السبت، 4 مايو 2013

الثورات العربية واستبداد الحركات الإسلاموية الدكتورة: كوثر العبويني


الثورات العربية واستبداد الحركات الإسلاموية

الدكتورة: كوثر العبويني

 - فلسطين - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "





الثورات العربية واستبداد الحركات الإسلاموية






شكلت الثورات العربية محور التفكير في العالم العربي في العاميين الماضيين، بحيث أصبحت غاية المحلليين السياسيين واختبار مدى قدرتهم على الاستشراف في مستقبل الوطن العربي، هذا المستقبل الغامض، الفسيح، والذي مثل حلبة صراع مزدحمة بالمفكرين العرب من كل حدب وصوب، فمنهم، الاسلامي، ومنهم اليساري،والقومي، والعلماني...الخ. إلا أن الخطير في الأمر هو انقسام هؤلاء المفكرين إلى معسكرين، لا ثالث لهما، وقد صنف هؤلاء أنفسهم تبعا لتقاربهم أو بعدهم، من فكرة من استخدام الدين في السياسية، لنجد أنفسنا نقف امام فريقين: الفريق الأول الاسلاميين، والفريق الأخر الغير اسلاميين، وقد خضع هذا التصنيف وهذه التسمية لقدرة الفريق الأول في فرض الأمر الواقع لهذا المفهوم وهذا الفرز.
 وقد خلقت هذه الوضعية حالة من الاستقطاب الفكري والسياسي لا مثيل لها في التاريخ العربي الحديث، إلا حالة الاستقطاب التي سبقت الحرب العربية-الاسرائيلية الثالثة عام ١٩٦٧، التي قادت إلى مرحلة عنونت بالنكسة السياسية والعسكرية، والتي وصمت العالم العربي لعام 1973، حيث استطاع العرب في حرب تشرين من تحقيق نوع من التوازن العسكري سرعان ما تلاشى أثره، حينما تمكنت اسرائيل والولايات المتحدة من اخراج مصر من المعسكري العربي المعادي لإسرائيل، بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد الشهيرة، وهنا وقعت النكسة العربية الثانية والكارثة العربية الثالثة،  حيث كانت كارثية القياس، مقارنة بمراحل سابقة ولاحقة.
والغرض من طرح هذه الفترة (استقطابات منتصف القرن الماضي) بالذات في هذا المقال، هو لغرض مقارنة مرحلة كارثية سابقة، بمرحلة معاشة احتمالية كونها كارثية واردة جدا، اذا بقيت الحالة الفكرية والسياسية في العالم العربي على هذا الحال، عقب ثورات ما يسمى بالربيع العربي، فمن المعلوم أن هناك تشابة بين المرحلتين، وإن اختلفت بعض التفاصيل والمسميات.
فإذا عدنا إلى عقد الخمسينات من القرن المنصرم وجدنا تشابه كبير بين أرضية الدول قادت بؤر الاستقطاب في المرحلتين منتصف القرن الماضي، والفترة الحالية التي تبعت الثورات العربية (الربيعية)، فالناظر إلى مرحلة الاستقطاب المنصرمة يدرك انها  كانت تتمحور حول قطبين (القطب التقدمي، والقطب المحافظ) وكانت تقود المحور الأول مصر ، وتقود القطب الثاني العراق ثم السعودية على التوالي.

والمراقب يستطيع أن يتذكر أن السمة الرئيسية التي تجمع القطب التقدمي هي كونها تصنف لدول ثورية راديكالية، وأنظمة الحكم فيها نتجت عن ثورات عربية على أنظمة حكم ملكية محافظة كما هو الحال في مصر\٢٥ سبتمبر ١٩٥٢، أو انظمة حكم ثورية عسكرية وصلت إلى الحكم نتيجة لعدد طويل من الانقلابات العسكرية كما هو حال سوريا، ثم العراق لاحقا،ً والتي تحولت من القطب المحافظ إلى القطب التقدمي، بعد انهيار نظام حكمها الملكي الهاشمي١٤تموز ١٩٥٨، وصولاً إلى نظام حكم جمهوري أقرب ما يقال عنه انه نظام حكم ثوريا، بناء على مواقفه من مبادرة روجرز للسلام عام 1970، جعلته مؤهلا ليكون أحد أقطاب جبهة الرفض العربية، بمشاركة سوريا.
والقطب الآخر المحافظ الذي تتشابه كل مكوناته من حيث أنظمة حكم محافظة ملكية، وعلى رأس هذه الانظمة المملكة العربية السعودية ، وتدور في فلكها المملكة الأردنية الهاشمية.

