل العيش بسلام. أحببت وكتبت عن الحب وخاطبت الرجل الذي أحببته بصدق، وإن كان بعضها من صنع خيالي إلا أنني لم أتوار خلف قناع زائف أنكر فيه هذه العاطفة السامية والنبيلة، التي يجسدها الثنائي الصانع للحياة2 2 . فمفردات وتراكيب مثل رفض القيح والبشاعة، أياد ليست بيضاء، عشقي، حقيقتي، لم اخجل منها يوما…. وغيرها تجسدت توافقيا مع مستوى الحضور الدلالي لكل من العنوان والاهداء.
شعرية الاستهلال
سنكتفي في مقاربة المجموعة ضمن هذا المحور، بمقاربة القصيدة الأولى التي استهلت بها الشاعرة مجموعتها، وهي قصيدة خمس شرفات لمنزل ممسوس ، وتتكون من خمسة مقاطع، وقد أعطت كل شرفة صياغة شعرية مستقلة، بدأتها بمفردة تصدرت كل مقطع فكانت حلم» عيناك» غائب » مطر» نار . وبعد تتبعنا لقصائد المجموعة، وجدنا أن هذه المفردات قد ارتبطت بالفضاء النصي لكل قصيدة، وقد شكلت بؤرة معجمية » دلالية، تشظت فيما بعد في تلك القصائد. في المقطع الأول تستهل وجيهة نصها بتركيب يتكون من خمس مفردات، تعمدت على ما يبدو أن يكون دخول القارئ الى فضاءاتها النصية من خلالها حلم » مايزال » يبللني » برذاذ » الجمراتِ……ص5 . فبنية الحلم التي تعد مادة شعرية واحدة من أهم البنى التي تلقى تسهيلات هائلة من لدن أفضية القصيدة، فضلا عن تفاعلها المثالي مع أطياف التخييل الشعري واندماجها وتماهيها مع المكونات النادرة الاخرى المؤلفة لبنيان القصيد 3 هي التي ستفتح الطريق أمام القارئ في مسيرته المستمرة وهو يشاهد الخصب النصي يبللني بمفارقة لفظية تهشم ثنائية الماء» النار، ليكون البلل هنا شعريا في النار لوحدها، فهي القادرة على إنجاز فعل التطهر من كل قبيح وبشع. وقد جاءت الصورة الشعرية بتركيب إستعاري مكني منح مفهوم الحلم تجسيدا فاعلا من خلال البلل ، فضلا عن التركيب الاستعاري التصريحي رذاذ الجمرات . ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن مهارتي التشخيص والتجسيد البلاغيتين شكلتا هيمنة أسلوبية في مجمل قصائد المجموعة، ولن نقارب هذا الهيمنة الاسلوبية بكل تفاصيلها، لأننا سنقاربها في قابل الأيام ضمن دراسة تتعلق بغواية الاستعارة وشهوة النص.
أما في المقطع الثاني فتستهل نصها بـست مفردات وحرف واحد عيناكِ»نشوةُ »الناجين»من »فم »القصيدة »البكَّاءِ…ص6 . إذ تشكل العينان نافذة الشاعرة التي تطل منها على العالم، وهنا يأتي الخطاب إلى الذات » الشاعرة التي تمنح العينين مفهوما تعريفيا يتجاوز المعنى القاموسي إلى المعنى الشعري، فتصبح تلك النافذة نشوة ، تستطيع الشاعرة بوساطتها التوغل في عالمها الداخلي، فضلا عن منح القاؤئ فرصة التوغل في النص وتأويله. ولكن عندما تخصص الشاعرة بالتضايف هذه الـ نشوة بـ الناجين ينزاح التأويل إلى فضاء جديد يتعلق بمجموعة من الناس، وقد أسبغت الشاعرة عليهم صفة النجاة ، ولكن من أي شي؟ وهنا يبدأ حرف الجر من فعله في ربط المفردات الثلاث الأولى بالمفردات الثلاث الإخيرة، لينقلنا من ضفة الى أخرى، لنصل الى مفردة فم وهنا يتفعّل التعبير المجازي الذي وظفته الشاعرة لشدة الشراهة، ولا تكتفي إلا بتضايف آخر لتكون القصيدة هي المضاف اليه، فيتخصص الـ فم بالقصيدة التي تعطيها الشاعرة صفة البكَاء وهي على وزن فعّال ، وإن دلالتي الشدة والكثرة معروفتان في هذا الوزن الصرفي الذي يمنح الجملة قوة أكثر.
