الثلاثاء، 28 يونيو 2011

اختِبارُ اليقِينِ بالظنِّ للمبدعة ميسون صقر


-

-

اختِبارُ اليقِينِ بالظنِّ



ميسون صقر

.................



غُرْفةٌ حَذوَ غُرْفةٍ، بَابٌ مَوصُودٌ عَلى بَابٍ مَفْتوحٍ، شَبابيكُ مِنَ الحدِيدِ والذِّكْرَياتِ، وخَشَبٌ تأكُلُه الحِيرَةُ، مَطْبخٌ مُضَادٌّ للذَّاكِرةْ، وسُلمٌ من الحُبِّ مَبنيٌّ إلى الرُّوحْ.

حِينَ تدْخلُني الشَّمْسُ أسْتظِلُّ بالياقُوتِ فيهِ، وحِينَ تَغيِبُ فيَّ أُبعْثرُ الليْلَ عَلى شِتائِهِ المُمِيتْ.

للبيتِ رَائحةُ البُكاءِ وطَعمُ الزنْجَبيلْ، هو مَأوايَ ومَلْجَئي مِنْ ثَلْجِ العمْرِ وترَاكُمِ الذَّاكِرةِ كالزَّيتِ عَلى جُدْرانِهِ المشَقَّقةْ.

فالبيْتُ مُفردٌ، وشَخْصٌ ثالثٌ في العَلاقَةِ، والبيْتُ مَقْبرةٌ مُهدَّمةٌ وقبَّرةٌ تَصِيحُ في صَباحِي وحِينَ أَنهضُ يَكونُ للبيْتِ اختِبارُ اليقِينِ بالظَّنِّ، واجتِياحُ الحُلمِ بالرُّؤيةِ المحْضَةِ، وتَشْكِيلُ اليوْمِ بالأوْعِيةِ والمنَافِضِ والمياهِ الدَّافِئةْ.

فالبيْتُ بَابٌ أخِيرٌ عَلى العُمْرِ المقْضِيِّ في الطُّرقةِِ بين غُرفةٍ تلُمُّ شَعْثَ نَومِكَ، وغُرفةٍ تَصُبُّ مَاءَها كَي تخرُجَ الشَّراشِفُ والأحْلامُ منْ أظَافرِ القَدمِ إلى حَنجرَتِها.

والبيْتُ مَقتلٌ لنا وتَجمُّعٌ فيهِ وترَاكمٌ، نُلاقي الرِّيحَ في البيْتِ كَما الأبوابُ والأجْسَادُ والكَراسِيُّ، والسَّريرُ إذ ننَامُ عَليهِ، والجدْرانُ تمنُحنَا بعْضَ ظِلِّها ولونِهَا.

البيْتُ يَضمُّنا.. هوَ المأْوى والمثْوَى، هوَ إذْ يأْتي الصُّبحُ نافِذةٌ، وإذْ تنْغمِسُ الأرْواحُ في صَداهَا يُشعِلُ الضَّوءَ فِيهَا.

العُزلةُ في البيْتِ والتجَمُّعُ مَجزوءٌ بتراتِيبهِ، تَدخُلهُ المحبَّةُ مِنْ شُقوقِهِ، إنْ دخَلتْ، والجُدْرانُ تزْحفُ كَي تَضيقَ عَليكَ، فهوَ السَّكِينةُ والضَّوضاءُ فيهْ.

والبيْتُ سَتائرُ حَمراءُ منْثالةٌ، وألْواحٌ منَ الخَشَبِ النَّائمِ في الخِزَانةِ، ألْواحٌ من الخشَبِ المُرَاكَمِ في صَدايَ.

هو مِدفَأةٌ في شِتاءِ رُوحِي، وهو أشْلاءٌ، ومَجزَرةٌ، شَجرةٌ لا تحْنو عَلى ثمارِهَا فتسْقطُ، وظِلٌّ لا يَتبعُ ظَليلَهُ.

ـــــــ

هوَ بَيتِي... رُؤايَ من خِلالِيَ والتنفُّسُ فيَّ.

هو البيْتُ المقدَّسُ ولا بَيتَ لي.

كأنَّه المهْدومُ عَلى قِمَّةِ رأْسِي، والأبُ العَجُوزُ واقِفٌ أمامَ تَسرُّبي في الصُّراخِ.. أو كأنَّه كلُّه غُرفةٌ واحِدةٌ تضمُّ أشْخاصًا.

اختِبارُ اليقِينِ بالظنِّ،

اجتِيَاحُ الحلْمِ بالرُّؤيةِ المحضَةْ


الاثنين، 27 يونيو 2011

تأمّلات في جدليّة العقل و الإله من خلال قصيدة "أيقظوا الإله" للشّاعرة نسرين الخوري/ محمد الغريسي

-
-



تأمّلات في جدليّة العقل و الإله


من خلال قصيدة "أيقظوا الإله"

للشّاعرة نسرين الخوري/ محمد الغريسي-

بقلم المبدع والناقد:

محمد الصالح الغريسي

mohamad_alsalehاقتباس:

أيقظوا الإله

أو فلتدفنوه..

فحدادُ مئةِ عام

كذبةٌ كبيرة

وخدعةٌ منظمّة

صيّرتْ بكاءنا ملهاةً للدهور..

يا سادتي الكرام

أجسادنا المكبّلة

لم تعدْ قادرةً على صنعِ المزيدِ من الكفن

ولا على تمثيلِ دورِ الحزنِ والنّواح

ولا اللّطمِ على إيقاعٍ من شجن..

يا سادتي متى تفهمون؟؟

هي لعبةٌ مريبة

وأسلوبٌ معيب

أن تجعلونا نرتدي السوادَ على مرِّ العصور

أن نكتمَ صراخَ الروحِ بجدرانِ القبور

أن تمنعوا ماءّ الحقيقة

عن أرضنا التي صارتْ تفوح

برائحةِ العفن...

يا سادتي الأسياد..

باسمِ الذين قتلوا

وكلَّ يومٍ يُقتلون

أدعوكم أن توقظوا إلهكم

أو تدفنوه..

فرائحةُ الموتِ واخزة

تنخرُ حتى جماجمَ الأموات

تغيّرُ تركيبةَ العظام

تعكرُ لنا صفوَ الدماء

تشوّهُ أجنّةَ النساء

وتمنعُ الحياةَ عن كوكبِ الحياة.

