السبت، 29 مايو 2010

أيام الاقصر الثقافية فى الامارات .. يكتبها : الاديب اسلام ابوشكير


أيام الأقصر الثقافية في الإمارات 0

كتبها:

اسلام ابوشكير







يكتبها:

اسلام ابوشكير




1/1


الأقصر حطّت رحالها على أرض الإمارات مؤخّراً . وفدٌ من أدبائها وكتّابها شاركوا في أيّام الأقصر الثقافيّة في الإمارات التي بدأت الأربعاء 5/5/،2010 وانتهت السبت 9/،5 لقاءٌ بين الماضي والمستقبل، كما لو أنّ كلا منهما يبحث عن الآخر، يريد أن يكتمل به . الإمارات التي تجتهد كي تصنع المستقبل متّكئاً على أرض صلبة تمتدّ جذورها عميقاً في الماضي، والأقصر التي تقاتل كي تبرز ماضيها حياً يتنفّس هواء العصر، ويتطلّع نحو المستقبل .


وأُريدَ للأدب أن يكون نقطةَ اللقاء . بدأتْها الإمارات عندما شاركت بوفد من أعضاء نادي القصة في اتحاد كتّاب وادباء الإمارات، مثّلها في أيّام الإمارات الثقافيّة التي نظّمها نادي الأدب في الأقصر . كان ثمّة أمرٌ استرعى الانتباه كثيراً، وأثار أسئلةً بدت محيّرةً وشائكةً الوهلة الأولى: إذ كيف لطرف أن يمثّل نفسه بسواه؟ لقد ضمّ الوفد آنذاك عدداً من الأدباء الإماراتيّين، وإلى جانبهم سواءٌ بسواء مجموعةٌ من الكتّاب العرب من مصر وسوريا والعراق والسودان . نجح بعضهم، فأبقى السؤال مكتوماً . ولم يتمالك البعض الآخر نفسه فصرّح بالسؤال: مصريّ يمثّل الأدب الإماراتيّ في مصر؟ وكان الجواب بسيطاً ومباشراً وسريعاً: هذا ما يميّز الحركة الثقافيّة في الإمارات، إنّه جزءٌ من خصوصيّتها . يعني ذلك بالتأكيد أنّ الساحة الإماراتيّة رحبة ومفتوحة، وأنّ الكتّاب العرب جزءٌ لا يتجزّأ من العناصر الفاعلة والمؤثّرة فيها . هم ليسوا هامشاً على الإطلاق . إنّهم صنّاعٌ للثقافة، وأصحابُ قرار فيها . الثقافة في الإمارات إماراتيّة بقدر ما هي عربيّة .


الأقصر بدورها تسعى إلى أن تكون مركزاً ثقافيّاً عربيّاً، الأقصر (أو طيبة كما كانت تسمّى قديماً) لم يعد طموحها يقتصر على حضور محليّ محدود . هي تستعدّ كما لمسنا لأن تستعيد بهاءها القديم عندما كانت في وقت من الأوقات عاصمةً للعالم . إمكانات الأقصريّين المادّيّة محدودة، لكنّ الإرادة فيهم بلا حدود . المهرجانات والندوات والمؤتمرات على مدار العام، وعلى شتّى المستويات . نواد للأدب، وقصورٌ للثقافة تتوزّع بدءاً من مركز المدينة، وانتهاءً بأبعد قرية أو نجع . في قرية (الطود) الصغيرة قصرٌ للثقافة مجهّزٌ بمكتبة ومسرح وقاعة للمؤتمرات، تبرّع بأرضه، وأنفق على بنائه أحد أبناء القرية، ليس هذا سوى نموذج تجسّدت فيه الإرادة لتحقيق الهدف، رغم كلّ العوائق والصعوبات .


في الأقصر يسندون أدواراً في صناعة الثقافة لكلّ شيء . الحدائق، والشوارع، والأسواق . . الثقافة مهنة كثير من الأقصريّين . يعملون في الترجمة . في صناعة التحف . في الإرشاد والتوجيه السياحيّين . ثمّة أشخاص أمّيّون التقيتُهم، ويتكلّم الواحد منهم لغتين أو ثلاثاً غير العربيّة . إنّهم يصنعون مستقبلهم من المستحيل، تماماً كما فعلها أجدادهم من قبل .


ينظر الأقصريّون إلى الإمارات بعين الودّ والإعجاب، وأحياناً الانبهار . يتحدّثون عن تجربة إماراتيّة . عن نموذج إماراتيّ . والصورةُ التي انتقلت إليهم عن الإمارات لم يكن الإعلام مصدرّها الوحيد . من الأقصريّين من عايش هذه التجربة سنوات طويلة، وكان له حضورٌ في المشهد الثقافيّ الإماراتي . وعند عودته حمل معه الإمارات كلّها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها . الشاعر حسين القباحي أحد هؤلاء، وهو الذي ترأس وفد الكتّاب والأدباء الأقصريّين إلى الإمارات . كان واضحاً أنّه أراد لهم أن يكونوا على تماسّ مباشر مع التجربة الإماراتيّة . أن يتعرّفوها عن قرب . أن يتمثّلوها في مشروعهم الطموح الذي يؤسّسون له .


يقودنا هذا إلى أنّ المبدعين العرب الذين تحتضنهم الإمارات، وتشركهم في بلورة الملامح المميّزة لحركتها الثقافيّة، ليسوا طفيليّين، وأنّ وجودهم ليس عابراً . لقد حملت الظروف الكثيرين منهم على العودة إلى بلدانهم، لكنّهم تحوّلوا إلى سفراء للإمارات في هذه البلدان، وإن كانوا غير رسميّين . إنّهم امتداد الإمارات في عمقها العربيّ .


بيروت في مرحلة من المراحل لعبت الدور نفسه الذي تلعبه الإمارات اليوم . لم يكن المثقّف العربيّ في بيروت يمثّل الثقافة الفرع التي ينتمي إليها . كان ثمّة ثقافةٌ جذرٌ تشدّ الجميع بوثاقها . بيروت لم تكن ليوسف الخال اللبنانيّ وحده . كانت أيضاً، وبالحميميّة نفسها، لأدونيس السوريّ، والسيّاب العراقيّ، وغسّان كنفاني الفلسطينيّ، والقصيمي السعوديّ .


زيارة الكتاب والأدباء الأقصريّين إلى الإمارات فتحت الأعين على حقائق كثيرة . الشاعر الإماراتيّ حبيب الصايغ علّق على الأمسية الشعريّة التي احتضنها اتّحاد كتّاب وأدباء الإمارات في الشارقة بالقول: (لقد حضرتُ في السنوات الأخيرة أمسيات كثيرةً في أماكن مختلفة منها مصر، وكنتُ أردّد دوماً أنّ الشعر ليس بأحسن حال، لكنّني في هذه الليلة آمنتُ بأنّ الشعر بخير، فقد كان الشعر الذي قرئ هنا متفوّقاً فنياً، وصادقاً) .


هل كان الصايغ يلمّح إلى أنّ ما نسمعه أو نقرؤه عادةً لا يمثّل الواقع تمثيلاً دقيقاً؟ هل كان يقصد أنّ ثمّة شعراء آخرين ربّما كانوا معجونين بالشعر أكثر من أولئك الذين كرّستهم الماكينة الإعلاميّة، وقدّمتهم على أنّهم هم وحدهم، ولا أحد سواهم، شعراء العصر؟


القاصّ والمسرحيّ العراقيّ عبد الإله عبد القادر، وكان ممّن تابعوا وقائع الزيارة أوّلاً بأوّل، علّق على الأمر قائلاً: (كشف الوفد عن أصالة الأجنحة والأطراف، وريادة كتّابها وشعرائها، والمستوى الأدبيّ الإبداعيّ الذي يمثل شريحةً أخرى من المبدعين، وهذا ما أكّد أنّ الإبداع لا مكان له، وليس بالضرورة أن يكون محصوراً بالعواصم) .


هي مشكلة المركز والأطراف التي يعاني منها المبدعون في كثير من البلدان العربيّة . في الإمارات لا تبدو المشكلة واضحة، بل لعلّها معدومةٌ أصلاً . ثمّة تعدّدٌ في المراكز . الشارقة مركز، ودبي مركز، وأبو ظبي مركز . واليوم تبدو الفرصة مهيّأةً لنشوء مراكز أخرى مثل عجمان . الفجيرة تحاول هي الأخرى . وقبل وقت قصير افتتحت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع مركزاً ثقافيّاً ضخماً في أمّ القيوين أريد له أن يمهّد الطريق أمام المثقّف فيها ليكون له دور فاعل ومؤثر .


الزيارة كشفت أيضاً عن أنّ الجغرافيا حاجزٌ وهميّ في عالم الإبداع . المسلّة الفرعونيّة تتّجه إلى نقطة في السماء . وإلى النقطة نفسها يتّجه أعلى أبراج العالم في دبي . يلتقيان هناك، لا في الفراغ، بل في فضاء مؤثّث بالجمال والحسّ الإنسانيّ العميق . لقد ألغت نقطة اللقاء تلك كل المسافات، وبدا للجميع أنّ المعرفة ليست وليدة ساعات على الإطلاق . لقد كانت صداقةً عمرها من عمر الكلمة المبدعة .


ولهذا جاءت حفاوة الاستقبال طبيعيّةً صادقة . لم يكن فيها شيءٌ من الاصطناع . حشدٌ كبيرٌ من الكتّاب الإماراتيّين والعرب المقيمين في الإمارات أحاط بالضيوف، ولازمهم لحظةً بلحظة . ناصر العبودي، أسماء الزرعوني، جميلة الرويحي، محسن سليمان، الهنوف محمد، عبدالفتاح صبري، صالح هويدي، عبدالإله عبدالقادر، قاسم سعودي، سناء حرز الله .


وهكذا تأكّد للجميع أنّ للإبداع هويّةً واحدة . كل يكمل الآخر، ويكتمل به . نموذجان مختلفان متشابهان في آن . تجربتان ترسّخت جذورهما في أعمق نقطة في الأرض، وامتدّت أغصانهما الوارفة متطلّعةً في كثير من الأمل واليقين إلى أبعد نقطة في السماء .



اسلام ابوشكير


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بكم..
أشرف بتعليقاتكم..
محبتى