وتستهل الشاعرة المقطع الثالث بخمس مفردات غائب » قميصُ يوسفَ » وكذلك »الدماءُ…..ص8 إلا إننا لا نسمك شعريا إلا ثلاث مفردات تتعلق الأولى بـ الغياب وتشكل هذه البنية هيمنة موضوعية وتقانية في آن واحد، إذ تظل الشاعرة تخاطب ذلك الغائب، بصور شعرية، واستعارات فنية، ومفارقات نصية، غلبت في المجموعة وشكلت حراكها الشعري الدائم. وما دام قميص يوسف غائبا، فلن تستطيع العينان رؤية العالم، وستحرمان من نشوة الناجين، ولا تكتفي الشاعرة بهذا الوجع من الغياب، وإنما تلحقه بوجع أشد قسوة، وهو صورة الدماء . وهنا تصل الشاعرة الى ذروة البشاعة والقبح التي وصفتهما في حوارها الانف الذكر. إلا إن المقطع الرابع الذي استهلته الشاعرة بست مفردات مطرٌ » مطرٌ…» لعابُ » الغيم..
ينكبُّ لؤلؤَ وردٍ….ص9 سيعمل على الحرث في أرض خصبة، ويتجاوز القحط المتمثل في غياب قميص يوسف، وهنا دلالة سيميائية خفية تربط المقطع الثالث بالمقطع الرابع، تتعلق بسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، ودلالة المطر التي تتمركز في الخصب والنماء والحياة والبعث والاغتسال والتطهر وغيرها . فالمطر سؤال مؤرق للانسان مطلبه ساكن في كل الكائنات منذ القدم، وهو أصل التطور الانساني والحيواني والنباتي، وهو ما يضيء المستقبل، ويكتب له البقاء والوجود. والمطر على الصعيد الكوني من الإشكالات الحضارية، ومن بؤرة الوجود والعدم، فهو بداية نمو، إكتمال، نهاية، فبداية متجددة، والمرأة تريد لبدايتها أن تتجدد، أن تزدهر وتثمر، ولذا فهي في حاجة إلى المطر الذي يبعث فيها الحياة من جديد بعد فقد وغياب. والمطر بالنسبة للمرأة، هو انبثاق الحياة، وبهجة الظهور، يساعد في التحام المرأة مع جسدها المغيّب منذ الزمن 4 . أما المقطع الخامس فينماز بكونه جملة واحدة طويلة، أعطتها الشاعرة تشكيلا بصريا عموديا لتترك للقارئ إمكانية التواصل مع كل مفردة قابلة للتدليل نارٌ » نارٌ » بردٌ ..» وسلام » على نعشِ حريقٍ » أُضرِمَ » في الرماد » وانبعث كعنقاء » في جسدٍ »لم تتشكَّلُ الأساطير »فيه بعدُ….ص10 .
وإذا كانت دلالة المطر في الإبتداء تتفق مع السياق النصي في المقطع الرابع، فإن دلالة النار في الإنتهاء تحيل الى معنى يرفضه السياق، فالنار هنا لا تولد إلا برد وسلام، ومن ثم تكون انبعاثا كالعنقاء كلما أصبحت رمادا عادت اليها الحياة من جديد، إلا إن الشاعرة تؤكد في جملتها هذه على وجود هذا الفعل الشعري لا في جسد تشكلت فيه الاساطير التي مرت علينا، وإنما في جسد لم تتشكل الاساطير فيه بعد، وهذه دلالة على نية الخلق والابتكار . فدلالة النار هنا تتجاوز الفعل الانثوي المولع بالتجدد والانبعاث. وبقي أن نشير في هذا المحور إلى أن المفردات الأول التي وردت في المقاطع الخمسة حلم، عيناك، غائب، مطر، نار بوصفها فاعلا دلاليا يساوي المبتدأ النحوي، قد شكلت المدلاولات الموازية التي تتحكم في النص، وتستدعي التأويل؛ لأن منطق الصواب في وجود الاشياء واقعا، هو غير منطق الصواب في التعبير عن الاشياء لغة 5 .