*خلفية لا بدّ منها..

قبل أكثر من مئة عام.. صرخ نيتشه:"مات الإله.. " وجاء مفهوم الإله هنا أبعد هدفاً من مفهومنا الديني الذي هو علاقة خاصة بين كل إنسان وربه الذي يصلي له.. إله نيتشه هو إله تاريخي.. إله تكوّن من ممارسات السلطات ورموزها تحت مسميات دينية أو علمانية على حد سواء.. نيتشه لم يعقد النية على قتل الإله.. لكنه وجده ميتاً في نفوس الناس.. .. . ودعاهم لأن يسيروا وفق حكمة العالم "العلم والعقل" ليتجاوز الإنسان كل أخلاق قديمة مهترئة رجعية ويبني أخلاقه الجديدة.. وأكبر عدوين أمام البناء الجديد للإنسان هما الماضي الذي يجبرنا على تكراره.. والواقع الذي يفرض علينا سلوكاً قهرياً.. لستُ مع نيتشه في كل أفكاره.. لكني مع أن نخرج من الوصاية ونتجرأ على استخدام العقل.. في علاقتنا مع سلطاتنا وحتى في علاقتنا الخاصة بأدياننا..

التّعليق:

العقل فينا طاقة كامنة، نحـرّرها بالملاحظة و الاستقراء و البحث و المقارنة، و نروّضها بالدّربة و التّركيز. و الحصيلة كمّ معرفيّ نظريّ قائم على التّراكم المعرفيّ لمعارف سابقة، و أخرى مكتسبة. هذه هي المرحلة الأولى من الجهد العقليّ المحرّر، أمّا المرحلة الثّانية فهي مرحلة توظيف العقل للمعارف المكتسبة و إرساء الأدوات الحسيّة و الماديّة، لتحويل طاقة العقل، إلى فعل، أي إلى عمل، على قاعدة أنّ أيّ طاقة يمكن تحويلها إلى عمـل، و بالتّالي يمكن توظيف العمل لإيجـاد طاقات تسهّل على الإنسان معيشته، و تختزل من جهده العقليّ و البدنيّ، و هذا مبدأ فيزيائيّ بسيط يعرفه الجميع، و على أساسه تكوّنت و تطوّرت الحضارات الإنسانيّة. و هكذا أمكننا أن نستنبت زرعا و فاكهة، و أن نصنع غذاء و ملبسا، و أن نبني بيتا، و أن نعدّ مرافق تيسّر علينا سبل العيش. و لكنّ الإنسان ليس عقلا محضا، و لا عقلا كاملا، فثمّة عامل آخر يوجّه العقل، و يتحكّم في توظيف نتاجه، هو مركز الأحاسيس بقطع النّظر عن كونه في القلب أو في الدّماغ. و من هذه الثّنائيّة المعقّدة يصدر الفعل الإنسانيّ إيجابيّا كان أم سلبيّا. و منه تتكوّن النّفس بكلّ أبعادها الأخلاقية منها و الاجتماعيّة و العقائديّة، و منها جميعا تتكوّن المعادلة الصّعبـة الّتي ينبني عليها الفعل الإنسـانيّ و الحضاريّ. فإذا اختلّت هذه المعادلة ظهر شرخ في حياة البشر أفرادا و مجتمعات و دولا، و هو ما يفسّر أيضا الصّراعات الاجتماعيّة و الطّبقيّة داخل المجتمع الواحد، و ما يفسّر أيضا الصّراعات الإقليميّة و الدّوليّة. و الإنسان لم يصنع الطّبيعة الّتي بها و منها يعيش، و إنّما هو عنصر طارئ عليها، يتحكّم فيهاو تتحكّم فيه بقدر ما يخوّله له عقله من سلو ك رشيد أو العكس. و من هنا احتاج الإنسان عبر مسيرة وجوده على الأرض إلى طاقة كاملة خارقة، يستمد منها ما يسدّ به خلل الضّعف الكامن فيه، فكان الإله حاضرا في ثقافته و في عقيدته، و حتّى في تفكيره، بل و تدخّل حتّى في تنظيم حياته. و هناك إجماع إنسانيّ على هذه النّقطة بالذّات، و لكن الاختلاف في هذه النّقطة قد لا يكمن في وجوده من عدمه، بقدر ما يكمن في تصوّره، و في مدى تدخّله في الطّبيعة و في حياة الإنسان. و من هنا اختلف مفهوم الإله بين واحد و متعدّد، و بين قيمة خلقها الإنسان لنفسه، ليستمدّ منها الدّعم المعنويّ الّذي يحتاجه للاستمرار، و بين قوّة خالقة للكون، و منظّمة له. و لست هنا أنظّر للوجود الإلهيّ، لأنّ اللّه غنيّ عنّي و عن سائر مخلوقاته، و إنّما قمت بهذه الرّحلة العابرة للزّمن و للحضارات، لأشير إلى أمر واحدا، لا يستحقّ إثباتا، هو نسبيّة ما يتوصّل إليه العقل من نتاج، ما يجعله مقبولا أو غير مقبول، مناسبا أو غير مناسب، ذا جدوى أ و غير ذي جدوى، عمليّا أو غير عمليّ، حسب الشّروط الموضوعيّة لكلّ ظرف، مكانا و زمانا و مقاما، و مقوّمات.

السّؤال الّذي يطرح نفسه: من المسؤول عن هذا التّردّي الّذي يعاني منه الإنسان، مجتمعات و دولا بنسب متفاوتة من الرّخاء و الاستقرار، أو من الفقر و الاضطراب، هل هو اللّه في وجوده من عدمه، أم هو الإنسان في فشله في فهم الطّبيعة، و في سوء استغلاله لها، و في إرساء قواعد تحفظ له وجوده و استقراره، علما أنّ وجوده كأفراد أو دول هو زائل و متجدّد عبر جدليّة الموت و الحياة.

(قبل أكثر من مئة عام.. صرخ نيتشه:"مات الإله.. "

وجاء مفهوم الإله هنا أبعد هدفاً من مفهومنا الديني الذي هو علاقة خاصة بين كل إنسان وربه الذي يصلي له..

إله نيتشه هو إله تاريخي.. إله تكوّن من ممارسات السلطات ورموزها تحت مسميات دينية أو علمانية على حد سواء..

نيتشه لم يعقد النية على قتل الإله.. لكنه وجده ميتاً في نفوس الناس.. .. . ودعاهم لأن يسيروا وفق حكمة العالم "العلم والعقل" ليتجاوز الإنسان كل أخلاق قديمة مهترئة رجعية ويبني أخلاقه الجديدة..

وأكبر عدوين أمام البناء الجديد للإنسان هما الماضي الذي يجبرنا على تكراره.. والواقع الذي يفرض علينا سلوكاً قهرياً..)

في تامّل ملحّ للواقع العربيّ المتردّي، الّذي تحكمه الصّراعات العقائديّة و المذهبيّة و الطّائفيّة في خضمّ إشكاليّة العقل و الدّين، بدرت صرخة ألم من الشّاعرة نسرين الخوري:

أيقظوا الإله

أو فلتدفنوه..

هي صرخة جريئة، أرادتها وخزة مؤلمة، لعلّها تحرّك بقايا من حياة في جسد أمّة دبّ فيه الموت منذ زمن طويل، و لسان حالها يقول:يا أيّها الأغبياء يا من تتقاتلون و تتناحرون، و الكلّ ينذر الكلّ بالجحيم في الدّار الآخرة، و كأنّه هو من يملك مفاتيحها. الزّمن يتقدّم و الأمم تأخذ بأسباب الحضارة، و تخترع أدوات جديدة للتّعايش، معملة العقل، آخذة بأسباب العلم، منتهجة الفكر سبيلا و الحكمة نهجا من أجل حياة على قدر كبير من الرّخاء و الاستقرار. و هذه الدّول العربيّة لا تخرج من صراع إلاّ لتدخل في آخر، الكلّ يدعي امتلاك الحقيقة و يرى اللّه إلى جانبه لاعتقاده أنّه على حقّ، و لاعتقاده أنّ اللّه اصطفاه دون غيره '' خير أمّة أخرجت للنّاس". هذه الخلافات و الصّراعات الّتي توارثتها الأجيال أبا عن جدّ على خلفيّة فهم مختلف للإله عن الأطراف المقابلة. و تحت هذا العنوان، تزهق الأرواح و تدمّر الأنفس و ما كسبت دونما تسامح. كلّ ذلك على حساب التّعايش و الاستقرار، و المصلحة المشتركة الّتي تقتضي منهم، التّكاتف، و التّعاضد و الاتّحاد من أجل بناء أمّة قويّة، تقف في وجه التّحدّيات الّتي فرضها عليها العصر. و هل من سبيل إلى ذلك غير إعمال العقّل، بل و اتّخاذه إماما لهم في كلّ ما يعملون.

منذ قرون.

قبل عدّة قرون.. ومن هذه الأمّة.. و من هذه الأرض صدع صوت المعرّي الكفيف، الّذي رأى ببصيرته حالها فساءه أمرها، و ما تعانيه من تقطّع الأوصال بسبب الخلافات الدّينيّة و المذهبيّة و الطّائفيّة:

في اللاذقيـة ضجـة ما بين أحمـد والمسيح

هذا بناقـوس يـدق وذاك بمأذنـة يصيـح

كـل يمجـد دينـه يا ليت شعري ما الصحيح

قد يكون المعرّي قال هذا الكلام انطلاقا من شكّه في في وجود الأديان و نسبتها إلى اللّه، مستعملا في ذلك المنطق القائل:إذا كان اللّه هو باعث هذه الأديان، فلماذا تختلف حول اللّه، و لماذا تتقاتل الأمم و ربّها واحد؟و لماذا الكلّ يحتكر اللّه لنفسه، و يسلّطه سلاحا و نقمة على الآخرين؟

فالتّهمة هنا موجّهة بالأساس إلى الإنسان و ليس إلى الإله، بل هي موجّهة إلى العقل الغائب فيه، أو المغيّب بإرادات معيّنة، تسعى وراء إثارة الفتنة من أجل تحقيق مصالح ضيقة. و لهذا نرى المعرّي يسخر من الفكر الدّينيّ و الغيبيّ، الّذي تردّد بين النّاس في مجتمعه، و ينتقد تصوّراته لمسائل غيبيّة كثيرة، منها البعث، و الجنّة، و غيرها، فكانت رسالة الغفران تصويرا كاريكاتوريّا لما راج من فكر غيبيّ في عصره، لم يصاحبه إعمال للعقل. و يضجّ المعرّي من إغراق النّاس في المسائل الغيبيّة بما لا يعلمون ن، يقول:

قلتم لنا خالق حيكم

قلنا صدقتم كذا نقول

زعمتموه بلا مكان

ولا زمان ألا فقولوا:

هذا كلام له خبئ

معناه ليست لنا عقول

أي أنّ المعرّي لا يطرح الشكّ في وجود الإله، و إنّما في ما يصوّره الفكر الغيبيّ المنتشر حوله، بما لا تقوم عليه حجّة عقليّة و لا دليل منطقيّ، فتراه يتجاوز مسألة الشكّ إلى السّخرية بتلك التّصوّرات الّتي يراها غريبة خارجة عن منطق العقل، و هو لا يسخر من الإله و إنّما من الصّورة الّتي يرسمها له النّاس بما لا يعلمون، فلا يرى إماما للإنسان سوى عقلهن يرشده و يدلّه إلى السّبل السويّة و العمل المجدي:

"كذب الظن لا إمام سوى العقل

مشيرا في صُبحـه والمساء"

و ها هو ذا التّاريخ يعيد نفسه بعد قرون، و ها هي ذي الشّاعرة نسرين الخوري، تضجّ في عصر العولمة و الصّراعات الإقليميّة، و التّجاذبات الاقتصاديّة، عصر أعلن فيه "نيتشة" منذ مائة عام تقريبا عن موت الإله، إيذانا منه ببداية عصر ألوهيّة الإنسان الّذي يمكنه إذا تسلّح بالعقل و العلم و أسباب القوّة، أن يكون الإله على الأرض، فيقرّر مصيره بنفسه و لا يحتاج إلى إله يتدخّل في حياته.

و الشّاعرة هنا، تنزّه الإله عن تردّي الإنسان، و تجعل الإنسان هو المسؤول الأوّل و الأخير عمّا أصابه من نكبات صنعها بنفسه، عن جهل و تخلّف، فتقول:

فحدادُ مائةِ عام

كذبةٌ كبيرة

وخدعةٌ منظمّة

صيّرتْ بكاءنا ملهاةً للدهور..

يبدو انّ تباكي النّاس في مجتمعنا العربي على إعلان " نيتشة " موت الإله، و دخولهم في جدال لا عقلا نيّ حول الأديان و العقائد، ألهاهم عن النّهضة و الرّقيّ بالإنسان العربيّ إلى مصاف الأمم الآخذة بأسباب التّقدم. و المتّهم الرّئيسي هنا هو العقل العربيّ الغائب، و المغيّب بفعل جهل المجتمعات العربيّة و تخلّفها و ديكتاتوريّة حكّامها.

و هنا تصرخ الشّاعرة من كلّ وجدانها، بأصحاب القرار المتسلّطين على رقاب النّاس،

بالقهر و الظّلم و زرع الفتن:

يا سادتي متى تفهمون؟؟

هي لعبةٌ مريبة

وأسلوبٌ معيب

أن تجعلونا نرتدي السوادَ على مرِّ العصور

أن نكتمَ صراخَ الروحِ بجدرانِ القبور

تلقى الشّاعرة المسؤوليّة على أصحاب القرار في ما تتردّى فيه مجتمعاتنا العربيّة من تخلّف، و جهل، و سوء حال، و صراعات حول مسائل لا تقدّم و لا تؤخّر في شيء، بالعكس هي تؤخر هذه الشّعوب المقهورة عن اللّحاق بالأمم المتقدّمة الّتي تنعم بحياة أفضل. و تنادي بتحرير العقل العربيّ ليتفرّغ للعلم و بناء نهضة تليق بالإنسان العربي.

و يبلغ إحساس الشّاعر ة، و وعيها بمأساة الواقع العربيّ ذروته فتصاب بالإحباط، يخالطها في ذلك الحزن و الغضب على هذا الواقع المبكي، و المفزع، فتصرخ في تحدّ:

يا سادتي الأسياد..

باسمِ الذين قتلوا

وكلَّ يومٍ يُقتلون

أدعوكم أن توقظوا إلهكم

أو تدفنوه..

فرائحةُ الموتِ واخزة

تنخرُ حتى جماجمَ الأموات

يا أيّها النّاس.. . يا أيّها الحكّام.. . يا حكّام العالم، لم يبق لكم إلاّ أحد أمرين: إمّا أن تنضووا تحت ظلّ إله واحد يجمعكم على المحبّة و التّآخي على اختلاف أديانكم و مذاهبكم، بعيدا عن الجزئيّات الّتي يتخفّى وراءها شيطان الفرقة و الفتنة، و إمّا أن تنسوا مسألة الإله هذه، و توطّنوا عقولكم على التّفكير العلمي الّذي ينظّم حياتكم، و يصونها من الصّراعات و الحروب، فقد فاحت روائح الجثث المتعفّنة، و الكلّ يدّعي الشّهادة لموتاه، و يقذف بالآخرين إلى نار جهنّم و بئس المصير.

و كتبت الشّاعرة نصّها متّبعة أسلوب الخطاب المباشر على اختلاف مستويات صيغه، أمرا و نهيا- و إن كان ضمنيّا و غير مباشر - و استفهاما(أيقظوا الإله..، أو فلتدفنوه.. . يا سادتي متى تفهمون؟؟)

و هذا الأسلوب- أي أسلوب الخطاب المباشر- أقرب إلى نفس القارئ لما فيه من قدرة على تبليغ الأحاسيس، و الانفعالات بقوّة و صدق. أمّا على مستوى الأزمنة، فقد ركّزت على زمني الماضي و الحاضر، كارتباط للسّبب بالنتيجة، و تكاد الرؤية المستقبليّة تغيب تماما في عتمة الحزن، و انفعالات الغضب على هذا الحاضر المؤلم. لذلك كان التّشخيص حاضرا، يوصّف الوضع الرّاهن كما تحسّ به الشّاعرة وبدون مواربة:

يا سادتي الكرام

أجسادنا المكبّلة

لم تعدْ قادرةً على صنعِ المزيدِ من الكفن

و يأتي التّعليل، ليفسّر للقارئ ما وصل إليه الإحساس بالمأساة لدى الشّاعرة، من واقع يدمي النّفس و يؤلمها:

فحدادُ مئةِ عام

فرائحةُ الموتِ واخزة

و في غمرة الحزن و الألم و الثّورة و الغضب، تتهم الشّاعرة الحكّام و أولي الأمر بالبلادة و سوء الفهم في أسلوب الاستفهام الإنكاريّ، أي في أسلوب الاتّهام و الإدانة، و تحمل هم المسؤوليّة كاملة في خنقهم للأصوات الحرّة، و و أدهم للأصوات الحرّة في مهدها، فتقول:

يا سادتي متى تفهمون؟؟

هي لعبةٌ مريبة

وأسلوبٌ معيب

أن تجعلونا نرتدي السوادَ على مرِّ العصور

أن نكتمَ صراخَ الروحِ بجدرانِ القبور

قصيدة: أيقظوا الإله للشّاعرة نسرين الخوري، صرخة ألم من شاعرة رقيقة تألّمت من و ضع إقليميّ و دوليّ و إنسانيّ متردّ، و صيحة فزع و غضب في وجه الحكّام و المتنفّذين في العالم عموما، و في العالم العربيّ على و جه الخصوص، تدعوهم إلى إطلاق الحريّات ولاسيما حريّة الرّأي، و نبذ الفرقة و الفتنة بين الشّعوب و الأديان و المذاهب. رؤية إنسانيّة راقية تهدف إلى تحرير العقل البشريّ، ليتفرّغ لبناء مجتمع إنسانيّ متوازن، يتعايش فيه الجميع في ظلّ التّسامح و التّآخي، و تبادل المنافع و المصالح، على أساس الكرامة الإنسانيّة و الاحترام المتبادل، في ظلّ حقّ الاختلاف في الرّأي و الدّين و الثّقافة. و النصّ على قصره مكثّف، عميق الدّلالات، يختزن في داخله شحنة شعريّة عالية، و رسالة إنسانيّة سامية تجعله نصّ ملتزما بامتياز.


ابتسامة ملائكية للشاعرة المغربية فاطمة فنانى




ابتسامة ملائكية

للشاعرة المغربية فاطمة فنانى

.............................






أهداني ابتسامة ملائكية..

همست له:

أنت نجمي والغرام...

دنا مني..قبل راحة يدي ...

بشغف..

قال:

إن كنت أنا النجم فأنت فينوس...

تاج الكمال...

فكيف يتشبه النجم بالكمال!..؟

والقمر من حسنك...

يسترق النظر...!

رُسمت على شفتاي...

إبتسامة خجل...

آاااه من تلك القبلة!؟

سحرتني..أسكرتني..

أذابتني..في كأس ثمالته...

كقطعة سكر...

حررتني من قيودي..بعثرتني ...

أخرجتني من طوري...

أغرقتني في بحر عينيه..

مزقت أشرعتي...

حطمت زوارقي..

ضاع مني فن العوم و الإبحااار

فقدت بوصلتي

اخترقت عالمه ألفريد ..

عالم لم تطأه قدم

سماؤه بالغة الجمال

لؤلؤية ساطعة الأزرار

أرضه بلور تسبح تحته

أسماك بسحر الألوان

تبخترت فوق ضيائه

كحورية من حواري البحار

توجته على عرشي ...

سلمته سفينة عشقي ...

رست بنا علي سطح الكيان ...

سبحنا في نهر الخلود

ارتوينا من شلالات الغزل

تبادلنا قبلات وهمسات

بلهفة تسابق النجوم..والأزمان

تهادينا بين خيوط النسيم

نهلت من رحيق خشونته نبعاً...

جعلت منه عاشقاً ولهاناً

فاطمة فناني

باريس 5/10/2010


الأحد، 26 يونيو 2011

حزن الموناليزا شعر: ماجدة غضبان المشلب







حزن الموناليزا



شعر:
ماجدة غضبان المشلب

...........

ساقان لدنتان

وعينان فتيتان

ونهدان قد كعبا

هكذا تبدو لوحة الرسام

وهكذا يراها

الجمهور المهندم


مساء

تفوح في المكان

رائحة شاي بالهيل

ودخان سيجارة يتلاعب

امام الضوء الخافت

يسمع الحارس نحيبها

يبحث عن منديل

يكفي لايقاف بحر عينيها

................................

.............................

صباحا

على الرسام ان يثبت الالوان

التي ساحت من جديد

بمطرقة ومسامير ملونة

ويوثقها إلى اطارها الحديدي

مبتسما لها

ولجمهوره المهندم!!!




الجمعة، 24 يونيو 2011

أحضان القمر تكتبها : هالة محمود


أحضان القمر

تكتبها :
هالة محمود
..............



فى وسادتى

ينبت الأرق

على حواف فراشى

ينتزع منى أحلامى

أغمض عينى عنه

يهز كتفى

تستثار حواسى

منهكة أنا

من أزمنة القلق والانتظار

كل الساعات ترفض أن تمر

كل اللحظات نار شوق

أتشعر بى؟؟

أتشتاق اليك

فأبحث عنك

أجدنى فى مرمى الضوء

من عينيك

يعلو أفق غرفتى

وتتسع جدرانها

تنفتح نافذتى المطلة عليك

فأنسحب مني

وأمضي اليك

يتمدد وشاحى

ينتشى فستانى

يحتضنى القمر

يحدثنى عن أناقتى

ويقول انه يغار على

ويشير اليك

ياله من مخلوق غريب

كم أخبرته عنك

ويحاول هو أن يجرجرنى

بعيد عنك

وينهمر المطر

تغمرنى نشوته

أعانق قطراته

أمتزج به

فأجده

يأخذنى منك

يسمعنى همسه

ويفتح ستائره

ويطل علي

يحاول أن يحتضننى

لأغيب عنك

فأموت بين يديه

وسرعان ماتنبت

ياسمينة شوقى اليك

فأهجره

لأجد

الساعة مازالت

تك تك تك

قبل منتصف الليل!!!


الأربعاء، 22 يونيو 2011

مهرجان شعرى للمنتدى الثقافى بمركزشباب سيدى عبدالرحيم القنائى








مهرجان شعرى للمنتدى الثقافى

بمركزشباب سيدى عبدالرحيم القنائى
..........




فى اطار النشاط الثقافى والادبى الذى يقيمه المنتدى الثقافى بمديرية الشباب والرياضة أقيم مساء اليوم الاربعاء 22/7/2011 المهرجان الشعرى( احتفالية شعرية لثورة 25 يناير ) تحت رعاية عادل ونجت وكيل وزارة الشباب والرياضة بقنا والاديب محمد حسن العجل المشرف العام للمنتدى و الشاعر محمود مغربى المشرف على النشاط الثقافى وقد رحب عادل ونجت بالضيوف من شعراء قنا والاقصر كما وافق على انشاء فرع للمنتدى الثقافى بنقادة يكون مقره بمركز شباب كوم بلال يشرف عليه الشاعر حمدى مهدى عمارة وأنشد فى المهرجان من شعراء محافظة قنا صفوت البططى , فتحى عبدالسميع , ,أشرف البولاقى ,عبدالحميد أحمد على ,حمادة القاضى ,حسن خلف , , حمدى مهدى عمارة , رفعت حفنى , على جامع , مها جمال.

كما يشارك من الاقصر الشاعر حسين القباحى عضو مجلس ادراة اتحاد كتاب مصر والشاعر محمد جاد المولى.
ومن مدينة قوص يشارك الشاعر أحمد الشباط.
كما شارك فى الحضور القاص محسن النوبى والاديب خير سليم.
حضر المهرجان عبدالحى على حسن رئيس مجلس ادرة مركز شباب سيدى عبدالرحيم, وسيم أسعد مدير المركز, سعيد فخرى المشرف الادارى للمنتدى.





































الثلاثاء، 21 يونيو 2011

للقصة.........فصل أخيــــر بقلم: ايمان حسنى



للقصة.........فصل أخيــــر


-

-

بقلم :
ايمان حسنى
...............


راحت الملكة تستعد لبداية يومها الجديد فما ان اخذت حمامها اليومى ... حتى بدأت الوصيفات تغطين شعرها بغطاء الرأس الملكي الطويل الملون تعلوه رأس الحية ....سيدة الحياة ...لتحميها‏ من شر سحر كهنة أمون ,‏ كانت الوصيفات قد اغرقن جسدها العاجى بدهانات من العطور ....

" يا لجمالك نفرتيتي... قد أصبحت الأسطورة ....يأتى الناس ... يحتشدون جماعات...جماعات ...لا لشئ سوى رؤية الوجه الملكى الملائكى الصبوح ... إن آتون الذي خلق العالم وحده كان يحب الحياة التي أودعها فيكى ، ولهذا فإنك أنت تلك الحياة المقدسة "كانت هذه ترنيمة شعبها الذى عشقها اسما وصورة .....‏‏

"رحلة طويلة تلك التى خضتها معك إخناتون ..."هكذا حدثت الملكة نفسها وهى فى طريقها للبهو الملكى ....

اعوام مرت عليها ...بعد زواجهما الاسطورى حيث ساعدتهما الملكة الام فى ذالك الزواج ..كان على اخناتون ان يتزوج من سات آمون اخته لأبيه ....ولكن الملكة الام رأت ميله لنفرتيتى معشوقته الصغيرة ...فأمهلت زواجه من سات آمون شهورا كان فيها كهنة آمون يجتهدون ليل نهار فى طلاسم سحرهم الاسود تملقا للملكة الام ورغبتها فى إقصاء سات آمون من الصورة الملكية حتى اعلن القصر الملكى ان القدر قد وضع حدا لحياة سات آمون بعد صراعها الطويل مع المرض ....

وهكذا بدأت قصة الحب التى نشأت بينهما طفلين تكبر معهما... فهاهما الان زوجان إخناتون تذكرت رحيلهما الى " اخيتاتون " مدينة الاله آتون تركت وراءها كل شئ لتلحق به ... هجرت طيبة بكل من فيها وكل ما فيها ...

قاست معه الكثير وهى ترى كهنة أمون يحاولون تشويه صورته امام رعاياه ..وهو الذى نادى بضم الالهة جميعا ليصبحوا الها واحدا ...آتون .... انجبا اجمل اطفال اخيتاتون.....

لم يكن إخناتون يشعر بالخجل وهو يمسك بيديها النحيلتين بين يديه....لم يكن يخشى لوما وهو يداعب وجنتيها بشفتيه ويظهر حبه للدنيا كلها ...." أيا مليكى الحبيب ..ماذا ألم بحبك ..؟ أنطفئت جذوته فى حنايا قلبك ...؟ الم تعد عينا محبوبتك تشعان دفئا لعينيك ...؟" هكذا تسائلت نفرتيتى وهى فى طريقها الى لقاء إخناتون بعد جولته الاخيرة فى البرارى .....

وجه إخناتون يكسوه التعب ..رحلة صيد طويلة ...غاب عنها اياما ظنتها سنينا ....اقتربت منه ...فى رقتها البالغة المعتادة طبعت قبلتها على جبينه الملكى ....

-" عدت سالما لى ..مليكى وحبيبى "

-"عدت اجل ..رفيقة الدرب ..كيف الصغار وحالهم ....؟"

-"طالما عدت لى ...عاد كل شئ جميلا ...."

ضمها بين ذراعيه ..بادى الارهاق والتعب ....ثم تركها حيث جناحه الملكى ..ربما ليزيل عن جسده أثار الايام الماضية او لينال قسطا من الراحة ..لا تدرى ..فأحواله اصبحت غريبة ...

يخالجها شعور خفى ..لاتدرى من اين جاء بأن هناك ما يشغل الفرعون اه يا أتون العظيم ..."قلب الفرعون" ..؟ ايكون هناك من يشغل قلب الفرعون غيرها ...؟ القلق بدأ يتسرب الى قلبها الذى نادرا ما يخطئ ....اهناك من يشغل أو من تشغل قلب الفرعون ...؟رحمتك بى أتون العظيم .....لا اطيق مجرد التفكير فى هذا ....ايهيم توأم روحى بغيرى ...؟ اتدفئه احضان غير احضانى ...؟ ايسكر من شفتين غير شفتى ....؟ سأجن يا أتون العظيم .

" دخلت وصيفتها مايا فتعجبت وهى تتسائل :" مولاتى ..هل اصابك مكروه ..؟"

افاقت من حالة اللاوعى التى انتابتها للحظات ...ثم عادت لتسأل مايا " من من العبيد والخدام رافق الملك رحلته مايا ..؟"

-" لم يرافقه الكثير هذه المرة لكنه اصطحب معه الخادم الشمالى وتلك الجارية... التى اهداهما له كبير كهنة أمون المنشق مولاتى ..."

-" هل لى ان اراهما ..؟"

-" سأرسل فى طلب الخادم ..اما الجارية فلقد الحقها مولاى الملك بجناحه الخاص ...."

-"رسلى فى طلبها على الفور... اريد ان اراها "

-" لم يمر وقت طويل حتى حضرت مايا ورائها الجارية ....ترتدى ملابس حريرية رقراقة ...يغطى شعرها الاسود الفاحم

كتفيها لينسدل فى استرخاء حتى يصل الى خصرها ...عينيها ضيقتان ولكنهما تشعان فتنة وإغراء ...هكذا رأتها نفرتيتى

سألتها :"ما اسمك ايتها الجاريةو من اين اتيت...؟"

-" اسمى إيديا سيدتى الملكة ...وأتيت من عند الكاهن آش أور ..كاهن امون المنشق والمنضم مع مولاى الفرعون لعبادة آتون العظيم ..اهدانى له هدية صدق ومحبة ...

"لا تبدو فى عينيها لا نظرة صدق ولا بادرة محبة .....هكذا اسرت نفرتيتى فى نفسها ..

-" أوتظنين اننى اصدق ان الكاهن آش أور عدو الامس اللدود اصبح اليوم الصديق والمحب للفرعون ...؟"

-" انها بركة آتون العظيم مولاتى.. اليس رب الارباب ...؟"

-" أتعتقدين فى آتون ايتها الايديا ..؟"

-" الا تعتقدين فيه انت مولاتى...؟"

-" ويحك انا من يسأل ايتها الجارية ولست انت ...."

-" عذرا مولاتى ولكنى فقط اتسأل لماذا تظنون اننا نحن العبيد يجب علينا ان نؤمن بما يؤمن به السادة- فقط لأنهم السادة -..دون ان نعتقد نحن ايضا ...؟"

-"كيف تتكلمين بهذه الوقاحة ايتها الجارية .....؟" مايا إذهبى بها بعيدا عنى ....."

ساعات لم تدرى نفرتيتى كم عددها... مرت بها وهى تفكر.. لا تريد نظرة تلك الجارية ان تفارق مخيلتها .....ترى هل تسأل إخناتون الفرعون عن منزلة تلك الجارية لديه ...؟يالها من فكرة حمقاء ....! هل ترسل معه فى رحلاته من يراقبهما عن كثب ...؟ كرامتها الملكية تأبى عليها ذلك ....ماذا تفعل اذا...؟ قفز الى ذهنها آش أور ذلك الكاهن غريب الاطوار الذى كان يتزعم كهنة آمون فى الهجوم على إخناتون فى كل مناسبة بل كان يستعدى عليه ملوك الدول المجاورة متملقا إياهم لنقض علاقات الود والصداقة بينهم وبينه ...والآن آمن بالاله آتون ...ويهدي إخناتون خادما وجارية .....؟ كل السر إذا عند ذلك الكاهن .....

قررت نفرتيتى القيام بزيارة خاصة فى الجانب الاخر من الشاطئ حيث يقطن آش اور فى منزله الذى شيده على شكل معبد جنائزى وأوصى ان يدفن فيه بعد موته ..خاصة ان لا ولد له ولا صاحبة ...عدا فتايات المعبد ممن وهبن انفسهن للكهنة فقد كان له منهن الكثيرات .......

فى ابهى حللها الملكية .....وقفت نفرتيتى بشموخ على حافة القارب الملكى الذى اقلها للجانب الاخر من الشاطئ ....تلقى اشعة الشمس على وجهها بريقا عانق بريق عينيها الواسعتين فبدت كمجرة مضيئة على صفحة النهر الفضى ...عندما وصل المركب للشاطئ ...وجدت ثلاث فتايات فى انتظارها يرحبن بها ...تنظر كل واحدة منهن اليها فى انبهار تشوبه الحسرة.. واللوم على الاله الذى لم يخلقهن بمثل هذا البهاء ....!

هاهى تواجه آش اور فى معقله ......ما ان وقعت عيناه عليها حتى سجد ليقبل قدميها ...!-"هون عليك ايها الكاهن أش أور ....هون عليك ..."

-" للجمال هيبته ..مولاتى ...وجب على شكر أتون العظيم الذى من على عيناى برؤيتك ...."

قال جملته فى حين لمحت نفرتيتى فى عينيه تلك النظرة التى لا تخطؤها الانثى ابدا ......

-" ولكنك تملك الحسان آش أور ...."

-" كلهن جوارى ...امام عرش جمالك مولاتى ..."

-"وإيديا ....."

قائلا:" هدية متواضعة للفرعون العظيم ..."

-" إيديا اكثر من هدية ..آش أور ..كلانا يدرك ذلك تماما ...."

ضحك آش أور و قال بخبث :" فرعوننا العظيم يعاشر الهة الجمال والانوثة ..اردته فقط ان يهبط الى الارض قليلا ....يأكل من ثمار الجنة ..حاولت ان اذيقه طين الارض السمراء ...."

-" والنتيجة ..؟"

-" طفل ..يجمع بين الفرعون وشعبه ....اليست فكرة عبقرية مولاتى ....اليست احدى تعليمات الاله أتون " ان احب شعبك وعش لشعبك ..وعش بشعبك ..."

-" إياك واللعب بالنار يا آش اور ...ثق انك لن تنال غرضك ...احذرك آش أور....

فات أوان الحذر مولاتى ...."إيديا حامل ..يا مولاتى ...."

رنت الكلمات فى اذن نفرتيتى وهى تسرع الخطا الى مركبها عائدة الى القصر الفرعونى .....

فى طريقها للعودة لم تدرى نفرتيتى كم مر عليها من الوقت ..لم تشعر الا وهى تهبط من المركب الملكى ...تغالب دموعها التى تجاهد ان تبقيها حبيسة المآقي..... خان إخناتون عهدهما معا ..خان حبا حفرته تقاسيم وجه كل منهما فى الآخر .....

كفر بآية اتون المقدسة " اى إله الكون آتون... اشهدك على حبى لمليكتى الجميلة.... ان لا احد يملك مفتاح قلبى سواها...ولا احد يأسر يداى سواها ...فاشهد على حبى باق ابديا كبقائك ....."

توجهت الى جناحها الملكى امرت الاتفتح الابواب عليها ..ارتمت على وسائدها المتناثرة وراحت دموعها تفر من محابسها.......

عند نزوع الشمس الى المغيب ...افاقت نفرتيتى من غفوتها التى امتدت ساعات ...كانت دموعها قد جفت ....تجمدت قسمات وجهها فصارت كالسماء التى تلبدت بالغيوم تنبئ عن إعصار قادم ...ليس كأى إعصار ...إعصار نفرتيتى .........

قبل ان تستيقظ شمس الصباح كانت نفرتيتى قد حزمت امرها تماما ....ارسلت احدى وصيفاتها الى بتاح توت ذابح القرابين و هى تعلم تماما انه قد هاجر من طيبة الى اخيتاتون عشقا لها ...

فى حين ارسلت اخرى لآش أور تخبره بمقدمها ثانية ......

-"لابد اننى من خاصة آتون المقربين إذ كتب لى ان ارى الجميلة نفرتيتى فى يومين متتالييين ....مالى اراك شاحبة الوجه مولاتى ..؟ اتدركين كم يزيد الشحوب وجهك سحرا وجاذبية ...؟"

-"دعنا نؤجل كلام الهوى الى حين يا كاهن أمون ....ولنعمل معا ...اريد رأس إيديا ...؟ و....سأتولى انا امر موت إخناتون.....!!!!"

أسقط فى يد آش أور .."نفرتيتى رفيقة كفاح إخناتون تسلمه هكذا ...لمجرد انه على علاقة بإمراة غيرها ..من آمنت به دون غيرها ..تركت كل شئ لأجل عشقها لإخناتون ..يالا النساء لا تأمن غدرهن ابدا ....."

-"اتعنين بذلك التخلص من إخناتون ومن إلهه أتون للأبد وعودة رب الارباب أمون رع ...؟

- "تماما ذالك ما أعنيه ...

"سوف تأتى بإيديا لتقابلك غدا وسوف احضر انا اللقاء دون ان ترانى هى.. لاتأكد بنفسى ان كانت قد وهبت نفسها للفرعون حبا فى الإله آتون ..ام انك من اوكلت إليها هذه المهمة ...!"

" وما الفرق مولاتى لقد ادت المهمة بنجاح ..."

" الفرق كبير ...إن كانت قد وهبت نفسها للفرعون حبا فى الإله آتون ..فهى تستحق حياة مقدسة ... لا الموت ..وان كنت انت من حددت لها المهمة فلابد ان تقتل ..... تحاول الملكة ان توحى اليه ان نصرة الاله اتون هى ما تريد ان تتأكد منه فى حين لا تتوارى عن قتل إخناتون إذا عشق غيرها ....

!فى المساء ...جاءت وصيفتها بذابح القرابين " بتاح توت" لمقابلة الملكة ، ما ان دخل جناحها حتى

ركع على قدميه تحية لها

كان " بتاح توت" شديد الشبه بإخناتون ببشرته السمراء لم يستدعى إفهامه المهمة المطلوب لها جهدا كبيرا

هى الان فى انتظار إخناتون ..ارسلت له فى سرية تامة ..قاطعت افكارها وقع خطواته فظهر بقامته المشرقة عند بداية بهو القصر ...كعادتها رحبت به ثم اخبرته انها تعد له مفاجأة ولا تدرى انت كانت ستسعده ام تحزنه فقط تريد ان يقف معها خلف تلك الستائر الغليظة ليرقبا معا ما سيحدث .....

رغم العجب الذى تملك إخناتون إلا انه انصاع لتلبية طلب نفرتيتى

وقت ليس بالطويل مر علي إخناتون وهو ينظر اليها غير مستوعبا ما يجرى حوله ولكنها المحت إليه بالصبر والانتظار ....

عندما اخبرتها الوصيفات بوصول آش أور ومعه إيديا .....طلبت من الملك الانتظار خلف الستائر ...

بادرت الكاهن عند دخوله القاعة وبصحبته الفتاة قائلة :

-" اهلا بكاهن أمون العظيم ......"

-"مولاتى لازال الوقت مبكرا لنفصح بإسم آمون العظيم ... "

-"أتخف وانت بصحبة الملكة.. آش أور ؟"

-"كيف اخاف وانا اعلم كم يحبك اهل اخيتاتون ؟ان ولاءهم لك مولاتى حتى الموت ..."

بصوت حاولت ان يكون مرحبا خاطبت الفتاة :

-" اهلا إيديا ....لعلك تتسألين عن سر ترحيبى بك الآن ....لقد ظننت قبلا انك عشيقة للفرعون ...لم أكن أعلم انك فى مهمة مقدسة ....عذرا إيديا ..."

-"حقا مولاتى ..رغم انها كانت ثقيلة و شاقة إلا ان قدسيتها ساعدتنى على التحمل ...فالملك ..كثير التأمل والملل ...يهذى بكلمات لا اكاد افهمها ...صعب التأثر بفتنة المرأة ...حقا كانت مهمة صعبة ولكن بركات أمون رافقتنى..."

لم تشك نفرتيتى لحظة ان الرسالة ..واضحة وجلية قد وصلت إخناتون وهو يستمع لإعترافات آش أور مع إيديا ..خلف الستار

هنا وجهت الحديث الى آش أور :

-" ألم يحن تنفيذ الوعد كاهننا المقدس ....؟"

تقدم آش أور نحو إيديا التى لم يدر بخلدها ان القضاء عليها هو وعد آش أور لنفرتيتى ..اقترب كثيرا ....وفى لحظة فاصلة اخرج خنجرا من حلته الكهنوتية المزخرفة ..وطعن إيديا طعنة نافذة ...وهى تنظر اليه فيما يشبه الذهول ..الذى تحول لصرخة الم مكتومة ..سقطت على إثرها على الارض ....وقد فارقت الحياة ......

-" جاء دور الوعد الملكى مولاتى ...." هكذا بادر آش أور بالحديث ....بينما كان مشهد إيديا الملقاة على الارض والدماء تسيل قد اثرت علاماته فى وجه الملكة ..لكنها سرعان ما تداركت نفسها ..لقد انجزت نصف المهمة بقى الشق الاصعب .....

نادت على وصيفاتها ليقمن بحمل الجثة بعيدا وليحضرن ...التابوت الملكى ..او هكذا اوحت لآش اور ..بأنها قد خدرت الملك ووضعته فى تابوتا ملكيا ...وسوف تسلمه اياه .....عندما حضرت الوصيفات يحملن التابوت ..تهللت ملامح آش أورخاصة عندما فتح التابوت والقى نظرته على الجسد الممدد بداخله ...والذى لم يكن سوى بتاح توت الشجاع .....!!!

اوصى الوصيفات بحمل التابوت للخارج حيث يوضع فى العربة المغطاة القابعة امام القصر ....اسرع آش أور فرحا بغنيمته ..لقد نال من إخناتون .....وعما قريب سينال من الهه أتون ..وينتصر لأمون وكهنته ....

خرج إخناتون من مخبأه خلف الستار ...بوجه غير الذى دخل به .....نظر طويلا الى نفرتيتى ....التى نظرت فى الاتجاه الاخر قائلة له :

" لقد مات اخناتون بالفعل مولاى الملك .... فرعونى العظيم .. قتلته إمرأة من عاهرات المعبد أمام عينيى....إخناتونى المقدس ..ذبحته غانية وسال دمه بين يدي ...... مات فى قلبى ...فى كيانى ....ماتت قدسيته فى روحى ..مات الايمان به عندما ....استسلم جسده للساقطات .....لست ادرى ايغفر له الاله أتون ...ام لا ..؟ اما انا فبشر لا املك الغفران ....ولا حتى استطيعه...! راحلة انا الآن ..الى اين ..لا تسأل .....ولا تحاول البحث عن مكان لى .. فلن يكون لى مكان ... بعد اليوم لن تجدنى ابدا .....

سارعت الخطا الى مركبها الصغير وقد حمل القليل من حاجياتها الخاصة استعداد للرحيل ..الى اين رحلت نفرتيتى ..وكم من السنوات عاشت بعدها ...وماذا فعل إخناتون بعد هجرتها من عالمه .....لا التاريخ ذكر لنا ..ولا اى من كتابه اوحى الينا .....