إلا أن أشد ما يلاحظ على هذه الأنظمة الثورية التقدمية، في مرحلة الاستقطاب المنصرمة، وهو ما يناقض سمات المرحلة المعاشة، قدرة الانظمة الثورية في المرحلة الأولى، على تحجيم تيارات الإسلام السياسي، كما هو الحال في مصر (قمع جمال عبد الناصر لحركات الأخوان المسلمين)، وكذلك عدم بروزها بشكل ملموس كحركات اسلامية إلا في مرحلة متأخرة في عهد نظام الحكم البعثي برئاسة حافظ الأسد في سوريا، أما لدى القطب المحافظ فقد كان استخدام الشعارات الإسلامية الدينية هي أكثر الاعراف المتدوالة في حرب الاعلام الاستقطابية في العالم العربي، فكثير هي حالات استخدام الأردن والمملكة العربية السعودية للشيوعية، وسيطرتها على العالم العربي، كرأس حربة وجهت لصدر الانظمة العربية التقدمية، ولكنه لم يكن استخداماً كبيرا للشريعة، كما هو الحال في مرحلة المقارنة المعاشة، وكلا الاتجاهين في هذه المرحلة، مارس سياسة اقصاء للطرف الأخر، بقدر ما مكنه من ذلك الظرف، وقدرته في اللعب على وتر الرأي العام الشعبي العربي. والتي لم تكن بأي حال من الأحوال تخدم لا القضايا العربية القومية، ولا حتى القضايا الوطنية القطرية لكل دولة من هذه الدول، ورأينا كيف أن القضايا التي تبنتها كل من هذه الانظمة، وفي كلا القطبين، كانت كبش فداء لهذا التناحر، حيث ذهب شعار العرب- فلسطين- ادراج الرياح.
واذا اتينا إلى المرحلة الحالية ، فالشخص البسيط الذي يمتلك قدرة ملاحظة بدائية، يدرك أن الأنظمة العربية، التي نشأت على خلفية الثورات الربيعية (تونس، مصر، وليبيا، وسوريا قريبا إن لم أخطأ التخمين)، كلها طغت عليها  التيارات السياسية التي تستخدم الدين الاسلام شعاراً سياسياً جذاباً من أجل انهاء مرحلة استبداد ، اشتعلت ضدها هذه الثورات العارمة، وفي اعتقاد هذه التيارات الاسلامية، أو لنقل حسب ما تروج او تحاول اقناع العامة به، ان تلك الانظمة العربية البائدة: فجرت وفسدت وتجبرت بالوطن والمواطن، بسب كفرها والحادها، وبعدها عن الدين والفكر الاسلامي. واستطاع الاسلام السياسي، من الوصول إلى الحكم، أو الوصول لغالبية انتخابية ليست بالهينة في كل من مصر وتونس وليبيا، في حين تقهقرت الأحزاب والحركات التي تحمل فكراً متحرراً او علمانياً، او قومياً...الخ.

وإذا عدنا لظاهرة الاستقطاب الحاد التي دارت بين مفكرين الفئتين فئة الاسلاميين، وهي تشكل القطب الأول، والفئة الأخرى فئة الغير اسلاميين والتي تشكل القطب الثاني، وهذه الحالة خلقت تصنيفاً اجتماعياً خطيراً أكثر من أي مرحلة عربية سابقة، جعلت المجتمعات العربية، قابلة للاشتعال في أي لحظة أكثر من اي وقت مضى، وبصورة أكثر خطورة على القضية العربية من مرحلة المقارنة المنصرمة، حيث استطاع، القطب الأول
(الحركات الإسلامية وأكثرها بروزاً كجماعة الإخوان المسلمون، وبعض الجماعات السلفية) من القدرة على التأثير على المجتمعات العربية الخارجة تواً منهكةً، طحنها عصراً من الاستبداد السياسي، المصبوغ بالصبغة العلمانية.
هذه الجماعات استطاعت أن تعمم(ظاهرة فساد) الانظمة العربية البائدة، على كل من يحمل فكر اصيلا يتشابه مع شعارات الأنظمة البائد.
واستطاعت اسقاط فشل التجارب الاشتراكية والعلمانية السابقة (كتجربة جمال عبد الناصر) سيما خسارته حرباً امام الكيان الصهيوني عام 1967، ومن ثمن تخليه عن امانية القومية العربية، ونظام الحكم البعثي في سوريا، والعراق، وتجربة القذافي ونظامه الاشتراكي،على كل الاحزاب العربية التي تحمل فكراً او نمطاً مشابهاً، محاولة خلق حالة من الاستفراد السياسي بأنظمة الحكم في المرحلة المقبلة.

واخيرا لا بد لي من القول أن غرضي من عرض هاتين الحالتين ليست لمجرد المقارنة وحسب، ولكن لكوني قارئ للتاريخ العربي، تألم كمواطن عربي لازالت لديه بعض المشاعر القومية، حمّلته جنسيته الفلسطينية وزر أخطاء المراحل السابقة فما خسارة فلسطين 1948-1967، إلا احد تجليات هذه الخطايا، ويخشى ان تكون أوزار المستقبل عبأً على كاهله بأن تتلاشى الأراضي الفلسطينية في ظل الصراعات الداخلية العربية، في زمن قل فيه النصير العربي، فكل العرب يسيرون في فلك الثورات الداخلية والممحاكات التي تظهر صراعاً مسعوراً على السلطة، فلا نحن انهينا عصور الاستبداد، ولا حققنا حرية، ولازالنا نقف على اعتاب مرحلة، وحده الله،، الذي من يعلم نهايتها.
هذه  المرحلة أرى ان المستفيد الوحيد من فوضاها هو الغرب والاستعمار بكل حلله الاقتصادية، والعسكرية والفكرية، وان اختلفت صيغة الاستعمار الفكري الحديث، ففي الماضي كان الاستعمار يريد اسقاط الافكار الغربية المستوردة علينا، اما الآن وبعد ما شوهت افكارنا، حينما طُعمت عاداتنا وتقاليدنا بأفكار غربية، على غير هدىً ولا دليل، فصارت مجتماعتنا تعاني تشوه خَلقي في القيم والافكار، فلا عادت العروبة عروبة، ولا القومية قومية، وحتى تزداد تلك الحالة الهلامية اخذ الغرب، يشجع افكار اصولية، منسوخة الشكل عن الإسلام بعيدة كل البعد في الجوهر عن الشريعة الاسلامية، تعاني تطرفا وتخلفا مزمناً، في الاحكام لم يسبق لحركات اسلامية ان حملتها .

كما هو الحال في فترة المقارنة المنصرمة، فلو عدنا للوراء وجدنا انه في منتصف القرن الماضي كانت الدول العربية، تعاني استقطابا وحرباً باردة بالنيابة عن معسكرين شرقي(الاتحاد السوفيتي) وغربي(الولايات المتحدة الأمريكية)، تبعا لمناطق نفوذ كل منهما، ولكن الشعوب العربية وفي كل القطبين، كانت فقط، تحمل امالاً بالخلاص من الاستعمار والظلم،  فتراها هنا أو هناك، تبعا لدرجات الأمل والرغبة في الحياة والقوة، فلا هذا نصرهم ولا ذاك مد لهم يد العون، لذلك اتمنى لو قرأ العرب في وقتنا الراهن،  هذه التجربة واستطاعوا السير بمفردهم والتفكر بعقولهم، كي ينجو ما تبقى لدينا، من الزمن، وما تبقى لنا من أرض خارج الفوضى والدمار.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى