السبت، 29 أكتوبر 2011

عزلة التاج للشاعر العربى أنور الخطيب







عزلة التاج

أنور الخطيب

تلعثمت كثيرا،

وأنا ابحث عمّن يؤنسني

وفشلت..

فقلت: أباعد بيني وبين ظلي

كي نصير اثنين،

أطلقه حين يمر ظل فتاة غريبة

يراودها عن ظلها وينجبان

نصير عائلة وتبايعني

فأعتلي عرش الفراغ

أصنع مني شاعرا للبلاط

أقلّدني نياشين المتاهة،

أفاوض الوهم على وطن لا يعرفني

وفشلت..

أجثم مثل وعلٍ مصابٍ بالاكتئاب،

أكتب كل يوم خبرا في صحيفة

أنشرها على الهواء؛

عن ملابسي التي أحرقتُها

وعادت لترتديني

قصائدي التي أغرقتها

وعادت مبللة بمائي،

عشاءٍ أقمته للأصدقاء والحلفاء

ولم يحضر أحدا،

عن امرأة واعدتني

وأتت بكامل هجرتها،

عن لوحة فارغة رسمتها بأناي،

أوقّع كل أخباري بألقابي الكثيرة،

أرفق صورتي الوحيدة:

طفل يرعى اسئلة

في حقل ألغام،

نفختُ كثيرا في قصب الوقت

كي أغني وأسمع صوتي،

وفشلت

أسقطتُ هامتي من علوٍ شاق

لأسمع ارتطامي..

سمعته، تناسيته، وفشلت..

على أي سلّم موسيقيّ

ألحّن هذا السراب؟

كيف أجمع العازفين من أوكارهم؟

ومن سيفهم ما نغنّي؟

أباعد بيني وبيني كي أراني

وفشلت..؟

رأيت فكرة تائهة

في موكب حالم بالرذيلة..

هل أقتلني بطعن طبلةِ أذني؟

أم أرتدي بزتي العسكريةَ

أخطو خطوةً خارج أضلعي

فتقتلني أولى الفراشات المحرّرات

بلدغة من حرّيتها،

وفشلت..

تذكرت: لم أعشق الفَراشَ يوما،

شطبت كل القلوب من مناهج العاشقين،

صادرت الأصوات من حناجر الظهيرة،

أقفلت بوابات البحر أمام بحارة الليل،

انتعلت حذاء مفصّلا من أماني الفقراء،

ملأت عينيّ بالنسيان،

وحين استعاد الناس مفاصلهم،

والأطفال أناشيدهم

والفقراء ظهيرتهم

وجدتني هنا أمام ظلّي،

باعدت بيني وبينه

فعاد إليّ يحملق بي،

تخلّق ذئب من وجهه

عيناه جمرتان

شبّ على وجهي ناهشا

تداخل بي

سرى كما السرطان

في دروب هامتي وغادرني،

سألته عن وِجهته فقال: إليك،

عن سيرته فقال: أنتْ

وعن تاجه فقهقه حتى تلاشى،

فتلاشيت...


الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

أنماط السرد وتحولاته رؤية في تجربة الأديب محمود الطهطاوي / بقلم:دكتور/علاء الدين رمضان

أنماط السرد وتحولاته

رؤية في تجربة الأديب محمود الطهطاوي

بقلم:دكتور/علاء الدين رمضان


الاديب محمود الطهطاوى

الأديب محمود رمضان الطهطاوي روائي متمرس صاحب خط واضح في أعماله التي يميل من خلالها إلى الاستبطان تجربةً والإدهاش دلالة؛ فهذه سمة انتظمت تجربته بتمامها وارتصفت في سَلْكِهَا أعماله جلها، تلك الأعمال التي تنوعت ما بين المجموعات القصصية والروايات، وهو هنا اليوم بيننا مُكرَّمٌ مُكَرِّمٌ، يكرِّمُ فينا تلقينا لأعماله الروائية التي تعددت أساليبها وتنوعت تجاربها بدءاً من روايته « بئر العسل »، وحتى رواية « للكبار فقط »، مروراً بعدد من الروايات : « للعشق أوجاع وهذه منها »، « أسيرة »، « شجرة الأربعين »، « رايحين على فين .. »؛ وكلها تجارب تأبى إلا أن تشي بكاتب شديد الحساسية والولوع معاً بموضوعه وفكرته وإطاره، ثم هو يعشق كتابته وكأنها ابن من أبنائه وفلذات أكباده، وهي كذلك، فكل سطر يكتبه محمود الطهطاوي هو نتاج صريح ومباشر لوجدانه يمزجه بِذَوْبِ روحه ويُجَمِّلُه بعلاقته بواقعه بحسب رؤيته هو كاتباً وإنساناً لهذا الواقع، والقريب من محمود الطهطاوي سيكتشف أنه في الدراما السوداء واقعي وفي الدراما النفسية واقعي وفي الفانتازيا واقعي؛ ثم إنه مثلاً في روايته « للعشق أوجاع ... » يقدم تفسيراً فانتازياً لموضوع رواية « أسيرة »، وفي « أسيرة » يقدم تفسيراً موضوعياً لفانتازيا « للعشق أوجاع »؛ إنه العالم الذي يلتقطه من شارع المكان ويدخل به قصر الفن، فيحوله إلى بنية جمالية يرضاها هو لما اجتلب ؛ مع تنوع اتجاهاته الموضوعية والفنية والإطار الفكري لنتاجه ؛ فقد قدم الطهطاوي رواية الشخصية في « بئر العسل »، و« رايحين على فين »؛ ورواية المكان سواء الإطار البيئي كما في « رايحين على فين »، أو البيئة الأيديولوجية للمكان كما في « شجرة الأربعين »، ورواية الأشياء والهامش مثل « للعشق أوجاع »، ورواية الموضوع مثل « للكبار فقط »، ورواية المثيولوجيا كما في « شجرة الأربعين » ... إلخ .

  • · هل يكتب محمود الطهطاوي الرواية ..؟.

كانت العقيدة الكلاسيكية القديمة ترى أن الفكرة الروائية العظيمة تتطلب أحداثاً كبرى، وهذه الفكرة أطلقها وناصرها دعاة الشكل والمضمون؛ حتى نشأت نماذج روائية قادرة على كسر هذه القاعدة والاستعاضة عن فكرة التوسيع الكمي بفكرة الاتساع الدلالي للأنطقة المتاحة وتقليب المفاهيم على أوجهها، حتى تصل التجربة الضيقة لمرحلة الثراء اللازمة التي تملك القدرة على تعويض ضيق الموضوع بسعة الفضاء الدلالي، وقد استخدم التجريب الروائي لذلك أساليب متعددة من بينها : الفانتازيا والتجاوز الحسي، والتراسل والاستنطاق، وهي مفاهيم استطاع الروائي محمود الطهطاوي تجسيدها في رواية « للعشق أوجاع .. وهذه منها »، مثلاً؛ لكن يبقى السؤال مطروحاً، هل تعد النماذج التي يكتبها محمود الطهطاوي روايات، وبصيغة أخرى : هل يكتب محمود الطهطاوي الرواية بدلالة هذه النماذج المطروحة بين أيدينا ؟.

سؤال مثير؛ باعثة الرئيس هو تلك الكتابات التي وجدت في الحديث عن القصر والطول والبعد الكمي للعمل ساحة مقدسة للاستطراد، لا يرتضيه تعريف فورستر للرواية بأنها : « قصة خيالية مثيرة ذات اتساع معين »، هذا الاتساع يبدأ من الحد الذي يمكننا أن نرى أنه تجاوز القصة القصيرة، وارتضى كاتبه له أن يسميه رواية لا قصة طويلة ..، ففورستر لم يضع حداً، وإنما اكتفى بذكر الاتساع الذي يتعلق بالكم في أدنى درجاته؛ ويؤكد على حرية الإطار الكمي تعريف هنري جيمس للرواية بأنها صورة حية للحياة؛ كما أن ماكلر وسونتز من دعاة الكلية الاندماجية « الجشطالت gestalt »؛ يريان أن الإبداع فعل ينتج عنه فكر جديد، أو رؤية مكتملة التكوين، يأتي إلى الفرد المبدع بوصفه ومضة، هذه الومضة تعتمد في منطلقها ونتاجها على الخيال لا على المنطق أو العقل .

