السبت، 14 يوليو 2012

قيثارة الروح وحافزها شهادة للشاعرة منال الصناديقى




قيثارة الروح وحافزها


                                            منال الصناديقى
كيف تتحول الحياة من علامة استفهام كبيرة الى وجود مفعم بالروح الطيبة والحياة النابضة بالخير والتأمل ؟ ..  وكيف تصبح كل الشخصيات والأماكن والانفعالات والذكريات والأحلام والتخيلات والتمنيات مشاعر  متدفقة وفلسفة فكرية سلسة على الأوراق فى صورة شعرية عذبة وروح متألقة مملوءة بالطاقات الخلابة  الممزوجة بالإختلاف الذى يجذب الروح ويريح النفس من لحظة الإغتراب ؟.. إنك حين تكتب ما يشعره الآخر ويرى وجوده فيه فانت تصل بالمتلقى إلى لب القصيدة وروح الابداع.
إن جمال القصيدة العامية تستطيع أن تستوحيه من فن قراءة الوجوه والأنفس والكائنات الحياتية المحيطة بك والطبيعة بجمالها الإيجابى والسلبى .. إنه الإيحاء بما اريد دون البوح الصريح ؛ فإذا كتبت عن الجرح مثلاً فكيف يكون جمال الجرح باحساس الآخر بما اكتبه حتى يتألم وكأن جرحى داخله هو ، وحين تداهمنى الذكريات فاكتبها قصيدة يشعرها المتلقى انها ذكرياته هو ، وفى الوقت الذى يستشرف فيه الشاعر المستقبل فيكتبه .. يشعره القارئ ذا بصيرة نافذة فتزداد ثقته فى ابداعه واحساسه به.
قصيدة العامية يجب ألا تنفصل عن متلقيها فيجد فيها إحساسه ومفرداته البيئية وواقعيته التى توصف بفنية وحس مرهف يرقى بالمشاعر والإحاسيس ، وكلما أوغل شاعر العامية فى إحساسه ببيئته ومجتمعه ووطنه ومشاعره الراقية التى يعبر بها عن أحاسيسه المختلفة تجاه كل من يحبهم أو حتى يكرههم بشفافية عالية نجح أكثر فى كتاباته وبقى واستمر حتى وان فارق دنيانا .. واكبر دليل على ذلك بقاء شعرائنا العظام صلاح جاهين وعبد الرحيم منصور وبيرم التونسى وفؤاد حداد الذين أعتبر رؤاهم الفلسفية التى تمتاز ببساطتها وعمقها فى ذات الوقت ، ومسها للقضايا الحياتية التى تتحدث عن الانسان بكل مشاعره ووجوده والوطن وكيفية مجابهة الظلم فى كل وقت وحين ، هى التى كتبت  لهم ولأشعارهم الخلود على مر الأجيال والعصور.
أما أنا فحين تتغنى روحى بلحظات تسمى الإبداع .. يصبح الدفء ممتداً داخلى امتداد النيل فى بر مصر المحروسة ليروى نفسى والجميع معى بإحساس يحمل الأمان والطمأنينة والسكون .
إن العامية لدىّ هى قيثارة الروح وحافزها الذى لا ينضب معينه أبداً داخلى ؛ و قصيدة العامية تغمرنى بفيضها العذب وجنونها اللذيذ عند كتابتها منذ أن خطت أعتاب عمرى عامها الثالث عشر لتخطفنى من كل صنوف الإبداع.
وقد أحتوتنى وتطورت معى عبر سنوات العمر الممتدة لتصبح الملاذ الأول والوحيد فى لحظات العكر الانسانى والمشاعر الجليدية فى حياتى المفعمة بالصعوبات والكبوات .. كانت الدنيا حين تضيق بى بما رحبت ينفجر كل كيانى بشئ اسمه القصيدة .. يخوضنى بقوة | يظل يتردد داخلى | أبصره صوراً متلاحقة | أدندنه خيالاً لذيذاً يهدئ الروح ويصيبها بالإنتشاء الفطرى المفعم بالسكينة | أشعر أنى أحلق عالياً | أصل إلى عنان اللحظة | أقبض عليها بقوة وأنثر قصيدتى على الورق .. وأسكن.
وحين أقتنص اللحظة الدافئة المفعمة بالأمل تأتى القصيدة أيضاً لتحاورنى بنعومة وكياسة كشجرة أرخت فروعها على حافة النهر لتستمتع بنسائمه العذبة ورائحته الذكية الطاهرة التى تغسل النفوس وتريق البدن.
إن امتداد اللحظة داخلى بقصائد على مر سنوات متواصلة من الإبداع مع قصيدة العامية انتجت خمسة دواوين ألا وهى (براح ‘ بين قوسين ‘ الحلم الخرفان ، إيزادورا ، صباحك ميدان) .. نشر (براح) عام 2004 بتجربة مختلفة جمعنا فيها معاً كمبدعين من ملوى ثمن ثلاثة كتب منهم كتابى ونشرناها .. وتنافس (براح) عام 2009 على جائزة الدولة التشجيعية ، كما كتب عنه منذ نشره تعليقات عدة ودراسات قيمة من متخصصين أجلاء أكن لهم كل تقدير واحترام.. كما أجازنى هو وديوانى (بين قوسين) - المخطوط - كمحاضر مركزى فى نفس العام .. وأكرمنى الله بنشر ديوانى الثالث (الحلم الخرفان) هذا العام من سلسلة ابداعات بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
وقد علمتنى محنى الحياتية أن لا أتخلى عن إبداعى مهما حدث فابداعى هذا  الذى توقفت عنه سنوات عديدة من أجل إرضاء الآخر وانشغالات الحياة لتربية الصغار هو نفسه الذى نجانى من محن عدة كادت تعصف بعقلى حين كانت تحدث لى محن لا يقدر عليها بشر .. لحظتها كنت أستعين بالله عز وجل فيخلق داخلى قصيدة أنزف من خلالها مشاعرى المتعبة الممتلئة بالوجع فتطيب الآلآم ويلتئم الجرح وأستمر فى مواصلة الحياة.
لقد أعادتنى محن الحياة لقصيدة العامية وعلمتنى أن لا أتخلى عن إبداعى مهما حدث ، وعلمتنى العامية قراءة البشر والأحلام والتقاط صور الحياة المختلفة واختزالها داخلى لتخرج على هيئة صورة شعرية  أحسها قبل أن أنطقها.
وقد ظهرت ذكرياتى وعلاقاتى الانسانية بربى ووطنى والآخرين وقراءتى الفلسفية لشتى مناحى الحياة واستخدام تاريخنا الانسانى لتأكيد مشاعرنا والربط بين حياة الأقدمين وحياتنا بشكل رمزى فى قصائدى التى تعتبر نقلات ابداعية متنوعة فى حياتى مثل: (خالو كمال – جدى اللى ماشفتوش – أبويا محمد عزت – أمل مامتتش - انسان –  انسانة – براح – طيف – صباحك ميدان – خيانة – عفريت العلبة - الحلم الخرفان –– نِعاس – زيف – ايزادورا – سكون – سفسطات من روح التخابيط – تعويذة – أمل - سبايط النعناع -  ترنيمة – حضرة – وغيرها ...)
أما ما أتمناه الآن إذا امتد العمر أن أعلم أحفادى كيف يكونون مبدعين حين تضيق بهم الحياة ويعجف العمر عن العطاء حتى ينقذهم إبداعهم من مكر البشر وآلآم السنين.
تعويذة
                          شعر | منال الصناديقى
يا عيون خمرانه
بتنحل منى خبايا الليل
ويا هدة حيل الورد
         ..على المناجيل
ويا دوس الطمى
ف حضن الروح
مانتاش مدبوح
بخلاخل ترجف
           .. ريقك توت
فيبات ممطوط
ف بَكَارِة حِسك لما يفوت
                        جواه النيل
تتخلخل روحك زى الناى
الشابط بارد ف المواويل
تصبح منقول
كما طعم النِسمة الراقده ثِمَار
بتغلف ردك بالمزامير
الله يا دَاوود
قول ردد سِفْرَك لما يفوت
على قبر عليل
سلسالك سحره ما كانش نحيل
لكن بيناجى ف ريقى
القلم الشاحب تيل
تلتل خلقاتك وسط الذُل
الضارب غيل جوا المناديل
واما تبدل خلقاتك روح
بتنادى علىَّ ف وسط القيل
ارحمنى حنايا ترجرج فكرى
                وارضينى سبيل
يجمع رنات الحلم الواهن
الماشى ف راس الحكه الكالحه
ف جوف تعاويذى
أنامل ضاحكه من التراتيل.

شطر حسن..شطر حزن سلمى زيادة


شطر حسن..شطر حزن




سلمى زيادة




بين الذاكرة المنسية
وصك الغفران
مساحة تسمح بالتردد
حيث كل شيء يدور عكسي
ثم يعود
صيرورة محتملة
أستحيل بذاتي احتمالا آخر
تتناقله الظلال حتى نهاية الجدار
لم يكن هناك شيء يؤكدني
غير تلك الهمهمة التي أسميتها يوما أمنيات
تصّعد من جب يسكنني 
أزيحُ الضباب قليلا .. لاأرى منك إلا سنابك فرسك
تركض فوق احتراق مؤقت على ضفة الحلم
مهلا
لاتدهس أقحوانات نبتت على استحياء
انكفأت سقايتها على عطش
وحزن أورثه الثرى
انفضْ عن عينيك أخلاط الرؤى 
مازال هناك متسعا لحدث غير مقنن
و رؤيا تصعد
تستنهض تأويلها 
من موت ثقيل
أرى .. سنابك فرسك
رغم الشوارع المتآكلة 
المغرقة 
من البعيد صوت الكمنجات يأتي
سرّا يلاحق روحي، يعبر ألف سد
أغرودة تهزم صوت الرصاص
دروبنا تمرّدت على الخرائط الجديدة
لن نسأم الترحال إن طوّحتنا المدن
فكل ضياع يقتفي قَدَرَه
و سنفرح يوما بإياب
أنت مثلي في قلب الحكاية
تحدّق في الماء وجلاله
في الهدر
وتعبر مثلي .. رؤيا الماء المراق
والأعوام العجاف 
وموالا قديما يحاذي القهر
كم تشبهني
فدع العالم يمضي إلى هاويته
وتجلّى
أراك شفيفا كروح النهر .. تصفو
هذا أوان أن نقدّ وجوهنا القديمة
وننقش فوق جباهنا .. إنّا برآء 
منّا
منهم
من التعب
من البكاء
من الذاكرة المحتدمة

فاخرج من سجنك
حررني من قيدي
أخرجنا
من كل ماكان بيني وبينك
من كتب الشعر، من الحكايا
من جبابنا
خذني معك إليك
إلى ملكك المنتظر
وادخل آمنا من غير تاريخ ولا موكب
ستعرفك الأماكن والأبواب
ستلقى البراهين أنى مشيت
مكتوبٌ أزلا حلمٌ .. لاينصاع لسلطة 
يزرعه نبضك في قلبي
ويشبُّ عفيّا!!