الخميس، 30 سبتمبر 2010

حفل المئوية .. الرواية الاولى للاديبة رضوى الاسود


0حفل المئوية .. الرواية الاولى للاديبة رضوى الاسود0





الاديبة رضوى الاسود



























عن بيت الياسمين بمصر صدرت الرواية الاولى للمبدعة رضوى الأسود تحت عنوان " حفل المئوية"
هذه الرواية ذات طابع خاص حيث تسبح الرواية فى بحار من المشاعر لفتيات ألقت بهن الحياة على شواطئ المعاناة، تطرح الرواية قصصهن من خلال أحداث تجسدها حميمية التفاصيل ودقتها، تتلاطم الأمواج عاليا الى أن تلقى بهن فى حفل المئوية التى تجمعهن جميعا بقصصهن المنفصلة،







عن بيت الياسمين بمصر صدرت الرواية الاولى للمبدعة رضوى الأسود
هذه الرواية ذات طابع خاص حيث تسبح الرواية فى بحار من المشاعر لفتيات ألقت بهن الحياة على شواطئ المعاناة، تطرح الرواية قصصهن من خلال أحداث تجسدها حميمية التفاصيل ودقتها، تتلاطم الأمواج عاليا الى أن تلقى بهن فى حفل المئوية التى تجمعهن جميعا بقصصهن المنفصلة، فهل سيلتقون ببعض أم بأنفسهن التى ضاعت منهن بعض تفاصيلها فى زحام الحياة ؟

رواية تستحق القراءة تحمل الكثير مما يجيش بصدورنا وتأبى أنفسنا المراوغة التقاطه وأحيانا مواجته
ولكن تطرحه رضوى الأسود بجرأة متناهية لشعورها بقدسية الكتابة وأمانة القلم وكما جاء على لسان احدى بطلاتها التى تسجل خواطرها:

أمارس فعلا فاضحا اسمه الكتابة
أفك أزرار الخجل
أخلع معطف القيود
اتجرد من كل ملابس الخوف الشتوية
وفوق فراش الورق الوثير
أطارح طيشى الغرام
أعتليه تارة، ويعتلينى تارة أخرى
فيتصبب منى عرق التفكير

فهذه الرواية هى خلاصة عرق تفكير رضوى الأسود بعد علاقة حميمة بالكتابة أمتلكت كل أدواتها وعرفت كل أسرارها فكان البوح احتفالا قائما بذاته فى حفل المئوية .






السبت، 25 سبتمبر 2010

صور قلعة سمعان .... سورية















ج
ج



ج


ج



ج

















ج





ج





ج





حكمت داوود الفنان التشكيلي يرسم على اللوحة وأنا ارسم على الجسد حاوره : سعيد محمود


0





جريدة تشرين دراما العدد4 الأحد

18

حكمت داوود الفنان التشكيلي يرسم على اللوحة وأنا ارسم على الجسد



حاوره : سعيد محمود

.........................



اقتحم أبواب دمشق الخمسة ، واقتحم أسوارها العالية ليقدم لنا أبهى الأزياء النسائية ضمن معرض حي تابعنه في السماء العربية وعلى الفضائيات منذ سنوات عديدة.DSC_0132.jpg

تجول بنا، ومعنا، ضمن أزقة دمشق القديمة ، لنشاهد الرجال بكل انتماءاتهم الاجتماعية بعد أن ساهم بأجمل التصاميم والإكسسوارات التي سهلت مهمة الممثلين و كرستهم كأيقونات في الذاكرة الشعبية.

مصمم الأزياء حكمت داوود، الفنان السوري الذي حصد الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة عن تصميمه لأزياء مسلسل (باب الحارة). يفتح لنا أبواب قلبه وعوالمه ومستودعات أزيائه ضمن اللقاء التالي:

  • · أبدعت في تصميم أزياء العديد من أعمال البيئة التي قدمت فيها – إذا صح التعبير – أزياء توثيقية ، كيف تمكنت من ذلك مع ندرة المراجع الخاصة بالأزياء الفلكلورية؟

في الحقيقة لقد طرحت السؤال والجواب في الوقت نفسه (يضحك) .

دائما أقول إن أعمال البيئة تأخذ الحيز الأكبر من مزاجي ومن اهتماماتي لأنها تقدم طريقة حياة، فالأزياء تعتبر انعكاساً مباشراً لثقافة المجتمع ، وعلى مستوى الدراما السورية قمنا بتقديم البيئة الشامية والحلبية والساحلية ، حيث غصت في طبيعة حياة أفراد كل بيئة والألوان والأزياء التي يفضلونها حسب المرحلة العمرية الخاصة بكل شخصية والمرحلة التاريخية التي يقاربها العمل.

في النهاية نحن لا نقدم نتاجاً توثيقياً بالمعنى الحرفي للكلمة ، بل نقدم الفن والدراما مع مراعاة الناحية التوثيقية قدر الإمكان لتقديم نوع من المصداقية .

  • · مسلسل باب الحارة ، صاحب الضجة الأكبر، والذي حصلت عن تصميم أزيائه على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة، حدثنا عن هذا العمل.

عندي مشوار خاص جداً مع مسلسل (باب الحارة) الذي صممت أزياء كل أجزائه.

هذا العمل صقل اهتماماتي بموضوع البيئة حيث خضت الكثير من الحوارات والنقاشات مع الأستاذ بسام الملا ، كما قدمت العديد من الاقتراحات التي لاقت القبول لديه، من ناحية أخرى لم يبخل علي ّ الأستاذ بسام الملا بملاحظاته التي وضعتني على الطريق الصحيح فيما يخص الجانب الدرامي لكل شخصية .

  • · بصفتك مصمم أزياء، كيف تتفق على الحالة الدرامية للشخصية مع المخرج بسام الملا؟

بداية أقرأ النص، ثم ارسم الشخصيات في مخيلتي، و ألتقي بالأستاذ بسام ضمن اجتماع خاص بالأزياء حيث أقترح عليه (الكروكيات) ونتناقش واسمع ملاحظاته التي تكون بالنهاية في مصلحتي وفي مصلحة العمل.

  • · ألا تتعارض آراؤكما في بعض الأحيان؟

الفنان التشكيلي يرسم على اللوحة وأنا أرسم على الجسد، هذه الدقة في الانجاز تزيدني يقيناً في عملي. خلال أربعة أجزاء من مسلسل باب الحارة لم أتعرض لانتقادات في مجال الأزياء مع التأكيد على استفادتي من نصائح المخرج.

  • · سعاد خانم ، ام حاتم ، شريفة زوجة العقيد وغيرهن من الشخصيات النسائية في باب الحارة ظهرن في أجزاء العمل وهن يرتدين أجمل الأثواب التي كانت من تصميمك، كيف أمكنك مقاربة هذه الأزياء النسائية الخاصة ببدايات القرن وهن نساء عاشوا خلف أسوار عالية؟

مثلما قلت ، تكمن الصعوبة في هذه الأعمال في وجود الأسوار العالية،ماذا يوجد خلف هذه الأسوار؟ ببساطة هنالك نبع عطر الياسمين الشامي الذي يتجسد في جمال وأنوثة المرأة الدمشقية التي كانت تهتم دائما بهندامها وزيها وتتميز بحرصها على منزلها وأولادها ضمن مملكتها الخاصة خلف الأسوار التي ذكرتها.

جنة المرأة في ذلك الوقت كانت منزلها حسب المصادر التاريخية. ونتيجة للتجارة بين دمشق ودول العالم، والصناعات النسيجية الموجودة فيها مثل البروكار والدامسكو توفرت في هذه المدينة أفخر وأرقى الأقمشة في العالم .و نساء دمشق استفدن من هذه الأقمشة كي يظهرن بأبهى حلة .

  • · كيف تعمل على تفاصيل الحالة الدرامية والاجتماعية من خلال الأزياء؟

في باب الحارة كان الوضع الاجتماعي متقاربا نوعا ما : زوجة الفران ، زوجة صاحب المقهى…، لكن مع ذلك لن ترتدي سعاد خانم ملابسا مثل النسوة الأخريات، يجب ان تغير ملابسها اكثر منهن ، هذا أمر يتبع لعدد المشاهد والحالة الاجتماعية والاقتصادية كما ان الحالة الدرامية تفرض أزياءها أيضا ففي مشاهد الحزن نلجأ إلى الألوان الداكنة .

  • · من الواضح أنك اعتمدت الألوان الداكنة في أزياء الجزء الرابع لمسلسل باب الحارة بأكمله…

الحالة الدرامية والحالة النفسية الخاصة بالشخصية تفرض علي الزي الذي اقوم بتصميمه. في الجزء الرابع كان هناك حصار من المشهد الأول ، هنالك جوع هناك تشتت أهل الحارة هناك شهداء…

لذلك اعتمدنا الألوان الداكنة كي نقارب الحالة أكثر وكي نقربها للمتلقي.

  • · هل تعاني أحيانا من رغبة بعض النجوم في تقديم انفسهم بأبهى حلة وهو امر قد يتعارض مع الحالة الدرامية او منطق الشخصية التي يؤديها النجم؟

دائما يرغب الممثل في ان يظهر بأبهى صورة وإذا سمحت لممثل أو نجم ما أن يختار ملابسه فأنا لست مصمم أزياء!

أنا المسؤول أمام الجمهور عن فشل أو نجاح الأزياء، لذلك أختارها بشيء من الدكتاتورية بعد نقاشي مع مخرج العمل

في بعض المسلسلات نجد شخصيات من فئات اجتماعية مختلفة وقد ارتدو أزياء متقاربة لأن الممثل يرتدي أزياءه كما يشاء في هذه الأعمال هذا خطأ لا يمكن أن يقع فيه مصمم أزياء يحترم نفسه.

  • · من الواضح انك أبدعت في تصميم أزياء الأعمال التاريخية وأعمال البيئة لأنها توفر لك حيزا اكبر في مجالك لكننا لاحظنا أيضا إبداعك في أعمال اجتماعية عصرية مثل ضيعة ضايعة ، إلى أي مدى تعتبر مساهمتك موجودة في تكوين (كاركترات ) هذا العمل ؟

عندما قرأت نص مسلسل ضيعة ضايعة وعرفت ان الفنانين باسم ياخور ونضال سيجري سيقومان بتأدية شخصيتي جودة وأسعد قمت من خلال الأزياء بتكريس فارق الطول بينهما ، ملابس جودة ضيقة عليه كي تزيده طولا أما اسعد فقد كانت ملابسه فضفاضة عليه لزيادة الهوة الشكلية والمفارقة بينهما.

هذه الفروقات تساهم في تعميق الكونتراست وتشكيل الكركترات .

  • · ما هو العمل لذي ترغب بتصميم ازياءه ولم يعرض عليك حتى الآن ؟

أتمنى تصميم أزياء تنتقل أحداثه بين كل محافظات سورية ضمن منطق أعمال البيئة والمراحل التاريخية التي تدور فيها أحداث العمل .

حبي الكبير لهذا البلد يدفعني إلى الحلم بتصميم أزياءه المتنوعة ضمن عمل واحد.

  • · نتيجة لتطوير الدراما السورية في السنوات الأخيرة أصبح الجمهور أكثر وعيا في مجال التعاطي مع صناع الدراما ، فالجمهور البسيط الذي كان يعرف الممثلين فقط فيما مضى أصبح الآن يتابع عملا ما لأنه من أخراج فلان وهذا الأمر ينطبق على الفنيين أيضا أي حالة النجومية كيف تعيش هذه الحالة في الشارع السوري والعربي؟

في الحقيقة حتى الآن لم نصل إلى هذا الحد من التعاطي الذي ذكرته بشكله الصحيح . بالطبع نحن الآن في زمن (الميديا) والاتصال السريع وأصبح الناس يعرفون طاقم العمل الفني ، نعم بدأت هذه الحالة لكن حقنا لا يزال مغبونا مع أننا صناع النجوم.

  • · خلال المؤتمر الصحفي الخاص بالجزء الرابع من مسلسل باب الحارة وجه الأستاذ بسام الملا تحية إلى الفنيين الذين اعتبرهم الصناع الحقيقيين للعمل ولم يذكر أسماء الممثلين النجوم ما رأيك بهذا الطرح الذي قدمه المخرج بسام الملا؟

هذا طرح ريادي ،لم يطرحه أي مخرج سوري من قبل، الأستاذ بسام الملا يطرح أسماءنا كشركائه الحقيقيين في العمل.

المخرجون يعون اننا صناع النجوم فأنا ألبس النجم أزياءه ليقف بعدها في ديكور فنان كبير مثل حسان ابو عياش على سبيل المثال ولتسلط عليه إضاءة مدير الإضاءة وتصوره عدسات مدير التصوير…

بالطبع كل ممثل لديه إبداعه وبصمته الخاصة، لكنني اعتبر بأننا مساهمون بما لا يقل عن 50 في المئة في مجال إظهار أي نجم .

  • · في مستودع الملابس الخاص بك نجد الكثير من الأزياء او الكثير من القوالب الخارجية لشخصيات احبها الجمهور، هل فكرت يوما ما بتأسيس معرض فني أو عرض ازياء مكرس لهذه الشخصيات؟

هذه فكرة جميلة أنت اقترحتها الآن واقتنعت أنا بها (يضحك)

المشروع غير مستبعد والكثير من أزياء المشاهير بيعت في مزادات علنية وهي محبوبة جدا لدى الناس.

  • · كلمة حرة للفنان حكمت داوود، إلى من توجهها؟

إلى تشرين المؤسسة العريقة التي أطلقت ملحقاً خاصا بالدراما ..شكراً


الاثنين، 20 سبتمبر 2010

الرسام التونسي عمار بن بالقاسم بقلم التونسية: جمان الامام






أنا وهو ومن بيننا يحل الفراغ واللاشي




بقلم: جمان الامام
..........