ومن تعريف فورستر وهنري جيمس للرواية، ورؤية ماكلر وسونتز للإبداع، سنظفر بالإجابة الملائمة لسؤالنا، حيث إن القاعدة المستنتجة من التعريفين والرؤية الجشتالتية للإبداع، هي أن كل قصة نثرية ذات اتساع ما، تقدم صورة من صور الحياة، يمكن أن نطلق عليها مسمى رواية، وهذا ما تميل إليه النفس؛ كما أن العصر الآني بإيقاعه السريع صار عثرة في طريق الروايات الطويلة، فالمتلقي الآن بحاجة إلى نص يمكنه الانتهاء منه دون أن يمثل عبئاً على وقته وحياته، وبالتالي فالمعوِّل في الرواية الجديدة لا على الطول ولا القصر، وإنما المعول الحقيقي على مدى استيفاء الرواية للشروط الفنية الأولية لهذا الفن، أخذاً في الحسبان التبدلات والتحولات الفنية والذوقية التي طرأت على هذا الفن أو الأساليب الفنية التي تطورت إلى صور أخرى؛ إضافة إلى الشروط الكلاسيكية التي وضعتها الرواية الكلاسيكية ولما تزل صالحة إلى اليوم، من بينها : الحكاية والشخصيات والحبكة الروائية وأسلوب واتجاه الخيال، والنبوءة أو الشفافية prophecy ثم الإطار والنموذج، والنطاق المكاني والحدود الزمانية لوقوع الأحداث.

  • · المعالجة الروائية عند محمود الطهطاوي :

لقد عالج محمود الطهطاوي عدداً من التجارب التي تطلبت قدرات فنية متغايرة، وكأنها تختبر قدراته روائياً، فكان روائياً جديراً بتجاربه، حيث استطاع أن ينهج الأساليب المناسبة لكل موضوع، فعالج تجاربه برؤى نفسية واجتماعية وتجاوزية، منها ما عالجه من الداخل من خلال النطاق البيئي، ومنها ما عالجه من خارج النظرة النفسية، وتزيا عند الحاجة بالأقنعة الملائمة لمعالجة التجربة المطروحة .

ومما يشار إليه ويُشاد به عند الأديب محمود الطهطاوي : اقتداره على خوض تجاربه المغايرة للرصد الوصفي الذي يتسيد الساحة الروائية الآن، فعالج تجربته بأسلوب الفانتازيا في « للعشق أوجاع وهذه منها »؛ كما اجترأ على معالجة موضوع شبه مستحيل ( ولا مستحيل في الفن ) في رواية « للكبار فقط »، واستطاع أن ينجو من البعد التقريري الذي تعلو نسبة احتماله في هذا الموضوع الذي لا يمكن تصوره فنياً إلا بعد قراءة الرواية فعلاً؛ وإن كان النص محوجاً لتكثيف دور الشخصيات الثانوية والتجارب الهامشية في التجربة، فمن يعرف بموضوع الرواية سيرى أنه موضوع نقدي يعيدنا إلى أساليب المقالة القصصية القديمة، لكنه نجح في صوغه في قالب فني يمتلك الرؤية والأدوات المناسبة فيه الحبكة والشخصيات والتصعيد الدرامي، محولاً استدعاءاته النصية إلى بنى تناص تمد العمل وتُقَوِّيه .

كما أن رواية « للكبار فقط » تقدم أزمة الكاتب الجاد في لحظة ضعف، يفتقد فيها الشهرة والذيوع؛ إذ قدمت الرواية نموذج الشخصية ذات الوعي الأعلى، التي تمتلك حق الرؤية الناقدة لموضوعها المعرفي، فالشخصية الرئيسة ههنا هي شخصية كاتب رواية يزدري الترهل والفساد الذي اعتمر تلك المساحة بوصفها مساحة اجتماعية تساعد في استشراء الفساد داخل المجتمع الأدبي بوصفه بيئة النص ونطاقه المكاني؛ كما تؤثر سلباً في البنية السلوكية والخلقية في مجتمع التلقي؛ مما دفع الكاتب إلى إخفاء المجلد الذي يضم عدداً من الروايات الذائعة ذات البنية السلوكية المشينة والمعيبة، التي يرفضها بوصفه إنساناً وفرداً اجتماعياً كما يرفضها فنياً بوصفه كاتباً، وصارت شخصية الكاتب هي المرجع القيمي لرؤية النص .

كما عالج الكاتب أيضاً التحولات الاجتماعية والخلقية للبيئة الاجتماعية في « رايحين على فين ؟!»، على مستوى الحاكم والمحكوم .

وأبرز ما أود أن أقف أمامه وأشير إليه في روايات محمود الطهطاوي هو البعد الإيجابي للشخصية الرئيسة؛ حتى لو رضخت أو أذعنت لتحولات سلبية تظل القيمة الإيجابية حاضرة وإن خفتت في بعض الأحايين التجربية .

وأرى أن نقف إلى بعض الروايات لنقدم أبرز خطوطها التي عالج بها الكاتب تجاربه :

فنلتقي في رواية « بئر العسل » بحشد من الشخصيات ذات العوالم المستقلة والمتقاطعة والمتداخلة : قاسم وسلمى وشريفة وأختها والصديق القسيم للبطل والسامق والجنية، وعائلة قاسم : جده السقاء وأبوه البقال وأخته صفاء؛ كما تحتشد بالأحداث المصيرية والمهمة وتنوعها الدلالي والاتجاهي ما بين الواقعية والأسطورية والاجتماعية والوجدانية والنفسية والاستحضار التاريخي : الغواية الأولى في اللقاء الأول، ثم بئر العسل وما تثيره من مثيولوجيا، ثم قاسم وجذور شخصيته بما يضيئه الكاتب من فلاش باك، ثم الغواية الثانية في امتلاك سلمى لقاسم، وزواجها منه وسحرها له، وجعله ملك يدها، ثم التاريخ العائلي لسلمى ورجوعها إلى قصة أبيها السامق، ثم التحول الأول وهو تحول وجداني، بعده التحول الثاني وهو تحول مادي، ثم الصراع ين الحياة المغلقة والحياة الجديدة المنفتحة، صراع انتهى إلى قسم جديد هو الانهيار .. انهيار طال كل شيء، حتى الماضي القديم، حيث رمز الكاتب إلى ذلك بالتحول المظهري والوجداني لأم سلمى والتحول المماثل في مظاهر البيئة المكانية المحيطة، حتى بلغت الرواية ذروة الحدث الدرامي بانهيار البرج الذي أقامه قاسم مكان القصر القديم : قصر السامق .

وتبدأ رواية « بئر العسل » بالحديث عن التحول السلوكي لقاسم، الرجل غير المجرب، الذي كان يوصف بأنه كالبنت البكر لفرط خجله .

وللرواية أبعاد دلالية إشارية وضمنية، ساقها الكاتب وراء البنية الأولية الظاهرة، بوساطة الاستدعاء والتناص؛ من بينها الاستدعاء الإشاري للقضية الفلسطينية والقضايا العربية اليهودية ( بئر العسل ص19 )، من خلال حكاية شمعون اليهودي مع السامق؛ وكذلك الاستدعاء الإشاري لقصة يوسف عليه السلام، ( بئر العسل ص 32 ) .