فتنة الجسد» غواية النص
تنحاز المغامرة الجمالية للنص الشعري في تمركزها حول الأنوثة، الى الرقة واللطف، فتعمل على جذب القارئ إلى دائرة الإحساس الجمالي في النفس؛ لتأخذه إلى الإيحاء بالمعنى في إضمار كثيف مرة، وشفيف مرة أخرى. وقد جاء هذا الإشتغال الشعري في انبثاق صوري متتابع، إعتمد على بنية المقاربة في القول، الأمر الذي يقارب عناصر التشكيل الشعري، وهذا بدوره يعمل على تلاؤم دلالات الألفاظ التي تستدعي بعضها بعضا، فاقتناص الصور والإنبهار بغرابتها، وحدة انفعالها المنبثق من قوة التخييل فيها، ميزة شعرية انحازت اليها الشاعرة بوعي شعري، استطاع أن يخلص الصور من الغموض في مظهرها اللغوي، ومن الشبحية في معانيها، على الرغم من الإحتشاد الصوري، وكثافة التعبير، والتراكم الجملي في استرسالات تعبيرية، ذات ومضات سريعة، تركز على المشاعر الذاتية المثارة، في انطباع داخلي تعبيرا عن حال الفاعل ضمير المتكلم
أن أغرس رأسي بين أضلاعكَ » أن ألتحف أنفاسكَ » وأُوجزَ رنينَ نبضاتي ببرهةٍ » لأن عودتي إليك ولعاً » أحرقتْ لهاثَ تفاصيلي حين تجيء إليّ..» هواجسي، سأوقظها بشهيَّةٍ » فالسفرُ إليك هذا الصباحَ » يعرّي ألواني….ص16 .
وإذا كانت الصور الشعرية في قصيدة كم أشبهك تلمح إلى الإيقاع السريع والمتحرك تجاه الانوثة، وهي تطعّمه بدفقاتها التخييلية، فإن الإيقاع الرغبوي في قصيدة هناك تقطن أصابعي يسهم في وفرة الدلالات قوة وعنفا، والدلالة السيميائية لمكوث الاصابع هناك لا تحتاج الى عناء لشفافيتها وتصالحها مع ذات الشاعرة بحميمية وجرأة. أما عند تفكيك ملفوظات القصيدة التي تشكل بنيتها التصويرية، فإننا نجد يداكَ ـ شظيتان ـ تخترقان ـ مخابئَ ـ الرمّان ـ في ـ دمي ، مؤشرات دلالية على بلاغة الجسد الذي تخلّقه الشاعرة في غواية نصها؛ إذ ينتشي ذلك الجسد بوجود الآخر المتمثل في يداك ، في صورة تشبيهية زاد من توكيدها حذف أحد أركان التشبيه أذاة التشبيه ؛ لإعطائه قوة في تصوير الوجع الجسدي، واشواقه المكبوتة الدفينة شظيتان وهنا تنفلت فتنة الجسد الى الذات لتصرخ امام العالم الخارجي تخترقان وهنا تغامر طاقة الفعل الشعري بكثافتها اللغوية، وقوة مجازها، وفاعليتها الترميزية بالتحول من طاقة حركية الى طاقة إشارية، للإقتراب أكثر من الانجذاب نحو مخابئ تخفي بمزيد من الولع محظورات تزيد الجسد فتنة الرمان ، ويبدو أن الطاقة الترميزية هنا تتدهور قليلا بفعل ترميز شفيف للغاية، الى حد ما هو متعارف عليه في الموروث الشعبي، لاسيما غي الأغاني القروية، مما ساعد على كشف الحجب أمام القارئ، وزجه مباشرة في مسار واضح، استطاعت الـ في أن تمعن في تدخلها الهائل في مكون عضوي يشي بايريوتيكية حادة الى منطقة الوجع الانثوي دمي وقد عمدت الشاعرة في اختيار هذا المكون لتعبر عن الكل بوساطة الجزء فـ عندما يستعصي العثور على معنى للكل، بإمكان المحلل أن يعود الى الاجزاء. فقد لا يدل الكل إلا من خلال أجزائه، أو قد تختلف دلالة الكل عن دلالة الأجزاء المكونة له، تلك حالة الجسد، وتلك حالة دلالته وأشكاله ومعانيه 6 .