أنا وهو ومن بيننا يحل الفراغ واللاشيء .. كنت في السادسة عشر من عمري عندما رأيته لأول مرة . كان ذلك في المركز الثقافي بالحمامات ، وكنت برفقة أخي الرسام لحضور حفل إفتتاح معرض جماعي لرسامين تونسيين من ضمنهم أخي وعمار . تقدم نحونا بإبتسامته العريضة ونظراته الجسورة ، وقد كنت خجولة جدا من نظراته المتقدة تلك ... قال أخي باسما : هذا هو عمار ، عمار بن بالقاسم ، أصغر رسام في تونس
غير أنه قاطع شقيقي قائلا بصوت رقيق وواثق في آن واحد : أنا إسمي قمر ، أحلم دائما بان يناديني الناس قمر.
ولد عمار بن بالقاسم في 18 جوان 1979 بباريس من والدان تونسيان . وقد عاش عمار في باريس مع والديه وشقيقه التوأم حتى السن الخامسة ، عندما قرر والداه العودة إلى أرض الوطن تونس حتى يباشر الأبناء عمار وشقيقه المشوار الدراسي في تونس . في باريس ولد عمار وعشق برج إيفيل ورسمه مرات بطريقة طفولية ساذجة ، وفي مدينة الحمامات الساحلية ، الجميلة تعلم كيف يعشق الألوان وكيف ينتقيها .. في مدينة الحمامات الواقعة بالشمال الشرقي للجمهورية التونسية تعلم كيف يحب الحياة وكيف تمتلئ أحاسيسه الفتية بها ، ومن هنالك ، كيف يعبرعنها بطريقته الخاصة . يقول عمار دائما أن البهجة الخفية التي تسكن أسارير مدينة الحمامات وجمال أزقتها وسحر بحرها الفيروزي ،كل ذلك جعله يشعر منذطفولته برغبة في رسم النشوة التي تعتريه فكانت أول لوحة رسمها وهو في سنه العاشرة وعرض لوحاته لأول مرة في ورشته في الحمامات سنة 1993.
أمام لوحاته المسكونة بروح طفولية ، بريئة ، مرحة ، بقي المتفرج مذهولا ومحتارا أمام هذا النمط الفني الجديد ، المتحرر من العقد الأكاديمية المركبة ، فيقول عمار دائما بأنه يرسم ما يحس ويترك ريشته تسافر به إلى حيث لا يعلم ، المهم هو السفر مع الألوان والأشكال إلى اللانهاية . لم يبحث عمار عن تجسيد الحقيقة في لوحاته بقدر ما بحث عن تصوير الحلم أو الحياة المشتهاة ، أو الحياة كما يحلم بها . فكانت لوحاته كلها معبرة عن طبيعية خيالية مشرقة تنضح نورا وأشكالا وألوانا.
أتقن عمار تقنيات مختلفة في الرسم ، منها الرسم بالألوان الزيتية والأكريليك والحبر الصيني والألوان المائية ، وهو لا يريد التقيد بتقنية محددة . .
لقي عمار تشجيعا من الرسام التونسي القدير عبد الرزاق الساحلي وتابع رحلته الإبداعية وتعددت تجاربه وتكاثرت وشارك في العديد من المعارض داخل الوطن وخارجه وعرفت أعماله نجاحا باهرا منذ أول ظهور له على الساحة الفنية بتونس ، فتعددت معارضه بين الحمامات وباريس ، حيث توجد ورشته إلى الآن .
رحلة عمار بن بالقاسم مع النجاح كانت باهرة وخاطفة ، فعرض الفنان أو أمير الفن الصغير كما يحلو لي تسميته في شتى أصقاع الدنيا ، وإبتدأ المشوار من الحمامات سنة 1993 ، مروروا بموسكو في نفس تلك السنة ووبروكسيل وطوكيو وسيول والرباط والدار البيضاء وبيروت وواشنطن .. ولاقت أعماله إعجاب النقاد والفنانين بفرنسا والعديد من بلدان العالم ، فتم إختياره لإنجاز رسم جداري ضخم في المتحف المدني بطورينو بإيطالياوإختارت منظمة اليونيسكو العديد من أعماله لتدرجها ضمن مجموعتها الخاصة .كذلك كان النجاح حليف عمار ، وكذلك كانت إبتسامته العريضة ، البهية زلالية مثل صفاء بحر الحمامات وعذبة مثل عذوبة لوحاته ، غير أن الحياة أحست أنها ليست جديرة به ، أو كأنها غارت منه ، فحرمتنا منه ، وحجبته عنا وإفتكت الوردة البيضاء من ذراعيه الهشتين ، فيالها من قسوة وياله من فراغ وياله من جنون غير أن عزائي الوحيد هو أن لوحاتك يا عمار هنا وفي كل مكان توجد فيه إبداعاتك الفنية الرائعة ...ومع لوحاتك ستتواجد أنت ، ومن الألوان المشرقة المطلة منها سنعرف أنه أنت وأنك هنا وأن الفنان يا صديقي لا يموت.

..............


لوحات الفنان عمار بن بالقاسم















































الجمعة، 17 سبتمبر 2010

جدرانٌ وأسئلة وفراشات .... شعر دكتورة ماجدة غضبان














د.ماجدة غضبان

جدرانٌ وأسئلة وفراشات

سؤالان

ما بداخل ِ الجدران ِ الأربعة

غيرُ الفصول ِالأربعة

النابتةِ أبداً في لِحى السراب؟

ما يفعل ُالجميع ُ

غيرَ ارتداءِ حلَّة ِالمكوث ِ

دونَ عناء ِالتجذّر ِ

في اليباب؟

جدرانٌ وقـَفْر

هل يُمكن ُللجدران ِ

أن تلقَّن َ لغة ًما؟

أو إنَّ نهداً يجرؤُ

على استمالة ِالأيدي؟

أو إنَّ أُنثى تقترفُ الاحتلام

بطريقة ٍ يجهلُها الذكورُ؟

أهناك َ بحر ٌأو نوارس

أو أنفاس ٌغيرُ لاهثة ٍ

بخوف ٍوشَبَق ٍ مكتوم؟

أو زهورٌ طافيةَ فوقَ الماء؟

أو طيورٌ بألوان ٍزاهية ٍ

وفراشات؟

أهناكَ هواءٌ لايخالطُـهُ زفير،

أو ما يكفي منه ُلأطالة ِأمَد ِالشهيق ِ؟

أتتحركُ الجدرانُ

أو ترسم ُ نفسَها على نفسِها

عارية ًمن المكوث؟

حلم ُامرأة

الكرة ُ الأرضيةُ

صغيرةٌ

تدورُ بين َنهديّ

تقترف ُالدَّعَة َ

وتنزح ُعن ميادين ِالحروب

تدورُ حول َالسـُرَّةِ

وتستنهضُ الحدائقَ فيها

والغيوم َالمُترَفة َبالمطر

المعطر

وبالفراشات ِالتي تصنع ُمن الرحيق ِ

أزهارا ًأكثرَ فتنة!

حلم ُفراشة

من ذا الذي يُعنى

بفراشة ٍكسيرة ِالأجنحة ِ

سـِوى عنكبوت َبالمرصاد ِ

وعشرات ٍمن خطوط ِالنمل ِالزاحفة ؟

من ذا الذي يـُعنى

برعشتـِها الأخيرة؟

أو بإستسلامِها ما قبل َالأخير؟

بألوانـِها قبل َأن تتدحرَج َ

من على سُفوح ِ الأجنحة ؟

باللحظات ِالتي كانتْ تحلم ُ

فيها بالتحليق ِ فوق َالغيومِ؟

أو بالتحليق ِفي الأيام ِالممطرة ؟

من ذا الذي تعنيه ُ

نظرتـَها الأخيرة َالى زرقة ِالسماء؟

إغتراب

الشاعرُ

بين َجدرانـِه ِالأربعة!

ينازل ُالفصول َالاربعة!

والليل َوالنهار

بقلمٍ وحزمة ِأوراق ٍ

يثمل ُبالقصائدِ

وبالعبير ِالمنبعث ِمن طيف ِأُنثاه

ويعانق ُبعد َحروب ٍطويلة

الوسادة َوالسرير!

الحلم أيضاً

من يجرؤُ على ارتداء ِأنوثتي

لتحل َّ مواسم ُالعشق ِ

والشبق ِ

والإرضاع

وتترجلُ الحروب ُ..عن مطاياها؟

من يجرؤُ أن يرتديَ

نهديّ

ليختبيءَ الكون ُبينـَهـُما

مَشُوبا ًبالهدوء؟

قصيدة ٌذكورية

حبيبتي

ساقان ِمن لُجين

وفخذان ِمن حنين

وبطن ٌمن عاج ٍ

ونهدان ِيضاهيان ِالقمرَ

استدارة ًوابتهاج

ونحرٌ يليق ُ باللآليء

المستكينة ِفي المحارِ

تنتظرُ إنتزاعي لها

حبيبتي

أشجارٌ كثيفة ٌ

وثمارٌ دانية ُالقطوف ِ

تصنع ُالفردوس َ من قبلة ٍ

والشلالات ِمن دموع ٍوضياء

وبروقاً تعلن ُعن قدومـِها

حبيبتي!

اغتراب ٌأيضاً

هل ثـَمـّتَ إنتحار ٌواحدٌ

بين َالجدران؟

أو نضال ٌمستميتٌ

لإحداث ِثقب ٍجسيم ٍ

يدخل ُ مِنه ُجسد ُالنهر ؟!...

أو خليج ٌ يُعانـِق ُبحراً

أو صَدْع ٍربـَّما في السقف

تَمدُّ خلالـَه السماء أناملها

الزرقاء؟!..

أو نجمة ٌواحدة ٌ تضيءُ

العراء!

أو قمرٌ لا يشبهُ

بإستدارتـِه ِنهد َإمرأة؟

الحرب

راجفة ً

يا أجنحةَ الفراشة ِالسمراء

كأنـَّك ِما كنت ِخضراء

أوزرقاء

أو صفراء

أو قوسَ قزح ٍ

يلوّن ُالحدائق َ

راجفة ً

حائرة ً!

كالسبايا بعدَ حرب

................

.................

الحربُ التي تجهلين

خارج َالإخضرار ِ

والإزرقاق ِ

والإصفرار ِ

خارج َ كل ِّالالوان !

ثورة

أيـُّها النهد ُ

تمزّقْ وتشظَّ !

وكن ْ عاريا ً

من براثن َ تُدحرِجُكَ

على سفوح ِاللذة

كن ْمرتفعا ً حتى القمم

وليكنْ تاج ُحَلَمَتِكَ

قوسَ َقزح

كن ْشفافا ً

كزهرية ٍبداخلِها

قلب ٌيتلوى

نابضا ً جروحَه ُ

بلا جدوى!

الإغتراب ُالثلاثيّ الأبعاد

الشاعرُ المصفَّدُ

ببدلتِه ِالعسكرية

مزَّق َفجأة ً

جدرانَه الأربع !

إحتمى من طيش ِالنِبال ِ

والقـِوّاد ِ

بنهديها..... ربما!

أو بقصيدة ٍسارعتْ

الى الإختباء ِ

بينَ خصلات ِشعرِها

أو بأهداب ِعينيها

أو ...ربما...بكل ِّمافيهِ

وبكلِّ ما فيها .. !

ثورة ٌايضا ً

كوني ..

غيرَ الفراشة ِالكسيرة

وغيرَ النهود ِالعابقة ِ

بالعطور!

غيرَ البطون ِالتي يتوسدُها

الذكور!

وغيرَ الأرداف ِالمحصورة ِ

بينَ قوسين!

وغيرَ السَبيـَّة ِالمبتذلة ِ

على أسلاك ِالعنكبوت!

جدران ٌوعشق

ما بداخل ِالجدران ِالأربعة

غيرُ الفصول ِالأربعةِ

والعيون ِالمنزلقة ِعلى بعض ٍ

والشفاه ِالمطبقة ِعلى بعض ٍ

والأصابع ِالعشرين؟!






السبت، 11 سبتمبر 2010

تاكســــي قصة قصيرة للاديب التونسى/ ابراهيم درغوثي






تاكســــي

قصة قصيرة



بقلم الاديب التونسى/ ابراهيم درغوثي



وأنا اقترب من بحر « حلق الوادي » رأيت الشّمس تطلع من وسط الماء. شمس حمراء وكبيرة. نورها باهت لا يؤذي العين. حدّقت فيها مدّة. رأيتها تنفض عنها الماء العالق بها من كلّ الاتجاهات وتنتفض لترتفع رويدا رويدا في الفضاء ككرة من لهب.

شققت بسرعة كبيرة الطريق الرّاقدة فوق بحيرة «تونس» وأنا أطرد النّعاس عن أجفاني وأشعل سيجارتي الأولى.

واشتعلت في وجهي أضواء الشّوارع:

الأحمر.

والأخضر.

والبرتقالي.

وداس أصحاب السيّارات على الفرامل فدُست على فرامل سيّارتي بعنف. وأزّت العجلات فبدأت ألعن.

وتحرّر جسمي من سلطان النّوم.

***

شوارع المدينة مازالت خالية.

وشرطي المرور يحرّك يديْه في كلّ الإتجاهات.

والعربات تمرق من أمامه دون أن تلتفت إلى إشاراته. تحرّكت أقطع هذه الشوارع جيئة وذهابا ولم أتلقّ نداء الرّكاب. مررت من شارع «بورقيبة» فباب « الجزيرة » فباب « الجديد » فبـــاب « بنات ».

خبطتني روائح نفّاذة :

رائحة ماء الرّجال المسكوب عند ملتقى الأفخاذ.

وفُساء أطفال صغار.

وضراط العجائز وهنّ يغتسلن قبل مقابلة الرّب.

كانت الروائح تزداد حدّة كلّما توغلت أكثر في شوارع المدينة العتيقة.

ثمّ فجأة يقرع النّداء سمعي:

- تاكسي...

تاكسي ...

أضغط على الفرامل ببطء .

يجري كهل باتجاه السيّارة

يسبقه شاب فيفتح الباب ويرتمي على الكرسي الخلفي ويصيح :

- باب الخضراء ! « ياسيّد! »

أستمع إلى لعنات الكهل فلا أحفل بها.

ويزمجر المحرّك من جديد.

***

الحياة بدأت تدبّ في المدينة الخارجة لتوّها من سباتها.

نساء بجوارب مشدودة بعنف على ربلات السّيقان المكتنزة ينزلن من العمارات الكئيبة.

رجال يهرولون باتجاه محطّات الحافلات.

أطفال المدارس في كلّ مكان .

و...تاكسي نهج الباشا.

تاكسي ...باب سعدون

تاكسي ...منّـوبــة

تاكسي ...مونفلوري.

تاكسي ...أريانة

تاكسي ...ولا أتوقّف فهذا العجوز سيجعلني ألعن ككافر قبل أن يركب وأسبّ كلّ شياطين العالم حين هبوطه من السيّارة.

تاكسي ... مستشفى عزيزة عثمانة.

تاكسي ...Place Pasteur s’il vous plait monsieur

وتعاكسني الشمس. تنعكس أشعّتها على واجهات المغازات فأضع نظّارتي وأتفرّج على العالم بالأسود والأبيض...

تاكسي ...مقبرة الزلاّج. وتفتح باب السيارة الأمامي وتجلس بجانبي. شابة جميلة. تحمل بين يديها باقة أزهار.

البنت تحضن الباقة والباقة كبيرة. أزهارها رائعة وفوّاحة.

البنت تدسّ الباقة في صدرها وتضغطها فوق النّهدين.

النهدان يصرخان من شدّة الضّغط.

وأنا أراقب البنت. وجهها لا يوحي بشيء.

أحاول البحث عن الحزن في قسماته فلا أجده.

أشغّل مسجّل السيّارة. يقرأ عبد الباسط عبد الصمد من قصار السّور. الفاتحة والفلق والنّاس والكوثر و« يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي».

يقرأ آيات من سورة البقرة ، من سورة يـس، من الحاقة، من الرّحمان ، والبنت لا تلتفت إلى ترتيل المقرئ .تواصل ضغط باقة الزهور بين نهديها ومراقبة المارّة على جانبي الطّريق.

أدخل باب الجبّانة.

تستقبلني رائحة الموت والفناء ويهزّني الخوف.

أتلهى بعدّ أشجار السّرو النائمة في كلّ مكان.

وتضع البنت في يدي ورقة نقدية ذات عشرة دنانير وتطلب منّي أن أترقّبها عشر دقائق فيرتفع ترتيل المقرئ وتحطّ الآيات على شواهد القبور.

تخفق أجنحة الطيور النائمة على الأشجار القريبة وتتململ أشجار الزّيتون.

وتمرّ الدّقائق ولا تعود البنت .

أترقبها دقيقة أخرى .

يمرّ من أمامي أسراب من زوّار الجبّانة.

نساء ملتحفات.

بنات كالزّهور البريّة.

كهلة تمسك طفلة تلبس ثيابا سوداء.

الكهلة تمسح دموعها والطفلة تغنّي : مَامَا زَمَنْهَا جَيَّة! وتصل الشّابة تفتح من جديد باب السيّارة وتجلس بجانبي.

تُخرج من حقيبة يدها علبة وفرشاة وأحمر شفاه.

ترتّب زينتها من جديد. تضع قليلا من الأحمر الباهت على شفتيها وتمرّر الفرشاة برفق على وجنتيها وتهمس:

- شارع باريس من فضلك.

أشغّل المحرّك وألمس دوّاسة البنزين برفق فتتحرك السيّارة وتمرق قريبا من شواهد القبور.

أجتاز جسر« باب عليوة » فتتساقط النّداءات على السيّارة من كلّ الاتجاهات.

- تاكسي...

-تاكسي ...

والشوارع المتخمة بالمارّين أصبحت الآن لا تطاق.

روائح البنزين المحروق تخنق الأنفاس. وصهد الإسفلت يكوي الوجوه.

وأصل شارع باريس فتدفع البنت وتنزل.

أقول :بقي لك ديناران!فلا تردّ على ندائي.

وتتّجه مزهوّة بفستانها القصير الذي يكشف عن لحم كالآبنوس صوب مغازة « النّجم السّاطع » .

ولا تلتفت.

***

عند منتصف النهار، يشتد الزّحام ويدخل الحلبة أطفال يعملون بالوكالة.

يجري أحدهم كالرّيح العاصف بجانب السيّارة. يضع يده على مقبض باب التّاكسي ويجري معه إلى أن يتوقّف.

يشير إلى من اكترى خدماته أن تعال.

يصل شيخ مكدود أو امرأة أنيقة تدقّ الأرض بكعبها العالي. يقبض الطفل أجرته.

يتفحّصها بنظرة واحدة ويضعها في جيبه.

وإلى سيّارة أخرى...

يندفع سريعا ولا يتوقّف

مرّة دهسْت أحدهم. صدَمته مقدّمة السيّارة فسقط أمام العجلة الأولى التي طحنت صدره.

نزلت ألعن وأسبّ العالم.

رأيت في عينيه الغائمتين بساتين خضراء تذبل وأزهار تذوي وينابيع ماء تغوص في تخوم الأرض.

أَسْلَمَ الرّوح أمام باب المستشفى وبقيت شهرا بدون عمل ثمّ عدت من جديد إلى صخب المدينة.

***

تاكسي...

تاكسي ...

وأمر ولا أقف .

صرت أتفادى العجائز والشيوخ في هذه الزحمة اللعينة .

أقف عند إشارة المرور فتنادي شابة هيفاء :

  • تاكسي ...

وتقتحم السيارة وتهتف :

- العمران الأعلى من فضلك .

ويغزو عطرها أعصابي. يدمرني تدميرا لذيذا .

أمر وسط غابة البلفدير فأتذكر وعدي للأطفال بزيارة حديقة الحيوانات . وعدتهم بالزيارة منذ أكثر من ثلاثة أشهر . ولم أف بالوعد .

وتخطر ببالي البنت الصغيرة وهي تقلد حركات القرد. والولد الذي لا يكف عن الحديث عن الأسد . يرتمي في حضني ويدفعني إلى الأرض ويزمجر كأنه في الغابة العذراء ثم يرميني بأعواد "الكاكي" التي كان ينوي دسها في حوض السمك .

وتتنهد أمه محتجة :

-كم اشتقت إلى جلسة في المقهى المقابل لبركة الإوز .

وتذهب لتنام في فراش البنت .

وتدخل هبة نسيم من النافذة المفتوحة فتحرك من جديد العطر الذي ما انفك يقتلني .

ويهبط دوار خفيف إلى رأسي فتهرب مني السيارة ولا أقدر على ردها إلى الرشد إلا بمشقة .

وأرفع صوت الراديو ، فتشير الشابة إلى بناية ذات طابقين وحديقة جميلة . وتدفع دون أن تلتفت إلى العداد . فأحييها بضربة "كلاكسون" وأعود إلى حمى الشارع .

و تاكسي ...

تاكسي ...

***

حين امتدت الخطوط الحديدية تقسم شوارع المدينة إلى شطرين ظننت أن رزق العيال قد ضاع وأن "الميترو" لن يترك لنا قضمة خبز . لكن رحمة ربك كبيرة . جاء الزبائن من كل مكان :

من تطاوين وتوزر .

من غار الدماء وسليانة .

من سيدي بوزيد وقبلي .

من مساكن والهوارية .

كانوا يسألون عن مستشفى الأمراض الصدرية ، وجامعة تونس الأولى ، ومارستان المجانين ، ووزارة العدل ، والجامعة الوطنية لكرة القدم ، والديوانة التونسية ، ومطار تونس قرطاج الدولي ، وملعب المنزة .

والسماء السابعة .

وكانوا يبحثون عن الدواء الشافي من الأمراض السرطانية الخبيثة ، وعن ربح قضية في محكمة التعقيب .

وعن زوج هرب ولم يعد .

وعن ابن ضال .

وعن نجاح في البروموسبور .

وعن بركة سيدي محرز.

وعن جنة الخلد التي وعد الله بها المتقين .

وعن ... نسيت عن ماذا ...

عن كل شيء ... وعن لا شيء ...

هبط هذا الطوفان الرحيم علينا من السماء .

جاءوا بخبثهم وطيبتهم .

بفقرهم ودراهمهم .

بفطنتهم وسذاجتهم .

بحقائبهم الجلدية الثمينة وبقفاف سعف النخيل .

وحطوا الرحال على جنبات الطرق .

ماكانوا يعرفون توقيت الميترو ولا محطات الحافلات التي تأتي ولا تأتي . فالتفتوا إلى سيارات التاكسي وأهملوا البقية .

صرت لا أجد وقتا للغداء .ولا أعود إلى البت إلا متأخرا . فتحدثني البنت عن القردة . ويقلد الولد أصوات الغابة . وتضع الزوجة عشائي على الطاولة متأففة . فأمضغ العشاء في تكاسل . وأغتصبها . وأنام حتى الفجر .

***

و...تاكسي

يأتي الصّوت مسْترحما ، مسْتغيثا ، مسْتعطفا.

يأتي الصّوت آمرا، زاجرا.

يأتي الصوت لطيفا ، حنونا .

يأتي الصّوت جهوريا ، غليظا ، فيه عجرفة وغطْرسة .

يأتي الصّوت منغّما كهتاف الملائكة.

يأتي الصّوت قاصفا كالرّعد.

يأتي الصّوت كهسيس الماء.

فأختار زبائني من خلال أصواتهم. أفرمل بغتة إذا هزّني النّداء الحنون. وأعود بالسيّارة إلى الوراء مسافات طويلة إذا أحسست بسحر الصّوت وأفرّ كمن تجري وراءه كلاب جهنّم إذا أفزعني زعيق المنادي.

أواصل الدّوران من ساعة السّاعات الأربعة التي آوت في أيّامها الأولى حصانا وفارسا من البرونز إلى السّاحة التي يقف فيها رجل يضع على كتفيه برنسا علاه الصدّأ ويفتح بين يديه كتابا لم يعد يقرأ فيه أحد.

بدّل الجميع الكتاب بالهمبورغر وكؤوس العصير وأفلام عادل إمام وهمّام في أميستردام و...

تاكسي...

تاكسي...

***

وتسقط الشّمس في البحر .

شمس حمراء وذابلة .

شمس تتدلّى من السّماء بخيوط لامرئية تشدّها شدّا فتتملّص من القبضة الحديدية وتغوص رويدا رويدا في الماء الذّي صار بلون الذّهب المذاب.

فأهرب من زبائني وأعود إلى الموعد الذي قطعته لزوجتي منذ ثلاثة أشهر.

أضْربُ بحيرة تونس بعصايا فتنفلق إلى شطرين ويمتدّ فوقها جسر كثعبان خرافي.

تمرّ السيّارة فوق الجسر خفيفة تكاد تطير. وأقرأ الفرحة في عيني زوجتي ساعة الوصول .

الليلة سنتعشى على حافة البحر.

سنأكل السّمك المشويّ.

وسأشرب البيرّة.

ولن تنام زوجتي في فراش البنت هذه الليلة.

و...تاكسي...

تاكسي...

قلت: ثمن « حارّة بيرّة »

وفرملت.

جلس الأوّل ورائي.كان ودودا. وجهه وجه مخنّث وابتسامته تغري الطّامعين. وجلس صاحبه بجانبي. كان يمضغ «الشوينغوم» وكان قرطا ذهبيا يتدلّى من شحمة أذنه اليسرى.

قال الجالس ورائي:

- روّاد من فضلك ياسيدي!

وصَمَتَ ، فشغّلت مسجّل السيّارة ورحت أدندن مع مطربة خليجية لحنا راقصا وأنظر بين الحين والحين في المرآة العاكسة. إلى أن بلغنا الغابة فخفّفت من السّرعة في المنعرجات الخطرة المكسوّة بالأشجار من الجانبين.

لم أنتبه لحركة الشّاب الجالس ورائي لكنّني أحسست بوخزة في جنبي.

شيء حاد ينغرس في خاصرتي ويؤلمني.

حين التفتّ إليه طلب منّي أن أركن السيّارة خارج الطّريق المعبّدة وأن أمكّنه من الدّراهم الموجودة في الصّندوق.

حاولت الإفلات من وخزة السكين وطلب النجدة إلا أن خبطة على صدغي شلت حركتي .

ورأيت حبلا يطوق عنقي ويربطني بالكرسي .

وبدأ الضغط يسرق مني الأنفاس .

في العتمة ، رأيت السيارات تمر في الإتجاهين ، مسرعة هادرة .

ورأيت الأضواء تلمع وتنطفىء .

لكن أحدا لم يلتفت لما يجري على جانب الطريق.

وكنت على وشك تسليم الروح ...

تاكسي ...

تاكسي ...

dargouthibahi@yahoo.fr

www.arab-ewriters.com/darghothi/