وفي رواية « أسيرة »؛ يمتاز محمود الطهطاوي بحميمية استخدامه للضمائر، إذ يستخدم في الرواية ضمير المتكلم المتوجه بالخطاب عن نفسه إلى مخاطب، وهو ملائم جداً لأحاديث الحب والمودة والهيام والهوى والمناجاة، فكان ضميراً مثالياً في استخدامه قالباً لرواية « أسيرة » التي تُعد حالة من البوح العاطفي لامرأة عاشقة، دفعها عشقها للاستطراد والتفصيل بل والتكرار والتكرير، ربما استعذاباً للحالة من منطلق القاعدة التعبيرية الشهيرة « ولي فيها مآرب أخرى » .

والرواية تقدم صورة لأزمة إنسانية، في بُعدها النفسي مشوباً بالبعد الاجتماعي، إذ تقوم بين العاشقة والعاشق معادلة لا تُرى؛ هي كالسراب أو الوهم : « الحياة بدونك مستحيلة ومعك مستحيلة، معادلة صعبة ...، لكنها معادلة عاطفية، معادلة تحتاج إلى قلب وروح، لا إلى ورقة وقلم، معادلة تحس ولا ترى ... » ( أسيرة ص10 ).

تلك المعادلة يصفها الكاتب بأنها كارثة : « هذه الكارثة .. نعم كارثة ..، أولاد مرتبطون عاطفياً وإنسانياً واجتماعياً باثنين متباعدين ..، متنافرين عاطفياً ..، وإن اجتمعا وارتبطا بوثيقة شرعية » .

فالعاشقة التي تدور أحداث الرواية على لسانها تسمي زوجها « الساكن معي هذه الدار »، إنها مشاركة بالمفارقة، فهذه العبارة تجسد التناقض الإنساني الذي تحرسه التقاليد والقيم والأعراف، حيث تعيش العاشقة مع زوجها حياة غير وجدانية، لا تصلح لبناء كيان زوجي وعائلي .

ثم تحاول تلك العاشقة الأسيرة أن توهم نفسها بأن حياة حبيبها في بيته تجسد الأزمة نفسها أو الكارثة التي تعيشها هي في بيتها فهو يعاني في عشقه لها كما تعاني هي في عشقها له، وهذا الوهم يجعلها تخلع على زوجه هو الصفات نفسها التي تراها هي في زوجها : « لماذا تأخذ هذه التي تسكن معك حقاً من حقوقي » ( أسيرة ص 34 )؛ فعبارة التي تسكن معك توحي بمقارنة خفية بين زوجه وزوجها فتصور لنفسها أن زوجه تعيش معه بوصفها كياناً مهملاً، مثلما هو الحال مع زوجها هي .

وقد تطورت تلك الكارثة حتى بلغت حد الانتحار حيث صار التخلص من الأسر وحيرة العشق حالة ملحة بل مُلجئة إلى الهرب بوساطة الانتحار، الهرب من الواقع المفروض بعد حالة من الهجر والجفاء مرت بها العاشقة بين يدي عاشقها، حيث حاولت الهروب الواقعي السالم بالغياب من العمل، مما ترتب عليه وقوع جفوة بسبب هروبها منه، ثم الانتحار والمعالجة لتنتهي الرواية بالجملة المحورية المكررة : « جربت كل الطرق للانسلاخ منك ..، كلها قذفتني بداخلك .. »، ثم أضاف الكاتب إلى جملته المحورية تعبيراً جديداً على سبيل الاتساع التفسيري الموضِّح لمفهوم تعبير «بداخلك »؛ فتقول : « إلى أسرك »؛ مما يعني أن دخولها لداخله يعني إيغالها في الأسر .

أما رواية « رايحين على فين ؟! » فهي رواية شديدة التميز من بين تجارب محمود الطهطاوي، ولعل أبرز ما يلفت الانتباه فيها؛ هو استخدام منطقة الإظلام أو الإعتام الدلالي : بؤرة التنوير الرئيسة للرواية؛ حيث غيَّبت الرواية الواقعة التي حدثت لسليمان الشيمي، تغييباً فنياً مقصوداً، واكتفت بأنه لون من الجرم الاجتماعي، الذي أعان البحث عن أسبابه الكاتبَ في إضاءة أبعاد شخصية سليمان الشيمي، هذا التغييب للواقعة لا على سبيل التشويق وإنما على سبيل الاتساع، فسليمان شخصية وطن شخصية شعب؛ أجزاؤه لم تلق مصيرها بالأسلوب نفسه، وإن لاقت المصير نفسه، فمنها مثلاً من قُتل يوم الفداء ...، ونلاحظ هنا أن سليمان الشيمي قُتل مشنوقاً جاحظ العينين، بوصف ذلك وحدة مصير، أو لنقل توحيد مصير مع صدام حسين، وكلاهما رمز عربي، والرواية حرصت على إخفاء تفصيل الواقعة ومشهدها حتى الصحيفة الثانية والخمسين من جملة تسع وخمسين صحيفة، هي الكتلة الكمية للرواية، وهو ما يؤكد أن هذا التغييب مقصود اتساعاً، ومما يستحق الإشارة أن الكاتب قدم وصف المشهد المصيري لسليمان الشيمي بجملة « البقاء لله »، وكونها جاءت على لسان الطبيب يعني أن الموت نافذ مؤكد : « كان الأستاذ سليمان الشيمي معلقاً بحبل ..، عيناه جاحظتان، ولسانه يتدلى، وبقايا اللعاب على ملابسه البيضاء النظيفة ».

فألحق الكاتب بمشهد الموت تبرئة خفية لساحة سليمان الشيمي الذي طاردته أكاذيب الحنق والحقد طوال حياته، وهي تبرئة رمزية بوساطة عبارة : « ملابسه البيضاء النظيفة »، كما أنها تبرئة تطال صدام حسين كذلك، الذي تلاقت صورته بفنية الزهد الارتباطي مع صورة سليمان الشيمي، فلم يشأ الكاتب الطنطنة بهذا الارتباط، بل تركه رمزاً إشارياً يوحي ولا يبذل فيثير النفس إليه من حيث لا يُرى .

لقد رفض سليمان الشيمي أن يذبح عجل الأضحية أمام باب قصره كعادته، وأمر زوج أخته أن يذبحه للفقراء في قريته لا المدينة التي يعيش فيها، تأثراً بما فعلته القوات الأمريكية بصدام حسين؛ هذا الحدث الواقعي اليسير الذي تكرر في أكثر من بيت من بيوت طهطا دون تعاقد اجتماعي، وبعفوية مفرطة وحزن كبير، رصدته الرواية لتضيف عمقاً قومياً إلى البيئة الصغرى التي تؤطرها الرواية؛ حتى صارت طهطا هي الرمز الإشاري للوطن العربي والعالم الإسلامي، وقد أعان الكاتب على ذلك العمق التاريخي للبلدة، وشخصيةُ رفاعة الطهطاوي رائد التنوير؛ أضاءت ذلك البعد وثبَّتت هذا العمق وأكدت تلك الدلالة؛ فالعمق الفكري للمكان الذي جعل منه بيئة للرواية دفعه للاستمداد من رفاعة الطهطاوي الجد الرمز والقيمة الدالة الباقية ( رايحين على فين ؟! ص13 ).

أما روايته « للكبار فقط » فتعرض صراعاً وجدانياً يعتمل داخل روائي لم ينل حظه من الشهرة برغم الإفراط في الإخلاص لفنه، فقرر أن يكتب رواية مثل تلك الروايات التي تذيع بسبب خروجها ونداء الغريزة فيها بالجنس أو الشذوذ أو إحداث الوقيعة والفتنة، باختصار أراد الروائي / البطل لنفسه أن يكتب رواية تكون بمثابة الفضيحة والسفاح الفكري ( للكبار فقط ص14 )، فلما تعرضت الرواية لحالة التحول أراد لها الكاتب أن تكون حالة غير عشوائية وإنما حالة مبنية على مرجعية معرفية، مما يؤكد على البعد القيمي والفكري الذي يتلبسه ولا يستطيع الفكاك من ربقته أو التحلل منه، فهو عندما فكر في كتابة رواية خارجة بدأ بدعم فكره بوساطة المعرفة، من خلال التعرف على الروايات التي ينكرها؛ كي يكتب رواية أكثر جرأة وإثارة، وهو هنا يضع بذرة التناقض الأساسية التي ستعيده في الختام إلى رفض الرواية الفضيحة الشائنة التي ستلطخ اسمه ولن تفلح شهرة ولا ذيوع في محو ذلك الدنس؛ وهنا في الختام تَقَوَّى بمثال نزيه ظل يعمل في صمت حتى أتاه قدره يسعى إليه، فرواية تغريدة البجعة لمكاوي سعيد، هي التي سلطت الأضواء على ذلك الصرح المبدع الذي كان منزوياً في نعيم الظلام بعيداً عن ظُلمة أنوار الإعلام، فالقيمة باقية سواء سلط عليها الضوء أم لا ..

وكذلك بدأ البطل مشروعه بعبارة : « توكلت على الله »؛ وهي عبارة تنطوي على مفارقة، حيث الكاتب مقبل على تحلل خلقي، وتحول سلوكي، وتبدل قيمي يستهله بالتوكل على الله، وهو نوع من أنواع عدم التنازل عن القيم الراسخة، كما فعل في أمر المرجعية والبحث عن الوعي المعرفي قبل الشروع في بناء الرواية الهدف .

إن رواية « للكبار فقط » رواية مستفزة وملبسة حقيقة، لكنني أرى أنها رواية بالمعنى الكامل، فهي تبدأ بالصراع الدرامي المحتدم بين الكاتب والوسط الأدبي، وبينه وبين الشللية الأدبية والنقاد، فيها شخصيات نمطية وشخصيات غير نمطية، فمن شخصياتها النمطية - وإن خفتت - الزوجة والأولاد وبيئتهم النمطية، حيث تنقل ابنته رواياته إلى زميلاتها، أما الجانب غير النمطي فهو يتمثل في شخصيات غير إنسانية، إنما شخصيات اعتبارية مثل الروايات التي يصارع تجاربها وحالات ذيوعها، ومنها : « برهان العسل »، و« أنا هي أنتِ» والكُتَّاب الذين يُحب إبداعاتهم ويحترم فكرهم، مثل محفوظ وإحسان عبد القدوس والغيطاني وفؤاد قنديل ومحمد جبريل والكفراوي والقعيد وخيري شلبي وغيرهم ...

وقد قدم الكاتب على استحياء نماذج من الصراعات الجانبية التي كان لها دلالتها المعينة على التفسير الدلالي الكلي للتجربة؛ مثل الصراع ضد التدخين الذي يوحي بأنه يقع تحت وطأة صراع سلوكي متشعب لا على مستوى الكتابة وحسب ( للكبار فقط ص 24 ).

كما تنفتح الرواية على عوالم وهوامش تقدم لمحة من حياة الكاتب المؤلف، فتشير الرواية إلى علاقة الكاتب محمود الطهطاوي وبطله في رواية « للكبار فقط »، بالمطربة نجاة الصغيرة، وهي علاقة مميزة وأثيرة وشهيرة أيضاً .

وقد أنهى الكاتب روايته بنهاية هادئة فيها العدول المبرر عن الفكرة الرئيسة للرواية وازدراء التجربة التي أقدم على تنفيذها، وذلك الهدوء ربما كان من ورائه بعد إشاري إلى الحالة التي يعيشها الكاتب الذي يحترم قيمه وتقاليده وله قاعدة ومرجعية ينطلق منها ويحافظ عليها؛ يقول : « من حقي أن أجدد وأداعب تلك القوالب الجامدة، ولكن لن أخرج عن سياق المجتمع، وإن كنت أُعَرِّيه من أجل أن يلبس ثوباً جميلاً ...؛ سأكتب في النور، ترافقني المطربة المحببة إلى قلبي، تشدو لي فقط، ولن أرمي بقلمي في المنظقة المظلمة، وأشخبط تلك الشخبطات القذرة، سأجعل أولادي يهدون كتاباتي إلى أصدقائهم، وبما أن الكتابة خلود، يكفي أن تكون سيرتي طاهرة، ونظيفة، وربما يكتشفني يوماً ما ناقد، ويبحث عن قبري المنعزل ويضع وردة ».

والرواية تكشف عن عدد من الأفكار المهمة التي تقدم صورة فكرية للكاتب وآرائه فيما يتعلق بآلية النتاج وكيفية تلقيه؛ فكان باعثه على كتابة هذه الرواية السفاح؛ هو الإهمال الذي يواجهه، حيث يضع محمود الطهطاوي رؤيته لأسلوب الحياة الأدبية في عبارات مهمة : « يستفزني كثيراً هذا الشغف بكتابنا بعدما يرحلون عن عالمنا، في حين نهملهم وهم أحياء حتى يموتون كمداً ...، الوفاء الحقيقي أن نعطي لكل كاتب حقه وهو على قيد الحياة، نحتفي به، ونقدره، ولا نتركه حتى يموت لتهطل الكتابات عنه كالمطر، وتطل علينا صوره ليصبح نجماً متألقاً، وكأن هذه الصور كانت ممنوعة من النشر وهو على قيد الحياة، أو نخجل من نشرها، لأنه لا يصح أن ننشرها وهو حي فيصاب بالغرور، أو يظن أنه نجم من نجوم السينما والغناء »؛ فهو ينادي بالاهتمام الحقيقي بالكاتب وتوازي هذا الاهتمام مع النتاج .

كما أن محمود الطهطاوي في روايته « للكبار فقط »، يكشف أيضاً عن جانب مهم من جوانب آلية النتاج الأدبي للرواية عنده : « وأنا الذي تعودت أن أكتب الفكرة والرواية في مخيلتي قبل أن أمسك بالقلم، ربما تغير الكثير مما كتبته في ذاكرتي، وهذا يحدث ..؛ ولكن هي عادة تعودت عليها، أظل أداعب الفكرة في خيالي، وأرسم الخطوط العريضة للرواية، وأتقمص أبطالها، وأعيشهم في خيالي، وبعدها أسكب التجربة على الورق».

  • · تجربة للعشق أوجاع :

في رواية « للعشق أوجاع هذه منها »؛ جعل الكاتب قسم المبتدأ مقصوراً على البعد الغنائي من التجربة، حتى صراعه كان صراعاً من خارج الذات، صراعاً يستطيع التغلب عليه والسيطرة على تحولاته واحتواءه؛ لكن القسم الآخر وهو قسم الخبر تحول إلى صراع داخلي مؤثر بشكل مباشر وحقيقي على ذات العاشق وعلاقته بالمعشوقة، فهو موزع بين نداء الجسد وتسامي الروح، انعكس هذا الصراع على العلاقة بين الشمس والقمر، وبلغ الذروة للحد الذي جعل الروح تقنط من إمكان وجود حل لهذا الصراع : « بهذه الطريقة لن نتفاهم، ولن نلتقي في طريق واحد » ( للعشق أوجاع ص 55 )؛ وهو أمر ضد الحياة القويمة لشخصية العاشق المحوجة إلى الجسد والروح معاً؛ ثم يطور الصراع في الجزء السادس من قسم الخبر ليصل إلى العلاقة ببين العاشق والعاشقة .

وقد حاول الكاتب بفنية مميزة أن يختزل الزمن في الرواية إلى لحظة في المقطع الثامن من القسم الثاني ( الخبر )، وكنت أود أن تنتهي الرواية عند لحظة التماس الثانية بين أصابعهما : العاشق والمعشوقة، لكن الكاتب آثر أن يستطرد في سرد أحداث لاحقة في الرواية التي تعتمد على الفانتازيا، ليصل بسرده إلى نهاية ذات بعد كلاسيكي، حيث وارت الأرض جسديهما واحتضنت الرياح روحيهما، ربما لأنه يعلم مسبقاً أنها نهاية لن يصل إليها خيال التلقي الذي يجنح لاتصال الفرح لا النهايات المحزنة .

لقد حاول محمود الطهطاوي أن يقدم في روايته « للعشق أوجاع » دلالة الدهشة في سياق مختلف، يذكرنا برواية روب جرييه « المتلصص Le Voyeur »، حيث يرى الناس بوصفهم أشياء بين الأشياء، ولكن تأثر الطهطاوي هنا تأثر عكسي، حيث حاول جهده أن يحجم انطلاقه حفاظاً على القيم الموروثة والجذر الأهم للخُلق الجمعي للمجتمع العربي بعامة أو لبيئة الصعيد بخاصة ..، إلى حد ما .

والكاتب يؤكد في نصِّه على الاتجاه الصوغي الواعي منذ الإهداء الذي قصد فيه إلى بنيات صرفية واضحة، حيث أهدى روايته إلى « المفتونة »، وهي صيغة اسم مفعول، ثم وصفها بأنها « العاشقة »، وهي صيغة اسم فاعل، ثم جعل من المراوحة بين اسمي المفعول والفاعل عماد التسمية التعريفية لشخصيات الرواية، إضافة إلى قسيمتيهما ضمائر الغيبة منفصلة أو متصلة؛ فسمى أو وصف شخصياته بـ : المدهوش – الشايف – العارف – المسروق – المتابع؛ كما استخدم هو وهي وهم، ثم إضافة إلى هذين القسمين – الصيغ الصرفية والضمائر - استخدم للتعريف بشخصياته أسماء الإشارة إضافة إلى الفعل المتصف به هذا الشخص الذي يصير ضميره الضمني فاعلاً له بالضرورة، بوصفها صيغة بديلة عن اسم الفاعل مثل « الذي نظر » .

وقد جاءت الرواية في فصلين، أولهما المبتدأ، والآخر الخبر، واستهلهما بمقطعين نثريين من نشيد الأنشاد، كما قسم كل فصل إلى مقاطع مرقمة الأول بلغ اثنتين وعشرين مقطعاً والآخر جاء في أحد عشر مقطعاً وكأنه يقصد إلى أن يكون عدد المقاطع في الفصل الثاني نصف عدد المقاطع في الفصل الأول؛ وقد رأى الكاتب أن يضيف إلى روايته قبل استهلالها مقطعاً تنويرياً دالاً استمده من رواية قلق سري للأديبة فوزية رشيد .

لقد اعتمد الكاتب في روايته على عدد من الفنيات من بينها فنية الاسترجاع ( الفلاش باك Flashback ) كما استخدم فنية لغوية مميزة هي فنية المتقابلات التي تخلق نوعاً من الحوارية المقارنة في الصوغ : الأرض والسقف – الباب والشباك .. إلخ، كل ذلك ينتظمه فعل واحد ..: « كله متجه ببصره وبصيرته إلى العينين »، مما يؤكد أن المسألة أكبر من الإعجاب الخارجي وهذا يبرر أنسنة الأشياء، ومحبة البطل غير العادية لصاحبة العينين .

ولعل عناية الكاتب بما يسمى بأنسنة الأشياء، كان من أبرز السمات الفنية لهذه الرواية؛ فالباب والنافذة والحوائط وسقف الحجرة ليست أشياء مجردة تحيط بالحدث؛ وإنما هي شخصيات في بنية الرواية لها أدوارها، ربما تصل إلى حد الفانتازيا، فمثلاً باب الحجرة يتأمل جمال السيدة بعينين تنطلق منهما الرغبة ..، ثم يُغالي الكاتب في وصف المشهد بمحاولة تعميقه بالحوار القصير، حيث يقول الباب بعد أن تأخذه الرغبة ويستبد به الشبق تجاه السيدة : « هيت لك !! »؛ فينبت السؤال ما الذي يمكن أن تفعله امرأة جميلة بباب لا يستر ..، سنكتشف أن كل هذه الأشياء التي أسبغ عليها الكاتب السمة الإنسانية وكساها بالبعد الوجداني المتفاعل مع جمال السيدة الجميلة الفاتنة ليس سوى محاولة إسقاط المشاعر الشخصية للبطل الراوي على الأشياء من حوله، وهي بالضرورة مشاعر شبقة صادرة عن شخص بهتته النظرة واستعمرته الأنثى وذاب في عينيها حتى « انشطر إلى نصفين » – بتعبير الكاتب – ثم يرصد المؤلف حال القسمين : « نصف لم يستطع مقاومة النظرة، والنصف الثاني توارى غرقاً في احمرار الخجل »، وهو وصف مُجمل يحاول الإخفاء بقدر ما يقدم الكشف والاستقصاء ..، فأي نصف لم يقاوم ؟، وأي نصف توارى غرقاً وخجلاً ..؟ سؤال غير مطلوب من الكاتب أن يجيب عنه، ليس بدعوى إحكام فنية الصوغ بقدر ما هو حالة الصوغ نفسها التي يعتمد الكاتب فيها منطق الفانتازيا ولا منطقية الحلم، وهي في ذاتها منطق الصوغ المنتظم الذي اجتهد الكاتب فيه؛ حتى جعل هذه الفانتازيا واللامنطقية ضمن منطق إسقاطي من داخل النص، وتأليفي من خارج النص، أو من حيث كلية النتاج النصي؛ فالعينان الفاتنتان لهما عند البطل سلطة مطلقة، آخذة قاهرة، لكنها عند الكاتب سلطة تحت السيطرة إذ استطاع الكاتب إخضاعها فأنهاها ليحل محلها سلطة من نوع آخر تقوم بفنية الصوغ داخل التجربة، فقد أنهى الكاتب سلطة العينين المطلقة ( بوصفهما الجمال الجزئي ) لتظهر إلى جوارهما في النص سلطة الجمال الكلي، وهو نوع من أنواع ترقية الحالة النفسية لدى البطل بوساطة الكاتب، وإن بدت إزاحة للسلطة الساكنة للجمال على البطل بإحلال الصراع الذي انطلق بين البطل وبين الأشياء من حوله، وقد استهل البطل الصراع بالسؤال : « لماذا يبحلقون فيها هكذا ؟ »؛ والسؤال يعني البحث عن استكمال نقص معرفي، أي أن البطل يستشعر نقصاً في نفسه تجاه من يحب، أو تجاه تلك الجميلة نفسها أو تجاه فتنتها، والاستكثار ربما يعني الإحساس بالقلة، والقلة هنا تعني عدم بلوغه في نفسه مقداراً من الإعجاب يرضى هو عنه تجاهها؛ فهي دائماً في عينيه أكبر من كل إعجاب، ويدل على ذلك تفصيل أنماط النظر وأنواع الإعجاب : « كل حسب وجعه »؛ فلما يعود البطل للعينين؛ نجده قد تخلص من أسر المراقبة والملاحظة، فيصفهما وصفاً وجدانياً ينم عن رؤيته الخاصة لا الواقعية لهما، بما يوقعه في تناقض نفسي، فبينما هو يحدق باستلاب في هاتين العينين، نجده يعول على من ينظر إليهما : « الكل يبحلق .. الكل نزع برقع الحياء .. »، دون أن يسأل نفسه هل نزعه هو أيضاً عندما ( بحلق ) فيهما أم لا ..؟!! .

عندما وجد ( الناظر / البطل ) صاحبة العينين متجهة صوبه استفاقت روحه واعتدل ميزانه، صار عنتر زمانه / الرمز، قَوِيَ بعد وهن، كثر بعد قلة، وتفرد بعد ازدحام؛ فهو الفائز باهتمامها ونظرة عينيها ..، هو المعنِىُّ الوحيد بحوارهما الصامت ..، لكن ما الذي يفعله الظمآن عندما يغوص في جوف النهر وتحتضنه أعماق الماء سوى أن يغلق فمه مخافة الغرق ؟!!، هكذا فعل البطل، أغمض عينيه ليأسر بهما اللحظة ليحتبس داخلهما نظرة هاتين العينين الرائعتين، أغمض إغماض نشوة لا إغماض زهد – إغماض طمع ورجاء، لا إغماض انصراف وقلى، وفي كل الأحوال يغمره الاندهاش والذَّهَلُ، وهي الحالة نفسها التي دفعته لأن يفتح عينيه مجدداً ليستوثق لنفسه ويؤكد لروحه أنه واحد العينين وهدفهما، لكنه عندما تيقن انصرف من الجزء إلى الكل، من العينين إلى صاحبتهما : « شعر بالراحة وبنشوة تدغدغ جسده، وبأنه عنتر زمانه، عندما توغل في نظرتها الواعدة، ووجد عينيها مشرعتين تجاهه، تجاهه فقط، تبتسمان له وحده، تمنحانه الحنان وحده، تخترقانه وحده، تبثانه شعاعهما وحده، فقط دون غيره، فأغمض عينيه في نشوة، وكأنه غير مصدق ما يدور حوله، جال ببصره مرة أخرى وركز على شعاعهما فوجده مندفعاً تجاهه فقط، صرخ لذاته، في أعماقه : إنها تنظر لك وحدك .. !! » .

وفي الفقرة الثانية من القسم الأول من الرواية يبدو للوهلة الأولى أن الكاتب أسير لذلك التراسل، وتلك الأنسنة بين الأشياء، وأنه يسترسل ويستطرد في إعادة طرح الحديث عن نظرة هاته الأشياء إلى تلك الجميلة، والحقيقة أنه يدلف بنا إلى منطقة جديدة يتطور فيها الفعل، فتتطور الرؤية؛ ولكن المؤلف يحافظ على رومانسية الطرح وهدوئه، يدفعه حثيثاً صوب هدف يبدو جلياً أمامه لذا يجد مبرراً لهدوء نفسه وقرارها واطمئنان حالها .. فـ ( الشباك ) يخرج من حالة النظر من بُعدٍ قريب إلى الدخول في حالة تفاعل مع تلك الجميلة، يبدؤها بالمداعبة، فللشباك يد من هواء تزيح خصلات شعرها المتهدلة فوق وجنتيها وجبهتها؛ ونلاحظ هنا عدة أمور من بينها تذكير الشباك وكان من الطبيعي أن يقول نافذة – كما نلاحظ استخدام المؤلف للفظ صفعها، وهنا قسوة ربما يرى البعض أنها لا تتواءم مع حالة المحبة وهي عكس ذلك تماماً، إنه نوع من الذود عن النفس وأشيائها، ولاطراد الأثر الرومانسي سنرى فيما بعد أن الصفعة تُسكر لا تؤلم، تُطرب لا تُوجع، فتدفع الشعر المتهدل للرقص، وهو ما دفع الباب إلى الغيرة، فهو الآخر قد تملكته النشوة التي كانت باعثاً لمناجاة الجميلة وبثها شوقه ولوعته : « امتلكته النشوة فأطلق صريراً سمعه الشباك »، وبدأ الصراع بين الشباك والباب؛ « فأحس بالحالة التي وصل لها الباب العذول، فكتم غيظه وصفعه بقذيفة هواء جعلته يُكبَّل في المزلاج .. ».

ولما بدأ الصراع بين الشباك والباب، دخل الهواء – رسولهما إلى الجميلة – حلبة الصراع مع ملاحظة نظرته الجزئية إلى الجميلة : ( الشعر الجميل – الوجه الملائكي ... ) وقد برر الصراع بعد الثورة بسؤال الهواء نفسه : « لماذا لا تكون لي وحدي .. ؟ أبثها شوقي .... »، وهنا اختلفت نظرته من الرؤية الجزئية بوصفها الواقع إلى الرغبة الكلية، أو ما يمكن أن نسميه التحقق الجزئي، وكلية الرغبة أو الطمع الكلي، فالهواء صار ينظر إليها بوصفها وحدة كلية مستعرضاً قدراته في بث المتعة إلى نفسها : « أداعبها وحدي، قادر وحدي على إمتاعها ومداعبتها، وبعث النشوة في كل مساماتها ».

وأشار الكاتب إلى شيء من الاستجابة أبدتها الجميلة لطموح الهواء : « يرى السعادة ترسم على شفتيها من فعل الهواء »، لكن الكاتب لم يوضح نوع تلك الابتسامة؛ هل هي ابتسامة ظفر ونصر أم ابتسامة انتشاء وخدر ؟، كما أنه يبني الفعل « رُسِمَ » إلى المجهول : تُرسم، دون تحديد فاعله، وهو نوع من تغييب الجميلة عن الفعل الذي هو إشارة إيمائية إلى رد الفعل، وكأنها لم ترسم الابتسامة بهدف محدد، وهو ما يدعمه تغييب الكاتب لنوع الدلالة في الابتسامة المرسومة؛ وهو بذلك يضرب فوق النص مظلة من واقعية الوهم حتى يظن معها القارئ أن الأشياء من طبيعتها الإحساس والتفاعل والصراع، بدليل أن إدراك حركية وتفاعل هذه الأشياء مشترك بين البطل ( الشايف ) والجميلة صاحبة العيون الآسرة والشعر المتهدل، ونلاحظ هنا أن هذه الأجزاء ليست - هنا في هذه الرواية العجائبية - أجزاء من كيان إنساني؛ بل شخصيات مستقلة قادرة على الفعل المؤثر الذي له القدرة على توجيه مسار الأحداث والتحكم في الشخصيات المجاورة؛ فمثلاً نرى أن المتابع قد همَّ أن يسير على الدرب الذي سلكه الهواء نفسه، ويفعل فعله، لكن عينيها أطلقتا عليه سهام المودة، فكشفت له عن شيء أحسه فاطمأن منتشياً؛ فأدخلته تلك النشوة إلى طور من الانفصال عن الوجود من حوله .

بدأت الفقرة الثالثة من القسم الأول بالحديث عن ذلك الولهان المتأمل لتصف حاله مع تلك الجميلة وتسلط الضوء بكثافة عليه وتعرض بعض ملامحه النفسية والوجدانية، ونلاحظ هنا، في تتالي الكادرات، أن المؤلف بدأ بصورة كلية شاملة ظهر فيها المتأمل الولهان مصوباً بصره صوب تلك الجميلة؛ بينما كل جزئيات الغرفة تفعل مثله متابعةً أحوال تلك الجميلة، ثم في الكادر الثاني ضيق المشهد ليبرز الصراع بين الشباك والباب، ثم محاولة دخول المتأمل في ذلك الصراع، قبل أن تطمئنه نظراتها إليه بالمودة، ثم في الكادر الثالث يعرض صورة أكثر تركيزاً، تُبرز صورة العاشق مع تلك الجميلة وكأنه يجتزئ من كل صورةٍ جزءاً يحوله إلى صورة يسلط الضوء عليها في الكادر التالي؛ « إنه يجد لها أكثر من وجه »: دلالة تجدد؛ وكأنه يقول إن وجهها مساحة من العطاء الجمالي لا ينفد منه السخاء والعطاء كألماسة مضيئة لكل وجه من أوجهها ضوء وجمال، وللتأكيد على تلك النظرة قاس ذلك على لوحة الموناليزا ( الجيوكاندا ) لليوناردو دافينشي .

  • · البعد اللغوي :

يميل الكاتب إلى تفعيل الدور المجرد للغة كي تحضر بذاتها في بناء النص، بوسائل متعددة تنم عن قدرة وموهبة صوغية مميزة، ومن أهم تلك الوسائل عند محمود الطهطاوي الحشد والتكرار والبنى المحورية؛ فيحشد عدداً من الألفاظ التي تختزل العمق الدلالي للتجربة وتضيف إليه بعداً نفسياً، وهو أسلوب يجب استخدامه بحذر شديد؛ حتى لا يقع الكاتب بوساطته في نقيض ما أراد، وهو الأمر الذي وعاه الأديب محمود الطهطاوي؛ فكان مقتصداً جداً في استخدام أسلوب الحشد الدلالي، وأفاد منه واستخدمه في الوقت ذاته؛ يقول : « هذا الدماغ المشحون ، المكدس ، الراكد ، المشتت ، الفارغ ، المخبول ، المدرك ، الفاقد ، العارف ، المسجون ، المطرود ، المتآكل ، الضائع ، الـ... »، ( بئر العسل ص 6 ) .

وفي رواية « أسيرة » أيضاً، يستخدم الكاتب الأسلوب نفسه، فيقول مثلاً : « عرفت كل درجات المحبة التي ذكرتها لي .. بدأً من التعرف ..، فالتأمل ..، التعجب ..، والتولع ..، والتشوق ..، والتطلع ..، والتعلق ..، والتتبع ..، والتآلف ..، والود ..، والحب ..، والغرام ..، والصبابة ..، والاستهتار ..، والكلف ..، والعشق ..، والشجن ..، والتتيم ..، والتوله ..، والتهالك .. »، ( أسيرة ص 45 ) .

أما التكرار فمال الكاتب إلى استخدام أكثر من نمط من أنماطه، ومن ذلك تكرار تثبيت الحالة وتغيير الفعل، وقد ألحقه بتكرار التلاشي، مما أسبغ على التجربة اطراد الحالة وتعدد الأفعال لحد الاستغراق الكلي وتوقع التتميم والاستقصاء لكل أفعاله؛ يقول: « لا نملك إلا أن ننظر في صمت، نراقب في صمت، نمشي في صمت، في صمت، في صمت ..، في صمت » ( بئر العسل ص 8 ).

ومنها أنماط التكرار عنده؛ تكرار المحور اللغوي حيث جعل من جملة الاستهلال في رواية « بئر العسل » جملة محورية، تتكرر مع تصاعد الأحداث : « ماذا حدث يا قاسم ؟! يا قاسم ماذا حدث ؟! » (بئر العسل ص 5– 14– 30– 57)؛ كما استعار الجملة المحورية ليدلل بوساطتها على تماهي حالة التحول بين قاسم وسلمى؛ عندما استخدم العبارة نفسها ليتوجه بها إلى شخصية سلمى، يقول:« ماذا جرى يا سلمى؟! يا سلمى ماذا جرى؟! »(بئرالعسل ص44).

واستخدم أيضاً في رواية «أسيرة» التقنية والأسلوب الفني نفسه، وبتكثيف أكبر، إذ استخدم عبارة محورية في تجربته هي عبارة الاستهلال، التي جعل منها عبارة الختام الثابتة لجل المقاطع التالية من الرواية : « جربت كل الطرق للانسلاخ منك ..، كلها قذفتني بداخلك » ( أسيرة ص 5 ).

ويستخدم محمود الطهطاوي اللغة للتكثيف؛ إذ يمتلك الكاتب بوساطتها القدرة على التكثيف الرأسي للأحداث من خلال استخدام عبارات موجزة، يقول مثلاً : « سمع المتلصص؛ فتحول إلى كائن هلامي قميء .. »، ثم يعلق على هذا الرصد الوصفي التتبعي بقوله : « وكثرت الكائنات الهلامية »؛ وكأنه يضيف امتداداً وزخماً وازدحاماً إلى التجربة، وكأن المتلقي بوساطة هذه العبارة الموجزة المقتضبة يشعر بتزاحم الكائنات الهلامية على صفحات الرواية تكاد تتقافز خارج دفتيها، وتملأ المكان من حوله؛ لتضيف إلى البعد الفانتازي والعجائبي صيغةً جديدةً تكمن في التلقي بعد المعالجة، وكثرت مثل هذه التعبيرات واتخذت وجهات دلالية مختلفة، يقول مثلاً : « فانزوت الأرض وأقفلت فمها الجائع » ( للعشق أوجاع ص 23 )، ومنها قوله « بلادنا ركبتها العفاريت والمردة » ( للعشق أوجاع ص 74 )؛ وقد تضيف مثل هذه العبارات أو تتسع بحسب الحالة، وربما تصل العبارة إلى لفظ واحد مثل قوله : « توحدا » ( للعشق أوجاع ص 26 )؛ حيث جعل من هذا اللفظ خاتمةً للجزء الحادي عشر من الفصل الأول من الرواية، لفظ واحد جعله الأديب محمود الطهطاوي محملاً بشحنات دلالية كبرى، وأراد له ذلك في الصوغ، وقصد إليه، إذ جعله بعد جملة منتهية، وجعله على سطر مستقل .

  • · وحدة التجربة بين الروايات :

شخصية الكاتب توحي برباط خفي بين جل الروايات، يتجلى ويخفت بحسب التجارب المطروحة في كل رواية، كما توحي بوحدة التجربة بين معظمها، فالبطل هو الكاتب بالضرورة .

فتعمد رواية « أسيرة » إلى إضاءة أبعاد شخصية متعلقة بهذا الجانب : « قلت لي أكثر من مرة : لا أنام قبل الثالثة صباحاً .. تستغل هدوء المنزل ..، وتجلس أمام الكمبيوتر تكتب قصصك ومقالاتك ..، وتقرأ .. » ( أسيرة ص 39 ).

كما أن البطل في رواية « بئر العسل » له نزوع كتابي، وكان يطمح أن يصبح صحفياً، وفي رواية « للعشق أوجاع » البطل أديب له أعماله، وفي « رايحين على فين » البطل شاعر صوفي وخطيب وكاتب ومحقق قضائي وفي « للكبار فقط » البطل روائي ...إلخ، وهذا يدفعنا للبحث عن شكل آخر من أشكال وحدة التجربة في الروايات، فنجد مثلاً لذلك في تقاطع التجارب الروائية؛ حيث إن الزوجة العاقر التي لا تنجب، وتلك الحياة في القصر القديم، والإصرار على وفاء الزوج لزوجه؛ كلها مشاهد تتقاطع في رواية « رايحين على فين ؟ » مع المشاهد نفسها في رواية « بئر العسل »، حيث يعيش قاسم مع زوجه في القصر القديم، وهي لا تنجب، ربما الكاتب محمل في اللا شعور بفكرة عقم الماضي .

كما أن سليمان الشيمي في « رايحين على فين » يتتبع « سهير »، تلك الفتاة التي شاهدها في مولد السيد البدوي بطنطا، حيث كانت تتجول مع أترابها، دق قلبه لها وترك الحضرة وسار خلفها حتى مسكنها، ثم ينتهي تتبعه لها بالزواج؛ وفي رواية « بئر العسل »، خرج قاسم عن وقاره برغم زبيبة الصلاة التي ترتسم فوق جبينه، وتتبع سلمى من المترو إلى محطة مصر، ثم إلى القطار حتى بلدتها الصغيرة العسالة، لينتهي تتبعه لها بالزواج أيضاً .

وتتقاطع الروايتان أيضاً في بناء قاسم لبرج من الأسمنت مكان القصر القديم، في « بئر العسل »، كما أن الحاج عبد المقصود باع قصر أخيه سليمان الشيمي لأحد القرويين الذي أعلن عن بناء برج « الأمل » مكانه .

وقد انتهى أمر برج « بئر العسل » بالانهيار المادي، وهو المصير المشابه لمصير برج « رايحين على فين »، حيث انتهى البرج إلى الانهيار الخلقي، إذ « كان البرج يعج بالمحلات التجارية وعيادات الأطباء ...، الذين كانوا يعملون في عيادة جمعية البر مجاناً ..، اشتروا شققاً فتحت عيادات، أجرة الكشف فيها تزيد من أوجاع المريض ..، ... ورجل الأعمال الذي تنصل من التبرع الشهري لجمعية البر اشترى الدور العلوي من البرج وأنشأ مصنعاً لمقرمشات الذرة ... » (رايحين على فين ص 58 – 59 ).

كما أن الكاتب في رواية « رايحين على فين ؟! »، يتماس مع قضاياه الفكرية السابقة، في إحدى قضاياها المطروحة، فقضية الوحدة الوطنية التي استهل الكاتب بها روايته « رايحين على فين »؛ تُعد من القضايا الرئيسة في تجربة محمود الطهطاوي؛ يعالجها في كثير من كتاباته، سواء في الرواية أو القصة القصيرة .

وقد تمتد وحدة التجربة إلى الهوامش الروائية، ومن ذلك الاستدعاء الإشاري لقصة يوسف عليه السلام، ( بئر العسل ص 32 )، والاستدعاء الإسقاطي للقصة نفسها في رواية « أسيرة » ( ص 45 ).

وغير ذلك من مظاهر الوحدة التجربية، التي تؤكد على أصالة الكاتب وتجرده عن الافتعال ونزاهته في التعبير عن موضوعاته وطرح تجاربه، حتى وإن بدا ذلك لدى البعض من قبيل التضييق الأدائي، غير أنه تضييق للتخليص والتمييز؛ لتظل الرواية ذات طابع خاص بمحمود رمضان الطهطاوي، بعذوبة لا تتكرر وأنساق لا تُنازع فيها، إذ تحمل جزءاً حياً متدفقاً من شخصية وأفكار ونمط حياة كاتبها، وبيئته وتاريخه الخاص والعام .

السبت، 15 أكتوبر 2011

120 أديب وناقد في مهرجان القصير الأدبي الخامس جائزة القصير للإبداع الأدبي تعم أنحاء الجمهورية في دورتها السادسة الجائزة تكرم مصطفي الدغيمي أصغر شع




120 أديب وناقد في مهرجان القصير الأدبي الخامس

جائزة القصير للإبداع الأدبي تعم أنحاء الجمهورية في دورتها السادسة

الجائزة تكرم مصطفي الدغيمي أصغر شعراء الثورة المصرية






























































































أكد الشاعر محمد الجارد أمين عام جائزة القصير للإبداع الأدبي علي تعميم الجائزة على جميع أنحاء مصر في دورتها السادسة القادمة وذلك بعد نجاحها كملتقي إبداعي لأبناء الصعيد جاء ذلك خلال المهرجان الأدبي الخامس للجائزة للإحتفاء بأدباء ومثقفي الصعيد المقام بمدينة القصير على ساحل البحر الأحمر وذلك بحضور اللواء على شوكت رئيس مركز ومدينة القصير و120 أديب وناقد وباحث من فرسان الكلمة في مصر وقال الجارد أن الدور الخامسة ضمت إبداع 65 كاتب وأديب بمختلف محافظات الصعيد حول ثورة 25 يناير الأخيرة في مجالات الشعر والقصة والبحث.

وأوضح الشاعر محمود المغربي المستشار الإعلامي للجائزة أن هدف الاحتفاء بالمبدعين والإعلان عن المواهب الجديدة هو الإيمان بدور الثقافة في طريق صناعة النهضة الحضارية التي أساسها السلوك والقيم مضيفاً أن تاريخ الجائزة يرجع لأكثر من 11 عاماً ماضية تمكنت خلالها من اكتشاف العديد من المبدعين الجدد بالصعيد الملئ بالمواهب.

وخلال المهرجان قدم الشاعر محمود مغربي جائزة التشجيع لعدد 7 شعراء منهم الشاعر الصغير مصطفى الدغيمي14 سنه "البحر الأحمر" والذي أبهر الحضور بطريقة تأليفه وإلقاءه قصائد عن الثورة المصرية برغم سنه المبكر وعقد كبار النقاد على هامش المهرجان جلسه خاصة مع الطفل لتوضيح سمات التميز والإخفاق متنبئين بمستقبل زاهر لهذا الشاعر الصغير.

وأوضح محمود المغربي حرص أمانة الجائزة على تكريم رواد الحركة الأدبية في الصعيد فبرغم إبداعاتهم المتألقة والتي آثارت النقاد والدارسين إلا أنهم لم يحظوا بحقهم الإعلامي نظراً لإقامتهم في الصعيد وتضمن التكريم هذا العام شاعر العامية الراحل فنجري التايه "اسوان" وتسلمها أحد أقاربه، والأديب الراحل محمد نصر يس "قنا" وتسلمها إبنه، وشاعر العامية الحالي أبو العرب أبو اليزيد "سوهاج" والشاعر سعيد صابر "البحر الأحمر".

وأشار المغربي إلي التقدير المجتمعي لدور الأديب محمد الجارد ابن قرية الشيخية بمركز فقط بمحافظة قنا في الدعم المالي الكبير لأجل استمرار الجائزة على مدار اعوام طويلة في تكريم المبدعين والمثقفين والمساهمة الجادة في الحركة الثقافية للإيمان بدور الإبداع في الرقي الحضاري

ومن الجدير ذكره أن احتفال الجائزة استمر قرابة 6 ساعات متواصلة من التصفيق الحار للحضور استمتاعاً بإبداعات شعراء الصعيد عن الثورة، ومنها أشعار الفصحي والعامية والحلمنتيشي وفن الواو، وتضمنت في ذلك أشعار حسين القباحي عضو مجلس إ دارة اتحاد كتاب مصر و الإتحاد الدولي، وكبار الشعراء عبد الناصر علام، وعبده حسن الشنهوري ومحمد جاد المولي، ومحمد خربوش، وسعيد صابر وخالد الطاهر وعبد الرحيم الماسخ، ومحمود القصاص وسيد الطيب وأشرف أبو الحسن، وأبو ضيف شلب ي، ومحمد جاد المولي، وجميل عوض ومحمد جابر متولي، ومحمد عباس والدكتور علي حوم وجميل عوض، بالإضافة لأشعار أبناء عمومة أمل دنقل والذي أحتفت به الجائزة من قبل كرمز نضال ثقافي في مصر، وتضمنت الأشعار شعر طارق دنقل في الشعر الحلمنتيشي وأشعار رمضان دنقل في شعر الفصحي.

وفي نهاية الحفل قامت أمانة الجائزة المكونة من الشعراء محمود المغربي و السيد الطيب وابو ضيف شلبي و احمد محمد حسن و شاذلى عبد العزيز تكريم 17 أديب فائزاً بالدورة الخامسة بجوائز مالية متميزة، وأعقبها حرص الحضور على التقاط الصور التذكارية مع النقاد والمحكمين وتوزيع مئات الكتب الصادرة عن إبداعات الأدباء في الثورة المصرية.

وتضمن تكريم الفائزين في مجالشعر الفصحي، محمد جاد المولي سليمان "الأقصر" بالمركز الأول، وتلاه عبد الرحيم الماسخ "سوهاج"، الحسن عباس "البحر الأحمر" في المرتبة الثالثة، بينما فاز بالمركز الأول لشعر العامية الشاعر محمد طاهر برعي "أسوان"، وبالمرتبة الثانية كلاً من الشاعر محمد الشاذلي خربوش "قنا"، والشاعرة نجوي عبد العال "أسوان"، وبالجائزة الثالثة كلاً من الشاعر محمد جابر متولي "أسيوط"، والشاعر نشأت صفوت محمود عمر "قنا"، بينما كان نصيب المركز الأول في القصة القصيرة للقاص أيمن رجب طاهر "أسيوط"، وتلاه بالجائزة الثانية القاص عاطف محمد حسن "أسيوط"، في حين كان المركز الثالث لكلاً من القاص عاطف زكي "قنا"، والقاص "عبد الفتاح عبد الكريم "البحر الأحمر"، بينما كان المركز الأول للورقة البحثية للباحث أحمد مصطفي على "أسيوط"، وتلاه في المرتبة الثانية كلاً من الباحث عمرو كامل "البحر الأحمر"، والباحث عبد الرحمن أبو المجد "أسوان"، في حين كان المركز الثالث من نصيب كلاً من الباحث على إبراهيم عثمان "أسيوط"، والباحث علاء محمد عبد النعيم "البحر الأحمر".