وينسحب هذا التفكيك السيميائي على كل الملفوطات التي شكلت بنية هذه القصيدة هناك تقطن أصابعي وعلى الرغم من أن هذه القصيدة ليست الوحيدة التي تشكل أنموذجا حيا في موضوع الأنوثة لغة ورمزا وإيحاء، وإنما مجمل قصائد المجموعة تنحو هذا المنحى، إلا إننا سنوردها بكاملها؛ ليطلع القارئ الذي لم يتسن له الإطلااع على مجموعة الشاعرة يداكَ شظيتان» تخترقان مخابئَ الرمّان في دمي..» تُقلقُ هدأةَ الطيور» الهائمةِ حول ازرقاقي،» شرفاتُ الزنابق» المصنوعةُ من خزفكَ الفينيقيّ» تلتهمني،»..إلهي الجبليّ» أجراسُك، تُسكتُ في عنق شراييني» تدفُّقَ الدم..ضوضاؤها» وطهرُكَ يجعل ليديَّ امتداداً» لاستحضار بقاياي،، امرأةٌ أنا من عنفوان الآلهة» خيامُنا اسمرَّ لهيبُها..» ها مقذوفون نحن» على مشارف اللون..» تبعثَرنا.» زمرُّدُ تيجانك» تخضَّبَ» فاشربِ الشمس» لاستغاثة الفجر» دمي فينسدلُ شلالاتٍ» من قمم تناثرتْ عليها خصلاتٌ من شَعري.» أوقدتُني» لأُعدّ لكَ وليمةً من حممي» فتستيقظَ فيك شهوةُ الطيران» نَصْلي..نَصْلي» المغروسُ في حنجرتي» لا تُقلِقْه» نَصْلي …..ص33 ــ 35 .
وبهذا الفعل الكتابي استطاعت المرأة أن تهتك بصنمية الهيمنة الذكورية، واستغلالها لجسد الأنثى وتحويله من دائرة الشيئية والإستهلاكية المفعولية التي ظلت لقرون طويلة موضوعا فحسب، يتغنى به الشعراء ويتفننون في أنوثتها كونها تابعا إلى دائرة الفاعلية بوصفها ذاتا نتج الخطاب الأدبي بشتى أنواعه، ولا سيما الخطاب الشعري، إذ لا شك أن محايثة الأنثوي بالشعري هو المدخل إلى هذا الاخر البشري من حيث علاقته بفتنة التعبير اللغوي أي الاحتفال بالمتخيل الجسدي الفكري عبر جمالية الخطاب الشعري بما يولد كنص شعري من أنوثة مضاعفة مدبرة في أصلها التكويني من مزيج الكتابة والجسد ومؤكد لسلطته بسطوة الأنثوي كحيلة عاطفية أو استعارة هي مشروع الشاعر الحضوري 7 .
في ختام مقاربتنا لا بد من الاشارة الى أن بلاغة الجسد عند الشاعرة وجيهة عبد الرحمن، وفاعلية التجسيم الإستعاري، شكلتا تداخلا بين جفرافية الجسد، وفضاء النص إلى درجة التماهي، وهذا ما سوغ لغواية النص لغة ورمزا وإيحاء، أن تهيمن على باقي الاشتراطات والتقانات التي منحت المجموعة شعريتها الباذخة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى